عوض جبريل - في حضرة عروس البحر الأحمر .. رحلة إلى مدينة الثغر الساحرة مع أنغام مصابيح الفرح ...

مدخل :

يا الله أرجع تعال
يا مصابيح الفرح
أسعد القلب اللى تاه
فى شقى الحزن اللى طال
تسلل صوت المطرب حيدر بورتسودان من جهاز التسجيل وملاء السكون بصوته الجهور والساحر وأداءه العذب , فعادت بى الذاكرة سريعا لمدينة بورتسودان تلك المدينة الساحرة الجالسة على ضفاف البحر الأحمر التى تبدو وكأنها خارجة لتوها من البحر .. أنبش فى ذاكرتى على بطء وأسرج القنديل
نورا معباء بالحنين والشوق وأشعل مصابيح الفرح وأستعيد صورة تلك الأيام الجميلة وهى تنساب بكل تفاصيلها الدقيقة ... أذكر حين كنت صغيرا أسمع كثير من الأهل
يتحدثون عن تلك المدينة بوله وحب ويوصفونها كأنها فتاة فى غاية الحسن والجمال , ربما كنت أجد مبالغة فى حبهم
لمدينتهم في ذلك الوقت , وأسأل نفسى هل تلك المدينة بكل هذا السحر والجمال والألق ؟؟ ودارت الأيام وشاءت الصدفة ان نذهب فى قافلة ثقافية مع رابطة ودنوباوي و العمدة بجامعة القاهرة / فرع الخرطوم ...
فرحتى كانت لا تعادلها فرحة فى ذلك الوقت , سافرنا بالقطار وكانت الرحلة سلسة وممتعة جدا كنا أكثر من أربعين طالب
وطالبة .. تخللتها الغناء والنكات والتعارف بزملاء من روابط أخرى ... أذكر قبل دخولنا لمدينة بورتسودان تعطل
بينا القطار لمدة يوم كامل فى منطقة دورديب ... وبعد ذلك وصلنا بسلام لمدينة الثغر فى ساعات الصباح الأولى ..
إستقبلتنا المدينة ببشاشة وغمرتنا بمحبة غامرة ودافيئة وصدق من قال إنك مدينة حنينة يا بورتسودان , وبدأت اخرج الصورة المرسومة فى مخيلتى عنها وأقارنها
بالواقع فوجدت الواقع أجمل وأروع ...
نزلنا فى بيت الشباب فى سلبونا أبوحشيش , وكان هناك برنامج معد سلفا من زيارات ورحلات ( الميناء , سواكن , نادى الكشافه , نادى الموانى , الكيلو , الركن الهادى , رحلة بحرية لجزيرة سنقنيب ) وغيرها من البرامج .... الخ
وغمرنا بعض الزملاء والأصدقاء من تلك المدينة بحفاوة بالغة معروف بها أهل بورتسودان منهم : خالد القوصى / إبراهيم
صهيب / فودة ( لاعب الكرة الشهير )... الجلسات عند المغيب على ضفاف البحر الأحمر طبيعة ساحرة وخلابة تدغدغ القلب وتلامس الروح كانت تمثل لنا قمة الروعة وأجمل الأوقات ..... كنا نرسم على الرمال حتى نقتل الوقت ونتأمل قاع البحر الملئ بالأصداف والمحار التى تبدو واضحة للعيان ... عند الصباح نسمع صوت تلاطم الأمواج آتية
من البحر كأنها تعزف سيمفونية عذبة ومشرقة ويختلط المشهد مع نعيق الغربان , ونستعد بعدها للخروج مبكرا
فى إحدى زياراتنا للمدينة ... ونخرج فى المساء لأكل المخبازة فى أحد مطاعم أبوحشيش القريبة من بيت
الشباب و كانت وجبة أساسية فى تلك الأمسيات( أعتقد أنها أكلة جاءت من اليمن وهى تتكون من : قراصة + موز + طحنية+ عسل ) ... فى إحدى الأمسيات البديعة ونحن جالسين فى بيت الشباب ونحتسى الشاى ونشتم نسيم البحر , سمعنا صوت الفنان وإبن المدينة عادل مسلم , وهو يشدو بصوته الجميل والأداء الفريد والإسلوب الهادئ ,
حلقنا معه فى عالم النغم والموسيقى وأضفى المكان سحر بديع لتلك اللحظات ...
بورتسودان مدينة يشعر فيها الإنسان بألفه عجيبة إلفة المكان ويعشقها الإنسان بكل حواسه ويشعر بها تتسرب فى داخله وتصبح جزء منه , و يشعر الإنسان كأنه زارها من قبل ولو في الخيال ويعقد معها عشق أبدى , حتى لو أجبرته الظروف عن البعد عنها لسنوات طويلة فهى مدينة إستثنائية لها نكهة خاصة , كل من يزورها يحمل عند عودته ذكريات لا
تنسى أبدا وصدقت الكاتبة أحلام مستغانمى حين قالت : ( هنالك مدن جميلة كذكرى , قريبة كدمعة , موجعة كحسرة )
مرت عشرة أيام حافلة قضيتها فى تلك المدينة الحالمة , وقطعت الرحلة وعدت للخرطوم لأسباب خاصة وكان طريق العودة بالباص عبر كسلا - القضارف - الخرطوم ...
وعند مشاهدتى مدينة كسلا وجبال التاكا وتوتيل , تذكرت ما سطره جدنا الراحل توفيق صالح جبريل عن تلك المدينة , فى قصيدته الشهيرة حديقة العشاق :
( كسلا اشرقت بها شمس وجدي فهي بالحق جنة الاشراق )
وحين ودعت مدينة بورتسودان كنت كلى شوق وحنين دفاق لكل شبر فيها وبداخلي أشعر بحزن الفراق ووعدتها فى سرى أن أزورها مرة أخرى .. ووفيت بوعدى بعد أربعة سنوات من تلك الزيارة وكانت آخر زيارة لى لمدينة خارج الخرطوم ...
بدأت صورة الشرق تبتعد شيئا فشيئا إلا ان وصلت الخرطوم , لكن ظلت تلك الرحلة مغروسة فى الذاكرة بحلوها ومرها ( رحيل أحد الأصدقاء الذين كانوا معنا فى تلك
الرحلة ) ..
مخرج : صوت المغنى يدندن مرة اخرى بمقطع من
رائعته مصابيح الفرح :
ما إنتي يا نور الشروق
فوق الزهور لوحة جمال
لو قلت ألقى ليك شبيه
إبقى لى زيك محال
إنتهت الرحلة ولم تنتهى بعد قصة العشق والوله لتلك
المدينة الساحرة ...
عوض عثمان عوض جبريل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى