حميد عقبي - سهرة بيجاما.. قصة قصيرة

يحل المساء أخيراً، يلبس بيجامته الدافئة، يجلس أمام جهاز الحاسوب المحمول، يستطيع أن ينعم بلحظات ممتعة، يعرف أخبار أصدقائه على الفايس بوك، هذا الأزرق يغريه لساعات قد تطول إلى بداية ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود، يملك ثلثمائة صديقة وصديق إفتراضي.. لكنه يرى أخبارهم وأخبار أصدقائهم، حرص أن يكون له من كل بلد صديق أو صديقة ليعرف عادات وتقاليد متنوعة.
يفتح صفحته الآن ونظره يتجه نحو الرسائل، مرت الثواني الأولى، لا تواجد أي رسالة، ينتابه بعض الحزن ولا يفهم لماذا يشعر بالسعادة عندما يجد ولو رسالة واحدة حتى عندما تحمل كلمة واحدة، لم يجد أيضاً أي إشارة إعجاب على أي من منشوراته الحديثة أو القديمة، لم يجد ردود على طلبات الصداقة التي بعث بها مساء البارحة عقب عودته مباشرة من الحانة، يزداد توتره، يتحول إلى قلق مرهق.
يسمع صوت يأتي من صفحتة، ثمة رسالة وصلته الآن، يسارع لفتحها، يكتشف أنها تحذيرات ونصائح بأن لا يرسل طلبات صداقة لأشخاص لا يعرفهم وإلا ستتعطل صفحته أو يتم حذفها مراعاة لحقوق الخصوصية.
هنا كمن تلقى صفعة مؤلمة، يُحسّها على خده ورقبته، يُحسّ بنوع من الإهانة من أولئك الذين بعث لهم مؤخراً، يتذكر أنه بعث لثلاث فتيات التقاهن في الحانة، من هي الحقيرة التي شكت به أو بلغت عنه؟
أتبلغ الحقارة أن يتحول إلى مشكوكٍ فيه وربما تُلغى هذه المساحة التي يشعر فيها أنه على تواصل مع العالم وأنه ليس سجين هذه الجدران الكئيبة ، هذه الأرضية الباردة، ينظر إلى غرفته العارية من متاع الدنيا وزخرفها..ذلك المطبخ مساحته نصف متر وكذلك الحمام مع خرطوم قصير للإغتسال.
يشعر أن كرامته مجروحة وأن خنجرا مسموما ينغرس في ظهره، هو يعرف البنات الثلاث كونهن من نفس المدينة وسبق أن تحدث معهن في أحدى الحانات ( لويز وفانيا ولي لي)، يغوص في حلم يقظة، يرى لويز بيدها كأسها تضحاكه بينما تظل لي لي مبتسمة ثم تأتي فانيا تعرض عليهم التدخين خارج الحانة، ثلاث فتيات يختلفن في طبائعهن، لكل واحدة ما يميزها، ليلتها قضى معهن ساعة واحدة ،أحسّ بقربه منهن ، حان الوقت ليكون له صديقات واقعيات لذلك طلب منهن أن يضيفنه على الفيس بوك وأخذ عنوان صفحة لويز وفيها عثر على فانيا ولي لي وأرسل طلب صداقه.
يتحول حزنه فجأة إلى الشعور بالظلم والقهر ثم إلى ثورة عندما وجد نفسه ممنوعاً من دخول صفحة لي لي وكذلك لا يرى أي صور لفانيا ولا يرى قائمة صداقات لويز التي يبدو أنها لم تفتح رسالته الأخيرة، هنا يتحول الأزرق إلى أسود وقاتم، لم يفهم لماذا يتصاعد توتره وكيف في لحظة يضرب بيده غاضباً؟
تتحول هذه المشاعر لكتلة تشتعل بداخله، ثم صوت ما يدعوه إلى الإنتقام لكرامته وتلقينهن درساً بليغاً في احترام مشاعر الناس والوفاء بالوعد وعدم الغدر، تتعاظم الحرائق في صدره ورأسه وأصوات قوية يسمعها تحضه على الثأر لكرامته وتقدم له الخطط لتأديبهن.
تتعالى الأصوات حوله تهمس في أذنه تارة وتصرخ تارة أخرى.
يهمس الصوت عن يمينه :ـ يستحقن فعلاً التأديب..أنت شاب وسيم فلماذا سخرن منك؟
يهتف له صوت أخر عن يساره :ـ أنهض لتنتقم لكرامتك المبعثرة.
يصرخ فيه صوت من الخلف :ـ يستحقن الذبح..الذبح.
تردد بقوة الأصوات الثلاثة :ـ نعم الذبح..الذبح..الذبح.
تمر اللحظات بسرعة يكاد يكون مقتنعاً بضرورة الإنتقام ولكن كيف ومتى؟
ترد عليه الأصوات :ـ الآن..الليلة.
إنها ليلة ممطرة، باردة وكئيبة، ليتها تُمطر على قلبه وعقله لتُخمد براكين غضبه، لكن يبدو أن الوقت متأخر لخطوة للوراء، للصفح ويصعب أن تنطفئ نار الإنتقام، الآن ينصب تفكيره عن الكيفية ولا يريد أي نقاش حول منطقية ما يريد فعله.
يعود إلى صفحات البنات الثلاث ويبحث عنهن في انستجرام،هاهي الأقدار تساعده عندما يجد صفحة لهن الثلاث وصورة لهن في حفلة خاصة بسكن لويز وسكنها ليس بعيداً عنه، يجد صورة للمبنى الخارجي تمكنه من معرفة العنوان.
أشياء خفية تدفعه إلى فعلٍ مرعبٍ، ينهض، يبحث عن شيء ما بالمطبخ، يجده، يمسك به، يتأمله، هذا السكين السويسري أشتراه قبل أيام قليلة، لم يكن يتوقع أن يشتري مثل هذه الأداة الحادة كونه لم يفكر بذبح دجاجة وهاهو الآن يخرج في هذا الطقس ليذبح ثلاث فتيات.
في الشارع، يدخل إلى محل لشراء قنينة ويسكي، يشرب جرعات سريعة ليهزم البرد، ينفخ في وجه الريح، يبصق على كل شيء عن يمينه ويساره، لم يعد يشعر بلذعة الخمر، تتدفق الحرائق في رأسه، يشعر بالحراراة، جسده يسخن أكثر وأكثر مع كل خطوة يتقدم فيها إلى مكان وجود البنات، كأن الأرض تنطوي له، ها هو يصل الآن، يتحسّس سكينتة، يقترب من باب المبنى، تخرج سيدة لتمشية كلبها، يُسرع بالدخول، أمام صناديق البريد يجد أسم لويز، يتأمل صندوقها، يقرأ الدور الثالث.
كأنه سفاح محترف، الظروف تبدو مساعدة، المبنى يسوده السكون ولا توجد كاميرا مراقبة عند المدخل، لم يجد صعوبة للدخول، يتحرك ببطء لصعود السلالم، ها هو الآن خلف الباب، يسمع ضحكاتهن، يميز كل صوت وضحكة، يستحضر وجه كل واحدة، هن الآن في سهرة بيجاما، ينظر إلى ملبسه يا للصدف لقد خرج بالبيجاما لم يفكر بهذه المصادفة، خرج مسرعاً ووضع على جسده معطفاً بالياً كئيب اللون.
الأصوات ترافقه ها هي تهمس في سمعه همسات هادئة ومشجعة، ينظر من ثقب الباب، يشاهد البنات الثلاث في فرحهن، تبدو أجسادهن شهية، تظهر لويز تحمل صينية، تتذوق منها بطرف أصبعها، يبدو الشيء بالصينية ساخناً، يرى لي لي ترفع سروال بيجامتها القصير فيظهر سروالها الداخلي، تحسحسُّ على ساقيها وفخذيها، تطلي لويز الفخذ الأيسر بمادة، يفهم أنها الحلاوة لإزالة الشعر الزائد، تتعالى ضحكة فانيا مشجعة صديقتها.
يتسمر في مكانه لمتابعة المشهد بتفاصيله ويضيف عليه من خياله بعض المؤثرات، ثقب الباب يصبح عدسة كاميرا، يتحول إلى المصور لما يحدث وبمقدرته التركيز على الوجوه والسيقان ثم ينقل إلى الأفخاذ والصدور، يستمع إلى نكات جنسية وقحة، يتابع حراكتهن العبثية الماجنة، هو لم يفكر بهذه الأجساد ولم تحركة دوافع شهوانية كونه يعرف كيف يتخلص من ثوران الشهوة، خلف محطة المدينة بائعات هوى رخيصات جدا يعرضن خدماتهن بمبالغ زهيدة وخاصة الليالي الباردة الممطرة، يدفع عشرة يورو فقطا لواحدة لا تتضح ملامحها بسبب الظلام وهي تقوم بالتفريغ بطريقتها الماهرة بمداعبة أشياءه الذكورية، تلك العاهرة تعرف طلبة وتنهي المهمة بأقل من ثلاث دقائق ثم يستخرج منديلا من حيبه ينزع الواقي الحنسي ويلفه بالمنديل، يعيد سرواله ويمضي خفيفا ولا يتاسف على المبلغ..يقول هذا ارحم من كثرة ممارسة العادة السرية.
هو الآن هنا لينفذ حكم الخيانة والغدر وينتقم لكرامته المهدورة، صوت خافتا يحثه على التراجع، يبدو أن الثواني القادمة ليس للتفكير بالدوافع ، حرارته أصبحت مرتفعة، يتصبب عرقا ،، يدفع الباب، يجده مفتوحا، السكينة في يده، يقبض عليها بشدة، أنفاسه حارة، عيناه موقدتان بالشرر.

حميد عقبي



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى