خمس رسائل من سامي الدروبي إلى مراد السباعي

* الرسالة الأولى

أخي مراد :

وصلتني رسالتك هذا الصباح ، فبادرت بالكتابة إلى دار الفكر ، وآمل أن لا يتلكأ الخضري في هذه المرة .

إن الشكر الذي تسوقه إليّ كان وقعه في نفسي أقسى من وقع اللوم ... ذلك أنني أستحق اللوم أكثر مما أستحق الشكر .. أستحق اللوم على حسن ظني بالناس ، وعلى رأسهم هذا الخضري الذي أردت أن أحسن إليه بنشر كتابك القيم عنده ، فكان ماتعلم من تسويفه الذي " سودّ وجهي " لديك .

أودعك الآن ، آملاً أن تصلك النسخ في القريب . وبانتظار رسالةٍ منك مطمئنة ، أحييك وسلمت لأخيك المخلص .

سامي الدروبي

9 / 4 / 1952

أكتبُ إليك من غير باريس ، ولكن عنواني الدائم يبقى كما كان :

***

* الرسالة الثانـية

القاهرة في 30 / 5 / 1959

أخي الأستاذ مراد :

تحية وأشواقاً كثيرة ، وبعد.. فقد وصلتني رسالتك ، متأخرةً ، منذ بضعة أيام ، فاتصلت بدار روز اليوسف ، وبيني وبين اصحابها صلة ، عارضاً عليهم نشر كتابك في مجموعة " الكتاب الذهبي " التي لعلك تعرفها. فطلبوا أن يروا الكتاب وأن يقرأوه ، فإذا لاحظوا أنه يتناسب مع مجموعتهم نشروه . وقد ذكرت لهم ، صادقا مخلصاً ، شيئاً عن موهبتك القصصية الفذة ، ولكنني لم أستطع أن أقول لهم شيئاً عن هذا الكتاب بالذات ، لأنني لم أقرأه، وإن كنت على يقين من أنه من مستوى الموهبة ، مادام ابنها .

فإذا استطعت أن ترسل إليّ الكتاب ، أتممتُ باقي الخطوات ولا أكتمك أنني لم أسألهم عن الشروط المادية ، فقد رأيت أن ذلك سابق لأوانه ، ولكنني أعرف أنهم لن يعاملوك إلا كما يعاملون غيرك من كُتَّاب هذه المجموعة .

أما إهداء المجموعة إليّ ، فإنني أعتذر عن عدم قبوله ، لأنني لا أستحق ، ولكنني أشكر لك مجرد التفكير فيه فذلك منك دليل على عمق صداقتك لي ومشاعرك . وسلمت لأخيك المحب المشتاق .

سامي الدروبي

***

* الرسالة الثالثة

القاهرة في 16 / 12/ 1959

أخي الأستاذ مراد :

تحية وشوقاً ، وبعد فإنه ليؤسفني حقاً أنني تأخرت في الكتابة إليك حتى الآن . ولكن سبب ذلك هو أنني كنت بصدد البحث عن ناشر ، بعد أن نكل الشخص الأول الذي اتفقت معه على أن تنشر المجموعة في سلسلة " كتب ثقافية " التي تصدر عن " الدار القومية للطباعة والنشر " . ويحزنني أن أقول لك إن العثور على ناشرٍ ليس بالأمر السهل ، مهما يكن شأن الكاتب ، ومهما تكن منـزلته . غير أنني لم أيأس ، وما زلت أبحث ، وأنا أكتب إليك الآن لأن باباً من الأمل قد انفتح .. وأرجو أن أوفَّق.. وسأكتب إليك قريباً فيما يتمّ .

أعتذر أشد الاعتذار.. رغم أنني لم أدّخر جهداً.. ولم يكن لي في الأمر حيلة..

أما مجموعة القص هذه فهي في الذروة من الإبداع والجمال والقوة . وليس فيما يُنشر من قصص كثيرة مثلها . ولكن أيكفيها مثل هذا الكلام تكريماً ؟

وسلام عليك من أخيك المخلص .

سامي الدروبي

***

* الرسالة الرابعة

أخي العزيز الأستاذ مراد :

لو كنت واثقاً من أنني أستطيع ، وأنا فيما أنا فيه من انغماس في بحوث علمية جافة ومن شعور مربك بأنني أسابق الوقت حتى أفرغ من عملي في المدة الباقية لي هنا ، أقول لو كنت واثقاً من أنني أستطيع والحالة هذه أن أكتب شيئاً جديراً بكتابك لشرعت في ذلك على الفور ، لا لأرضيك كصديق ، بل لأرضي نفسي بالتعبير عن شعور الإعجاب الذي خامرني ، مرة أخرى ، وأنا أقرأ هذا الكتاب .

ولك علي عهد أن أفعل ذلك في مستقبل غير بعيد ؛ ولن أكتب يومئذ مقالةً لصحيفة ، بل دراسة طويلة أتناول فيها قصتك ، وأتناول فيها مسرحك بوجه خاص ( وقد أعرِّج فيها عليك أنت !!.. وهل تقلّ أنت ، كإنسان ، طرافةً عن شخوصك ؟!..) .

ولعله لا يُسيئك أن أذكر لك أنني في اليوم الذي تلقيت فيه كتابك كنت على موعدٍ مع شخص أوروبي مرهف الذوق الفني واسع الإطلاع على الأدب القصصي بوجه خاص ، فبدا لي أن أقرأ له ، بالفرنسية ، قصةً من قصص كتابك ، واخترت " صديقة المجانين " ، وأؤكد لك أنه لم يكن معجباً بها ، بل متحمساً لك ، حتى لقد طلب إليّ أن أقرأ له الكتاب كله ووعدته بأن أقرأ له قصةً جديدة في كل لقاء جديد .

ہہہ

أما ماتسوقه من اقتراحات معقدة لتصفية الحساب مع الخضري فإنني لا أوافقك عليه البتة : أولاً لأنني لا أحب أن ندخل في مشكلات جديدة مع هذا الإنسان الذي قررت أن أقطع تعاملي معه . وثانياً لأنك ستحتاج قطعاً ، في المستقبل ، إلى النسخ الباقية لك عنده ، فهذه تجربة مررت بها أنا ، ويعرفها كل مؤلف .

والرأي عندي إذاً أن تبادر ، فوراً إلى إرسال المبلغ الذي طلب إليك إرساله ، بأية طريقة من الطرق ، لتفرغ من مشكلاته نهائياً .

أودعك الآن ، فالساعة تدق الثانية بعد منتصف الليل ، ربعة قليل يطلع الصباح ، ولا بد من النوم قبل أن يتسلل نور القمر إلى غرفتي ... سلامي لخليل وللأصدقاء . وسلمت لأخيك .

سامي الدروبي

***

* الرسالة الخامسة

القاهرة

أخي مراد :

كنت أتوقع كل شيء إلا أن تصلني من " مراد " رسالةً تحمل معنى سوء الظن بي .

ثق يا مراد ( أخاطبك الآن كما كنا نتخاطب أيام الصبا اليانع الزاخر بالأحلام الجميلة.. هل تذكر تلك الأيام ) ؟ أنني لست أقلّ اهتماماً بمجموعتك القصصية الرائعة منك أنت ، وثق يا مراد أنني قد أكون أحرص منك أنت على أن يُنشر في الناس هذا الأدب الرفيع . ولكن العين بصيرة واليد قصيرة كما يُقال . ولن أردّ إليك مجموعتك كما تطلب مني ذلك حانقاً ساخطاً ، وإنما سأحتفظ بها ، لأواصل الجهد عسى أن أجد لها منفذاً يليق بها . ولن أعاتبك على سوء الظن ، ولن أدفع حنقك بمثله . فأنا أعرف أنها لحظة غضب وانقضت . ولك في الختام أجمل التحية وأعمق التقدير ، وأصدق المودة.. وإنها لمودة ذات تاريخ طويل حافل ، ولا تنال منها ظروف طارئة .

سـامي

حاشية : يظهر أنك في اللحظة التي كنت تكتب فيها رسالتك هذه ، كنت أنا أكتب إليك رسالتي التي لعلها وصلتك ؛ وفيها أشرح لك الموقف أرأيت إلى معجزة التواصل الروحي كيف جعلتنا ، على بعد المسافة ، نفكر في أمر واحد معاً في لحظة واحدة ؟

3 ـ ملاحظات وتعقيبات على الرسائل

1 ـ هاجس نشر الكتب والمجموعات القصصية في مصر بالذات طلباً للسيرورة والشهرة هو المسيطر على مراد السباعي في زمن صعب ثقافياً كان فيه طبع كتاب تتبنّاه إحدى دور الطباعة أو المؤسسات الأدبية لكاتب اسمه معروف أو متداول أو مشهور يُعدُّ ضرباً من النجاح الفائق فكيف إذا كان الكاتبُ كاتباً مازال في بدء تجربته الإبداعية خلال أوائل الخمسينيات ومعرفة القرّاء به محدودة حتى في وطنه على الرغم من ريادته في هذا الفن من الفنون الكتابية الجديدة .
2 ـ يظهر من الرسائل بذل سامي الدروبي لكل مجهوداته ومداخلاته واستخدام ثقله الشخصي في علاقاته الحسنة مع أصحاب القرار من أجل نشر كتب مراد ومراجعاته المستمرة لهذه الدور بشأن الوفاء بتعهداتها أو وعودها في طبع مخطوطات الكتب المقومة لها بوساطته .
3 ـ يُلاحظ من قراءة الرسائل أن مراد يتقدم بالشكر الجزيل والامتنان الوافر من سامي ويُكرّم صداقته معه بإهداء أحد كتبه له وحين لا يجد الأول نتيجة ملموسة أو إجراء عملياً لنشر كتبه أو مماطلة أو تأخراً في إخراجها إلى خير الوجود من قِبل من بيده التنفيذ يُعاقب صديقه الموكّل بهذه المهمة أو يلومه أو يتهمه بالتقصير في إنجاز طلبه ، لكن هذا الصديق يتقبل منه شكاواه واحتجاجاته بأريحية وتفهّم وسعة صدر فِعْلَ الأصدقاء الخلّص عندما يشوب تعاملهم مع بعضهم شيء من اختلاف أو جفاء .
4 ـ لا يبدو في الرسائل إلا نادراً جدّاً حديث يدور بين الصديقين حول مسائل جوهرية فكرية أو فنية إلا ماورد هنا وهناك من إعجاب سامي بقصص مراد وتقديره لمستواها من الجودة ، إضافة إلى أن هذه الرسائل هي بالتقويم النقدي أو حكم القيمة رسائل إخبارية لا غير ، وموضوعها واحد لا يتعدّى هموم نشر الكتب ومعانيات المرسِل والمرسَل إليه في هذا المضمار من التباطؤ والتسويف .
5 ـ إن رسائل سامي إلى مراد ـ كما أشرنا سابقاً ـ تتسم بأنها رسائل عمل وقيام بمهمات وإيراد أخبار ومعلومات حول شؤون نشر كتبه وشجونها لذلك نراها موجزة مكثفة وواضحة مركزة وتتصف بالصدق والعفوية والصراحة وبساطة الأسلوب مع مواءمته للغرض وتدفق العبارة وسلاسة الأداء ، وهي في المحصّلة وثيقة أدبية قد تفيد بعض الدارسين في جوانب يبحثونها وتمدّهم بفكرة عن وضع نشر الكتب والتلكؤ فيه أثناء منتصف القرن الماضي .

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى