رسائل بين معروف الرصافي وطه الراوي

11 تموز 1938
سعادة الاستاذ الفاضل السيد طه الراوي المحترم لااقول «السلام والتحية» لاني اكره المحاذيف بل اقول عليك السلام ولك التحية. اكتب اليك وانا تحت طخارير من سماء الفلوجة تنفث شواظا يشوي الجسوم ونحن على الارض مستلقون كسفافيد على مفتأد. ان العجز المالي قد اقعدني في هذا العام عن ارتكاب فاحشة الاصطياف في سورية فويل ثم ويل للعاجزين عن هذه الفاحشة.

سيدي: ارجع اليك في مسألتين احداهما من مالك والاخرى من مال الله. اما الاولى فهي انني اليوم اكتب الكلام اذ كنت في اسر تتبعها ايام ابتليت بجنون طلب العلم، هو ان قدرة الله لا تتعلق بالمحال. وحقيقة هذه العبارة ان الله غير قادر على المستحيلات إلا انهم احسنوا التعبير تأدبا فقالوا ان قدرة الله لا تتعلق بالمحال. وليس عندي إلا كتب معدودة نصفها لك ونصفها لمصطفى علي. فرأيت ان ارجع اليكم في هذه المسألة عملا بقوله تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. فارجو ان تكتب الي شيئاً موجزاً عنها بعد الرجوع فيها الى ما عندك من كتب القوم.
واما الثانية فهي ان كتابي هذا يأتيك به معلم من اهالي الفلوجة اسمه امين وليس هو بمعلم في مدرسة الفلوجة بل في مدرسة اخرى من مدارس البلاد النائية. وبذلك قد قضى في البعد عن اهله وذويه زمنا غير قليل فعسى ان تمن عليه بنقله في هذا العام الى مستقر اهله وذويه وليس في هذا ما يصادم مصلحة الله اعني المصلحة العامة!! هذا ما اطلبه من مال الله وانا في انتظار ما طلبته من مالك والسلام عليك والحمد والشكر لله ثم لك.
المخلص
معروف الرصافي

***

* من الراوي الى الرصافي

وزارة معارف العراق
بغداد في 12 تموز 1938

اخي الاستاذ المفضال السيد معروف الرصافي افرغ الله سحاب عافيته عليه وامده بفيض عنايته وحسن رعايته.
سلام الله عليك واحمده اليك:
اما بعد فإني تلقيت بيد السرور كتابكم الكريم المؤرخ 11 تموز 1938، الذي اشرتم فيه إلى مطلبين. وابدا بالطلب الثاني وهو نقل المعلم امين عبوش الى مقر اسرته في الفلوجة وهو امر سهل وسيتم (ان شاء الله تعالى) في فاتحة السنة المقبلة. اما الامر الأول الذي عددته من مالي والحقيقة انه من مال الله، والله وحده يؤتي الحكمة من يشاء، وسواء اكان من مالي او من مال الله فان الفكر في هذه الواقدة المتأججة اعجز من ان يرتقي الى متناول امثال هذا البحث العويص واني لا ابالغ اذا قلت ان فكري بعد الاعمال الرسمية اليومية ليعجز عن اتمام ابسط المقالات في الصحف اليومية وانت تعلم ان الحر من فيح جهنم ولا ادري كيف يمكن بمن يتقلى في فيح جهنم ان يتعرض لأمور من غامض علم ما وراء الطبيعة، وعلى هذا ارجو ان تسمح لي بارجاء الكتابة بهذا الموضوع الى ان يخفف الله عنا شيئا من هذا العذاب واذا كنت جد راغب في التعجيل فاني مستعد لارسال المراجع التي يمكنك الاستعانة بها في هذا الموضوع. واذا كنت تسمع نصيحتي فاني ارجح ان تترك الحوض في هذه المتعبات القليلة الثمر ان لم تكن عديمته ولاسيما في هذا الفيظ المضطرم الاوار وجسمك في حاجة الى الراحة ولا راحة مع اشغال وعلى كل فاني انتظر امرك والسلام عليك من اخيك:
المخلص
طه الراوي

****

* (من الرصافي الى الراوي)

29 تموز 1938

سعادة الاستاذ السيد طه الراوي المحترم
سيدي الاستاذ الفاضل: انني لا اجد في هؤلاء الناس من اخاطبه بحرية غيركم فانتم علالتي في الحياة الحرة وسلواي من الرجال. ولقد اخذت بنصيحتكم إلي في ترك تلك المباحث الكلامية التي لا يحصل الانسان منها على نتيجة مقبولة ولا يصل الى غاية مستقرة ثابتة. ولكني اليوم بالرغم من سقم اكابد عقابيله واداويه مشغول بكتابة فصل عن اسلوب القرآن المجيد فاسأل الله التوفيق:
سيدي: يقدم كتابي هذا اليكم ذلك البأئس الذي شكوت اليكم بؤسه فأمرتم باستخدامه رئيس عمال في ابنية المعارف واسمه مهدي بن صالح فهو الى اليوم يشتغل هناك ليعيش ويدعو لكم ويشكركم كما ادعو لكم انا واشكركم. وقد جاءني في هذه المرة يشكو من مهندس هناك يحاول اقتلاعه من مركزه فأرجو ان تعطوه بطاقة توصية الى المهندس لكي يكف عنه اذاه وما ذلك من لطفكم ورأفتكم ببعيد. هذا وتفضلوا بقبول دوام احترامي لشخصيتكم الحرة.
المخلص
معروف الرصافي

***

* (من الراوي الى الرصافي)

وزارة معارف العراق
بغداد 3 آب 1938
سلام الله ورحمته وبركاته عليك
اما بعد. فقد وصلني كتابكم على يد مهدي بن صالح واني لأجد ارتياحا وانشراحا في تلاوة كتبكم واشعر بلذة نفسية عندما استعرض المعاني التي تستهدفونها والمقاصد التي تومون اليها. سررت جدا لما اشرتم اليه من اتجاهكم الى الكتابة في اسلوب القرآن المجيد واني لأرجو ان يجر الكلام بعضه بعضا ويتكون من الفصل فصول تدق كلها حول البلاغة القرآنية على وجه العموم لا الاسلوب على وجه الخصوص لأني اعتقد ان الاقتصار على بحث الاسلوب سيجر حتما الى درس ما حوله من المعاني البلاغية وفي الحق ان لهذا الموضوع مكانة ولاسيما في هذا الزمن الذي يتحسس في ابناء العروبة بوجوب التعاون لرفع مستوى اللغة والنهوض بها الى ما ينتظرها من المراتب وان كتابا يسيل به قلمكم في هذا الموضوع سيكون له شان على الدهر يذكر.
وسأنتهز الفرصة لزيارتكم في معزلكم ولم يكن المانع من تعجيل هذه الزيارة إلا الخوف من ازعاجكم في هذا الحر اللافح وسأصحب معي السيد مصطفى علي فارجو ان تامروا بما ترغبون فيه من خدمة.
آلمني جدا ما أوماتم اليه من بقايا المرض التي تكابدون آلامها واني لأرجو ان يسبغ الله عليكم ثوب عافيته ضافيا وافيا كما التمس اليكم ان تعتصموا بالحمية التي هي رأس الشفاء. اما مسألة مهدي صالح فسهلة جدا اذا كان المقصود تناول الاجرة كاملة واما ان يتولى مسؤولية رقابة او صرف فامر خارج عن حاجته بل يضر بمصلحته ولذلك كررنا الوصية بشأنه فلا يستطيع احد من اقتلاعه من مركزه إلا اذا اراد هو ان يقلع نفسه بنفسه.
هذا وسلامي عليكم بقدر شوقي اليكم.

طه الراوي

***

* (من الرصافي الى الراوي)

6 آب 1938

سعادة الاستاذ الفاضل السيد طه الراوي المحترم ..
بأي سلام ام بأي تحية
اليك أزين اليوم بدء خطابي
فإنك أهل للتحيات كلها
وما أنا فيما ادعي بمحاب
جاءني كتابكم مبشرا بازعامكم المجيء الى الفلوجة مع مصطفى علي، فأهلا بمن احبهما محبة اجلال وتعظيم.
ولابد ان يكون ذلك في يوم جمعة لأن اشغالكم تمنعكم من المجيء في غير ذلك اليوم. فليكن في الجمعة الآتية وليكن قدومكم صباحا لنتمتع بلقائكم ببياض النهار وان شئتم ان تقضوا عندنا سواد الليل ايضا فلكم الراية البيضاء. تعلمون ان منزلي في الفلوجة لا بأس به وان هذا الحر المتوهج لم يبق مزية لمنزل على منزل. وحبذا لو جئتمونا بشيء من الرطب الجديد لنقتل بحلاوته مرارة ايامنا الحارة فقد بلغني ان حرب المعيشة في اسواق بغداد قد لفحت به.
هذا. وانا في انتظار قدومكم.

المخلص
معروف الرصافي

***

* (من الرصافي الى الراوي )

25 نيسان 1939
سيدي ابا هاشم المحترم
يئست من زيارتكم بعد انتظارها مدة. انا من آلامي في عذاب مستمر وهي في ازدياد غير منقطع لقد ضاقت بي الحياة حتى اصبحت انادي ألا موت يباع فأشتريه. أشار علي طبيب الفلوجة بعمل (كونصولط) من قبل الاطباء الذين باشروني بالمداواة لاتخاذ طريقة حاسمة لتخفيف الآلام علي وتوقيفها على الأقل. ولا ريب ان ذلك يحتاج الى مال وقد نفدت الدراهم عندي فلا املك منها شيئا. ولا املك من حطام الدنيا سوى الكتاب الذي تعرفونه. وقد رأيت ان اعرضه للبيع بجميع حقوق تأليفه وحقوق طبعه ونشره وهممت ان اكتب بذلك اعلانا لبعض الجرائد اليومية ولكني توقفت ورأيت ان استشيركم قبل ذلك في الأمر فهل ترون ذلك مناسبا ارجو ان تكتبوا برأيكم فيه. هذا وأرجو ان تكلموا الاخ مصطفى علي بالتلفون وهو في المدرسة وتطلبوا منه ان يرسل الي الدفاتر التي عنده من الكتاب والسلام عليكم من صديقكم المخلص.

معروف الرصافي

****

* ( من الرصافي الى الراوي )

1 أيار 1939

سيدي الاستاذ أبا هاشم المحترم
سلام واحترام وبعد فقد اخذت كتابكم الذي تقولون فيه انكم ستراجعون وزارة المعارف في قضية شراء الكتاب اما انا فلا اظن وزارة المعارف تشتريه وكيف تشتري كتابا لو طبع لمنعته بلا شك. انني يا سيدي مؤمن بالله وبرسوله محمد بن عبد الله ايمانا يراه اكثر الناس كفرا «وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله» فكتابي هذا فيه ما تراه عامة الناس كفرا فكيف تشتريه وزارة المعارف. والكتاب لا يهم المسلمين فقط بل يهم اهل المل والنحل اجمعين فالذي يشتريه على ما ارى اما تاجر كبير من تجار الكتب واما رجل مثر ذو ثقافة عالية حرة يهتم بمثل هذه الكتب وما لا ريب فيه ان الذي يشتريه وينشره يربح ربحا عظيما لانه يباع في جميع الاقطار ويشتريه المسلم وغير المسلم. هذا ولا تكلفوا نفسكم عبئا بمراجعة وزارة المعارف واذا استطعتم ان تجدوا الى طريقة اخرى فانا لكم من الشاكرين.

المخلص
معروف الرصافي

****

* ( من الرصافي الى الراوي )

23 كانون الثاني 1941

سعادة الاستاذ الفاضل السيد طه الراوي المحترم
سلام واحترام وبعد فاني يا سيدي ابا هاشم اكتب اليك في مسألة ارجو ان تهديني فيها بشعاع من نور سراج علمك الوهاج. تعلمون ان لشخصية الحسن البصري منزلة في العلم خصوصا عند علماء التفسير لا تنحط عن منزلته في التقوى عند المتقين من اهل الزهد والورع.
وانا اليوم في شك من كلتا منزلتيه في العلم والتقوى لاسباب لا داعي لذكرها هنا. وقد قرأت عن هذا الرجل في ماضي حياتي اقوالا متفرقة في كتب مختلفة لا اتذكرها الآن سوى ان الذي علق بذهني منها (على ما اظن) هو انه فارسي الاصل وان اباه من سبي عين التمر وانه كان مولى لأحد الانصار الذي لا اتذكر اسمه وان ابنه الحسن هذا ولد في المدينة على عهد عمر ثم انتقل الى البصرة على عهد معاوية هذا ما اتذكره وما ادري اهو صحيح ام لا.
فارجو من سيدي الاستاذ ان يتفضل علي بكلمة موجزة تنير لي الطريق الى معرفة الحقيقة في هذه المسألة. ولو كنت ذا مكتبة فيها من الكتب ما استعين به على معرفة هذه الحقيقة لما ازعجتكم بهذا الطلب ومهما يكن فاني لكم من الشاكرين والسلام عليكم.

المخلص
معروف الرصافي

***

* (من الراوي الى الرصافي )

سيدي الاستاذ الكبير..
سلام الله عليكم وبركاته فيكم وحمده اليكم: اما بعد فإنني تلقيت بيد التجلة والتعظيم كتابكم الكريم. فشعرت عند قراءته بابتهاج في النفس لانه يشير الى تمتعكم بالعافية التي اتمنى ان يسبغ الله عليكم حلتها وعلى من تحبون من اخوان الصفاء وخلان الوفاء.
سألتم عن الحسن البصري واشرتم خاصة الى مسألة منبته ومحتده. والذي يؤخذ من كتب الاخبار والسير ان الرجل من الموالي كان ابوه (يسار) مولى لزيد بن ثابت الانصاري وهم من اهل ميسان من اعمال البصرة. وام الحسن (خيرة) مولاة ام سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام. وقد ولد في المدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه ثم انتقل بعد ان ترعرع الى وادي القرى ومن هناك قصد البصرة وجعلها دار اقامته فنسب اليها. وقد ادرك نيفا ومئة من الصحابة ولم يرو إلا عن اربعة عشر منهم. وهو عند المحدثين ونقلة الآثار من الثقات الاثبات الذين لا مراء في عدالتهم.
وكان يعد من افذاذ الفصحاء ويظهر لي ان الفصاحة تأصلت فيه بحكم البيئة التي نشأ فيها بين المدينة ووادي القرى والبصرة. وقد نقلوا عن ابي عمرو بن العلاء انه قال: «ما رأيت افصح من الحسن البصري ومن الحجاج بن يوسف الثقفي، فقيل له فأيهما كان افصح قال: «الحسن».
ويتجلى صدق هذا القول في استعراض المنقول عنه من روائع الحكم وجوامع الكلم. وكان اهل البصرة يجلونه اجلالا لا مزيد عليه ويعدونه في الطليعة من ائمتهم وكانت حلقته في مسجد البصرة فريدة في بابها حتى ان واصل بن عطاء عندما انفصل هو وبعض اصحابه عن هذه الحلقة والفوا حلقة اخرى في ناحية من نواحي المسجد اطلق عليهم الناس اسم المعتزلة كانهم اعتبروا مفارقين للجماعة التي كانت تضمها حلقة الحسن. ويظهر ان الحسن كان ممن يميل الى الوحدة ويبغض الفرقة والانشقاق فقد ورد انه كان ينقم من الحكومة المروانية بعض المظالم فلما ثار يزيد بن المهلب واعلن الانفصال عن بني امية امر بعض عماله ان يأخذ البيعة من الحسن فابى واسدى له نصيحة ثمينة. ولما انجلت تلك الغمرة وعاد الحسن الى حلقته في المسجد كانت اول كلمة قالها: «لا بد للناس من ورعة ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». وتوفي في البصرة في مستهل رجب سنة عشر ومئة وشيعت جنازته تشييعا لم يسبق له مثيل، فقد قيل ان البصريين خرجوا بجنازة الحسن بعد اداء صلاة الجمعة فلما خلت صلاة العصر لم يحضر في مسجد البصرة احد لانشغال الناس في أمر الجنازة.
قالوا لم يعهد ان فقد المسجد صلاة من الصلوات المكتوبة تقام فيه جماعة الا عصر ذلك اليوم وهذا كله يدل على تعلق الناس يومئذ بحب الرجل حبا صادقا والبصرة يوم ذلك كانت مباءة الفضلاء ومحجة الادباء والعلماء.
هذا وترجمة الرجل مبسوطة في وفيات الاعيان لابن خلكان وفي تهذيب الاسماء واللغات وفي سائر الكتب التي تعنى بتراجم المحدثين مثل تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني والميزان للذهبي وكلهم مجمعون على علو كعبه في الحديث والفقه والوعظ وما الى ذلك من الشؤون الدينية ، وله كلام كثير مبثوث في كتب الآثار والاخبار وامهات كتب الادب بحيث لو جمعت لتألف منها رسالة قيمة في الوعظ والتذكير والنصح والارشاد. هذا وقبل الختام ارجو قبول خالص الاحترام من اخيكم المخلص.
طه الراوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى