أ. د. أبو الحسن سلام - الممثل بين المحاكاة والتعبير والخلق وإعادة التصوير

الممثل في نظرية المحاكاة
بين الموضوع و الوسيلة والكيفية:
الكلام عن نظرية – هو كلام عن موضوع . والموضوع في نظرية المحاكاة هو تطهير النفس البشرية. وتطهير النفس البشرية يتحقق عن طريقين أولهما الدين ، وثانيهما الفن
فالدين يتوسل لتحقيق موضوع تطهير النفس البشرية بركيزتين أو وسيلتين أساسيتتين:
• الإيمان : وهو إيمان المتدين بكل معطيات الرسالة الدينية.
• الخشوع: وهو إنقطاع المتدين عن كل ما حوله عند اتصاله بمن يعبد .
والفن يتوسل لتحقيق موضوع المحاكاة فرعا من فروع موضوع التطهير تطهير النفس البشرية بركيزتين أو وسيلتين أساسيتين :
• الإيهام : وهو إيمان المتفرح بمعطيات الرسالة المسرحية.
• الإندماج: وهو إنقطاع الممثل عن كل ما حوله عند اتصاله بشخصية دوره.
ومع أن لكل ذي لب أن نلاحظ الفرق بين الموضوع والطريقة أو بين النظرية ومنهج تطبيقها أو تحقيقها؛ إلا أن الغريب هو عمى البصيرة الذي أصاب الكثيرين ممن يقومون على تدريس فنون التمثل ؛ لا يفرقون بين نظرية التمثيل ومناهج التمثيل فإذا بهم يخلطون بين النظرية والمنهج ؛ ولا أدري سببا في ذلك الخلط ، فلكل موضوع طريقة يتحقق بها ، ولكل صاحب طريقة ، أو متبع لطريقة كيفية ؛ فطريقة ستانسلافسكي – على سبيل المثال – تحقق المحاكاة . وطريقة ييجي جروتوفسكي تحقق المحاكاة ، لكن الكيفية عند جروتوفسكي تختلف عن كيفية منهج ستانسلافسكي ؛ فستانسلافسكي يوجه ممثليه لتطويع شخصيته لشخصية الدور الذي يمثله اعتمادا على القلب الدافئ والعقل البارد ، أما جروتوفسكي فيوجه متدربيه على إحلال شخصية الدور محل شخصياتهم ، والفرق كبير بين كيفية وصول ممثل ستانسلافسكي لتحقيق محاكاة شخصية الدور ، وكيفية وصول متدرب جروتوفسكي لإحلال شخصية الدور محل شخصيته.
والأمر مختلف عند بريخت ، لأن موضوع نظرية التغريب – التي ينكرها أحد أساتذة مناهج التمثيل والإخراج في مصر – من منطلق أن بريخت ليس مخرجا لأنه – من جعة نظر الأستاذ – لم يدرس في أكاديمية للفنون !!
أقول لأن موضوع نظرية التغريب هو تغيير النفس البشرية ، لا تطهيرها ؛ فمن المنطقي أن تكون لها طرق مختلفة غير الإيهام ، والإندماج . لذلك اعتمدت نظرية التغريب من أجل تحقيق موضوع تغيير النفس البشرية ، على محاكاة الصفة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشخصية من منظور معاصر ( حداثي) محتمل التصديق ومحتمل عدم التصديق ، وهنا تستبدل المحاكاة بالحكي ؛ لأن الممثل لا يوهم جمهوره ولا يندمج ولا يعديهم بداء الاندماج ، وإنما يتخذ ركيزتين أو وسيلتين مغايرتين لتحقيق موضوع تغيير الفرد والأسرة والمجتمع ، أملا في تغيير العالم _ يغض النظر عن رومانسية ذلك الهدف البعيد المنال – وهما ركيزتا :
• الدهشة: حيث ينظر الممثل إلى شخصية الدور بإندهاش فيراها غريبة عن عصره عن حياة إنسانية مشتركة ؛ باعتبار الشخصية صفة ممثلة لطبقة إجتماعية ، تنوب عن طبقتها الاجتماعية .
• الوعي: حيث يدرك الممثل وجه الخلل في العلاقة بين الصفة الاجتماعية التي يعيد تصويرها بمحاكاتها تشحيصا لا تجسيد ، أي بالنظر إليها من خارجها من على مسافة _ فهو كمن يعيد النظر إليها من على مسافة ، لذا أطلقت على نظرية المسرح الملحمي نظرية التغريب ، النظرية التبعيدية ، أو النظرية المسافية .
وكما أن لنظرية المحاكاة جمالية ترتكز على ثنائية التقديس والتدنس ، أكتفى منها كل من كريج وجروتوفسكي بمفردة التقديس ؛ فرأها كريج في الصورة مهمشا النص والحوار والممثل ، ورأها جروتوفسكي في ق\اسة الممثل . فقد ارتكزت تغريبية مسرح بريخت الملحمي على ثنائية ( الرائع في المشوّه والمشوه في الرائع) وبذلك جمع مسرحياته بين ثتائية الشئ ونقيضه ، باعتبار تبعية نظريته المسرحية للفلسفة المادية ، في مقابله تبعية نظرية المحاكاة عند أرسطو وتوابعها على الفلسفة المثالية ، فالجميل منفرد واحدي عند أنصار نظرية المحاكاة . يتمثل في المقدس من حلال الصورة عند كريج ؛ بعيدا ىعن إرادة الممثل ومشاعره المدنسة بالرفائب والأغراض والأهواء ، ومن خلال حالة الوجد الصوفي عند جروتوفسكي – وكلا الطريقتين تابعتان لنظرية المحاكاة الأفلاطونية التي تحاكي الفكرة المطلقة ، ولا تحاكي الفعل تبعا للنظرية الأرسطية . وهي ثنائية دينية في أساسها .
أما ثنائية نظرية التغريب الملحمية فهي ثنائية الشئ ونقيضه ، وبريخت يأخذ بهما معا ، فهما تؤأم يتولد في أداء الممثل لدوره ، بمعنى أن الممثل الملحمي يعيد تصوير الدور _ تشخيص دراميا - بجمالية وجهه الرائع ووجهه الشائه - ليترك للجمهور الحكم عليه من خلال إدى الصفتين ؛ صفة الجميل الرائع أو صفة القبيح المشوه .
على أننا نلاحظ أن كل من كريج وجروتوفسكي وقبلهما بريخت بالطبع لم يعمل وفق نظرية المحاكاة الأرسطوية ، حيث المحاكاة تركز على الفعل باعتباره أساسا في الحكم على الشخصية – لذا قدم أرسطو الفعل على شخصية الفاعل - وإنما عمل الثلاثة ( بريخت – كريج – جروتوفسكي ) من منطلق نظرية أفلاطون التي تحاكي الفكرة ( ثداسة الصورة عند كريج – قداسة الممثل الشخصية عند جروتوفسكي ) وذهب بريخت بعيدا عن تلك الفكرة الآخلاقية ( التقديس والتدنيس) وركز على ثنائية صفة الفاعل الاجتماعي بتناقضاتها ، أي على فكرة الصراع الطبقي..

أ. د. أبو الحسن سلام


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى