رسالة من عبد العزيز أمزيان الى عبد السلام مصباح

الى صديقي الشاعر: عبد السلام مصباح
مساء العطر صديقي البهي عبد السلام مصباح. في الواقع لا أعرف كيف سارت الأمور على هذا النحو المقلوب؟ ربما هي الحياة تريد أن تناكفنا كي تختبر قدرتنا على التحمل وشجاعتنا على استكناه القواعد الشاذة كي تعودنا على تقلباتها وتكشيرتها . كان يجب في الأصل أن تكون الرسالة الأولى لك في تقدير الحساب لكنها جاءت هي العاشرة في عدد الرسائل التي أكتبها تباعا الى الأصدقاء/ الأدباء ذلك لأن أول شاعر التقيت به عندما انفتحت ذاتي على أشرعة السفر كان هو أنت أخي عبد السلام .ما زلت أذكر التقيت بك برفقة المبدعة مريم بن بخثة والشاعرة كريمة دلياس في القطار حيث كنتم أيضا مدعوين الى المهرجان الوطني الخامس للشاعرين بنسالم الدمناتي وعبد الناصر لقاح من قبل جمعية الأفق التربوي بمكناس 16/17/ ابريل سنة 2010 تحت شعار الشعر وبناء القيم سهر على تنظيم هذا الحفل الشاعرة نعيمة زيد الاستاذة الرائدة في العمل الجمعوي. ما زلت أذكر كل التفاصيل: بدوت شاعرا مختلفا، كان لوجهك ملامح طفولية ،رحيل نحو ذاكرة غائرة تعود بالمرء الى مرحلة السبعينيات حيث كان العالم ما يزال يحتفظ بقسمات وجهه كما هي لم يكن تزين- بعد- بالمكياج أو وضع الكحل في عينيه كما هو الحال الان . هكذا رأيتك صافيا من كل الشوائب كنت أتأمل حديثك بنوع من الدهشة لأنه أعادني الى الماضي البعيد حيث كانت الفراشات تفتح لنا أزرار الشمس بوداعتها وخفة رفرفتها القريبة منا حتى ليتخيل لنا أنها انبعثت توا من أرواحنا .رأيتك تحلق في الضوء، تكبر في الأرواح كدوح. ترسم مرايا الشعر بخطوط الورد وتنحت الحرف بعبق النسيم وسحر المجاز. كم تكون جميلا وأنت تنثر حرفك في حدقات الفضاء. تبدو كما لو جئت من رنين المساءات وردهات الغيم وسحنات الفجر ،ترشفك القصائد بتؤدة وروية كما لوتود أن تعطيك لون البياض وعطر الاقحوان وسحر الغصون المائلة وجمال البرد الناعم وروعة الماء المتدفق. كم تتعدد في زهر الحرف! تورق أنفاسك في نهره العاري. ترسو حدائقك في مراسي الشمس، فيتناثر العبق في الأفق معانقا غفوة المساء وانشداه الأفواه في صحوة الولادة. وأنت بين وردتين وقبلة تنزلق من قنديل الشفق ،تغمس جناحيك في زخات الفجر ملاكا يحلو له أن يتمدد بين هسيس الشفتين ونبع القبلة الصافية حيث تطلق هديلك بين رفرفات النور ومدارات الحبر في لوح نورستك الهاربة منك اليك . يحترق جسدك وتشتعل نار الشوق في فؤادك حين تتعرى نوستك تمسي بحرا يجري بأمواجه المتدافعة كي يغسل عينيه بجمال جسدك الفتي . تشتعل كل قصائدك بجمر العواطف وجدوة الهيام وسيدتك حين يسكبها القلب في نهر الحياة تقول بملء اشتهاء :

سَيِّدَتِـي
حِيـنَ تَكُونِيـنَ عَلَـى صَـدْرِي عَارِيَـةً
وَأَرَاكِ بِكَامِلِـكِ
طَاهِـرَةً
عَذْبَـة
وَبَتُـولاً
لَـمْ تَسْتَنْزِفْهَـا أَحْـلاَمُ الذَّهَبَيْـن...
تتَوَهَّـجُ كُـلَّ مَسَامِـي
تَهْتَـزُّ جُـذُورُ الْقَلْـبِ،
وَفْـي رَعَشَـاتٍ
يَسْكُنُهَـا الْفَـرَحُ الشَّامِـلُ عَاصِفَـةً
تَنْسِـفُ أَحْزَانِـي
حُزْنـًا...
حُزْنـًا...
يَشْتَعِـلُ الْجَسَـدُ الْمُثْقَـلُ بِالرَّغَبَـاتِ
وَأَحْنِـي رَأْسِـي
كَـيْ أَلْثُـمَ نَهْدَيْـكِ
وَلاَ أَخْجَـلْ...
أَلْثُـمُ كَـلَّ تَفَاصِيلِـكِ
حَرْفـًا
حَرْفـًا
أَلِفـًا
رَاءً
ضَـادًا...

مقطع من قصيدة للشاعر عبد السلام مصباح بعنوان: توقيعات على سيمفونية الخصوبة.
كم يطيب لي أن أعوم في نهر حرفك ! أشعر أني أتجدد! مياه تطفو باردة ،نوارس تحلق في سمائي ، أحلام تطير في غيم ليلي ، ألحان ترشف وحشتي ،أسحب القصائد الى موائدي فتكبر في روحي الحياة، ويزهر الأمل مثل الرنين في مساحات العمر..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى