إن كانت الفنون ومن بينها الكتابة محاولات دائبة لإعادة بناء هذا الواقع بطريقة أُخرى، جديدة، حين يرى الكاتب ميل كفَّة الحياة، وانزلاق القيم إلى الحضيض، وغياب العدل، والمساواة، فإنَّها، أَي الكتابة، أَو الفنون عموماً، تصبح أَحياناً محاولات دائبة لاستنطاق هذا الواقع بطريقة ما ذكيَّة، كدليل على صدق زاوية الرؤية، والخروج من تهمة أَنَّ الأَدب برمَّته مجرَّد وجهات نظر تمثِّل أَصحابها لا أَكثر.
ستدفع رانية تهمة شخصنة نصوصها في المقدِّمة، فتبيِّن أَنَّ أَباها ليس أَباها البيولوجيَّ، إنَّما هو مردوخ الَّذي شقَّ تعامة أَو عشتار إلى شقَّين ليصنع منهما سماءه وأَرضه، ويعلن عليهما حضارة الذُّكور.
من هنا، من هذه النُّقطة، تبدأُ رانية –وهي الواعية بأَنَّ المعركة ليست معركة ذكورة وأُنوثة- تؤسِّس لمفهوم التَّوحُّش البشريِّ الَّذي وصل أَوجه مع الرَّأسماليَّة والأُصوليَّة السَّلفيَّة، خصوصاُ بما يتعلَّق بالمرأَة، فإن كانت الأُولى قد شيَّأَت المرأَة وسلَّعتها، فإن الثَّانية قد أَلغت العقل والتَّفكير وحاولت أَن تختزل وجود المرأَة في الكون وتحنيطها.
ثمَّة اعتراف ضمنيٌّ بهيمنة الشرِّ في المجموعة، وسيطرته على الواقع، وهيمنته على التَّفكير، لذا ستجد رانية منفذاً إلى ذات المرأَة لإثبات شرِّ الشرِّ ، والدَّعوة إلى أَنسنة الإنسان المشَّيأ، المحنَّط، من خلال وجهة نظر أُخرى، محايدة، هي وجهة نظر الأَشياء الَّتي استنطقتها عبر قصص المجموعة جميعها بذكاء...وكأَنَّها بذلك قامت بتبديل الأَدوار بين البشر والأَشياء.
فصناديق الزِّينة ترى وتحسُّ بصاحبتها وتتكلَّم، وتفرح لفرحها وتحزن لحزنها، والمسماران المزروعان في جدار على الطَّريق منذ زمن بعيد لهما وجهة نظر من كلِّ ما يجري حولهما، رغم الصَّدأ الَّذي راح يأكلهما، وجدار السِّيراميك في الحمَّام جزء من ذات الفتاة الَّتي تعوَّدت أَن تخلو إلى نفسها هناك، وتخاطبه، وهي ترى صورتها مكسَّرة فيه، وتبثُّ له أَوجاعها، فيحزن لحزنها، ويفرح لفرحها...وملقط الحواجب يزغرد فرحاً حين تعود إليه صاحبته بعد انقطاع طويل عن الاهتمام بزينتها، وفردتا حذائين إحداهما لرجل والأُخرى لأُنثى تلتقيان مصادفة في حاوية النِّفايات وتتحاوران طويلاً في كلِّ ما جرى معهما...وتعلنان الحبَّ، والخاتم في إصبع الزَّوجة يحسُّ ويرى، ويتنفَّس، ويفرح ويحزن...
إنَّ السُّؤال الَّذي يطرح نفسه هنا بالضَّرورة: ما الَّذي يدعو البشر إلى التَّجسيم، أَو الأَنسنة؟ وهل تُعدُّ الأَنسنة خطاباً من الذَّات للذَّات؟ هل هي تمثُّل للذَّات عبر استنطاق معقَّد؟
في علم النَّفس نقول إنَّ التَّواصل البشريَّ قد يغدو في لحظة ما وسواساً، ما يجعل الإنسان ينكفئ على ذاته، ويحاول أَن يخلق عالماً بديلاً، لا يشعر من خلاله بالتَّهديد، ربَّما كي يتعايش معه بسلام، أَو ربَّما كي يحاول أَن يثبت ذاته من خلاله.
هذا الأَمر يتبدَّى أَكثر في مراحل الطُّفولة، فنجد الطِّفل يعتزل الواقع لشعوره بالضَّعف أَمامه، وبالتَّهديد، لذلك نراه يحاول أَن يؤنسن أَشياءه ويتواصل معها، ويعطيها أَسماء، وصفات، ويمارس عليها دوراً سلطويَّاً ما، من أَجل إثبات ذاته.
ربَّما سيأخذنا ذلك بطريقة أَو بأُخرى أَيضاً إلى الكرة الطَّائرة "ويلسون" في فيلم Cast Away لتوم هانكس، حيث تصبح الكرة رفيقه في وحدته، يؤنسنها حدَّ بكائه عليها لحظة ضياعها، ويأخذنا أَيضاً إلى أُولئك الَّذين يحاولون أَنسنة الأَدوات، والسيَّارات، والبيوت، والأَشجار، وقبل ذلك الحيوانات، أَليست الأَنسنة محاولات بشريَّة دؤوبة لا تتوقَّف منذ فجر التَّاريخ؟
حين يصبح العالم شرِّيراً سنحاول –في معركة البقاء- ونتيجة لشعورنا بالضَّعف أَن نؤنسن الأَشياء، هروباً بشكل أَو بآخر من هذا الواقع، إلى واقع مواز نعيد نحن توزيع الأَدوار فيه.
سيصبح لهذه الأَشياء، أَو لانعكاس هذه الأَشياء في كينونتنا معنى آخر مختلفاً، وستصبح هي الحقيقة الَّتي نبحث عنها، لأَنَّنا سنشعر أَنَّها وحدها بوسعها تمثُّل الحقيقة المقنعة بالنِّسبة لنا، بعد أَن نستسلم أَمام منطق الحقيقة السَّائدة الَّتي لم نستطع تغييرها.
إنَّه عالم مواز بكلِّ ما تحمل الفكرة من معنى.....ومحاولة لعدم الاستسلام للواقع.
ستدافع رانية عن منطقها من خلال اللُّجوء إلى هذا العالم، أَمام طوفان السَّلفيَّة الَّذي استبدَّ بالمرأَة، وتغلغل في عمق أَفكارها، وجعلها تكوِّن صورة مشوَّهة عن نفسها، وتعتزل أُنوثتها، ولجأَت من أَجل ذلك إلى التَّرهيب الربَّانيِّ الَّذي حشت به عقول النِّساء.
ستعقد علاقة إنسانيَّة بحتة بين المرأَة وأَشياءها، زينتها، ملقط حواجبها، خاتمها، ملابسها، حجابها، وستخلص في نهاية المطاف، بأَنَّ أُمَّها لم تكذب عليها حين قالت لها ذات يوم إنَّ عرش الرَّحمن يهتزُّ حين تخرج إلى الشَّارع بزينتها، فحين تمرَّدت، وخرجت بكامل زينتها، رأَت كيف اهتزَّت قلوب الرِّجال وهم يتابعون عبورها أَمامهم في الشَّارع.
ستدفع رانية تهمة شخصنة نصوصها في المقدِّمة، فتبيِّن أَنَّ أَباها ليس أَباها البيولوجيَّ، إنَّما هو مردوخ الَّذي شقَّ تعامة أَو عشتار إلى شقَّين ليصنع منهما سماءه وأَرضه، ويعلن عليهما حضارة الذُّكور.
من هنا، من هذه النُّقطة، تبدأُ رانية –وهي الواعية بأَنَّ المعركة ليست معركة ذكورة وأُنوثة- تؤسِّس لمفهوم التَّوحُّش البشريِّ الَّذي وصل أَوجه مع الرَّأسماليَّة والأُصوليَّة السَّلفيَّة، خصوصاُ بما يتعلَّق بالمرأَة، فإن كانت الأُولى قد شيَّأَت المرأَة وسلَّعتها، فإن الثَّانية قد أَلغت العقل والتَّفكير وحاولت أَن تختزل وجود المرأَة في الكون وتحنيطها.
ثمَّة اعتراف ضمنيٌّ بهيمنة الشرِّ في المجموعة، وسيطرته على الواقع، وهيمنته على التَّفكير، لذا ستجد رانية منفذاً إلى ذات المرأَة لإثبات شرِّ الشرِّ ، والدَّعوة إلى أَنسنة الإنسان المشَّيأ، المحنَّط، من خلال وجهة نظر أُخرى، محايدة، هي وجهة نظر الأَشياء الَّتي استنطقتها عبر قصص المجموعة جميعها بذكاء...وكأَنَّها بذلك قامت بتبديل الأَدوار بين البشر والأَشياء.
فصناديق الزِّينة ترى وتحسُّ بصاحبتها وتتكلَّم، وتفرح لفرحها وتحزن لحزنها، والمسماران المزروعان في جدار على الطَّريق منذ زمن بعيد لهما وجهة نظر من كلِّ ما يجري حولهما، رغم الصَّدأ الَّذي راح يأكلهما، وجدار السِّيراميك في الحمَّام جزء من ذات الفتاة الَّتي تعوَّدت أَن تخلو إلى نفسها هناك، وتخاطبه، وهي ترى صورتها مكسَّرة فيه، وتبثُّ له أَوجاعها، فيحزن لحزنها، ويفرح لفرحها...وملقط الحواجب يزغرد فرحاً حين تعود إليه صاحبته بعد انقطاع طويل عن الاهتمام بزينتها، وفردتا حذائين إحداهما لرجل والأُخرى لأُنثى تلتقيان مصادفة في حاوية النِّفايات وتتحاوران طويلاً في كلِّ ما جرى معهما...وتعلنان الحبَّ، والخاتم في إصبع الزَّوجة يحسُّ ويرى، ويتنفَّس، ويفرح ويحزن...
إنَّ السُّؤال الَّذي يطرح نفسه هنا بالضَّرورة: ما الَّذي يدعو البشر إلى التَّجسيم، أَو الأَنسنة؟ وهل تُعدُّ الأَنسنة خطاباً من الذَّات للذَّات؟ هل هي تمثُّل للذَّات عبر استنطاق معقَّد؟
في علم النَّفس نقول إنَّ التَّواصل البشريَّ قد يغدو في لحظة ما وسواساً، ما يجعل الإنسان ينكفئ على ذاته، ويحاول أَن يخلق عالماً بديلاً، لا يشعر من خلاله بالتَّهديد، ربَّما كي يتعايش معه بسلام، أَو ربَّما كي يحاول أَن يثبت ذاته من خلاله.
هذا الأَمر يتبدَّى أَكثر في مراحل الطُّفولة، فنجد الطِّفل يعتزل الواقع لشعوره بالضَّعف أَمامه، وبالتَّهديد، لذلك نراه يحاول أَن يؤنسن أَشياءه ويتواصل معها، ويعطيها أَسماء، وصفات، ويمارس عليها دوراً سلطويَّاً ما، من أَجل إثبات ذاته.
ربَّما سيأخذنا ذلك بطريقة أَو بأُخرى أَيضاً إلى الكرة الطَّائرة "ويلسون" في فيلم Cast Away لتوم هانكس، حيث تصبح الكرة رفيقه في وحدته، يؤنسنها حدَّ بكائه عليها لحظة ضياعها، ويأخذنا أَيضاً إلى أُولئك الَّذين يحاولون أَنسنة الأَدوات، والسيَّارات، والبيوت، والأَشجار، وقبل ذلك الحيوانات، أَليست الأَنسنة محاولات بشريَّة دؤوبة لا تتوقَّف منذ فجر التَّاريخ؟
حين يصبح العالم شرِّيراً سنحاول –في معركة البقاء- ونتيجة لشعورنا بالضَّعف أَن نؤنسن الأَشياء، هروباً بشكل أَو بآخر من هذا الواقع، إلى واقع مواز نعيد نحن توزيع الأَدوار فيه.
سيصبح لهذه الأَشياء، أَو لانعكاس هذه الأَشياء في كينونتنا معنى آخر مختلفاً، وستصبح هي الحقيقة الَّتي نبحث عنها، لأَنَّنا سنشعر أَنَّها وحدها بوسعها تمثُّل الحقيقة المقنعة بالنِّسبة لنا، بعد أَن نستسلم أَمام منطق الحقيقة السَّائدة الَّتي لم نستطع تغييرها.
إنَّه عالم مواز بكلِّ ما تحمل الفكرة من معنى.....ومحاولة لعدم الاستسلام للواقع.
ستدافع رانية عن منطقها من خلال اللُّجوء إلى هذا العالم، أَمام طوفان السَّلفيَّة الَّذي استبدَّ بالمرأَة، وتغلغل في عمق أَفكارها، وجعلها تكوِّن صورة مشوَّهة عن نفسها، وتعتزل أُنوثتها، ولجأَت من أَجل ذلك إلى التَّرهيب الربَّانيِّ الَّذي حشت به عقول النِّساء.
ستعقد علاقة إنسانيَّة بحتة بين المرأَة وأَشياءها، زينتها، ملقط حواجبها، خاتمها، ملابسها، حجابها، وستخلص في نهاية المطاف، بأَنَّ أُمَّها لم تكذب عليها حين قالت لها ذات يوم إنَّ عرش الرَّحمن يهتزُّ حين تخرج إلى الشَّارع بزينتها، فحين تمرَّدت، وخرجت بكامل زينتها، رأَت كيف اهتزَّت قلوب الرِّجال وهم يتابعون عبورها أَمامهم في الشَّارع.
