ألان روب غرييه - المانيكان.. قصة قصيرة.. ترجمة: الدكتور حسن سرحان

على المنضدة يوجد إبريق للقهوة. المنضدة مدورة الشكل ذات قوائم أربع يغطي سطحها نسيج من قماش مشمع تبرز عليه أشكال مربعة بالأحمر والرمادي مرسومة على خلفية ذات لون أبيض مصفر لعله كان في الأصل معمولاً من العاج أو من نسيجٍ قطني.
في منتصف الطاولة، توجد بلاطة من السيراميك تقوم مقام المفْرَش الذي يوضع عليه صحن الطعام. إن إبريق القهوة الموضوع فوق المفرش ذاك يغطي بشكل كلي الرسمَ الموجودَ عليه أو على الأقل يجعل من غير السهل التعرف على ملامحه.
لإبريق القهوة، المصنوع من خزفٍ ذي لون أسمر، رأسٌ تعلوه مصفاةٌ اسطوانية لها غطاءٌ كأنه نبتة الفطر. أما عنق الإبريق فهو على شكل حرفS ذو خطوط مقوسة لطيفة مستديرة قليلاً عند القاعدة. وللإبريق مقبض يشبه الأذن او بالأحرى يشبه صيوان الأذن لكن الشكل المصنوع بحسبه ذلك المقبض يجعله يشبه أذنا مصنوعة بغير مهارة مدورة أكثر مما ينبغي وبدون شحمة مما يجعلها تبدو وكأنها عروة إناء.alan rob ghriahيكسو عنقَ الإبريق ومقبضَه وكذا غطاء رأسه لونٌ سكري اما باقي الإبريق فلونه رمادي فاتح براق. وما خلا النسيج المشمع ومفرش الصحن وإبريق القهوة فليس على الطاولة ثمةُ شيءٍ اخر.
على اليمين من الطاولة وأمام النافذة ينتصب تمثالُ عرض الملابس. أما خلف الطاولة فتوجد كوةُ المدخنة معلقة فوقها مرآة كبيرة مستطيلة الشكل يُرى فيها نصف النافذة (النصف الأيمن منها) وصورة خزانة الملابس ذات المرآة والتي تبدو على الجانب الأيسر(اي على الجانب الأيمن من النافذة). تعكس مرآة خزانة الملابس من جديد نفس النافذة والتي تظهر بكاملها هذه المرة ومن جانبها الأمامي (أي أن المصراع الأيمن يظهر على اليمين والأيسر يظهر على الجانب الأيسر).
وهكذا تظهر أعلى المدخنة ثلاثةُ أنصافٍ للنافذة والتي تتتابع بشكل متصل تقريباً بحسب الترتيب الآتي (من اليسار إلى اليمين) : نصفان أيسر وأيمن يُرى كلاهما من الأمام ونصف أيمن يُشاهد منه جانبُه الخلفي.
ولأن خزانة الملابس توجد بالضبط في زاوية الغرفة وتستطيل حتى الطرف الأقصى للنافذة، فإن النصفين الأيمنين لهذه الأخيرة لا يفصل بينهما سوى ركيزة رفيعة قد تكون خشب وسط النافذة (الركيزة اليمنى للمصراع الأيسر ملتصقة بالركيزة اليسرى للمصراع الأيمن).
ان المصاريع الثلاثة للنافذة تسمح، من أعلى السجف، برؤية أشجار الحديقة الخالية من الأوراق.
تحتل النافذة، هكذا، كل سطح المرآة باستثناء الجزء العلوي منها حيث تنعكس فيه رقعةٌ من سطح الغرفة وأعلى الخزانة ذات المرآة. يظهر أيضا في المرآة، فوق المدخنة، تمثالا عرض ملابس آخران. أولهما أمام المصراع الأول للنافذة، وهو الأصغر من بين المصاريع، على اليسار تماما وثانيهما أمام المصراع الثالث (ذلك المصراع الذي يقع الى اليمين أكثر من غيره).
إن التمثالين غير متقابلين. إذ أن الموجود على اليمين يظهر منه جزؤه الأيمن والذي على اليسار، وهو أصغر قليلا من الآخر، يبدو منه جزؤه الأيسر.
لكن من الصعب تحديد ذلك من النظرة الأولى حيث أن كلتا الصورتين، بسبب الموضع الذي وضع فيه التمثالان، تبدوان وكأنهما تُظهران نفس الجانب، الجانب الأيسر على الأرجح.
تماثيل عرض الملابس الثلاثة مصفوفة على خط مستقيم. يوجد التمثال الأوسط من بينها، ذلك المركون على الجانب الأيمن من المرآة والذي يتوسط الاثنين الآخرَيْن من حيث الطول، يوجد بالضبط بنفس الاتجاه الذي يقع فيه إبريقُ القهوة الموضوع على الطاولة.
يلمع على الجزء الكروي من الإبريق انعكاس مشوهٌ للنافذة يجعل صورتها تبدو على سطح الإبريق مثل شكل رباعي أضلاعه كأنها أقواس دائرة.
الخط الذي تصنعه الركائز الخشبية بين مصراعي النافذة يستطيل فجأة نحو الأسفل على شكل بقعة من الظل غير محددة المعالم.
لازال ذلك دون شك ظلُ تمثال عرض الملابس.
إن الغرفة مضيئة جداً لأن النافذة عريضة بشكل استثنائي مع أن لها ليس سوى مصراعين.
تنبعث رائحة طيبة لقهوةٍ حارةٍ من الإبريق الذي على الطاولة.
تمثالُ عرض الملابس ليس في مكانه إذ أنه يصف عادةً في زاوية النافذة على الجانب المقابل للخزانة ذات المرآة. حتى هذه الأخيرة ليست في موقعها المعتاد فهي كانت قد ركنت في الموضع الذي هي فيه الآن لغرض تسهيل عملية قياس الملابس.
يمثل الرسمُ الذي تحت الصحن بومةً لها عينان واسعتان مخيفتان قليلاً.
لكن في الوقت الراهن ليس من الممكن تمييزُ شيءٍ من ذلك الرسم لأن إبريق القهوة موضوعٌ عليه.



الدكتور حسن سرحان
دكتوراه ادب فرنسي معاصر من جامعة السوربون
أعلى