محمد علي عزب - عن تجربتي مع النقد التكاملي

النقد في الأساس موهبة تتمثل في امتلاك الحس الجمالي الناقد والباحث عن ما يجعل الجميل جميلا، النقد إذا موقف من الوجود ومسائلته للتعرف على ماهيته، والموهبة وحدها لا تكفي فلابد من ثقافة وأدوات، والمنهج هو الأداة التي يستبصر بها الناقد نصوص الإبداع، ويفككها ويعيد بنائها للكشف عن هويتها الجمالية، وكما أن الموهبة وحدها لا تكفي فمعرفة المنهج وحدها لا تكفي في بناء ناقد مبدع حقيقي، ولا يوجد منهج نقدي يستطيع أن يحيط بكل جوانب النص، ومن هذا المنطلق وجد ما يسمى بالنقد التكاملي طريقه إلى الدراسات الأدبية، ليس من أجل نقد كامل ونهائي، ولكن من أجل نقد متكامل، فالكمال نهاية عليا، اما التكامل فهو اندماج بين الأدوات لتقديم أفضل ما يمكن، والنقد التكاملي هو ما يجمع بين منهحين أو أكثر في مقاربة العمل الأدبي، ولكي لا تكون هناك فوضى منهجية فلابد أن يكون الناقد على وعي تام بماهية المناهج التي يدمج بينها، ومدى حاجة كل جزء في النص لهذا المنهج أو ذاك، ففكرة التكامل في الأساس جاءت،لاستغلال أدوات كل منهج فيما يخصه داخل النص، وتعويض النقص الذي قد يعتري هذا المنهج أو ذاك، ومن وجهة نظري ان المنهج التكاملي هو أصعب المناهج لأنه يفترض وجود وعي وحساسية شديدة لاختيار الأدوات المنهجية التي يدمج بينها الناقد بشكل منسجم وخادم للقراءة، هذا إلى جانب المعرفة التامة لمميزات وعيوب المناهج التي يدمج بينها، وإن لم يتوافر ذلك لدى الناقد تحولت القراءة إلى فوضى، وأظن ومن خلال تجربتي الشخصية أن كل ناقد يدمج بين منهحين او ثلاثة أو أكثر يكتسب الخبرة التي تحول تلك المناهج المدمجة إلى تأليف منهجي يتسم بالوحدة المنهجية وكأنه منهج واحد لدى الناقد الذي اعتاد على الدمج بين مناهج بعينها في مقارباته النقدية ، فمثلا كان ومازال منهج الشعرية السميولجية هو أقرب المناهج لي لأنه يقارب النص من داخله وفقا لمعطيات سياقه، ويقوم على معرفة ما يجعل النص نصا ادبيا، فالشعرية هي العناصر والمقومات التي تجعل الأدب أدبا، فهناك شعرية الشعر وشعرية السرد وشعرية المسرح، ولكن المقاربة الشعرية تعزل النص عن سياقاته التاريخية والسياسية والاجتماعية وعن القارئ، ولسد هذا النقص استعين بمقولات نظرية القراءة والتلقي التي تعطي للقارئ دورا مهما في نقد النص ولا تعزل النص عن سياقاته السياسة والاجتماعية والتاريخية، لكن من عيوبها انها خلطة منهجية لا تستبعد المناهج السابقة عليها، ولكنها لا تقدم للقارئ خطة منهجية محددة للقراءة، ولهذا تتكامل مع الشعرية السميولجية التي تعطي خطاطة منهجية لكنها تعزل النص عن السياقات الخارجية، وإضافة لهذين المنهجين استخدم المنهج الأسلوبي للتعرف علي لغة النص والأساليب والظواهر اللغوية المميزة له، وتكمن أهمية الاسلوبية في أنها أكثر المناهج اهتماما بدراسة اللغة الأدبية، لكنها تهتم بدارسة لغة الأدب أكثر من اهتمامها بأن الأدب يعبر عن رؤى فنية وتجارب إنسانية، هذه المناهج الثلاثة رأيت في الدمج ببنها أداة ناجزة في قراءة وتحليل النصوص، وإذا رأيت أن الحديث عن حياة المبدع أو تاريخ الظاهرة الأدبية موضوع النقد سيكون مهما لإضاءة جوانب خفية في النص فإنني استعين بالمنهج التاريخي وكذلك المنهج الاجتماعي لمعرفة تأثير البيئة على المبدع كما في كتابي "امل دنقل أيقونة الرفض والمفارقة" الصادر سنة ٢٠١٤م وكتابي "تجليات طائر العمر الجميل _ دراسة في شعر سيد حجاب" الصادر سنة ٢٠١٧م، وإذا تطلب الأمر تقديم حكم على صحة أو خطأ ظاهرة أو مفهوم ما، فإنني استعين بالمنهج الاستنباطي الذي يقدم فيه الناقد حكما ما ثم يعرض المقدمات والأمثلة التي يستنبط منها عبر الجدل والموضوعية نتيجة ودليلا يثبت صحة الحكم الذي قدمه في البداية كما في كتابي" عن تحولات الشعر العامي بين التراث والمعاصرة" الصادر سنة ٢٠١٤م، وكتابي "الشعر العامي العربي.. وقضايا الشكل والتاريخ والتدوين" _ مخطوط لم ينشر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى