أ. د. عادل الأسطة - في زيارة الشاعر أحمد دحبور ( أبو يسار):

1-
تسمية يسار
دعوتك يا كليب فلم تجبني
وكيف يجيبني البلد القفار
سقاك الغيث أنك كنت غيثا
ويسرا حين يلتمس اليسار.
اليوم زرت أبا يسار،وكم أحب زيارة هذا الشاعر الحيفاوي الذي ما زالت حيفا أقرب المدن إلى قلبه ،مع أنه غادرها وهو في الثانية من عمره.
إنه حديث الأم وقسوة حياة المنفى والحق السليب وفيض المشاعر في الشاعر،كأنه ولد وولد معه حب حيفا.
في حضرة الشاعر احمد دحبور لا تتكلم إلا في الأدب والثقافة ،وكم يسر حين تذكره بماضيه الثقافي ونشأته.
اليوم فتحنا-أنا والقاص زياد خداش ويسار ابن الشاعر - قصة تسمية يسار بهذا الاسم.
-الانك كنت قريبا من اليسار ؟
سيقرأ أبو يسار على مسامعنا أبيات المهلهل .
من الشعر العربي القديم أتت التسمية،وجاء يسار من اليسر.
سيتذكر يسار ما غاب عن ذهن الأب،أو أنني لم أنتبه.
-كان الاسم الحركي لأبي في حركة فتح هو "يسار الشعبي" ، وكان الشاعر مراسلا ميدانيا إعلاميا لحركة فتح في الأردن بعد حزيران ١٩٦٧.
بدا السرور واضحا على الشاعر ونحن نحاوره.سألته إن كنا اثقلنا عليه في الزيارة وابتسم ورحب بنا دائما.
2-
أدونيس أخطر شاعر عربي منذ المتنبي :
في زيارة الشاعر أحمد دحبور كررت عليه سؤال وجهته إليه في زيارة سابقة:
- من هو أخطر شاعر عربي منذ المتنبي؟
لم يتردد الشاعر في الإجابة: أدونيس.
اليوم كررت السؤال:
-من هو أخطر شاعر عربي منذ المتنبي؟
ما زال أبو يسار على رأيه.
كانت مناسبة إثارة السؤال الحديث الجاري هذه الأيام عن المرشحين العرب لجائزة نوبل للآداب.
لأول مرة تؤخر الأكاديمية السويدية موعد إعلان الجائزة لفرع الآداب.
كنا نتوقع أن يتم الإعلان عنها أول امس الخميس.لكن الموعد سيكون في١٣/١٠ .
هل كل تاخيرة وفيها خيرة؟
كثيرون يرجحون آن الجائزة ستذهب إلى اليابان أو إلى اميركا ولفن الرواية ،لا للشعر،ومع ذلك عسى ولعل.
3-
-من هو شاعرك المفضل ؟
-توفيق صايغ.
شاعر أبو يسار المفضل هو شاعر قصيدة النثر ،مع أن أحمد دحبور اشتهر بشعره الغنائي ،فمن ينسى قصيدته المشهورة جدا "العودة إلى كربلاء".
مرة قال لي المرحوم علي الخليلي إن غنائية أحمد دحبور توازي غنائية محمود درويش. كان هذا في ٧٠ ق٢٠. وكان اسم أحمد دحبور بعلو.
-لماذا توفيق صايغ أهم شاعر لك ؟
كان أحمد دحبور كتب في ٩٠ق٢٠ سلسلة مقالات في زاويته في الحياة الجديدة وتناول فيها تجربة توفيق صايغ.
اختلف صايغ عن مجمل شعراء عصره في لغته وموضوعاته وصوره وتشبيهاته وكانت تجربته مرة قاسية.
هل أتينا على تجربة صايغ المرة والقاسية مع زوجته الأميركية (ك)؟
ثمة كلام يحتاج إلى تفكير فيه.
4-
تجارب الآباء الكبار:
لطالما حثثت ابا يسار أن يكتب سيرته الشعرية،وكلما زرته الححت عليه،وعبثا ذهبت محاولاتي ،وكان يجب أن ألتفت إلى الأمر أكثر واسجل محاوراتي معه.أحيانا قليلة جدا فعل هذا القاص زياد خداش .
شاعر بوزن أحمد دحبور يستحق أن يفعل المرء معه ما فعله المفكر هشام شرابي مع المناضل صالح برانسي."ثلاثون عاما من النضال الصامت"١٩٨٠.
كان المرحوم شرابي التقى بالمرحوم برانسي واستنطقه ودون تجربته وكتب مقدمة للكتاب حثنا فيها نحن الشباب-في حينه- أن نحذو حذوه مع رموزنا النضالية والفكرية والأدبية،وذهبت نداءاته عبثا.
حقا: لماذا لم أسجل تجربة أحمد دحبور الشعرية ،وهو من وجهة نظري من أهم الأصوات الشعرية في الشعر الفلسطيني؛شعرا وتنظيرا للشعر؟
قلت لأحمد اليوم:أرجو أن تسمح لنا في مرات لاحقة أن ندون تجربتك لنكتبها.ولم يمانع.
يبدو أنني بحاجة لزيارات مكثفة للشاعر ،وما أخشاه أن يحول التدريس بيني وبينها.
الشاعر خالد جمعة في رام الله وأعتقد أنه مرشح بقوة أيضا لإنجاز هذه المهمة.
في بيت الشاعر ذكرته بتجربة هشام شرابي مع المناضل صالح برانسي.
لعلني أنجز المهمة.
5-
غسان كنفاني الحاضر في غيابه:
:
- هل التقيت بالشهيد غسان كنفاني؟
سيحكي لي الشاعر طرفة .
كان زار غسان في مكتبه وظل واقفا للحظات ،فقال له غسان:ألا تريد أن تقصر!
يعني :اقعد.
منذ أن عاد الشاعر إلى الجزء المتاح له من الوطن أخذ يكتب ،كل عام،مقالا عن غسان كنفاني في الذكرى السنوية لاستشهاده. وكان أخبرني بهذا وأظن أنه ايضا كتب هذا.
-كيف كانت علاقتك به يا أبا يسار؟
-هذا لا يحتاج إلى اجابة.لقد كانت علاقة جيدة جدا.ولهذا أخذت على عاتقي آن أكتب عنه ،كل عام ،في ذكراه.
كيف أتينا على عبارة "الجزء المتاح لنا من الوطن"؟.
أظن أن يسار قال إن هناك من يزعم أن العبارة لاميل حبيبي.هنا أصر أبو يسار أن العبارة له وأنها ماركة مسجلة له.انا وافقته فيما ذهب اليه.
ما من مناسبة استدعت قول العبارة أو كتابتها حتى فعل أبو يسار هذا. ولقد غدت عبارة لافتة مثل عبارة المرحوم ياسر عرفات "القدس الشريف".
6-
سميرة عزام؟
-هل قرأت سميرة عزام ؟
-ولو..هذه حبيبتي.(طبعا يقصد أبو يسار أنها حبيبته كاتبة ).
سنتذكر قصص سميرة عزام وكتابة الناقد الفلسطيني يوسف اليوسف عن قصتها "لأنه يحبهم".
زياد خداش معجب بقصة "دموع للبيع".سأذكر ابا يسار بفحواها:اللطامة التي تلطم في الجنازات لا تتمكن من ذرف الدموع حين تموت ابنتها-وأنا أكتب الآن تذكرت بدر شاكر السياب وقصيدته "حفار القبور'.
قلت لأبي يسار إن دار الاسوار في عكا هي من عرفتنا بهذه الكاتبة فسميرة من عكا.وساذكر جهود يعقوب حجازي.
قال لي ابو يسار :ما إن رأت الكاتبة وطنها من الأردن حتى انفجر قلبها.
كنت أظن أنها ماتت بحادث سبر ولعلني كتبت هذا خطأ في إحدى مقالاتي.
الشاعر قال إنه معجب بمجموعة :" وقصص أخرى".
هل سألت أحمد دحبور عن الأثر الذي تركته في غسان كنفاني؟
7-
يسار
في بيت أبي يسار تلتقي بيسار إلى جانب أبيه.رحلت أم يسار فجأة وعلى غير توقع واضطر يسار أن يترك عمله في أميركا ليبقى إلى جانب أبيه ،فلمثل هذه الأيام يحتاج الأباء إلى الأبناء.
يسار شاب مثقف نشأ في بيت أبيه الشاعر وعرف كثيرا عن حياة ابيه الأدبية ،وعرف أيضا قصص ابيه مع الأدباء ولذلك تجده يشارك في الحديث وقد يصحح معلومة هنا ويذكر بمعلومة هناك ،وقد تعرف منه معلومات تفيدك دارسا لتجربة ابيه ولاضاءة نصوص وتجارب لآخرين.
لا تشعر بالملل وانت تحاور الشاعر ولا يشعر يسار الذي قرر التخلي عن وظيفته ،بالملل ،مع أن عالمه عالم أخر مختلف.
ربما يجد المرء نفسه،في حضرة يسار، يكرر:
مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها.
يكبر هذا الشاب في نظر زوار أبيه ويحترم.
تعرفت إلى يسار مؤخرا ،وكما كتبت فإنني أشعر بأنني أعرفه منذ زمن.
يهتم يسار بما يصدر من كتب ودراسات عن أبيه ويشعر بالحزن حين لا تلقى هذه الكتب اهتماما يليق بشاعر مهم وكبير.
على من تقع المسؤولية؟
أعتقد أن صحافتنا الأدبية ،مثل جامعاتنا، مقصرة في متابعة الحركة الثقافية وما يصدر من كتب ودراسات عن اعلامنا.
تعطي الكتاب لمحرر أدبي عله يهتم به ويكتب عنه مراجعة فلا يلتفت إليه.
قال لي يسار. وأما أنا ف...
8-
فرقة العاشقين:
i .هل لك صلة بفرقة العاشقينبفرقة العاشقين.
-ولو .
يجيب
- .إنني اول من كتب كلمات أغانيها .ويسرد أغاني كلمات الأغنية الأولى.
-مؤخرا أصدرت طالبة كتابا عن الفرقة،فهل وصلتك نسخة منه؟
يجيبني :لا .لم تصلني .
ولا أعرف ماذا كتبت فاطمة في كتابها الذي يفترض أن يكون أبو يسار اطلع عليه قبل طباعته.
أعتقد أن رأيه هو المعتمد في الحكم على جودة الكتاب.
سنأتي ،ونحن نتحدث،عما كتب من دراسات عن أشعار الشاعر، وهي دراسات ليست بحجمه شعريا .هناك دراسات أنجزها أساتذة لهم باع في التأليف وأخرى كتبها طلبة دراسات عليا أو دكاترة حصلوا على الدكتوراه باللفلفة-هذه أنسب كلمة-
مرة قيمت نتاجا علميا تقدم به صاحبه للترقية.ذهلت من ضحالة النتاج المقدم.وثانية قيمت نتاجا علميا تقدم به صاحبه للحصول على رتبة أستاذ.كلمة واحدة قلتها: إن من منحه الدكتوراه والماجستير ظلمه.
بعض أبحاث هؤلاء كانت في نتاج أحمد دحبور.ماذا أكتب؟
هناك أدباء وشعراء حصلوا على الدكتوراه وهم أضعف خلق الله بحثا.
يعد أبو يسار ناقدا صحفيا ،وناقد شعر مميزا وبحق تصح عليه المقولة:إن أفضل من يكتب في نقد الشعر هو الشاعر.
ساخبر أبا يسار أن ما كتبه من نقد سيكون محورا من محاور اطروحة دكتوراه.هل سر الشاعر/الناقد.
لطالما اختلفت معه في وجهات النظر ،ولكني والحق يقال لم أغفل عن متابعة ما نشره في زاويته يوم الأربعاء في الحياة الجديدة.
لعلني سأكتب عن تسمية الزاوية في المرة القادمة.
9-
ثرثرت كثيرا:
قبل شهرين وأكثر زرت الشاعر في مشفى الريحان.كان متعبا ومرهقا لقلة النوم ،وإذ أردت أن نواصل حوارا في الأدب ،اعتذر ،فهو مرهق ،واغفى.
ذكرت ،أمس،أبا يسار بأنني زرته فلم يتذكر . ولم أستغرب فقد كان في حالة صحية صعبة.
أمس كان أبو يسار في حالة صحية مقبولة،على الرغم من أنه ،حين سألته عن صحته،أجابني : فوق الصفر، ما دفع بيسار للتدخل: هكذا تحرق نفسك.احرق نفسك أكثر.فلم ترق إجابة الأب ،على سؤالي ، للابن الذي أمل من أبيه أن يتجلد ويصبر ويحتمل.
قال لي زياد خداش ،قبل أن نصل إلى بيت أبي يسار ألا أتي على ذكر ما ألم بأم يسار ،وأن أحدث الشاعر بماضيه الأدبي ،فهذا أفضل.
وساجد نفسي ثرثارا كما لم أكن ،حتى إنني قلت لزياد بعد خروجنا:أعتذر لأنني ثرثرت كثيرا.
في زيارات سابقة لأبي يسار في بيته كانت أم يسار تشارك في الحوار ،إن لم تكن مشغولة بإعداد وجبة الغداء.
وكنت يومها أثير الأسئلة وكان أبو يسار يجيب ويسهب في الكلام.كان هو من يتكلم أكثر.فيض من المعلومات وكم من التجارب وصحة تسمح له بأن يتكلم دون تعب.
كنت أحيانا أقول له: آمل ألا أكون اثقلت عليك ،وكان يرد:على العكس فأنت تحاورني في موضوعات أحبها كثيرا.
أمس ثرثرت كثيرا حتى أنني تحدثت عن اوجاعي لاخفف عنه ما هو فيه،بل ووجدتني اتحدث عن تجميد البنك لاموالي ،وعن رفض السفارة الألمانية في عمان تصديق شهادة الدكتوراه الخاصة بي ،ما دفعني إلى تصديقها من السفارة الألمانية في تل أبيب.
كان أبو يسار متعبا وفي أثناء الحديث أخذ يسترد عافيته ،فالحوار، لساعتين ونصف ،انساه اوجاعه.
ماذا شربنا؟ شاي بزعتر.مليسي .قهوة أميركية.
قلت لزياد ونحن خارجين: عيادة المريض ضرب من العلاج ،وكنت اسأل أبا يسار إن كان يجب أن نغادر ليخلد إلى الراحة.
10-
عيد الأربعاء،دمعة الأربعاء:طه حسين، اهل حمص::
كل من تابع مسيرة الشاعر ، بعد عودته إلى 'الجزء المتاح لنا من الوطن"-والتعبير له -، لا يغيب عنه زاويته الأسبوعية في جريدة الحياة الجديدة.
كان ينشر مقاله، الذي يشغل صفحة كاملة ، يوم الأربعاء، وغالبا ما كان تحت لافتة "عيد الأربعاء" وأحيانا يكون تحت لافتة "دمعة الأربعاء".اللافتة الأولى تخص الاحياء ،والثانية الأموات.
-لماذا يوم الأربعاء؟
يسأل زياد خداش.
لم أعد أتذكر إن كان للتسمية صلة بحمص وإن كان هناك سبب يخص مدينة حمص التي أنفق فيها الشاعر شطرا من حياته وولد فيها ابنه يسار .لعل أهل حمص كانوا يحتفلون بهذا اليوم.
أبو يسار يحب حمص.إنها مدينته الثانية بعد حيفا وفيها نشأ وتعلم ؛في مخيمها القريب منها.
-حمص لأهل سورية ،مثل معان و السلط لأهل الأردن ومثل الخليل لأهل فلسطين.
-وإن لم يكن هناك من يتندر على الحماصنة يتندر هؤلاء على انفسهم.يقول يسار.إنهم مجاذيب ومحبوبون.
-هل كان لاختيار يوم الأربعاء صلة ب طه حسين ؟يسأل زياد.
-أنا أحب طه حسين.يجيب أبو يسار ويتابع:ربما لم يغب عن ذهني.
-لماذا اختار طه حسين يوم الأربعاء؟يسأل زياد.
-ربما كان الأمر مرتبطا بموعد صدور المجلة.
ساتذكر الناقد الفرنسي ( سانت بيف) ومقالاته أحاديث الإثنين وأحاديث الإثنين الجديدة ،وساذكر بدراسة طه حسين في السوربون وقراءته الأدب الفرنسي ،بل وكتابته عن بعض نماذجه واعلامه.
كتب أبو يسار زاويته بانتظام ولم ينقطع عنها إلا مرتين ؛حين ترك غزة بعد سيطرة حماس عليها ،إذ عاد إلى حمص ،حيث استقر فيها مجددا ،وحين عاد إلى رام الله واصل الكتابة ثم انقطع ثانية يسبب المرض.
11-
محمود درويش الغائب الحاضر:
ما من مرة زرت فيها أبا يسار في بيته وحاورته في الأدب والشعر إلا كان لمحمود درويش حضور في الحديث.
أنا وأبو يسار معجبان باشعار الشاعر ،ولكننا لا نتفق حول شاعرية أدونيس بالقدر نفسه.أنا أقر بأن أدونيس منظر شعري ومفكر وابدي رأيي بكتبه التنظيرية ،بخاصة رسالة الدكتوراه "الثابت والمتحول" وكتاب "زمن الشعر" ،ولكني لا اطرب لأشعار الشاعر ،فهي لا تشدني،وقد يعود الأمر إلى خلل في ذائقتي الشعرية،واجدني منحازا إلى أشعار درويش.
لا يقلل أحمد دحبور من قيمة درويش الشعرية ،وقد كتب عن مجموعاته في زاويته، في الحياة الجديدة ،أكثر من مرة،بل إنه كتب مرة إن قصائد الشاعر ترن كقطعة الذهب الأصيلة.
هل شغل درويش مساحة من الحديث في الزيارة الأخيرة؟
بالتأكيد،وكان زياد خداش يسأل ابا يسار بإلحاح ،ويسأله إن كانت هناك خصومة بينهما.كما لو أن زياد يريد التأكد من قصة سمعها.
اختلفت مع أبي يسار غير مرة ،ولم يكن الاختلاف ليفسد للود قضية. نختلف ونتفق ونفترق ونلتقي،وحين كان يزور نابلس كان يعرج علي .كان ذلك في عهد الرئيس ياسر عرفات.ولا أظن أن أبا يسار طعن في محمود درويش ،فقد ظل يكن له ودا ،وكان هذا الود يبرز في التمهيد الذي كان أبو يسار يكتبه في تصدير مقاله.
كل عام حين كانت جائزة محمود درويس تعلن ولا يفوز بها أبو يسار كنت أشعر بالحزن ،وكنت أرى أن اجدر فلسطينيين بجائزة محمود درويش هما أحمد دحبور وعادل الاسطة،وكنت موقنا أن الأخير لن يعطاها لأسباب عديدة،ولكني كنت أستغرب عدم منحها لأبي يسار.
إنني اشدد على منحها هذا العام له.
12-
يوميات شعرية:احمد دحبور(١٩٨٢):سجل أنا عربي (بضم العين وتسكين الراء):
في اثناء الحرب الاسرائيلية -الفلسطينية في حزيران ١٩٨٢ تابعت ما كان الشاعر يكتبه عن الحرب.
كان المرحوم الشاعر محمد القيسي يتردد على مكتب م.ت.ف. في عمان ويحضر نشرة يومية عن الحرب لم أعد أذكر أين كانت تصدر.
كان أبو يسار ينشر فيها ما يشبه اللافتة:قصيدة قصيرة .
مرة نشر قصيدة يتحاور فيها مع مقاتل مغربي التحق بالفدائيين ليقاتل دفاعا عن الثورة الفلسطينية .
يجري حوار بين الشاعر والمقاتل-إن لم تخني الذاكرة- يسأل فيه الشاعر المقاتل عن سبب وجوده في لبنان ، فيرد المقاتل المغربي :
-سجل أنا عربي ،وإلا فلتفسر لي كيف التحقت إذن بالفدائية؟
حين أزور ابا يسار أذكره بقصائده /لافتاته تلك ؟وأسأله لماذا لم ينشرها حتى اللحظة؟
هذه المرة أيضا أتيت على ذكرها ،ولكني لم استطرد.
هل كان المقاتل المغربي قرأ قصيدة محمود درويش "سجل أنا عربي" وقال سطر الشاعر ليجيب الشاعر.؟
إن كانت إجابة المقاتل ناتجة عن قراءة قصيدة محمود درويش فقد انتفى مبرر الأخير في استيائه من الجمهور العربي حين كان الجمهور يطلب منه قراءة قصيدة "سجل أنا عربي".ها هي قراءة الفصيدة في العالم العربي تعود بالنفع،ولو خطرت الحكاية هذه على بالي وأنا التقي درويش لقلتها له.
هل كان أبو يسار أول من يكتب يوميات في أثناء الحرب؟
هناك يوميات دمشق للشاعر راشد حسين.كان الشاعر في حرب تشرين ١٩٧٣ يقيم في دمشق وانفعل بالأحداث فكتب قصائد قصيرة.
أحمد دحبور كتب قصائد يومية في حرب حزيران ١٩٨٢ ،ولا أعرف من يملك النشرة التي كان ينشر فيها ،لإعادة نشر تلك القصائد.
في فترات لاحقة سنقرا لافتات الشاعر العراقي أحمد مطر .تماما كما كنا نتابع يوميا الرسم الكاريكاتوري للمرحوم ناجي العلي.
في أثناء تحرير الجنوب اللبناني وفي أثناء حصار جنين فعل الشيء نفسه الشاعر العراقي مظفر النواب.
لا بد من مساءلة الشاعر احمد دحبور حول الأمر.
13-
ذاكرته الشعرية:
قرأ أبو يسار بيتي المهلهل دون تلعثم ، وروى أيضا الأسطر الشعرية التالية لتوفيق صايغ دون أن يخطيء فيها :
أمي خسرتها للموت
kخسرتها للحياةk
عدوي الموت
عدوتي الحياة
معلق أنا
بين موت وحياة
لا بموت وحياة..
واما أنا فنقلتها من موسوعة سلمى الخضراء.
أول مرة التقيت فيها بابي يسار كانت في مكتبة بلدية نابلس في ١٩٩٧ .يومها قرأ الشاعر قصائده عن ظهر قلب. استغربت الأمر وسألته : كيف؟
-لكثرة ما قرأت قصائدي أمام الجماهير ،فقد حفظتها عن ظهر قلب.
قلت له:هناك سبب آخر هو الغنائية العالية فيها ،وقرأت على مسامعه قول الشاعر العربي القديم :
تغن بالشعر اما كنت قائله
إن الغناء لهذا الشعر مضمار.
واشعار أحمد دحبور ،في أكثرها،أشعار غنائية ،حتى إنها لتضاهي غنائية محمود درويش.
أنا ميال لقصائد أبي يسار الغنائية ولهذا وجدتني أكتب عن ديوانه "ولدت هناك..ولدت هنا"(١٩٩٧) .
أحمد دحبور شاعر عبر عن تجاربه، وقصائده التي صدرت عن تجربة قصائد حارة.
14-
"العودة إلى كربلاء":
قرأت قصيدة الشاعر "العودة إلى كربلاء" من صفحات مجلة "الجديد "الحيفاوية الشيوعية ، وذلك في نهاية ٧٠ق٢٠ .
راقت لي القصيدة ، وتوقفت أمام بعض مقاطعها ، بل واعطيتها لطلبة الصفوف الإعدادية النشيطين لكي يقرؤوها ،في الصباح ، أمام زملائهم . ولما كتبت مقالة، لمجلة أصدرتها نوادي مخيمات نابلس "الفجر المنبثق" ، عن صورة المخيم في الشعر الفلسطيني ،فقد توقفت أمام المقطع التالي:
كانوا تاجرا
ومقامرا
كانوا دنانير الدخيل.
مؤخرا قرأت هذه الأسطر بتغيير مفردة. لقد استبدلت كلمة النخيل بكلمة الدخيل.
لم تغب الأسطر عن ذهني وأنا في بيت أبي يسار.
قلت له : مؤخرا قرأت فقرة من "العودة إلى كربلاء" ولكن مع استبدال كلمة باخري ،فالدخيل غدت النخيل. فما رأيك؟
سيقول لي أبو يسار إن القراءتين جائزتان .
أنا فضلت "دنانير الدخيل"على "دنانير النخيل " ولي وجهة نظر،فدال النخيل دال إيجابي، لا سلبي مثل دال الدخيل ، ولم تكن دول النفط غدت على ما صارت إليه.
هل اقتنع أبو يسار؟
الأمر يحتاج إلى العودة إلى مكان نشر القصيدة الأول، واظنها في مجلة "الجديد" دنانير الدخيل" وهكذا علقت في ذهني.
طبعا سنأتي على طبعة الأعمال الكاملة للشاعر وقد صدرت عن دار العودة.انا أخطأت وقلت :دار الآداب ،وأبو يسار صوبني وقال لي:لقد كنت أصغر الشعراء سنا ممن أصدر لهم محمد سعيد محمدية أعمالا كاملة.
كنت عرفت أن ثمة جهة تنوي إصدار أعمال الشاعر ،ثم أخبرني يسار أن هذا غير قائم.
أهي دنانير الدخيل أم دنانير النخيل؟
لقد تساوى الامران وصارت نجران فوق الصفر ،بعد أن كانت تحت الصفر ،وسبحان مغير الأحوال ومكثر الدولارات و رحم الله الكاتب الجزائري الطاهر وطار
15-
:المرض وتأثيره على القراءة :
كان الشاعر أحمد دحبور قارئا من الدرجة الأولى. يظهر ذلك من خلال متابعاته التي كان ينشرها في زاويته.
ولا أدري إن كان يحق لي أن أكتب بعض ما دار بيننا ، من حديث ، منذ سبعة عشر عاما.
كان أبو يسار يرى أن بعض كتاب غزة ،ممن عرفهم ،لا يطورون أنفسهم ،وظلوا على ما كانوا عليه قبل مجيء السلطة. وهذا بالتأكيد سيؤثر على حضورهم في المشهد الثقافي، العائدون كانوا منفتحين على الثقافة العربية واستطاعوا أن يطوروا أنفسهم ،خلافا لنا ،نحن المحاصرين تحت الاحتلال. وقد تفهم بعض المسؤولين الأمر ،فعمل على مساعدة الأدباء المقيمين بأن صرف لقسم منهم مساعدات ليسافروا إلى القاهرة ويعودوا محملين بالكتب.هل اشترى هؤلاء كتبا؟
أذكر أن أبا يسار زارني في نابلس وسألني عن المكتبة التي أشتري منها كتبي، وكانت مكتبة الرسالة، ولما ذهبنا إليها انتقى الشاعر عددا لا بأس به من الكتب ،وقال لصاحب المكتبة: احسب لي مكاسبي.ودفع مبلغا محترما.
في أثناء زيارته الاخيرة بدا الإرهاق عليه واضحا ،ويخيل إلي أن القراءة أخذت ترهقه منذ سنوات وما عاد يقرأ كما كان يقرأ قبل العام ٢٠١١ .
16-
سعاد العامري والكتابة الساخرة:
ساتي على ذكر سعاد العامري وكتابها "شارون وحماتي " وكنابها الثاني "مراد" .قرأت الأول ولم أحصل حتى اللحظة على الثاني الذي اصغيت إلى مقاطع منه قرأتها سعاد في الحمام في مدينة نابلس ،قبل سنوات،في احتفالية فلسطين للادب العالمي. وقصت قصة تأليفه حيث تسللت إلى فلسطين ١٩٤٨ ليلا مع العمال لتكتب تجربتهم ومعاناتهم،كما فعلت سحر خليفة حين كتبت "عباد الشمس"١٩٧٩ .
قلت لأبي يسار :إن سعاد كاتبة ساخرة وهذا ما ميز كتابها الأول ،و رويت له قصتها مع الجندي الإسرائيلي على مدخل القدس حيث طلب منها تصريح المرور ،ولم تكن حصلت عليه ،ولكن البيطري الإسرائيلي الذي عالجت كلبتها عنده أصدر للكلب جوازا ،فما كان من سعاد إلا القول: ولكن كلبي يملك جواز سفر إسرائيليا ،وأنا مرافقة له.
ابتسم الجندي وقال لها :(صاع)-اي انطلقي.
هل تحدثت عن الروائية رضوى عاشور وروايتها الطنطورية؟
أحمد دحبور :عن الدعابة والأدب خفيف الظل و......رضوى عاشور :١٥
وأنا أقرأ رواية إلياس خوري "أولاد الغيتو" وجب علي أن أقرأ رواية رضوى عاشور "الطنطورية" لاوازي بينهما ، من حيث استلهام نكبة فلسطين في ١٩٤٨.
ما لاحظته في رواية رضوى نادرا ما الاحظه في الروايات الفلسطينية بشكل عام.
إميل حبيبي في " المتشائل " و عارف الحسيني في "كافر سبت" ،ومؤخرا أنا في "حزيران الذي لا ينتهي ،شظايا سيرة" وربما هناك أعمال أخرى -في القصة القصيرة مثلا رسمي أبو علي ومحمود شقير في "صورة شاكيرا" و"ابنة خالتي كوندوليزا" - هؤلاء ربما عكسوا صورة للفلسطيني الساخر.(طبعا لن انسى المجموعة الفولكلورية لتوفيق زياد "حال الدنيا") .واشير إلى مقالات الكاتب جميل السلحوت التي تعكس الروح الفلسطينية الريفية بطريقة تشير إلى أن كاتبها لم يكن بعيدا عن حياة شعبه وروحه.
الفلسطيني هنا ليس متجهما عابسا عبس وتولى في مواجهة الواقع.إنه يسخر حتى من نفسه.يتهكم ويضحك ويستهزيء.
شيء من هذا بدا في كتابة سعاد العامري.قلت لأبي يسار ،وساتدكر رضوى عاشور و "الطنطورية".
تبرز رضوى ،قلت لأبي يسار ، صورة للفلسطيني المزيح والنكتجي ومواجهة الحياة بقدر من السخرية من الذات ،والسخرية المحببة من المعارف.سخرية.مزح.دعابة.مقالب.ابتعاد عن الصرامة والحزم في التعامل مع الآخر .
قلت لأبي يسار:لعل رضوى تشبعت بالاجواء الأسرية لعائلة مريد البرغوثي فكتبت كتابة ندر أن يكتبها ادباؤنا.
سانصح يسار بقراءة سعاد العامري ورضوى عاشور ،بخاصة "الطنطورية".
قرأت لرضوى "ثلاثية غرناطة" و "قطعة من اوروبا" ورواية ثالثة ،ورأيت أن روح الدعابة والمزاح لم تظهر إلا في الطنطورية.
هل تجادلت مع أبي يسار في الكتابة الساخرة ؟هل أتيت على كتاب غسان كنفاني "فارس ..فارس"؟
في مقطع سابق أتيت على هذا وذكرت ما ذكره لي أبو يسار حين زار غسان كنفاني في مكتبه في الهدف.
17-
طلب لافت:
لكتابي "سؤال الهوية:فلسطينية الأدب و الأديب " (منشورات دار شروق/رام الله ٢٠٠٠) قصة.
كان يفترض أن يصدر الكتاب في الأردن ،لا في رام الله، ولما عرض ،في الأردن، على الرقابة ،طلبت هذه إجراء تعديلات كثيرة ستفرض علي الرواية الأردنية .(الكتاب سيغدو بناء على التعديلات : وفق وجهة النظر الأردنية،وسيفقد قيمته وسيجعلني اتبنى الرواية الأردنية ،وأنا لا أراها الرواية الصحيحة ،وهذا شيء آخر).
قبل أن أزور وزياد خداش الشاعر عرجنا على مكتبة دار الشروق ،واشترينا كتبا.
طلبت من خضر خمس نسخ من كتابي (صححت الأخطاء الطباعية ولهذه قصة) .أهديت أبا يسار نسخة منها ،ولما أمعن النظر فيها طلب مني أن أكتب قائمة بمنشوراتي ،ولبيت له طلبه.
كان أبو يسار حين يكتب مقالا يراجع فيه كتابا أو رواية أو قصة أو ديوان شعر ، كان يبدأ مقاله بالتعريف بالكاتب وعلاقته به-إن كانت له به علاقة - ويأتي على كتبه ويعددها.
لم أتردد في تلبية طلب الشاعر مع أنني على يقين من توقفه عن الكتابة هو الذي حظيت أربعة من كتبي بكتابته عنها ، وكل كتاب بصفحة كاملة.
لم أكتب عنوان كتابي "ظواهر سلبية في مسيرة محمود درويش الشعرية " (١٩٩٦) عن قصد.وهو كتاب اغضب درويش واستفزه.
لم اسأل أبا يسار عن أمرين ؛أولهما عن طباعة كتابي الذي كتب لطبعته مقدمة "أدب المقاومة من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات "(١٩٩٨).(كان أبو يسار قال لي مرة إنه سئل عن طباعته كتابين كتابي واحد منهما،ولم يذكر لي أكثر من هذا).لم اسأل أبا يسار عن الجهة المعترضة والأسباب.وثانيهما عن الأخطاء الطباعية التي بقيت على حالها مع أنني لفت نظره إليها.
حدثت أبا يسار عن إشكالية كتاب "سؤال الهوية " وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك.
لا الأردن ولا السلطة الفلسطينية تعترف بشهادة الدكتوراه إلا إذا صرت تابعا لهما واخذ بالرواية التي يعلنها كل طرف. وأنا لست مقتنعا بسياسة كل منهما .
كيف طبعت السلطة الفلسطينية كتابي "أدب المقاومة "وهو لا يأخذ بروايتها؟
آمل أن يدلي الشاعر والروائي الكبير أسعد الأسعد برأيه،فهو الذي نشر لي في جريدته "البلاد" أكثر دراسات الكتاب توقف عن نشر المقالات الأخيرة،ولما سألته عن السبب أجابني:هناك ضغوطات من جهات بإيقاف نشر كتاباتك.
أبو يسار كان جريئا ونشر الكتاب كاملا.
18-
طموح الشاعر :
قبل أن أشتري ديوان الشاعر "هكذا"(١٩٩٠) كنت قرأت قصيدة "سجل الطموح" في أحد أعداد مجلة "الكرمل".
ما هو طموح أبي يسار؟
لنقرأ:
هذا سجل طموحي:
أن أشرب الشاي فجرا ، واستقل المدينة
إلى كنوزي الدفينة
وأن اراسل من رافقت جراح نزوحي
حتى أحقق هذا،أحتاج-أول شيء- إلى مدينة روحي
،وقت ، وأرض أمينة
وذكريات ، و شارع
ماذا؟ أهذا كثير وأنني غير قانع؟
أم غامت الأرض
حتى تراجع البحر
حتى لا بر لي أو سفينة
من أجل فنجان شاي
ودفتر
وطوابع
لا بد من قلاع ،وعسكر ،ومدافع
(تونس،١١/٣/١٩٨٥)
ستعلق هذه القصيدة الهادئة بذاكرتي منذ قرأتها.ولم أكن عرفت أبا يسار الذي عاد إلى الجزء المتاح إلى الوطن ولم يعد إلى مسقط رأسه:(حيفا).(ولد أبو يسار في العام ١٩٤٦).
طبعا سيزور الشاعر حيفا وسيرى البيت الذي ولد فيه.تصلح رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"١٩٦٩ لأن تدرس عودته من خلالها ، مع اختلاف التفاصيل.
هل كتب أبو يسار قصيدته ،وهو في تونس ، متأثرا بطروحات غسان كنفاني ؟
"ذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب "يقول سعيد .س مخاطبا (دوف) بعد ان ادرك استحالة الحوار بين المنتصر والمهزوم في حرب حزيران١٩٦٧.
وأحمد دحبور حتى يعود إلى مدينة روحه -حيفا- يحتاج إلى قلاع وعسكر ومدافع.
هل ساحاور أبا يسار في هذا في زيارة قادمة؟ هل ستسمح له صحته بالحوار؟
كلما زرت الشاعر وحاورته أسأله إن كان يمل من أسئلتي ،فيجيب :على العكس أنت تحاورني في موضوعات أحبها كثيرا وهي محببة إلى قلبي.
كان القاص زياد خداش ،دون أن ننتبه ،سجل بعض حوارنا ،ولعله يحتفظ به.
أعتقد أن الواجب يفتضي آن تحاور إحدى مجلاتنا الشاعر ،وأعتقد أنه قصر بحقه.
لعل هذه الخربشات قدمت شيئا لشاعركبير ومهم ،ولكن سجل طموحه البسيط المتواضع ربما جنى عليه شاعرا أو أننا جيل عاق.
امنياتي أن يسترد أبو يسار صحته وأن نتمكن من محاورته حوارا مطولا.
19-
فقدان أم يسار وأشياء أخرى:
كما تقول قصيدة الشاعر المشار اليها ،فإن طموحات الشاعر هي طموحات مشروعة لكل إنسان:أن يشرب الشاي فجرا،أن يراسل من قاسمته جروحه ووقفت إلى جانبه ، وأن يعود إلى مدينة روحه.
فجأة غادرت،على غير توقع،وفي وقت كان الشاعر بأشد الحاجة اليها،فجأة غادرت أم يسار.
هل عاد الشاعر إلى مدينة روحه؟
ينهي الشاعر قصيدته "مسافر مقيم" من ديوان "هناك..هنا"1997 بالأسطر التالية:
حيفا اهذي هي؟
أم قرينة تغار من عينيها؟
لعلها مأخوذة بحسرتي ،
حسرتها علي أم يا حسرتي عليها؟
وصلتها ولم أعد إليها
وصلتها ولم أعد إليها
وصلتها ولم أعد...
هكذا انتهت القصيدة التي كتبها أحمد دحبور بعد زيارته حيفا ، إثر اتفاقات أوسلو.زار المدينة ورأى البيت الذي ولد فيه ،ولم يستقر هناك.ومن هنا جاءت الحسرة.
رأى مدينة الروح التي ظل ،وهو في مدن المنافي ،يحن اليها ولم يتمكن من الإقامة فيها بقية عمره.
سيكرر أبو يسار على مسامعنا ما اختتم به قصيدته ،وسنأتي على الصورة التي التقطت له أمام بيته وادرجت على صفحات التواصل الاجتماعي.
-أنا التقطها له.قال يسار.
20-
فترة الانشقاق؟
ظل أحمد دحبور مع حركة فتح الأم بقيادة ياسر عرفات ،وظل قريبا منه ،ولم يكن أبو عمار ليرفض لأحمد -،حين عاد إلى غزة، وعمل في وزارة الثقافة-، طلبا.
في ما قبل العام ٢٠٠٠ ،حين زار الشاعر نابلس غير مرة وزارني فيها، حدثني عن تلبية أبي عمار لطلباته فيما يخص طباعة الكتب.لقد كان يحصل على تمويل الطباعة،إن لم يتيسر لوزارة الثقافة، مباشرة من الرئيس ،وآمل ألا تكون ذاكرتي زهمرت.
هل تحدثنا عن انشقاق بعض الكتاب عن حركة فتح ولومهم لأبي يسار لأنه ظل وفيا لقائده؟
ربما نتذكر إلياس شوفاني و....و....
لم تصغ أم يسار هذه المرة إلى احاديثنا ولم تعد وجية غذاء تونسية ،والمرة الوحيدة التي تناولت فيها وجبة طعام تونسية كانت من إعداد المرحومة التي لم أعز أبا يسار بها،بناء على طلب من زياد خداش.
ساغادر بيت الشاعر .هل التفت إلى نظراته عند المغادرة؟ هل كان غاضبا من شيء ما؟ معاتبا؟ يريد شيئا.
لا أدري لم يظل هذا الشاعر قريبا إلى قلبي،على الرغم من عدم اتفاقنا في قضايا أدبية عديدة.
لعل الزمن يسمح لي بمحاورته طويلا ،ولقد اقترحت عليه هذا ولم يمانع.
وفي لقائي مع القاص أكرم هنية ساطلب منه،إن كان له يد في جائزة محمود درويش ، أن تمنح للشاعر،فهو ،من وجهة نظري،الأجدر بها فلسطينيا من كثير ممن حصلوا عليها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى