باسم عبد الحميد حمودي - الحاكم والمحكوم

دق جرس المدرسة إيذاناً ببدء الدرس، خرج الاستاذ شاكر، من غرفة المعلمين وسط الضجة المعتادة للطلبة وهم يتوجهون الى الصفوف عبر ممرات المدرسة، كان شاكرمتعجباً من عدم وجود معلم معه في الغرفة اثناء الاستراحة بين درسين.
استعرض شاكر في ذهنه سريعاً النقاط التي ينبغي التأكيد عليها في الدرس حول غزو نابليون لمصر، ابتسم وهو يتحرك وسط الممرات مسرعاً الى الصف، فقد كانت المادة معتادة له فهو يدرسها منذ عشر سنوات.
وصل الى باب الصف السادس فلم يلحظ ذلك التدافع المعهود بين الطلبة، إذ كان الباب موصداً ... فتح الاستاذ شاكر الباب وهو لايسمع الضجة الهامسة عند دخوله ، كان جو الصف هادئاً تماماً، وعندما استدار بعد أن أغلق الباب وواجه طلبة الصف وجد أمامه ما أثارعجبه تماماً ..
كان على السبورة السوداء خط بالطباشير الاخضر يقول (غزوة نابليون بونابرت لمصر 1789) وكان يقف عند السبورة الطالب المجد ممدوح وبيده مسطرة الشرح، والى جانب السبورة علقت خارطة العالم، تماماً كما يفعل الاستاذ شاكر بالمزاوجة بين حركة التاريخ والمواقع الجغرافية التي تجري عليها الأحداث.
في الصف الاول من أماكن الجلوس كان مدير المدرسة الاستاذ عباس جالساً والى جواره عدد من معلمي المدرسة: الاستاذ محمود معلم الرياضة البدنية والاستاذ سعران معلم الصف السادس والخامس – عربي والاستاذ اسد معلم الصف الرابع والاستاذ ... حتى الشيخ ضامن معلم التربية الدينية كان جالساً بعمته المهيبة.
ثمة كرسي فارغ في الصف الاول، اشار الطالب ممدوح لأستاذه شاكر أن يجلس عليه/ تحرك شاكر نحو الكرسي وجلس وهو يشعر أنه منوم، لكنه ألتفت الى الخلف، فوجد كل طلبة الصف منتبهين ومبهورين بما يجري أمامهم، قال شاكر لنفسه (حتى المشاكس سلمان كان هادئاً تماماً ) .
قال ممدوح ) الآن وقد اكتمل عدد الجالسين بحضور الاستاذ شاكر عن موعد الدرس متأخراً دقيقتين ، يسرني أن أبد أ معكم درساً آخر لايتعلق بحملة نابليون على مصر، فذلك أمر نعرفه تماماً ونعرف تداعياته على حركة التاريخ في المنطقة، وارتباط ذلك الغزو بالتطور الحضاري والثقافي لتلك البقعة من العالم الشرقي .
أن سبب هذا الدرس الاساسي الذي يتم برعاية الاستاذ عباس، مديرنا المبجل وسائر الهيأة التعليمية أن يستمع الأساتذة الى شؤون الطلبة وشجونهم ، اذ لابد أن يتغير حال الدرس والتحفيظ قسراً، ودرخ المادة عن طريق التهديد بالرسوب إذا لم تنقل المادة المدونة بالكتاب الى أدمغة الطلبة.
كان الصمت سيد الموقف ومدير المدرسة والمعلمون والطلبة يستمعون الى ممدوح، الطالب المعروف بذكائه وأدبه وهو يستكمل حديثه قائلاً:
حان الوقت لأن يتعامل الاساتذة مع الطلبة تعاملاً يعترف بهم كبشر عاديين وأن يعطوهم حقوقهم الديمقراطية في قبول مادة الدرس أو رفضها أو أستبدالها بغيرها، فهم ليسوا آلات تسمع وتطيع، بل بشر يحبون ويكرهون ويناقشون ويميزون ما بين الخير والشر والصحيح والغلط، ولا يكفي التوجيه المنبري المعهود من قبل أساتذتنا لأن يحولنا الى أناس يسمعون ويطيعون ما يسمعون ويقتنعون به ، أقول هذا وأزيد : أنكم اساتذة تجلسون هنا الآن مع طلبة هذا الصف ولا تلاحظون ما يجري في المدرسة... وتحرك الطالب المحاضر ممدوح ذو الثالثة عشرة وبيده مسطرة الشرح نحو الباب وفتحه على مصراعيه...كان الهدوء شاملاً في أرجاء المدرسة، وهنا قال ممدوح :( أنكم رأيتم وشهدتم يا أساتذتي ...لا طالب الآن في الساحة ولا صوت خارج الصفوف، والطلبة هذه الساعة في صفوفهم يتعلمون ويعلمون، ففي كل صف طالب يعلم زملاءه ما هم بحاجة اليه من معارف...نحن نستطيع هذا بغيابكم وبحضوركم، فارأفوا بنا وتحملونا، وعاملونا مثلما تريدون أن نعاملكم بالاحترام والحب وتيسير المعرفة).
صفّق المدير والاساتذة والطلبة لممدوح وفي مقدمتهم الاستاذ شاكر الذي وجد نفسه يصفق وحيداً في غرفة الاساتذة الفسيحة، فلم يكن من أحد الى جواره ، كانت الغرفة خالية تماماً إلا منه!
هنا دخل معين المدرسة (جاسم) مسرعاً على صوت التصفيق وقال للأستاذ شاكر(خرج الجميع استاذ ، الحمد لله أني سمعت أصواتاً في الغرفة وإلا ..كدت اقفل الباب الخارجي).
تمتم شاكر بعبارة اعتذار غامضة وغادر غرفة الاساتذة مسرعاً الى الباب الخارجي وهو يفكر: هل حدث هذا حقاً؟

باسم عبد الحميد حمودي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى