المنتجب العاني - أدرها فعمرُ الدُّجى قَدْ ذَهبْ

أدرها فعمرُ الدُّجى قَدْ ذَهبْ


مشعشةً مثل لونِ الذَهبْ
ودَعْ مَنْ بجهلِ عليها عَتَبْ


وسلّ من الدَّنِ ذاتِ اللَّهَبْ
لتحي السرور بها والطرَّبْ
فما لذّةُ العيشِ إلاّ المدامُ


تحتُّ بطاسٍ وكأسِ وجامْ
يطوف بها رائقُ الابتسامُ


لطيفُ التثّني رشيقُ القوامْ
لذيذُ المقبَّلِ عذبُ الشَنَبْ
بديعُ الجمالِ رَخيمُ الدَّلالْ


بلحظٍ يُغازلُ لحظَ الغزالْ
إذا ماس بالكأسِ عُجباً ومالْ


يُريكَ قضيباً علاهُ هلالْ
ينقَط شمس الضُّحى بالحَببْ
تملّكني فغرامي الغريمْ


وولّى اصطباري ووجدي مُقيمٌ
بطرّة شعرٍ كليلٍ بهيمْ


ولمعة ثغرِ كدرٍّ نظيمْ
وخمرةُ ريقٍ حكاها الضَرَبْ
فما الانتظار ببنتِ الكرومْ


فكم ذا الرّقاد انتبه يا نؤوم
وفكَ عن الدنّ تلك الختومْ


وداوِ بشربِ الحميّا الهمومْ
فلا تحزنَّن زمانَ السُّرورْ


فإنَّ الدوائِرَ وشكاً تدورْ
وتحدثُ بعد أمْورٍ أُمورْ


فما غفلةُ المرءِ إلاَّ غُرورْ
إذا كانَ داعي الرَّدى بالطَّلَبْ
فبادرْ بها العيش قبلَ الفَواتْ


فكلَّ الليالي أرى أخواتْ
فما هو آتٍ فلا بدّياتْ


فخذْ من حياتِكَ قبلَ المماتْ
فلذّةُ عيشِ الفتى تُنتهبْ
وشعشعْ كؤوسَكَ بالخندريسْ


وزفَّ الحبيسةَ بنتَ الحبيسْ
فمثل سروري وأين الجليسْ


فما للنفيسة إلاّ النّفيس
وما للعُلى غير أهل الرّتبْ
كمنصور ربّ البها والنهّى


ومن قدرهُ حلَّ فوق السُّهىَ
فتىً عن مكارمهِ مالَها


رأيتُ إلى جودِهِ المُنْتهى
فوافقته بالرّضى والغضبْ
هو الأريحيُّ التقي الوفيُّ


هو الأروعُ الماجدُ اللوزعيُّ
سليلُ المعالي النقيُّ الزّكيُّ


ومن لم يزلْ طائعاً للعليّ
ومُبْلي محاربَهُ بالحَرَبْ
فلمّا أتى منهُ نظمُ القريضْ


تأملتُ زهراً بروضٍ أريضْ
ورقّة لفظ تداوي المريضْ


وفصل خطابٍ طويلٍ عريضْ
وعتباً بدا ما له من سبّبْ
فإن ظنَّ أني أصافي سواهُ


وأنسى الوداد وأبدي قلاهْ
وأبذل ودّي لمن قد جفاهُ


فذاك الذي أبداً لا يراهُ
ولو جرّعوني كؤوس العطبْ
فيا من تملّك منّي القيادْ


علامَ ومن أين أنسى الودادْ
وأنت محلّ المُنى بالفؤادْ


وأنت السخيّ الوفيّ الجوادْ
ونيلك مخجلُ غيثِ سكبْ
وإني لراضٍ بما ارتضيتْ


فلا تكثرنّ فقد اكتفيتْ
ولا تنضجنَّ إذا ما كويتْ


فإنّ سلامي على منْ عنيتْ
سلام امرئٍ حافظٍ للسبّبْ
عليَّ بحفظِ التُّقى والهُدى


وأن أجعل الخلّ لي سيّداً
وأرضي صديقي بسخطِ العِدى


فلستُ أبالي بمن اعتدى
فسامح أخاكَ إذا ما هَفا


ولِنْ إنْ قَسا ثمَّ صِلْ إن جَفا
وإن زلَّ كُنْ أنتَ ممّنْ عفَا


وإن دانَ بالغدرِ دِنْ بالوفا
وكلّ يُجازى بما يكتَسبْ
فمن ذا الّذي ما أسا في الأنامْ


ومن ذا الذي ما عليه ملامْ
ومن ذا الذي ما توحّى الأثامْ


فهذا بفعلٍ وذا بالكلامْ
وهذا لفرطِ هواهُ ارتكبْ
فكيفَ ترومُ الصّفا من مزاجْ


وقدْ وقَعَ الجمعُ والإزدواجْ
كمثل دخانٍ بضوءِ السراجْ


وربّك أدرى بسرّ العلاجْ
فسلّمْ إليه وخلِّ التّعبْ
فكم من جوادٍ كريمٍ كَبَا


وكم من حسامٍ صقيلٍ نبأ
وكم من مطيعٍ لرشدِ أبى


وكم من لبيبٍ أريبٍ صَبَا
وكم من فتىً بعد صدقِ كذبْ
على ذا مضتْ سالفاتُ الدّهورْ


فطوراً هموماً وطوراً سرورْ
فوكّل إلى الله كلَّ الأمورْ


وكن لإلهكَ عبداً شكورْ
فإنَّكَ تلقاهُ في المنقلبْ
ومن ذمّ خلاًّ وساءَ الصَّديقْ


يُلاقِ من اللهِ ما لا يُطيقْ
فكن بالرّفيق رؤوفاً شفيقْ


وخلّك فرّج عنهُ المضيقْ
عسى اللهُ يُفرجُ عنكَ الكرَبْ
أيا عزّ قاسم عمَّا صريحٌ


أيحُسنُ إن قلتُ فيه المليحْ
فليس قبيح صديقي قبيحْ


فخلّ العناء وكن مستريحْ
ولا تنظرنَّ إلى ما ذَهَبْ
فتىً جدّهُ ذو المعالي أسّدْ


صحيحُ الطريقة والمعتمدْ
وأقدم بيتٍ بهذا البَلَدْ


فإن رمتَ شبهاً له لم تجدْ
ومثل مكارمهِ لم تُصِبْ
إلى مُفلحٍ في الهوى ينتمي


أخي السؤددِ المُفضلِ المُنعِمْ
وذي المنهج الأرشدِ الأقوم


فمكرِمُهُ أبداً مكرمي
وثالُبه لي قبيلاً ثلبْ
فرفقاً بنفسكَ يا من رمى


ولا تغضبِ الأسدَ الضيَّغما
ولا تنبه الصلَّ والأرقما


وخفْ صطوةَ اللّيثِ أنْ يهجُما
فما الليثُ مُبقٍ إذا ما وَثَبْ
فمنْ دونهِ أنفسٌ تذهبْ


وشعواءُ يكرهُها الأشْيبْ
وألسنةٌ لسعُها يعطبُ


ونارٌ لأعدائِهِ تلهبْ
وذو رهجٍ ممطرٍ بالصَّخبْ
أأولادَهُ يُثلبُ الثَّالبُ


وهُمْ خيرُ ما كتب الكاتبُ
وماذا عسى يذكرُ الغائبُ


وكلّهم قائلٌ صائبْ
إذا ما افترى غيرهم أو كذبْ
ولم لم يكن من بنيهِ الكرامْ


سوى حسنٍ ذي الأيادي الجِسامْ
فتىً لم يَزلْ للمعالي نظامْ


سمت باسمه وبه آل سامْ
فكم من أبٍ بابنه أكرِما


وكم ولدٍ بأبيهِ سَما
وآخرُ من ذا وذا أعظما


فراحَ يَرى دونه الأنجُما
لفضلٍ وعلمٍ لهُ يُكتَسَبْ
فلا تكُ ممَن بغى أو ظَلَمْ


ولا مَنْ لعرض صديق ثلمْ
فكم من أخ لأخيه اتهمْ


وواقعه بعد ذاك النَدَمْ
وعاقبةُ الصّبر تُبدي العجبْ
وأمّا العفيفُ وبيتُ الجمالْ


فهم للنَّبي ولله آلْ
رجالٌ إذا أعوذتْك الرّجالْ


يذبّون عنك بنفسِ ومالْ
ولا يشتكي ضيفُهم من سغَبْ
حلفتُ يميناً بربّي غَموسْ


بأنّهم للبرايا شُموسْ
وهم لجسوم المعالي نفوسْ


وهُم لذوي المكرماتِ الرؤوسْ
فكيفَ يُقاسُ برأس ذَنّبْ
يصيبون إن نطقوا بالمقالْ


يجيبون إن طُولبوا بالسُّؤالْ
يَطيبون إذ يجزلونَ النّوالْ


فكلُّ الأنامِ عليهمْ عيالْ
لأنهم طرزُ أهل الحسبْ
فمن كالعفيف سراجُ الظُلَمْ


وطودُ المعالي وبحرُ الكرمْ
أخو همّةٍ فوق أوجِ الهمَمْ


وكفُّ يخجَلُ صوب الدّيمْ
إذا قاضَ في كرمٍ أو وهبْ
سقاني بكأسٍ يروّي الظَّمأ


وأفهمني منهُ ما أفهما
فنلتُ به الرُّشدَ بعد العَمى


فها أنا أرضٌ لغيري سما
أتيهُ على عُجْمها والعَرَبْ
وضاهاهُ في نعتِهِ والصّفاتْ


أبو أحمدٍ صاحبُ المكرماتْ
حليفُ النَّدى موضحُ المُبهماتْ


فكم من أيادٍ له سابقاتْ
يقصَرُ عن حصرِها من حَسَبْ
نقدتُ الأنامَ فكانوا صنوفْ


فمنهم ذُنابي ومنهُمْ أُنوفْ
ففزتُ بخلٍّ لطيفٍ رؤوفْ


يروحُ بعزمتهِ في أُلُوفْ
شآمي منبتُهُ في حَلَبْ
وتاجان لي وهُما المُعتمدْ


جعلتهما لأموري سَنَدْ
فهذا أخٌ لي وهذا ولدْ


وروحان قد جُمعا في جَسَدْ
ذخرتّها لخطوبِ النُّوبْ
دعاني الإلهُ فلبيتُهُ


ويومَ الأظلَّةِ ناجَيْتُهُ
وفي سرِّ سرّي أخفيتُهُ


فهذا الذي كنت عانيتُهْ
به أتقي غاسقاً إذ وَقَبْ
وإني أوالي بني المُصطفى


بهم شرّف الله من شرّفا
فهذي لعَمْركَ كأسُ الوفا


وإن كنتَ ممَّن يرومُ الصّفا
فخُذْها هنيئاً مِنَ المُنتجبْ
أعلى