أحمد رجب شلتوت - لماذا نرفض التطبيع مع العدو الصهيوني؟

إن الطبيعي هو المألوف والعادي، أما التطبيع فهو تغيير غير الطبيعي ليبدو طبيعيا، وقد ارتبط مفهوم التطبيع بالصهيونية، إذ استخدمه المعجم الصهيوني للإشارة إلى يهود الشتات الذين اعتبرتهم الحركة الصهيونية شخصيات طفيلية بحاجة إلى إعادة صياغة، وأوكلت إلى نفسها تلك المهمة، فطرحت نفسها، على أنها الحركة التي ستقوم بتطبيع اليهود، ومع إنشاء الدولة الصهيونية اختفى المصطلح من المعجم الصهيوني لكنه عاود الظهور مرة أخرى، بعد توقيع معاهدة "كامب ديفيد"، إذ طالبت إسرائيل، بتطبيع العلاقات بينها وبين مصر، في كافة المجالات، فلم تكتفِ بالتطبيع السياسي، والاقتصادي، بل طالبت بالتطبيع الثقافي، وذلك لأنّها تقوم بتسويق نفسها ك"دولة طبيعية" في المنطقة، وفي نظر العرب، ليحل "التطبيع" محل "المقاطعة"، وبالتالي يمكن تعريف التطبيع مع العدو الصهيوني بأنه "عكس المقاطعة" فكل ما يناقض المقاطعة يعتبر تطبيعا.
وإسرائيل تسعى إلى إعادة تشكيل وعي الرأي العام العربي وموقفه تجاهها استنادًا إلى التطبيع السياسي، وهو الأمر المرفوض تماما من طرف الأغلبية العظمى من الشعب المصري، والشعوب العربية الأخرى التي وقع زعماؤها اتفاقيات سلام مع إسرائيل، لذلك قال بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء العدو الصهيوني: "إن أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا بل هي الرأي العام في الشارع العربي الذي تعرض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت إسرائيل بشكل خاطئ ومنحاز".
وهو بذلك يتجاهل حقيقة أن التطبيع (نتيجة) للسلام وليس (سببا) له. ويتحقق السلام ببساطة حين يحصل كل طرف من الأطراف المتنازع على حقوقه ويؤدي ما عليه من التزامات، وهذا ما لا تريده إسرائيل لأنها تعتقد أن قوتها تمنحها كل الحقوق وتعفيها من أي التزامات، وهذا هو موضع الخلل.
ولو أن هناك سلامًا عادلا بين إسرائيل والفلسطينيين بوجه خاص، وبينها وبين العرب عموما بحكم أن هناك أراضي عربية ما زالت تحتلها إسرائيل، لأصبحت العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية أمرا طبيعيا بين العرب وإسرائيل، ولما احتجنا أصلا إلى كلمة التطبيع، لكن ذلك يغيب عن الإسرائيليين المندهشين من الرفض العربي للتطبيع.
لكن يجب على كل الرافضين للتطبيع يجب ألا يسقطوا في فخ الرفض العنصري لليهود، وهذا ما تحاول إسرائيل دائما تصويره ونقله إلى العالم لتشويه موقف الرافضين لتطبيع العلاقات معها.
كما أن التطبيع في جوهره يعتمد تكريسا لتبعية الدول العربية لأمريكا وللهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، ويجب أن نؤسس - كشعب عربي - موقفنا الرافض للتطبيع على دعائم من رفض مشروع التوسع الاستيطاني الصهيوني، ومحاولات إسرائيل الدائمة والدائبة من أجل تكريس واقع تهويد وضم الأرض التي ما زالت توصف بالمحتلة وفقا لأحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، فضلا عن رفض استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وإدانة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قمع، وفصل عنصري.
أما مؤيدو التطبيع فيتغافلون عن كل ذلك، ويبررون موقفهم بأن ميزان القوى اليوم يميل بشدة لصالح إسرائيل، وبالتالي فمن الواقعي التعامل معها على أساس أنها القوة الإقليمية العظمى في المنطقة. وما يتناساه هؤلاء أن معادلة القوة الإسرائيلية والضعف العربي لا تعني بالضرورة التنازل المجاني عن حقوق عربية عادلة ومشروعة، ولا يجب أن تؤدي إلى التسليم لإسرائيل بقيادة المنطقة سياسيا واقتصاديا. وهذه الدعوات إلى التطبيع تخفي حقيقة أن العرب يعيشون اليوم أزمة ثقة بالنفس تستغلها إسرائيل التي تدرك أن هذه فرصتها السانحة قبل أن تتغيّر المعطيات ذات يوم قد يكون قريبا.
ومن المؤسف أن تتبع بعض الأنظمة العربية سياسات إعلامية تستهدف إعادة صياغة الوعي العربي تجاه "إسرائيل" بتصدير شخصيات تدعو للتطبيع، وتنتقص من الحقّ الفلسطيني، وهو ما يثبت أن المعركة في ساحة الوعي العربي من أهم ميادين السياسة الإسرائيلية نفسها.
وأخيرا فالانهيار الرسمي ينبغي أن يُواجه بتماسك شعبي على مستوى الوعي والممارسة، ولا بد وأن تستمر الشعوب العربية في مساندتها للمقاومة الفلسطينية وتستمر في مقاطعة العدو الصهيوني والدول والقوى المساندة له والمطبعة معه في كل المجالات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى