أ. د. عادل الأسطة - نيسان وبرقوقه وأدباء المقاومة : في وداع عز الدين المناصرة

غالبا ما أكرر أنا وحسن البطل سطر ( توماس شتيرن إليوت ) " نيسان أقسى الشهور " ، وإن لم تخني الذاكرة فقد ورد السطر في قصيدته " الأرض اليباب / الخراب " التي نقلت إلى العربية وحظيت بدراسات عديدة ، بخاصة تلك الدراسات التي تتناول تأثير الشعر الغربي على الشعر العربي الحديث . من شموئيل موريه إلى عبد الواحد لؤلؤة إلى غالي شكري إلى يوسف حلاوي وغيرهم وغيرهم ، بل وإلى الشعراء المنظرين للشعر مثل صلاح عبد الصبور ، و ( إليوت ) وقصيدته يحضران ويحضر معهما سطره عن نيسان ، وفي نيسان ولد غسان كنفاني الذي بدأ كتابة رواية " برقوق نيسان " ولم يتمها ، وبعده بعام استشهد كمال ناصر ورفيقاه أبو يوسف النجار وكمال عدوان في عملية فردان ، ولم أكن أعرف أن الأخير كتب رواية ، وفي نيسان ولد الشاعر أحمد دحبور وفيه مات ، ومثله الشاعر عز الدين المناصرة فقد ولد في نيسان وفيه مات أيضا ، وفي نيسان اغتيل عصام سرطاوي أيضا .
واللافت أن الأحداث كلها تمت ما بين الخامس والخامس عشر من الشهر نفسه .
هل أرثي عز الدين أم أحيي ذكرى الآخرين ؟
في حوار ، عبر الفيس بوك والماسنجر ، مع الصديق سعادة سوداح Saadeh Soudah
قال لي إن أحمد دحبور رثى غسان كنفاني في قصيدته " الدليل " وإن الشاعر راسم المدهون أخبره أن للشاعر قصيدة ثانية في رثاء كنفاني ، وهي قصيدة " إنهم يقتلون حميدو " . هذا الحوار قادني إلى قراءة قصائد دحبور والمناصرة والبرغوثي في رثاء غسان ، ولو كان هناك متسع من الوقت لبحثت عن رثاء الشعراء أنفسهم للشهيد كمال ناصر أيضا ورثائهم لمن استشهد أو مات في نيسان من رموز الحركة الأدبية الفلسطينية .
ثبت في ذهن متابعي محمود درويش رثاءه النثري ، المكتوب بلغة شاعرية ، لغسان كنفاني " غزال يبشر بزلزال " ( وداعا أيتها الحرب ، وداعا أيها السلم ١٩٧٤ ) ، وثبت في ذهن قليلين رثاءه الشعري والنثري للشهداء الثلاثة في فردان في قصيدته " طوبى لشيء لم يصل " ( محاولة رقم ٧ ، ١٩٧٤ ) ، ولم تثبت القصائد التي رثى فيها دحبور والبرغوثي والمناصرة الشهيد كنفاني . ربما يعرف هذه القصائد قلة قليلة من دارسي أشعار هؤلاء الشعراء ، وأعتقد أن مجمل ما كتب في رثاء غسان يستحق دراسة خاصة عنوانها " غسان كنفاني في مرآة الشعر الفلسطيني " .
استشهد غسان ولم يمت موتا طبيعيا ، فلم يعمر ، وكان موته دافعا لأن يخاطب الكاتب المصري يوسف إدريس الفلسطينيين قائلا :" أيها الفلسطينيون ! احذروا الموت الطبيعي " ( مقدمة الأعمال القصصية الكاملة لغسان )، ومات الشعراء الثلاثة ، ومن قبلهم بسيسو ودرويش ، موتا طبيعيا ، فأسباب الوفاة كثيرة ، كما قال الأخير ، من بينها وجع الحياة .
مات بسيسو في لندن بغرفة في فندق ، وقضى درويش بمرض القلب ، ونهش السكر أعضاء دحبور عضوا عضوا ، وفقدنا البرغوثي فجأة ، وأودت الكورونا بالمناصرة ، و " لا تدري نفس بأي أرض تموت " و " من كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها " .
في روايته " برقوق نيسان " يأتي كنفاني على نيسان والبرقوق ويبدأ كتابته بالأسطر الآتية :
" عندما جاء نيسان أخذت الأرض تتضرج بزهر البرقوق الأحمر وكأنها بدن رجل شاسع ، مثقب بالرصاص . كان الحزن ، وكان الفرح المختبيء فيه مثلما تكون الولادة ويكون الألم ، هكذا مات قاسم قبل سنة ... " ( الأعمال الكاملة ، الروايات ، ص ٥٨١ ) .
ولنلاحظ أن ثلاثة من الأسماء المذكورة ولدت في نيسان ، والأسماء الشعرية المذكورة مات أكثرها في نيسان ، وهكذا كان الشهر شهر الفرح والحزن ، شهر الولادة والموت .
ينهي دحبور قصيدته " الدليل " بالآتي :
" فهل غير الطريق المستضيئة بالدم المحروق يا عيني ؟
وهل شاهدت إلا النار تكتب أول الأنباء ؟ " ( الأعمال الكاملة ، طبعة دار العودة ، ١٩٨٣ ، ص ٢٩١ )
ويصف غسان في قصيدته " إنهم يقتلون حميدو " بالآتي :
" كان يحب الدعابة حقا،
يجيد الكتابة حقا،
ولكنني أشهد أن الكآبة كان لها حصة فيه ... كان يضحك حتى حدود الفضيحة ،
يفتك بالمازحين ولا يغضبون ،
وكان يقارن بين الذبيحة والصيد ... نحن الذبيحة والصيد والصائدون "
وينهي الشاعر قصيدته بقوله :
" وإني أحاول أن أتكلم باسمك ،
حتى تكف الجريمة ،
أو أن أصير ، بدوري ، حميدو " ( الأعمال الكاملة ، السابق ، ص ٧٠٠ )
ومات أحمد ميتة طبيعية ، لا كميتة غسان أو ميتة حميدو .
مريد كتب قصيدة عنوانها " فلسطيني في الشمس " استوحى عنوانها من رواية غسان " رجال في الشمس " أتى فيها على الكبار الهانئين والصغير الذي يريد خرق الدائرة ( الأعمال الشعرية ، بيروت ، المؤسسة العربية ، ١٩٩٧ ، ص ٦٥١ ) ، وأما المناصرة في قصيدة " تقبل التعازي .. في أي منفى " أهداها " إلى الصديق الشهيد الروائي ، غسان كنفاني " وتساءل في نهايتها :
" لماذا إذا الوجه منك انحنى
نبيع الدموع لساقي السراب
وما زلت في دمنا السهل والصوت والمنحنى
وما زلت .. ما زلت خفقة أجنحة الشعراء الغضاب
وما زلت كنعان أرجوحة الميجنا " ( الأعمال الشعرية ، الجزء الأول ، دارمجدلاوي ، ٢٠٠٦ ، ص ٤١٥ ) .
الكتابة تطول والمساحة محدودة .
الجمعة ٩ نيسان ٢٠٢١



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى