علجية عيش - من يتحمّل مسؤولية تمرد الشعوب؟

و هل الأزمة هي أزمة مثقف؟

يقول المختصون في الثورات "إن الإيمان بالجماهير هو روح الديمقراطية، وبدون هذا الإيمان تبقى الأطر السياسية أو الدستورية مجرد كيانات شكلية خادعة أو كاذبة". يرى المحللون السياسيون أن النظام والحزب أيضا الذي لا يقيم صلات ديمقراطية مع قواعده ومع الجماهير كذلك يتحوّل إلى نظام أوحزب تحكمه "العصابات"، والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو: "من يتحمل مسؤولية هذا التمرد في اي بلد من البلدان العربية، أوفي حزب من الأحزاب، والسؤال يطرح نفسه هل يوجد طرف ثالث يصلح ذات البين؟ أو يملأ هذا الفراغ السياسي؟



ما يحدث في العالم العربي اليوم يدل على أن السياسات التي تبنتها أنظمة هذه الدول عرفت فشلا ولم تكن مدروسة بالشكل الجيد الذي يمكنها الحفاظ على وحدة أنظمتها وانسجام الجماهير معها وتنقلهم إلى مرحلة جديدة في البناء المتواصل وعدم فصلها عن جذورها التاريخية التي تبقى دوما في خدمة أهدافها، يؤكد خبراء اقتصاديون أن قسما هاما من ثروات الشعوب العربية ما يزال تحت قبضة الاستعمار، وأن هذه الثروات لوتمت استعادتها لأمكن من تحقيق التنمية والتصنيع وتحقيق الأمن الغذائي والازدهار لجماهير الشعوب، هذه الممارسات التي تمارسها الأنظمة العربية خلقت مجتمعا عنيفا تبنى ثقافة الانقلاب على الحكام وهو كما يعتبره البعض موقف ثوري أخذت به الشعوب التي أعلنت ثورتها ونقمتها عليهم، ويصف البعض ما يحدث في البلدان العربية ب "الأحداث" وينفي عنها صفة "الثورية" وأن هؤلاء يحاولون النبش على rشرة الحياة السياسية مثلما أشار أحد قادة الأحزاب الجزائرية.

وإن كان بإمكان وصف ما حدث في أكتوبر 88 بالأحداث فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الغضب الذي فجره الشعب الليبي أحداثا، بل هو ثورة وتحرك جريء في جوف المجتمع، فالوقوف على وجه المقارنة بين الأحداث والثورة يدفع المتأمل بأن يرجع بذاكرته إلى ما وقع في تونس ومصر وقبلها في الجزائر، و الذين يلغون صفة الثورة إلا إذا كما قال لينين اصطف جيش من العمال والفلاحين وقال: "نحن مع التقدم والديمقراطية والاشتراكية" بينما في مكان آخر يصطف جيش ثان ويقول: "نحن مع الاستعمار والإقطاع والرأسمالية"، فالذين لا يصورون الثورة إلا وفق هذا المخطط يضيف لينين هم أصحاب خربشات بدائية يسمونها نظريات علمية، والذين يحاولون إلغاء الثورية يدركون جيدا أن الثورة انفجار يخرج ما هومكبوت في صدور الحكام المسؤولين ويكشف ما هن مستور ويزلزل كل ما هو قديم.

الزعيم الحقيقي هو صانع للتاريخ

يستدل الكثير من المحللين السياسيين بمقولات زعماء تركوا بصماتهم في التاريخ، فهذا "بيل كلينتون" عندما خاطب سكان ديترويت الأمريكية قال: "إن أمتنا تناضل منذ تلك اللحظة التي تأسست فيها من أجل فكرة أن للناس الحق في التحكم في حياتهم وفي السعي إلى تحقيق أحلامهم"، فلو تركت الأنظمة شعوبها تقرر مصيرها بيدها ومنحتها حرية التفكير والاقتراح والقرار، لما كانت هناك ثورات أو أحداث كما فضل البعض تسميتها، أو بالأحرى تقزيمها، كان على الشعوب أن تعبر عن غضبها وتذمرها بتجاوز خطوط الأسلاك الشائكة التي وضعتها الأنظمة، يقول المختصون في الثورات ومنهم الدكتور ياسين الحافظ: "إن الإيمان بالجماهير هو روح الديمقراطية، وبدون هذا الإيمان تبقى الأطر السياسية أو الدستورية مجرد كيانات شكلية خادعة أو كاذبة". كان مطلب الجماهير هو تحقيق ديمقراطية أكثر جدية تكون إطارا لممارسة المسؤولية الشعبية في نفس الوقت، ديمقراطية تبنى على الطابع الجماعي للحكم. ويرى هذا الباحث أن بناء الديمقراطية الشعبية لابد أن تبدأ من القاعدة الجماهيرية، وربما هذا ما لم تستوعبه الأنظمة الحاكمة وحتى الأحزاب تجاه مناضليها التي اعتمدت القمع وسيلة لنضال ودخلت في صراع محموم مع قواعدها والتعامل معهم بأسلوب إبادي، وهذه الممارسات زادت الوضع تعقيدا،و لذا يرى المحللون أن النظام والحزب أيضا الذي لا يقيم صلات ديمقراطية مع قواعده ومع الجماهير كذلك يتحول إلى نظام أو حزب تحكمه "العصابات".

السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو: "من يتحمّل مسؤولية تمرد الشعوب في بلد من البلدان العربية، أوالمناضلين في حزب من الأحزاب، والسؤال يلح على الطرح هل يوجد طرف ثالث يصلح ذات البين؟ أو يملأ هذا الفراغ السياسي؟ فهل نحن في حاجة إلى زعيم من نوع خاص؟ زعيم يتبوأ دور مسؤوليات الزعيم، طالما الزعيم الحقيقي كما تقول "بي نظير بوتو": " إن الزعيم الحقيقي ليس مجرد ممثل لأمته، وإنما هو أيضا بانٍ (من البناء) لأمته وصانع للتاريخ بطريقة أكثر عمقا مما قد يسمح به التعريف الضيق والمتعارف عليه للديمقراطية"، ويقف الكثير مع طرحها، لأن العالم تغير وهو مستمر في التغيير، وسيتغير أكثر فأكثر من ذلك بكثير، هكذا كانت تردد هذه المرأة العملاقة التي قادت حكومة بأكملها، وجعلت الرجال يلتفون حولها، وقد آمنت بأنه من الحماقة العمل في هذه القرية العالمية ذات الاتصالات الفورية وخطوط الصدع الثقافية الحضارية السياسية قائمة وموضوعة، وربما تقصد هذه الزعيمة إلى دور الطبقة المثقفة أوكما يسمونها ب "النخبة" في تفعيل الجماهير وإحداث " التغيير" الإيجابي وبناء مجتمعا سليما وواعيا.

وإذا كان من المفارقات أن ييلتقي العلمان الصيني والياباني ويرفرفان بجوار بعضهما البعض وهما اللذان كانا بالأمس القريب عدُوَّينِ شرسين، فإنه من المفارقة أن نجد الأعلام العربية متفرقة وممزقة، والعرب يتفرقون ويتحولون إلى أعداءٍ ألداء، وينتشر الذعر بين النساء والأطفال والشيوخ، وكأن الذي كان يجمعهم ويوحد صفوفهم ذاب مع الثلج وغار مع عواصف الشتاء، يرى الكثير من المختصين والمحللين أن الخروج من الأزمة تستوجب على العرب جميعا عقد مؤتمرا عربيا جامعا، شبيها بمؤتمر"باندوغ"، عندما اجتمع العرب في شهر افريل من سنة 1955 عندما اجتمع العرب لإسقاط مشروع الوجود الإسرائيلي وفضية التفجيرات الذرية.. كان الحضور كما وصفه الذين حضروه وشاركوا فيه أكثر تفاعلا وحماسة بوجود الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي هاجم فكرة وجود إسرائيل، كما كان الحضور المغاربي قويّ للغاية من أجل إدانة فرنسا (صالح بن يوسف من تونس، علال الفاسي من المغرب وأحمد يزيد عن الجزائر)، صوتت فيه 29 دولة ضد فرنسا، ولم تمض فترة حتى تحصلت تونس والمغرب على استقلالهما.

هذه المواقف تستدعي إعادة النظر في بعض المبادئ والتوصيات التي أخلت بها الدول العظمى منها احترام سيادة جميع الأمم وسلامة أراضيها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لمختلف الدول، فالغضب الشعبي أصبح يرافقه شعور بالألم والأسى، والساحات العربية تسجل عشرات الموتى في اليوم يتطلب البحث عن رجل محل ثقة الجماهير، رجل يكون متحررًا من كل أشكال "التبعية"، رجل لا يقبل بالزواج السياسي ولا يمكن أن يرضخ للضغوطات ولا يعمل بالإملاءات،، يحدد الخطوط العريضة للنهوض بالجماهير وتحقيق الوحدة الوطنية والوحدة العربية، يرى البعض أن الأزمة هي أزمة "مثقف"، فالمثقف الحرّ وحده الذي يقحم نفسه في مشكلات الآخر، يبدي آراءه أومواقفه تجاه القضايا المعقدة وسلوكات الحكام دون خوف أوتردد، تراه يكتب ويكتب، وفي نهاية كل ما يكتب يوقع: "لن أموت صامتا"، لأنه يوقن أن آلام العرب جميعا هي آلامه وصرخته تعبّر عن مأساتهم، ولأنه يؤمن بأن ما يكتبه يعبر عن نضال مستمر وضروري للشعوب التي تبحث في أعماق التاريخ عن عظمتها المفقودة، فلا ينبغي عليه أن يقف موقف المتفرج، كمن يتابع مسرحية وينتظر كيف تنتهي فصولها، بل عليه أن يهيئ لها نقطة الانطلاق من جديد.
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى