رسالة من عبدالحكيم قاسم الى محمد الصادق رونيش

برلين الغربية 29/7/1981
أخي محمد الصادق روميش
إنه أنا الذي يسألك الغفران على الإحساس بالتقصير نحوي بلا أدنى مبرور. أتصورك في سكك مصر وطرقاتها تمشي تتدافع مثل جمل قديم لا يشغلك أمر نفسك قدر ما يشغلك أن تفي للأصدقاء ببعض الذي تتصور أنه واجب عليك. مهلاً يا محمد. إنك تقوم نحوي بأكثر مما هو واجب وبما أنا سعيد به غاية السعادة.
وصلتني مجلة البيان ورأيت أنهم كرّموا القصة بمكان بارز في المجلة. وتسلّمت النقود وهي تكاد تكون أكبر أجر تسلمته في حياتي، حتى أنها شككتني في ذلك اليقين الذي رسخ عندي أنني مقدّر عليّ أن أكتب مجاناً إلى آخر العمر. أقول هذا وأنا أتذكر أنني أخذت مبلغ 60 جنيهاً من أجل "أيام الإنسان السبعة"، أما "محاولة للخروج" فلم يعطني الناشر اللبناني مليماً واحداً مقابل أنه نشرها.... إنني حتى أفكر في شكر رئيس التحرير على النشر والمكافأة.
وعليه فأنا أشكرك مخلصاً على اهتمامك بنشر القصة. وأذكر لك أن التصحيحات موجودة في النص المنشور. ذلك بأنه يبدو أن النص الذي أرسلته لك كان مصححاً. ربما، لا أدري لكن القصة منشورة بالتصحيحات التي أردتها أنا.
الآن أحس بالندم على أنني أرسلت البطاقة البريدية. وآمل ألا يكون إرسالها قد أعطاك إحساساً بأنني أتعجلك أو أضغط عليك. الأمر أن خوفي من البريد أبدي. ودائماً أتصور ضياع خطاباتي. لذلك أرسلت لك تلك البطاقة حتى أعرف فقط ما إذا كانت الرواية وصلتك أم لا. لكنني سعيد الآن أن أعرف أنك تسلمتها، بل وأنك أيضاً قرأتها وأنه قرأها الصديق العزيز عبدالمحسن بدر أيضاً.
الآن فعلاً أتعجلك وأضغط عليك أن ترسل لي رأيك في الرواية، وأن تنقل لي رأي عبدالمحسن بدر أيضاً. إنك لا تعرف ضعفي حينما أكون قد كتبت عملاً، أكون في غاية الضعف وفي غاية اللهفة. أريد أن أعرف كيف يتلقاه الناس فاكتب لي على الفور انطباعك المباشر وما قد تكون سمعته من عبدالمحسن بدر. أنتظر رسالتك بكل لهفة فلا تتأخر عليّ.
وبعد فإنني أسألك هل أستطيع أن أفهم من وجود نسخة من الرواية عند كمال القلش ومصطفى نبيل أن هناك أملاً في نشرها. إنها سعادة كبيرة لي أشكرك عليها وأنتظر أن تنبئني بخبرها.
محزن أنك لم تستطع مقابلة يحيى حقي. أتذكر الآن محاضرته بالإنكليزية في الجامعة في برلين حيث تحدث عن أن المدن العربية لم تكن تعرف بآثارها ومبانيها الشامخة، بل بمن يقعد فيها من رجال العلم والأدب، يشد المريدون الرحال إلى هذه المدن للقاء هؤلاء الرجال والسماع منهم. وهنا رجل كبيراً يكون الواحد بالقرب منه ولا يراه. إن ذلك محزن، لكن ماذا يفعل الإنسان في عصر انسدت فيه المسالك، مادياً وروحياً، حتى لتكاد تفز سنا الكآبة وما نستطيع لها دفعاً.
إنه لمّا لم يكن في وسعي السفر لا أنا ولا زوجتي أرسلت إبني أمير وبنتي إيزيس.
أتصورهما تائهين الآن في وطنهما مصر، لا يعرفانه ولا يعرفان أهله ولا لغته. أكلمهما بالتليفون كل آن، أسمع منهما كلمات دهشة وكلمات فرحة خائفة. أقول في نفسي ربما يكبران يوماً وربما يعرفان. سيكون ليحيى حقي الذي رأياه هنا وسرتهم صحبته، سيكون له في نفسيهما أثر كبير بالقطع. إن ثمة مقالة جيدة في دائرة المعارف الألمانية عن يحيى حقي كتبها بروفيسور شتبت الذي أكتب عنده رسالتي للدكتوراه. وهو الذي دعا يحيى حقي أستاذاً زائراً لمدة ستة أشهر في برلين. وقد كتبت عن يحيى حقي جريدة (تاج شبيجل) مقالة جيدة أثناء وجوده هنا.
سيعود الأولاد الأربعاء المقبل (5/8) وستعود الحياة إلى طبيعتها وسيفتتح المسرح الجديد لصق بيتي. أمنّي النفس بعام خصب يكون من أهم أجزائه مراسلتي معك التي أتطلع بشوق إلى استئنافها.
ولا زلت أتمنى أن تزورني في برلين. إنها مدينة هادئة منعزلة، لكن لها ذوق في الفن حبذا لو جربتها معي. أتذكر الآن كونسرت كان معي فيه يحيى حقي وسألني عن البرنامج فأخبرته خالطاً أسماء القطع التي ستعزف مما سبب له ارتباكاً حيث أن ما قلته لم يتفق مع معرفته بالقطع. ضحكنا ليلتها كثيراً وشربنا الشمبانيا وحكينا عنك وعن أيام المجلة وكانت من السنوات التي لا تنسى والتي سعدت بها إلى أقصى حد زوجتي وزوجته. ترى هل أراك مرة في برلين.. إنني أتمنى ذلك لك.
تحياتي وحبي
عبدالحكيم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى