د. محمد سعيد شحاتة - ترميم..

إلى الصحفي الرائع بهاء عواد: فارس كنا نفتقد وجهه


أرمِّم وجه الذكريات
لعل الخيول التي تراودني كلَّ مساء
تكفُّ عن البوح
ويغادر صهيلها دمي المتخثر على طرقات المدن
والمتجلي في قصائد المغتربين
وأغاني الرعاة في السهول البعيدة
وأرسم فوق حوائطي عصافير
لعل القلوب التي غادرت في الهزيع الأخير
ترتِّب فوضى الضلوع الظامئة
وكلما اقتفيت ظلَّ قصيدة حاصرتني السهام
وأعين من رماد
وكلما اقتفيت تاريخ أغنية رعوية عدت مهزومًا
وأنكرت عيناي الميادين
وقصائد المديح المطروحة على أكتاف الباعة الجائلين
الدروبُ متَّشحة بالتواريخ
والغيوم عاجزة عن البوح
لعل تجاعيد الألحان أصابتها بالعقم
قال المعوِّذون:
أيتها النائمة في عيون العجائز
حول المواقد في ليالي الشتاء
كنتِ معشوقة
عشتِ معشوقة
فكوني معشوقة
*
أرمِّم وجه معشوقتي كل مساء
وأرسم على جدران القلب ملامح لمحطات تاريخها
وفي الصباح أسكبها في الطرقات المسكونة بالوجع
فلا يعانقني غير ظلٍّ شاحبٍ
وتمتمة كلمات
وأسئلة عاجزة عن البوح
وجماجم مثقوبة
فأعود أرمِّم ذاكرتي
*
هنالك
حيث المقاصل منصوبة
وحين تتجلى أروقة الإبداع
تطلُّ عينان نافذتان
ووجهٌ كثيف الشعر
ويدٌ ممتشقةٌ سيفًا علاه الصدأ:
أيها العابثون بأوراق التاريخ
قفوا عند بهو المقاصل
كأشجار عافها الماء
فأنضجها الوجع
جوسوا خلال عطركم المنتشي بسطوة الانعتاق
وتقدموا واحدًا واحدًا
فأنتم جراثيم المكان
وأوبئة التاريخ
ولا صوت يعلو فوق صوت المقصلة
*
المدن شاحبة الشوارع
والأزقـِّة تطلُّ على قبور ساكنيها
والأشجار متدلية على الطرقات
تعانق رماد مبدعيها
والعينان النافذتان تجوبان أروقة العقول
تفتِّش عن غنائمها
*
أيتها النائمة في عيون العجائز
حول المواقد في ليالي الشتاء
كنتِ معشوقة
فكوني معشوقة
*
النهر أنضجته الأغاني الحزينة فباح بأوجاعه
والليل يفتح دفاتره ليقرأ ساكنوه ما كتبت أرواح الراحلين
حين كانوا يعبرون إلى الضفة الأخرى
ولم يكن بحوزتهم غير أنفاس معتَّقة برائحة الصخور
ودموع ممزوجة بحنين العاشقين
أيتها المعشوقة القابعة في أروقة القصائد
وجذوع الأشجار المعتَّقة بأنفاس الراحلين
كنت معشوقة
فكوني معشوقة
*
د . محمد سعيد شحاتة
  • Like
التفاعلات: عامر البري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى