رسالة مجهولة من للسياب الى الشاعر السوري عزمي مورلي

بغداد في 10-10-1956

أخي الكريم الأستاذ عزمي
أقول في إحدى قصائدي: أن الجبال لم تفرح بآلاف من الشموس التي أشرقت عليها ولم تحزن لأن آلافاً من النجوم قد انطفأت، لأن الإله لم يودعها الأمانة التي أودعها الإنسان – الحياة. أما الأحياء - والإنسان سيّدها - فهي تدفع ثمن هذه الحياة، تدفعه كله بالموت، وتدفع ثمن أفراح الحياة بأحزانها.

وقد كان تعرفي عليك، وارتباطنا برباط الأخوة والصداقة فرحة من أفراح الحياة، من أكبر أفراحها. وهأنذا اليوم أسدّد ثمن هذه الفرحة، إذا أفارقك، وأتذكر لقاءاتنا وأحاديثنا، فأود أن نلتقي دون فراق، ولكني كنت رابحاً في هذه الصفقة، فأن رسائلنا، وذكرياتنا ستكون بهجة دائمة، وسعادة هي أعمق أنواع السعادة.
أنا ما أزال أسمع الأجراس البلورية وهي تعزف ألحان الميلاد والموت وقد أصبحا شيئاً واحداً، جزءاً من الأبد. ولا تزال أناشيدك الرائعة تملأ نفسي: فأرى ظهيرة الأبدية. وأرى الإنسان وقد انكفأ على وجهه مصعوقاً، والزبد يغلف فمه.

إن كتاباتك الرائعة ستكون ظفرا للأمة العربية وللغتها. ونحن ننتظر اليوم الذي سنقرؤها فيه، انتظار المشوق.
والحق أنك قد جعلتني أثق بنفسي، وبأنني سأكون شاعراً ذات يوم، فشعورك الصادق، النبيل، بأنك من هذه الأمة، دماً وروحاً، جعلني أدرك أن شعري لا يخلو من عمق. فقد كتبت قصيدة عن الجزائر، تصوِّر مجاهداً جزائرياً يقف أمام قبر جده، فيستلخص دلالته ومعناه, فهو يقول:

ومن آجُرَّةٍ حمراء ماثلةٍ على حُفْرَةْ
أضاء ملامح الأرضِ
بلا وَمضِ،
دمٌ فيها، فسمَّاها
لتأخذَ منه معناها
لأعلمَ أنَّها أرضي،
لأعلمَ أنها بغضي،
لأعلم أنها ماضيّ، لا أحياه لولاها،
وإني ميّتٌ لولاه، أسعى بين موتاها.

أخي الحبيب
لا تحرمني من رسائلك, فهي غذاء تجوع روحي إليه، وتذكّر صديقك العراقي، كلما شربت كأساً من عرق الشام. فأني سأذكرك حين أشرب عرقنا الممزوج بالمِسكة أو (الماستيكة) كما نسميها.
بلغ تحياتي للأخوان جميعاً: مطاع، وعفيف، وصدقي
ومن عندنا، يهديك الأخ علي تحياته، ودم لأخيك.(توقيع)
المخلص
بدر شاكر السياب
[/align][/frame]

[align=justify]
ذات يوم، في عمان، قدم لي الصديق الكاتب باسم سكجها - رئيس تحرير صحيفة أخر خبر الأردنية التي كنت أعمل فيها محرراً لقسمها الثقافي - رسالة مصفرة متهرئة تحمل عبق السنوات الراحلة (مؤرخة في 10/10/1956 ـ بغداد) وما أن قرأت بعض سطورها حتى قفزت من طاولتي صارخاً: أنها لبدر شاكر السياب.
قال لي مبتسماً: نعم. وكان قد حملها له من بيروت أحد أصدقائه القريبين من الشاعر السوري عزمي مورلي، الذي كان يكتب شعره بالفرنسية والذي كان يعد في حينها أحد كبار المجددين في الشعر العربي المعاصر، وهي من الرسائل المجهولة التي لم تُنشر حتى الآن.

وقد حملتُ هذه الرسالة بين أوراقي وكتبي وتنقلت معي في رحلة الطواف التي عشتها متنقلاً من عمان فدمشق فبيروت فالسويد. وها هي الآن أمامكم لعلها تلقي شيئاً من الضوء، خاصةً وأن السياب الكبير كان يتحدث فيها عن بعض جوانب رؤيته الشعرية وقصيدته الشهيرة عن الجزائر التي يقول في مطلعها:
"رأيت اسمي على آجرة حمراء....."
عدنان الصايغ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى