عبدالرحيم لمساقي - مايسترو الجبل -1-

موح أو مايسترو الجبل كما كان يلقبه من علموا بوجوده على قلتهم، وجد ضالته منذ زمن بعيد في منأى عن البشر قريبا من القمة وسط غابة من الأرز استطاع أن يبني فيها كوخا خشبيا متواريا خلف اللبلاب، لا طريق واضح يوصلك إليه مالم تكن خبيرا بالمسالك المعلقة على شفير الهاوية، لا أحد يذهب هناك، فحاجات الناس لم تبلغ من قبل تلك القمة و هذا ما جعل موح سيد الجبل يعرف حجارته و أشجاره، يعرف مواطنيه من ذئاب و ثعالب و خنازير برية و طيور، يعرف جحور الأفاعي و بيوت النحل و منابع الماء، كثيرا ما كان يغمض عينيه و هو جالس على كرسيه الخشبي أمام الكوخ في ساعات متأخرة من الليل ينصت لأحاديث الجبل و تلك الأصوات التي لا يمكننا أبدا سماعها وسط ضجيج المدن، الصوت المكتوم الذي لا يمكن سماعه الا في آخر الليل حين تتعب و تتلاشى تلك الأصوات الطاغية و يتناهى إلى موح صوت تلك الحشرات الضعيفة التي لا نعثر عليها حين تضيء الشمس، تلك اصوات الجبل لا شيء يشغل موح عن الإنصات لأزيز المخلوقات الضعيفة، و لا شك أنه فكر مرارا في عدد النحل و النمل و الصراصير و الخنافس و الديدان و الأعشاب البرية و غيرهم ممن يشاركونه هذا الجبل، و أصوات كثيرة أخرى لم تسمع، كان موح أحيانا يغمض عينيه و يفتح فاه كي لا يشوش التقاء أسنانه سمعه و يبقى على ذاك الحال مدة من الزمن كان يقول أن الأصوات تخبره مكان الغرباء إذا ما صعدو الجبل، فالغرباء لا يستوعبون كيف يحدث وجودهم نشازا في سيمفونيته الليلية، هذا مما لم يدركوه عن ذاك الكهل الأمازيغي الذي ترك العشيرة و اعتصم بالجبل، موح عاش حياة زاخرة قبل أن يختار حياة العزلة هذا إن تحققت العزلة أما ما عليه الأمر فلربما يمكن القول انه اختار رقعته و اختار موقعه، هل كان له أن يختار أو لم يكن له خيار فهذه مسائل لا يمكننا معرفتها بالتخمين و لا حتى بالسؤال لكن هناك أشياء تحدث تغيرنا للأبد، موح لم يكن وحيدا كانت معه الكثير من الذكريات و طفلة قد أتمت عقدها الأول، علمها كيف تجد طريقها وسط الجبل لكن لم تختبر قدراتها من قبل، علمها الكتابة و القراءة و نصب الفخاخ و طرق الإختباء و اختار لها من الأسماء يطو، كان الجبل كريما لذا لم تكن هناك الكثير من الهموم في قلب يطو سوى شوق حزين لأمها التي توفيت بعد ولادتها و لم تحتفظ الذاكرة لها بصورة، كان قبرها في أعلى نقطة من الجبل حيت تكون قريبة من السماء دون أن تفوتها مراقبة الأرض لتبقى روحها في أركان الكوخ تحمي صغيرتها هكذا كان يقول موح دائما لابنته حين يزوران قبرها، لم يكن ليطو تطلع لحياة أخرى أو لأي شيء آخر فهي لم تعرف من الحياة الا ما عاشته في الجبل و الأزليات التي كان يرويها والدها في الليالي الطويلة حين تتمدد على الأريكة الوحيدة و تضع رأسها على فخده يداعب خصلة من شعرها بأصابعه و يحكي بهدوء يسحبها إلى تفاصيل الحكاية لترسخ في الذاكرة، و في حياة العزلة يكون الكثير ليروى و ننتبه أكثر للحياة من حولنا كي لا نكون الكسر الذي يقوض دورة الحياة، هذا التناغم الذي بلغه موح مع أصوات الجبل جعله المايسترو الذي يلتقط النوتات الدخيلة ليعيد للسيمفونية صفاءها، في الليالي التي يحدث فيها هذا يحمل منجله و المعول و يغيب في الظلام ثم يرجع قبل طلوع الفجر، هذا حاله لسنوات حين فطنت يطو للأمر سألته لمرة وحيدة عما سيحدث لو فسد اللحن، أجابها تغيب العصافير و يتوقف الغناء و لا أريد أن يتوقف الغناء.
حدث مرة أن تأخر موح عن العودة، تأخر كثيرا و هو الذي لم يجده الفجر خارج الكوخ من قبل، كانت يطو تحاول الإنشغال عوض الإنتظار أمام الباب لا تستطيع النوم قبل عودته و لم تقلق لأجله فهي لا تعرف معنى أن يحدث شر لبطل الأزليات الذي تخيلته دائما أنه والدها و رغم ذلك استطاع الخوف و لأول مرة أن يلمس ظهرها حين أشرقت الشمس و لم يعد و لم تغني العصافير كما تفعل دائما، أحست بأنفاسها تتسارع و مشاهد الضيق الذي يقع فيه أبطال الأزليات تتكرر في تسارع داخل رأسها، لملمت قواها و خرجت مسرعة عبر الممر السري في اتجاه القمة حيث القبر و حيث يمكنها أن تجد ما يدل على مكان والدها، رأته من بعيد يستخدم المعول و كأنه يملأ حفرة بالتراب، ضلت تراقبه ما ان انتهى و أقفل راجعا حتى بدأت العصافير بالغناء، ابتسمت و تأكدت أنه فعلا يعيد ضبط اللحن ليستمر الغناء،
عاد موح ليجد يطو جالسة على كرسيه الخشبي أمام البيت، استقبلته بابتسامة كأن شيئا لم يحدث، ابتسم لها الكهل و علامات الإجهاد بادية عليه، قال و هو يهم بدخول الكوخ يبدو أننا فوتنا حكاية الليلة، لم تجبه، ضمت رجليها لصدرها فوق الكرسي و وضعت رأسها على ركبتيها، شردت قليلا ثم قالت ما رأيك أن أحكي لك اليوم حكاية بينما تضع رأسك على رجلي لتنام، أجابها الكهل و هو يفتش بيده داخل سلة على الرف عن شيء يأكله، أنا موافق فقط إن لم تكوني ستردين لي حكاياتي.
يطو : أظن أنها حكاية لم تسمع بها من قبل.
موح : من أين سمعت بها إذن.
يطو : أخبرتني إياها شجرة الخروب الوحيدة التي تظل أمي
موح : و ماذا أخبرتك أيضا
يطو : سأخبرك لاحقا حين تريد أن تنام.
بعد لحظات دخلت يطو الكوخ لتجده ممددا على الأريكة، رفعت رأسه و دست رجليها قليلا تحته لتصنع له منهما وسادة له، و أخذت تداعب بأصابعها الصغيرة شعر رأسه الذي خالطه البياض، كان يا مكان في بلاد بعيدة في غابر الأزمان، ثلاث إخوة فقسوا من بيضة سقطت من السماء، أولهم بكر لم يكبر و ألثاني ناسك و الآخر سكير، أما الأول فعلا لم يكبر و كأن الزمن توقف عنده في العاشرة من عمره أو أقل، صبي بالمطلق رغم أنه البكر، كان مجنونا لا عقل له، يقول كلاما غريبا و يفعل اشياء غريبة، يبدو أن الحزن و الندم لم يعرفا طريقا لقلبه أبدا، مهما يكن الذين يجتمع بهم يفتتح كلامه بعبارة نحن الأطفال، مما يجعل الشيوخ ينظرون له باستغراب و كأنهم يتساءلون إن كان يدخلهم في قوله نحن الأطفال و هذا يجعل أغلبهم يبتعدون عنه و يتجنبونه، فالكرامة لا تسمح لهم أن يكونو أطفالا، لا تسمح بالغناء و لعب الغميضة، لا تسمح بالقفز و الصراخ عند الفرح، كرامة الكبار تفتقر إلى البراءة، لا تتبع صوت الغناء مشتعلة بالمرح، تتبع همس الظلال في الأذن الأخرى، تتبعه بعيدا في صحاري الرماد، و هذا ما لم يدركوه عن ذاك البكر الصغير الذي كان يعانق الأشجار و يناديها بأمي، و حين يغرس شجرة ينظر إليها طويلا يمرر أصابعه على أوراقها ينحني عليها و يهمس لها، أليس الأمر مثاليا، أنا الآن والدك و أنت أمي، الأمهات في كل مكان كما الله و حين يجد شجرة مفصولة عن جذورها يقطع فروعها و يصنع منها شتائل عدة و يعيد غرسها و يخاطبها أيتها الأم أنا الآن والدك إذا سقطت مرة فحاولي مجددا و بطرق عدة، اركبي أرجوحة فالحياة حيث الغناء و المرح، أحيانا يعانق حمارا مربوطا إلى عربة، يمسح على رأسه و يهمس في أذنه، يا صديقي أنا أفهم معنى قولهم أنك ترى الشياطين و لا تستطيع أن ترى الملائكة، الصبي الذي لم يكبر كان مجنونا فعلا، يستلقي أحيانا على العشب و يضع يده خلف رأسه و يشير بالأخرى نحو السماء و كأنه يرسم في الفراغ بسبابته و يبتسم كالأبله لوحده، حين يطيل النظر ينزل يده و يدخلها هي الأخرى تحت رأسه، يثني رجله اليمنى واضعا فوقها رجله اليسرى و يتأمل النجوم، يطلق على بعضها أسماء و يبادلها أحاديث مرتجلة، يخبرها أحيانا أن تستمتع بالرحلة و يذكرها بقول و كأنه شعار؛ نحن المسافرون بسرعة الضوء لا نكبر أبدا و لا تبقى مواقعنا بلا أمل. كان السكير وضيعا، لا يفكر مرتين فيما يفعله جريئا إلى حد يجعل الجميع يتجنبه أيضا، يشرب الدخان أكثر مما يستنشق من الهواء، يصرخ دائما و يملك نصف الأجوبة و أحيانا لا يقدمها أبدا مهما كان الأمر ضروريا، يصرخ دائما بالشتائم و يرمي نفسه في صراعات تسبب له الكثير من الألم، في آخر الليل ينزوي في ركن مظلم يلعق جراحة ككلب ضال ثم لا ينام، إذا ما كنت تملك سمعا مرهفا ستسمع أنينه الذي يحاول كتمانه، و كأنه بذاك يبلد إحساس ذاكرة تحترق، هو ليس شريرا حين يلقي بنفسه في الشر، هو فقط رجل فقد أصدقاءه ففقد الأمل و سقط عليه سقف توقعاته فبدأت ذاكرته في الإحتراق، خوفه من التقدم في العمر وحيدا أخذه في رحلة حج إلى قمة مخاوفه استعاد إيمانه و قفز به من الجهة الأخرى للجبل، هذا السكير استعاد إيمانه و تخلص من كل المخاوف لكنه فقط حزين على تلك الأشياء التي دفعته إلى هذا الحج، لا مسارات مرسومة و لا طريق للعودة، لا تنتظر، لا يسعك ان تدرك كيف وصلت حيث وصلت و تتخلى عنك شجاعة الإلتفات، صعود لا يختلف عن السقوط في شيء، لتنجو لا سبيل الا ان تستعيد إيمانك، ليس سهلا أن تتمسك بحجرة ناتئة آمنت بك فمدت يدها متجاهلا كل الأسئلة، هل سأبقى معلقا؟ هل سأدوسها و أمر؟ هل أطلقها و أسقط؟، المتعب يتسلق المخاوف، تنهكه الآلام و الأسئلة و تلك الحجارة التي تتفتت حين يلقي بكله عليها ليسقط من جديد إلى أن تتلقفه يد أخرى، حجارة أخرى، هذا الحج لا ينتهي أبدا ما لم تكن الأرض أما لك بطريقة ما، لذلك فهذا السكير ليس شريرا لأنه لا يؤدي إلا نفسه. أما الناسك الذي يبدو جدهم الحكيم فلن تصدق أنه ولد بالأمس فقط، لم يعجبه العالم فانتقد الأم، أزاح حكمتها و ارتدى قميصها ملطخا بدم، يقول السائرون على حكمته أنها دماء قرابين لتنير طريق الحكمة و طال العهد، كان الناسك يبدو منتشيا حين بكوا من الهلع بعد أن صاح فيهم إن لم تتبعوا حكمتي ستتحولون إلى كومة من الرمال وسط هذه الصحراء الخالية من الحكمة، هنا كان يتدخل البكر الذي لم يكبر و يقول لو لم تتلطخ بالدماء،

لو لم تتلطخ بالدماء، على أي الأم أحيانا صحراء تستعيد كومة رمال تعلمها من الحكمة كيف تمسك عنان الريح و تسافر و تستمتع بالرحلة بجموح و لا تهدأ، يدخل السكير يترنح يقول للناسك انزل قليلا عن عرش الحكمة، و لنقصد حانة نشرب نخب البكر الذي لم يكبر و بعدها نقصد ماخورا نبحث على بقايا حكمة الأم هناك في الزقاق المظلمة، هيه تحرك من عندك و رافقني لم أنت هادئ لا تتحرك، هل أنت ميت؟ انزل قليلا لنلعب الغميضة مع هذا البكر الذي لم يكبر فهو لا يشعر بالوحدة و الفقد، انزل من عندك أيها العجوز فما نفقده و نبحث عنه في حوزته، ضع وقارك أيها الناسك و لأضع كرامتي و لنغتل براءة الصبي و نقتسمها فهي كل ما تحتاجه الأم لترحم، رد الناسك أيها السكير هل يخفى على الأم رائحة الإبن، ستضل حلقة مفقودة، سيبقى كسر، سيبقى نقص، سيبقى فراغ، سيبقى سر و يبقى حيز شك، أيها الناسك هل تجاوزت خوفك يوما و تسلقت جبلا و رميت بنفسك متحررا من الشك؟ أيها الناسك أنت ميت تفتقر إلى التجربة، أيها السكير هذه الآلام تأخذ وقتا دعني في شرنقتي أرمم نفسي لتعطي الأزهار أحزاني بالسلام، أخبرني أيها الناسك أيهما أفضل أن تبرأ أم أن تنسى؟ لا يمكن أن تقارن بينهما فالنسيان يحدث بعد أن تبرأ بوقت طويل و تختفي كل الندوب، يقول البكر الذي لم يكبر أيها الحمقى حين تتحسسون تفاصيل تجاعيدكم ستجدون كل الأحزان هناك قابعة تلتهم سنينا من أعماركم لم تعيشوها، هل عليكم أن تنتظرو آخر العمر لتدركو ذلك، ليس عليكم البحث عن ناجين في صحاري الرماد، الطفل يتبع أمه أخرجا من الحطام فالأم تعرف الوجهة و الطريق،
أتدري يا أبي يبدو اني لم أفهم كثيرا مما قالته شجرة الخروب، لم تتحدث عن الآباء، هل أضعنا الوجهة و الطريق بلا أم! هل نحن ضائعان!
كان موح قد غط في نومه و لم يجبها، صمتت يطو ثم قالت و كأنها تجيب نفسها، يبدو الأمر كذلك إننا ضائعان هنا و لن يعثر علينا أحد.
مرت الأيام بعد ذلك كالمعتاد متجددة و لا شيء يحدث فيها غير دورة الحياة في تناغم و انسجام، بعد حوالي أسبوعين في ليلة هادئة بسماء صافية سمعت يطو و والدها أصوات مسير, نظرت إلى والدها متسائلة كيف لم يفسد اللحن، أجابها دون أن ينظر إليها ربما يعرفهم الجبل، خرج يستطلع الأمر بينما يطو تتبعه بحذر الأطفال، كان هناك رهط من الناس يسوقون قافلة بغال محملة، بدا عليهم الرعب و الارتباك حين انبعث معهم موح من وسط الظلام و تعالت الأصوات الحذرة و المتأهبة التي ما فتئت أن تبددت بعد أن بادرهم موح بلسانه الأمازيغي، بعد أن عادت إليهم طمأنينتهم نادى على يطو التي كانت تختبئ خلف الأشجار حملها على كتفيه و تقدمهم ليرشدهم على الطريق الأكثر أمنا فحمولتهم لم تكن سوى بنادق و ذخيرة لرجال المقاومة في القبائل الأمازيغية، بعد أن أخرجهم من متاهة الجبل عاد إلى كوخه بسلام بينما بينما عادت يطو محملة بالكثير من التساؤلات، فهل يملك موح الكثير من الأجوبة، في حياتنا نمر على الكثير من الأبواب و النوافذ و لا يكون الفضول دائما هو ما يدفعنا لنتعمق فيها، و حين نكون على يقين بأننا متحكمين في الأمر تأتي يد و تسحبنا أعمق لدرجة يصعب معها التقاط الأنفاس و يرمي لنا القدر حباله للنجاة أو ما يكفي لصنع مشنقة، بعد تلك الحادثة كثرت الليالي التي يحمل فيها المايسترو معوله و المنجل و يخرج ليصلح اللحن، لم يجد بد من أن يقول لصغيرته أن النوتات الدخيلة لم تكن سوى كشافة يدرسون الأرض و ما حوت لذلك وجب القضاء عليها قبل أن تستولي على الخشبة و يفسد العرض، موح فنان محلي ذاتي التعليم لذلك لم يكن يطرب و لم تخلده كتب التاريخ و لم يحمل على ياقته نياشين الشجاعة، كان رجلا هامشيا قادما من أقصى المغارة، و قبل الرجوع إلى المغارة لابد من الحديث عن عمر، عمر هكذا ككلمة نكرة يمكن أن تعني المدة التي بقيت فيها الروح رهينة جسد الكائن الحي و التي في الغالب لا يمكن أن نعرف مدتها إلا بعد انقضائها، كما يمكن أن تعني المدة التي تبقى فيها الأشياء صالحة للإستعمال أو مدة بقاء أي شيء على حال قبل أن يتغير، ما يخلد كاملا غير متغير يستحق لقب الآلهة كالذهب عند المؤمنين بالقيمة و عقيدة الأرقام، كل ما سبق لا يعنينا أنا فقط أردت التحدث عن عمر إسم علم مذكر في الثلاثين من عمره، لعمر أيضا عمر و انتهى، الآن يعيش أعمارا أخرى منها عمر في العدم، عمر في النعيم عمر في الجحيم ربما، ذاكرتنا الرقمية صغيرة جدا لذلك حين نخمن المسافة بيننا و بين السماء نضع الكثير من الأصفار خلف الواحد لدرجة أن ذاكرتنا نفسها تعجز عن قراءتها، لذلك تلتجئ إلى التواري خلف المجاز و الإستعارة كي تطوي عمر العد و تناسخ الأصفار إلى ما لانهاية خلف الواحد الذي لا يتغير و لا ينقسم و يمكن أن يكون آلهة العدم حيث الأصفار و الآلات الخربة التي استقر عدادها التنازلي على الصفر نعم الصفر المدور الذي يشبه مركز المؤخرة الذي يبوء دائما بالفشل المخزي حين يحاول أن يقلد البينغ بونغ و الذي لا يتوقف عمر التعب إلا بالإستقرار عليه لا أن نضعه على رؤوسنا و نفرش له كوفية نتخذها أحيانا رقعة شطرنج و بالطبع هذه هرطقة لا تعنينا فنحن نتحدث عن عمر إسم علم مذكر في الثلاثين من عمره صفر خلف ثلاثة سنت و نهدين، إمرأة و طفلين، ملك و عرشين و عمر واحد لا يكفي لتلد الآلهة و يصير صفر خلف أربعة و تزيد شهوة الآلهة و تزيد المهام و يزيد الشقاء و نسعى بجهد لنوحد الآلهة من جديد و حين نقترب يحول صفر آخر بيننا و هكذا تتناسخ الأصفار و تحول و تتعدد إلى ما لا نهاية و تعجز الذاكرة و ندخل في المجاز و الإستعارة على أي كان عمر في الثلاثين بعد عمر لم ينقضي بعد و من هنا تبدأ الحكاية، حكاية الزائر الإول للمايسترو و عصاه، يمشي بهمة عبر الأشجار قاصدا الجبل و يغني،
ما غزوت حقل الجار يوما و لا استعمرت الزهور
ما كسرت جناح فرخ الحمام و لا سبيت البذور
حلت الغربان مكان البلابل و عطل النعيق العبور
عمر مكسور الفؤاد متاريس في طريق السرور
و يكرر عمر و يمشي كالسراب إلى أن يستقر كغيمة على رأس الجبل حيث شجرة الخروب تظل القبر الغريب، هناك حيث وجد الصغيرة تعانق شاهد القبر مغمضة في سكون.....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى