حسن إمامي - سرد لواقع لا يرتقي حضارة.. "مباراة حريمية"

(4/4 طرح واحد من أربعة زائد واحد يساوي أربعة)

*ربما ستقلق الأستاذة فاطمة المرنيسي من هذا العنوان، او سأسمع احتجاج الأستاذة نوال السعداوي من ارض الشمس، او وقفة المناضلة خديجة الرياضي من داخل صفوف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لكن المباراة بدأت منذ عقود وما تزال حامية.*
فريدة فتاة من مدينة مغربية كانت تشتغل في إحدى صالونات الحلاقة بالعاصمة الرباط. استطاعت توفير قدر من المال لا بأس به. وبحكم الأمن على النفس من ضيق الحال، بدأت تفكر في مشروع مستقل. انفتحت آفاق التفكير. لكن غدر الحبيب لها الذي كانت تواعده في كل حين، والذي ضبطته مع أعز صديقاتها، جعلها مكهربة الجو والمزاج، في ضيق وحسرة وخيبة أمل.
جاءتها فرصة العمل بالمملكة السعودية. عقد عمل كمشغلة داخل إحدى الأسر السعودية. كانت مستعدة ماليا ونفسيا للتجربة وإخلاء النفس من مناخ ملوث بسبب أعز المقربين لها في مدينة عملها داخل وطنها بالعاصمة الرباط، مدينة غربتها الصغيرة ما دامت بعيدة عن أسرتها، وها هي ذاهبة إلى غربة كبيرة في قارة غريبة.
وهنا تبدأ الحكاية. حكاية مشاهدة لمباراة حريمية حميمية. قائدَا فريقيها خليجيان،أ خوان، شقيقان:
الأول اقتنى لحد ساعة دخول المشاهدة لهذه المباراة ثلاث مغربيات من إحدى المدن المغربية، وطبعا بتدرج، وفي إطار حلال. كلما أشبعته الأولى في الرغبة والشهوة وحارب بها جهله للجنس والمرأة، وهذا هو البحث العلمي التجريبي السائد في مجتمعاتنا، كلما استكمل وطره من الأولى فكر في الثانية. ولا تمضي سوى سنتين او ثلاثة حتى تجده قد جاء إلى أرض المغرب وأضاف الثانية ثم الثالثة. ولا غرابة، فقانون هذه اللعبة يبدأ بعدد أقل ثم يتزايد العدد آو يقل بحسب معطيات المباراة. وحيث يطبق هنا قانون الواقعية والنسبية والتعامل مع الوضعية، - وهذا يتماشى مع بحثنا التجريبي والعلمي داخل حقولنا الاجتماعية.- قد ينجب منهن آو لا ينجب. وهنا تتفاوت درجات الترسيم داخل الفريق، ودرجات الرقي في مراتبه والاستقرار فيه. لكن يبقى عميد الفريق هو الحكم في كل وصل أو فصل. وهذا قانون آخر داخل هذه اللعبة في هذه المباراة الحريمية الحميمية.
الثاني شقيق الأول وأخوه من أبيه وأمه. اقتنى لحد ساعة دخول المشاهدة لهذه المباراة ثلاث سوريات فاتنات في الحسن والجمال كذلك، وطبعا بتدرج مواكبا في منافسته داخل هذه المباراة لشقيقه الأول.
بنفس المراحل وبتطبيق نفس القوانين ومع عمليات الإنجاب والفصل والوصل داخل عمليات التحكيم.
لحد الساعة، لحد الآن، فاللعبة مضبوطة، مضمونة بمواردها البشرية وإمكاناتها المادية، موزعة على خريطةة هذا العالم العربي الذي أصبح عجائبيا في عصر الحضارات الرقمية.
لكن الدخول لمشاهدة المباراة الحريمية يعرضك لمخاطر. فقد تُرَشح لتكون عضوا داخل أي فريق، داخل هذه المباراة الماراتونية والتي هي لعبة دهر في هذه المجتمعات البترولية. فالحاكمان هما اللذان يقرران. ومعايير الرغبة والشهوة محددان لاختيار عناصر فريق جديدة تشارك في هذه المباراة الحميمية. وطبعا، هذه المبارة، مرشحاتها نسوية ليست ذكورية. والمباريات كثيرة تختلف في اختياراتها الجنسية.
دخول المشاهدة، جعلها محط اهتمام أحد حكمي الفريقين. ما دامت مشكلة للطاقم التقني لفريقه وناديه. أثارت شهوة الحكم الأول، الذي لم يرد لها أن تكون عنصرا رسميا في الفريق، بل فقط لاعبة مستعارة موسمية. أراد قضاء شهوته منها. فلياقته كبيرة قوية.
رفضت المشاهدة نوع المشاركة، واشترطت أن تكون لاعبة رسمية، لها نفس ضمانات وترسيمات وتعويضات عناصر الفريق الأنثوية، في إطار قانوني نسميه بالشرعي والحلال حتى نذوب أي شكل ثقافة دَنية، فيصبح له الشرعية ولو كان مغيبا لكل كرامة وحرية.
غضب الحكم من المُشاهدة التي رفضت المشاركة في المباراة الموسمية. وقانونه لا يجعل الورقة الصفراء أو الحمراء. بل هو مزاج ونفسية، لا يَخرج من اللعبة مَن يشاء، متى يشاء.
عقوبة المباراة الحريمية:
تعرضت المشاهدة للشتم والضرب، مادام هو وليها ومن تعهد بها داخل المملكة السعودية لحمايتها، ونعم الحماية. ومادام هو الماسك لأوراق اعتمادها وعملها وجواز سفرها في شبه الجزيرة البترولية. شتمٌ وضرب ثم سجن حريمي داخل غرفة مستقلة بمرحاض.
ضغط وابتزاز ومساومة. إما الخضوع للرغبة والممارسة اللاشرعية داخل هذه المباراة الحريمية، وهذا طابع حَكَمَيها واضعي قوانينها، وإما العقاب بأشكاله السادية والاستبدادية.
تجويع وتضييق، وصمود كرامة للمشاهدة المنسية التي فضلت الموت على استغلالها. فالقلب وما يريد ولو على حساب الحقوق الأساسية:
ـ لست أمٓة لك ولا تستطيع نيل رغبتك إلا على جثتي، فليست كل النساء وضيعات.
يزيد هذا التحدي من غليان وغضب الحكم رمز السلطة الذكورية التاريخية. جو جهنمي اصطاد المشاهِدة. لم يكن يخطر ببالها أنها ستتورط في كل هذه المحن داخل هذه المباراة الحريمية.
بقيت صامدة لأكثر من أسبوعين، لا يصلها من الطعام إلا ما دس خلسة من طرف المتعاطفات من الحريم المُشكل لفريق(أ). أخذت تذبل وتفقد خصائصها الأنثوية والجمالية. لم تنفعها إلا حالة استثناء، خرجت فيها لداخل المنزل الفسيح لتساهم في تنظيف الفضاء وتقوم بشبه الأعمال الشاقة. انسلت من باب المطبخ وهرولت حتى وصلت إلى باب من يمثل قنصلية بلدها. وتلك حكاية أخرى بدأت بها تفاصيل معاناة جديدة، وعودة غريبة إلى أرض وطنها وأهلها. المهم أنها خرجت من مرحلة خطر رأت فيها الموت مبتسما لها مذكر لا كأنثى، إلى مرحلة معاناة أقل. لكن في الأخير استطاعت أن تنجو من هذه المهانة، وبفضل نجاتها سمعنا لهذه الحكاية من داخل هذه المباراة العجائبية الحريمية. وكان آخر تعليقها بعد الحمد لله على النجاة والتخلص من جحيم الغربة وثقافة الحريم القروسطية:
أعيش فقيرة في بلادي و لا أقببل غنى الذل والإهانة في بلاد أخرى.
أقفلنا الهاتف الذي جمع حوارنا وشجوننا على أمل كلام وردي غدا ينسينا هذه الهموم، همومنا.

حسن إمامي
يناير 2009



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى