عبدالله زهير - رقصة كاتهاك(1)

مسرحٌ هائلٌ في ذلكَ الوطنِ المُزنّرِ بملايِّيْنِ الكومبارسِ المنذورينَ إلى أدوارِ الجوعِ والتفـرجِ الحارِّ
كأنَّ هذهِ جَيْبٌ لانهائيٌّ ثريٌّ يُوزِّعُ بهجاتِهِ على الفقراءِ ويملأُ بطونَهم بأرغفةِ الْغِبطةِوالمحبّةِ اللانهائيَّيْنِ
أخْيِلةٌ تُخلخلُ أرصفةَ الواقعِ الضاجَّةِ بأجسادِ المُشردّينَ
الغاطسينَ في قمامةِالعالمِ المثقوبةِ مِنْ قعْرها
مسرحٌ هائلٌ
مُتحرِّكٌ كما لو أنَّهُ يَتَطَهّرُ مِنْ لعْنةِ الوقار
هذا الولهُ المتطايرُ كإوزٍّ مهاجرةٍ
المطمئنُّ المتصوفُ في هودجِ موسيقاه كمخطوطةٍ قديمةٍ تُفكّكُ شفراتُها في هدوءٍ دونَ الوصولِ إلى أيِّ شيءٍ
هذا المرقُ الفالتُ المَغْليُّ المطبوخُ داخل أعماقِ الراقصِينَ على أثافيِّ نارٍ مجهولةٍ تتأجَّجُ
منْذُ أضرمَها الإلاهُ المُقدَّسُ "شيڤا"(2) ...
هذا الجسدُ الفتَّاكُ
المُتناسلُ خيولاً مِنَ نارٍ صاهلةً فوقَ حقولِ النشيدِ
..... ...... ..... ...
........ ............
إيروتيكا يتشابكُ فيها جسدٌ سائلٌ وروحٌ صُلبةٌ
وهذي شجرةُ الجنونِ العظيمةِ تنغرسُ فيها
وتطلعُ مِنْ غلصمةِ الطينِ الضاربِ في أحشائها
فيَسّاقَطُ تفّاحٌ وثنيٌّ
عفويًّا
وناضجاً يَسّاقَطُ بينَ يديكَ...
وطريًّا يَسّاقَطُ ثمرُالبهجةِ ويُوزَّعُ مجاناً في شوارعِ المدنِ المحزومةِببطونٍ خمصى وأجسادٍ معطوبة...
.... ... .... .... ... ...
... ... .... ... ... ...
وفي جميعِ الفصولِ تَرى هنوداً شبهَ عُراةٍ:
فوقَ رؤوسِ الجبالِ
وفي حقولِ الشايِ والبطِّيخِ وفي بيوتِ الصفيحِ المتهالكةِ
وفي زنْقاتِ الأحياءِالمُكتظّةِ بالبؤساءِ وبالمَوتى.
تَتَرجَّحُ أطرافُهم بتلقائيّةٍ راقصِينَ
ربّما سيقتلهم الجوعُ والمرضُ بعدَ دقيقةٍ أو يومينِ أو عامٍ...
مَنْ يدري؟
ولكنَّهم في جميعِ الفصولِ تَراهم
تَتَقلقلُ أجسادُهم بتلقائيّةٍ راقصِين...
1) هي الرقصة الرئيسية في شمال الهند، ويرجع أصولها إلى شعراء البدو قديماً، فتُعَدُّ مِن التقاليد الشعبية والدينية، كما تُعبِّر عن الحبِّ والإخلاص.
2) شيڤا أحد آلهة الهنود، إذْ يعتقدون أنّه خلق العالم، ثم دمّره، ثم أعاد خلقَه.
مدائن
على جانبيّ الحصون حصونٌ تليها حصونْ
مدائن موائدُ ممتدةٌ
وأكراشُ قومٍ جياعٌ بطاشٌ
عطاشى لشخب دماءٍ
تسيل على الأكؤس الساهرات فلا ينتشي أيُّ معنى لهم
ولا ينتشي الساهرون
على حزنهم
ولا ينتهي ليلُهم أبداً راكضٌ فوق أجسادهم
يُهرّسُ أضلاعهم
يجتويهم وهو يدوس عليهم
كمثل خيول الجنونْ
وكيف لهذي المدائنِ
قال لي جرحنا الأبديُّ المُعرىّ
مدائن ترتاح فيها نهودُ الغواني وتغفو ألوف الوجوه على وجهها
أتت غمضةٌ
ها هي الآن فانظرْ:
بقايا جنائن محروقة يسكنها الميّتونْ
هواء الروح
نرى الأجساد تتكسر مثل أكواز خمرٍ
مثل محصولٍ يضمحلُّ في الريحِ
لكن إلى أين يا تُرى
تذهب هذه الأرواحُ المضمخة بالحكايات؟
إلى أين تذهب هذه الحكايات الضاريةُ الشكِّ؟
أَأُصدق أنها في السماواتِ؟ أَأُصدق أنها في الأرض؟
أَأُصدق الآن أنها عدمٌ؟ هل أُصدق أنها الآن موجودةٌ؟ هل تحوم حوالينا مثل أشباحٍ مثل هواء شفيف؟
وما زلتُ أسأل:
هذه الأرواح القديمة الجديدة،
كيف صارت الآن؟ وما شكلها؟
كتاب الغيب
أقرأ في هذا الغيب كتاباً طويلاً
ولكنه ما إن يتجسد حتى يتوارى
أقرأ في هذا الغيب مرارة المعنى
وسديم الزمان..
أقرأ ما ليس له لغةٌ
ولا كلماتٌ..
أقرأ عجز جيوش الفيزياء عن مقارعة فيروسات الماوراء
أقرأ رعب العزلة في هذا العدم الآتي
أقرأ ارتعاش الكينونة وسط هذا الزمهرير العظيم
وحدي
أفكّك أبجدية كتابٍ لا يُقرأ..



عبدالله زهير


* نشرت في مجلة أقلام _عدد أبريل 2021)





1618671482486.png


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى