د. محمد عبدالله القواسمة - الإرهاب بالباب

(غرفة في فندق "السلام" وهو فندق متواضع، في مدينة عربية. ينفتح باب الغرفة على ممر، على يمينه الحمام ودورة المياه، وبجانبه خزانة ملابس ملتصقة بالحائط. في الداخل صالة فيها سريران متقاربان، بجانب كل منهما طاولة قصيرة على إحداها هاتف أرضي. في مواجهة الباب طاولة دائرية وحولها كرسيان، وللصالة شرفة تطل على الخارج.
الوقت قبل منتصف الليل. يدخل جدعان، وهو رجل في الستين من العمر، بيده أكياس فيها ملابس وهدايا، وخلفه زوجته صبحة التي جاوزت الخمسين. يضئ جدعان النور، ويضع الأكياس على الطاولة، ثم يرتمي على السرير، فاردًا ذراعيه ورجليه. صبحة تجلس على أحد الكرسيين)
جدعان: هدنا التعب اليوم.
صبحة: لكنه تعب جميل.
جدعان: (يرفع رأسه دون أن ينظر إليها. باستهزاء) جميل! هل يوجد تعب جميل؟ بل قولي تسوق جميل. لم نترك سوقًا مشهورًا في المدينة إلا ودخلناه. لو كان السوق رجلًا لقتلته!
صبحة: لا تقل إن هذا القول حديث للرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ كما يخطئ كثير من الناس.
جدعان: الأصل في القول: "لو كان الفقر رجلًا لقتلته" وليس السوق. وهو قول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه! لعله كان يكره السوق مثلي.
صبحة: لا أدري، لماذا يكره الرجال السوق، وهو مصدر مهم لتكبير كروشهم.
جدعان: أنا ليس لي كرش. لكن كرهي السوق لا حد له؛ لأنه يؤدي إلى فقر أمثالنا، الفقر الذي يبغضه أشد البغض جميع المصلحين والصالحين، وليس عمر وحده، والفقر ــ كما تعلمين ــ عامل مهم من عوامل الإرهاب، والبلطجة. هكذا يقول علماء النفس والاجتماع.
صبحة: أنا أحب السوق مثل كل النساء، ومتعة التسوق عندي لا تعادلها متعة. ثم هل نسيت أن أولادنا وأحفادنا ينتظرون الهدايا ؟ لقد وصلت رسالة منهم إلى جهازي الخلوي فيها مجموعة من طلباتهم . كل منهم يأمل بهدية ثمينة، لا بد من البحث من أجلها في الأسواق. ثم هل تريدنا أن نغادر هذي المدينة دون رؤية أسواقها الجميلة؟!
جدعان: جئنا إلى هذي المدينة كي نتمتع بجمال طبيعتها، ونزور أماكنها وآثارها السياحية . للأسف أضعنا أيام الرحلة كلها في المطاعم، والأسواق التجارية! ما قهرني غير هذا يأخذ العقل يا جدعان، هذا جميل يفرح القلب يا جدعان، هذا ما في مثله يا جدعان، ادفع يا جدعان! كنت تصنعين معي معروفًا لو تجاهلت مطالب أولئك الأولاد التي لا تنتهي.
صبحة: أعرف أن مصيبتك هي في فعل الأمر "ادفع".
:(برقة) لا تنس اشتريت ملابس لي أنت تحبها.
جدعان: ( يجلس في السرير. يبتسم) كيف نسيت ذلك؟ آه! لو بقي معنا المال لاشترينا ذلك الفستان الأرجواني الذي رأيناه في السوق الذي دخلناه أخيرًا.
صبحة:(تتظاهر بالحياء) آه منك يا جدعان! لكن اطمئن في مدينتنا أحسن منه.
جدعان: هذي الفرصة لا تتكرر.
صبحة: إذا عشنا لماذا لا تتكرر؟
(صمت)
جدعان: ( يحرك يده على رأسه كأنه يفكر) أخشى أن تكون الملابس التي اشتريتها ضيقة أو فضفاضة؛ يحسن أن ترتديها أمامي، على سبيل التجربة، لأرى إن كانت مناسبة لجسمك. إذا كانت ضيقة أو واسعة نستطيع استبدالها أو إرجاعها.
صبحة: اطمئن. جربتها في غرفة القياس، جاءت لا ضيقة ولا فضفاضة، كأنها فصلت لأجلي. أعرف مخططاتك. على كل حال أنا الآن، مع أن لي رغبة في الاستحمام، فإني متعبة لا أقدر حتى على استبدال ملابسي. إذا وضعت رأسي على الوسادة سأذهب في النوم.
جدعان: لا، أرجوك! أنا كالعادة من سينام قبلك. تعلمين إذا بدأت سيمفونيتك فلا فرصة لي في النوم.
صبحة: أمن أجل هذا استأجرت غرفة بسريرين؟
جدعان: لا طبعًا. شخيرك يسمعه حتى من في الغرف المجاورة بل اخترتها لأن الفندق ليس فيه أفضل من هذه الغرفة، كما أني أرغب في أن أنام وحدي هذه المرة، وأنعم بالحرية.
صبحة: من يسمعك يظن بأنك رجل مظلوم ومسكين. على كل حال سأتركك تنام. أما أنا فسأضع ما في هذه الأكياس في حقيبة السفر قبل أن أنام.
(يذهب في النوم. تأخذ الأكياس عن الطاولة، ثم تتجه بتثاقل نحو خزانة الملابس. ترتب ما في الأكياس، ثم تضعها في الحقيبة. تسمع جلبة أمام الباب. تتحرك نحوه، ترهف السمع لحوار بين امرأتين )
- أنا لم أعد أرغب في البقاء هنا، سأعود إلى أهلي.
- لم يجبرك أحد على المجيء.
- كنت مغفلة. كنت مخدوعة.
- يقتلونك إن عدت. تعالي نتكلم في الداخل.
- سآخذ حقيبتي من الغرفة وأخرج.
- إلى أين؟ كل أوراقك معي.
صبحة: (تبتعد عن الباب. لنفسها) الله يبعد عنا بنات الحرام! نسوان أعوذ بالله منهن! تربية الشيطان الرجيم، والأسر المفككة. اللهم لا تؤاخذنا بما تفعل السفيهات منا!
(تطفئ النور. تتهالك على السرير. جدعان غارق في النوم)
صبحة: ( بهمس) ما أسرع نومه!
:(تتهالك على السرير. تغرق في النوم. تبدأ في نوبة من الشخير. تستيقظ فجأة، ترهف السمع)هل أيقظني شخيري؟
:( تعود إلى النوم. حركة في الغرفة. تنهض من الفراش. تنظر إلى جدعان، وتتأكد أنه في السرير بجانبها. تتساءل بخوف) إذا كان جدعان في سريره فمن في الغرفة؟
:(الحركة مستمرة): ما هذه الحركة؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "بسم الله الرحمن الرحيم. قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفؤا أحد"
:(تخاطب نفسها) نامي لا تخافي. هل ستمضين عمرك في الخوف؟ "من يهرب من عزرين يجيه قباض الأرواح." هل تذكرين كيف كنت تخرجين وحدك في الليل، وكيف قتلت تلك العقرب السوداء اللعينة التي كادت تلسع ابنتك وأنتما في الحديقة؟ لا تخافي. ربما هي حركة الريح تعبث بالستارة، أو ربما حركة قط أو فأر في الخارج. من أين للفندق قطط وفئران؟
:(الحركة تقترب، تنكمش في الفراش، وتغطي رأسها): الله يستر! أنا خائفة! جسمي يرتعد من الخوف. ربما المكان مسكون بالجان والعفاريت. لم نلحظ هذا في الأيام الماضية. ربما الأشباح تريد توديعنا قبل العودة إلى مدينتنا.
:(بخوف) من في الغرفة؟
:(الحركة تزداد. ويزداد الارتعاش. ترتعد شفتاها) جدعان! جدعان! رجل في الغرفة. اصح يا جدعان.
:(تنسحب من تحت الفراش. تقف عند رأس جدعان، تخاطبه بتعثر) جدعان انهض! نحن في خطر! إرهابي في الغرفة يا جدعان! اصح يا جدعان!
جدعان: (يتململ) أريد أن أنام؟ اتركي هذه المخاوف ونامي.
صبحة: ليست مخاوف يا جدعان . بل شياطين حقيقية حولنا.
جدعان: نامي يا صبحة الشياطين أنهت عملها في هذا الفندق من زمان؛ لهذا سموه فندق "السلام".
صبحة: قد يلبس السلام عباءة الشيطان يا جدعان. قم لا تضيع الوقت. قد يهاجمنا فجأة.
جدعان: أنت واهمة يا صبحة، أو تمزحين معي .
صبحة: أنا لا أمزح يا جدعان. شيطان في الغرفة. انهض لتجد حلًا معه.
جدعان: لا أصدق ما تقولينه يا صبحة، وإذا كنت مقتنعة بما تقولين فليس عليك إلا أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وتنامي.
صبحة: كيف أنام وكائن غريب، أو شيطان لعين، أو ربما إرهابي في الغرفة؟
جدعان: (يرفع رأسه) عودي إلى سريرك يا ابنة الحلال. نحن في فندق وليس في الشارع. نامي واتركيني. في الصباح ينتظرنا تعب شديد.
صبحة: أنا لا أكذب يا جدعان. ألا تسمع ما أسمعه؟
:(تهزه بقوة) أنا خائفة يا جدعان، خائفة. انهض، رجل يقتحم غرفتنا لم يراع حرمة المكان.
جدعان: (يجلس في السرير) أمري لله!
:(يرهف السمع. يغيب الصوت) لا أسمع شيئًا.
صبحة: اسمع. ها قد عاد الصوت.
جدعان: (يرهف السمع مرة أخرى. صوت شيء يتحرك. ينتابه الخوف، ويبتسم ابتسامة صفراء) حقًا! أنت لا تمزحين.
:(ينزل عن السرير) سأرى من يكون هذا المخلوق. اللهم استر!
:(يتحرك بحذر. يضيء النور، تتوقف الحركة. يتجه نحو الخزانة يفتحها ويغلقها) أين اختفى الملعون؟ لا بد أنه دخل الحمام.
:( يقف بباب الحمام. بعد تردد يدفع الباب بقوة. ينظر إلى الداخل. يتنفس بارتياح) لا أحد. كفى الله المؤمنين القتال.
:(يغلق باب الحمام، يقف حائرًا بين الحمام والخزانة) أين تذهب مني؟ لن تفلت الليلة من يدي!
:( ينتبه إلى حركة كيس من البلاستك في الممر. ينحني. يخيل له أن في الداخل مخلوقًا يحاول الخروج) هو أنت أيها المجرم! عكرت السلام الذي يخيم على الغرفة. أنا لن أقتلك. لا أحب سفك الدماء.
:( يرفع الكيس عن الأرض ببطء وهدوء، ويتجه نحو الشرفة) سأعذبك أشد أنواع العذاب.
:(يسحب الستارة ويلقي الكيس في الخارج. ينفض يديه) تخلصنا من العدو بسهولة وسرعة ودون خسارة شيء. افرحي يا صبحة. زغردي. تخلصت من عدوك.
(صبحة تغط في النوم)
جدعان: اطمأنت بأن زوجها شجاع فراحت في الشخير.
:(يقترب من السرير وهو يتثاءب) كيف أنام الآن على هذا الصوت الهادر؟
:(يرتمي في الفراش. يتقلب) لن أستطيع النوم. سامحك الله يا صبحة!
:(يتناول موجه التلفزيون من على الطاولة القصيرة، التي بجانبه) الآن بعد أن أيقظتني لن تصحو حتى لو قامت الحرب بين أمريكا وإيران.
(يشغل التلفزيون. يظهر مذيع الأخبار في إحدى الفضائيات، وهو يقرأ:
" قتل مسلح واحد على الأقل تسعة وأربعين شخصًا وأصاب أكثر من أربعين خلال صلاة الجمعة في مسجدين بنيوزيلندا في أسوأ حادث إطلاق نار في تاريخ البلاد، والذي وصفته رئيسة وزراء نيوزيلندا بأنه عمل إرهابي. وبث المسلح الهجوم بلقطات حية على الإنترنت من مسجد في مدينة كرايستشيرش، على غرار عمليات القتل في ألعاب الفيديو بعد أن نشر بيانا يندد فيه بالمهاجرين، ويصفهم ”بالغزاة"
جدعان: وصل الإرهاب إلى بلد الجمال، نيوزيلندا التي لا تعرف التطرف، والتمييز بين البشر. يا إلهي! أي قلب لهذا الرجل حتى يغرق في دماء أناس آمنين في مكان عبادة؟! الحمد لله أني لم أقتل ذلك المخلوق الذي أخافنا الليلة! اكتفيت بنفيه وطرده من هنا؛ فليس من المعقول أن أتركه يعبث في الغرفة، ويقلق راحتنا. (ينتقل إلى قناة أخرى. يستمع:
"نشرت مواقع مقربة من تنظيم إرهابي أنباء عن هجوم بمواد حارقة، استهدف كنيسة بميونيخ في ألمانيا. وأشارت هذه المواقع إلى أن العملية الإرهابية أسفرت عن سقوط أربعة وعشرين مصابًا على الأقل بين جريح وقتيل، منوهة بأن منفذ العملية كان يصيح: الله أكبر! في إشارة واضحة لتبعيته للتنظيم الإرهابي. لكن التنظيم لم يعلن رسميًا مسؤوليته عن العملية الإرهابية"
:(يطفئ التلفزيون) ما هذه الأخبار بعد منتصف الليل!؟ ليس في العالم غير القتل والتطرف. من أين هذا الفكر الذي يبيح قتل الناس، وهم في بيوت العبادة! هل بدأ العالم يفقد وعيه؟ انتهينا من صراع الحضارات، وبدأنا صراع الديانات. وصارت التكنولوجيا أداة في هذا الصراع، وعاملًا من عوامل الشقاء والكراهية بدلًا من أن تكون من عوامل السعادة والهناء. على كل حال سأحاول النوم، ورانا عمل وتعب في الغد.
:(يطفئ النور. يضع رأسه على الوسادة. شخير صبحة يعلو ويهبط. يتقلب في الفراش، ولا يستطع النوم)
: (لنفسه) لا بد من وضع حد لما يجري. وضعت حدًا لذلك المخلوق الذي كان يعبث بأعصابنا، وحان الآن أن أضع حدًا لهذه المهزلة التي تبدعها صبحة.
:(ينتقل إلى سرير صبحة. يهزها) عدلي رأسك يا صبحة. شخيرك يوقظ من في الفندق.(يحاول أن يسوي الوسادة من تحت رأسها)
صبحة: (تتململ) هل قتلته؟
جدعان: اصحي يا صبحة، وعدلي رأسك. أريد أن أنام.
صبحة: سألتك هل قتلته؟
جدعان: (لنفسه) ما زالت نائمة! ليس في رأسها غير القتل.
:(يهزها) اطمئني. عاقبته أشد أنواع العقاب.
صبحة: الحمد لله! أنت رجل شجاع يا جدعان. لولاك لقتلني الخوف الليلة.
جدعان: شجاع أو جبان أريد أن أنام.
صبحة: لا أمانع في نومك يا حبيبي.
جدعان: حبيبك! الحب والشخير لا يلتقيان. شخيرك لا يدمر القلب فقط بل خلايا الدماغ أيضًا.
صبحة: الأمر ليس بيدي.
جدعان: أعرف. إنه بأنفك.
صبحة: لا أستطيع أن أفتح عيني. أرجوك اتركني نائمة!
:(يعود إلى سريره يحاول النوم. شخيرها يزداد قوة. يصرخ) الله أكبر يا عالم، أريد أن أنام. أنام يا عالم! رأسي يتفتت من قلة النوم.
:(يزداد الشخير. يقفز بعنف) أنا أعرف كيف أداويك.
:(يسحب بها السرير ويجره نحو الباب. يفتح الباب ويضع مقدمة السرير في الخارج) هكذا أستطيع النوم. حين تصحين تعودين مكانك، وأكون أنا في النوم العميق.
:(يعود إلى الفراش) فكرة أحسد عليها. إذا أزعجك إنسان أو حيوان تخلص منه برميه من النافذة أو ضعه بالباب.
(يستيقظ بعد مدة قصيرة. الهاتف يرن)
جدعان: من هذه المرة؟ انتهينا من شخير صبحة وجاءنا هدير هاتف الفندق. يبدو أنه هاتف بالخطأ.
:(يتحسس الهاتف. يرفع السماعة ويضعها في مكانها بغضب) اتركوني لأنام ولو ساعة يا ناس!
:( يعود الهاتف إلى الرنين. يرفع السماعة) : نعم.
الصوت: أرجو أن تسمع لنا جيدًا. لا داعي للبلبلة والتشويش. نحن لا نحب أن نؤذي أحدًا، ونحب الخير لجميع الناس.
جدعان: واضح جدًا. لوكنتم كما تقولون لما أزعجتموني في هذا الليل. قولوا ماذا تريدون مني.
الصوت: يبدو أنك رجل تحب المتاعب.
جدعان: أنا يا غافل لك الله؟!
الصوت: نريد أن نخبرك بأن زوجتك عندنا في الحفظ والصون.
جدعان:(ينظر إلى السرير بجانبه. يبتسم. يبعد السماعة عن أذنه؛ حتى لا يسمعه الطرف الآخر. يقول لنفسه) كما توقعت؛ استيقظت صبحة وعادت إلى مكانها.
: الآن بدأتم بالكذب. ابحثوا عن كذبة غيرها.
الصوت: ما نقوله هو الصحيح. قمنا بخطف زوجتك. وهي عندنا، ولن نطلق سراحها إلا بدفع فدية.
جدعان: زوجتي نائمة بجانبي، وهي لأول مرة في غاية الهدوء لا شخير ولا نفير. ابحثوا عن رجل آخر تضحكون عليه.
(يغلق الهاتف بغضب. يرن الهاتف مرة أخرى. يرفع السماعة)
الصوت: ليس في صالحك إغلاق الهاتف. قلت لك: إن زوجتك مخطوفة، وهي في أيدينا الآن، وبعد ساعة إذا لم تؤمن لنا مبلغ عشرين ألف دينار سنقتلها.
جدعان:( يغلق سماعة الهاتف بيده حتى لا ينتقل الصوت. يضئ الغرفة. ينظر إلى السرير. يصيح) يا صبوحة، هل ما زلت على قيد الحياة؟
:(حركة تحت الغطاء. يفتح خط الهاتف) أنتم كاذبون زوجتي نائمة، يا كلاب.
الصوت: بل أنت رجل أحمق. نحن لا نكذب والدليل أن اسم زوجتك صبحة، وتدلعها صبوحة.
جدعان: هذه معلومات يمكن الحصول عليها بسهولة من النت. لكن من العيب أن تجاهروا بهذه المعرفة، وتستغلوها لابتزاز الآخرين يا بلاطجة.
الصوت: اسمع. نحن لا نمزح. ها هي زوجتك تكلمك.
صبحة: آه خطفوني يا جدعان!
جدعان: (يبعد فمه عن السماعة. بدهشة ) صوتها! صوت صبحة!
:(ينظر إلى السرير) هل أكذب عيني؟ ها هي نائمة. لقد جاءت بالسرير إلى هنا، وأغلقت باب الغرفة.
جدعان: لا أصدق أنك صبحة.
صبحة: كيف لا تصدق يا جدعان بأني زوجتك وأم أولادك. خطفوني يا جدعان. لكنهم يعاملوني معاملة حسنة.
جدعان: قلت إنهم يعاملونك معاملة حسنة إذن ابقي عندهم.
صبحة: ليس أحسن من معاملتك يا جدعان.
جدعان: (يغلق الهاتف) يريدون أن يضحكوا على جدعان!
: (يتحرك نحو السرير) لا أحد يستطيع الضحك على جدعان. .
: (يحرك الغطاء. بذعر) بسم الله الرحمن الرحيم! من في السرير؟
(ينكشف الغطاء. يبتعد جدعان عن السرير. تظهر فتاة جميلة في العشرين)
جدعان: يا إلهي ليست صبحة! من أنت؟ كيف جئت إلى هنا؟
(يرن الهاتف)
جدعان: إنها صبحة! (يرفع السماعة بسرعة)
صبحة: أنا صبحة يا جدعان. هل تأكدت أني التي تكلمك؟
جدعان: نعم! نعم تأكدت!
صبحة: ماذا ستفعل لإنقاذي؟
جدعان: تعرفين يا حبيبتي ما في اليد حيلة. يطلبون فدية عشرين ألف دينار. ما تبقى بعد حركاتك في الأسواق غير أجرة الطريق. اصبري!
صبحة: إلى متى يا جدعان؟
جدعان: إلى أن يأتي الله بالفرج يا حبيبتي.
صبحة: الحب لا يعرف الخذلان.
جدعان: يا صبحة، أنا لم أخذلك، ولكن الظروف الخطيرة والمعقدة هي التي تخذلنا، كما تلاحظين.
( تصدر الفتاة حركة بالسرير)
صبحة: يبدو عندك واحدة في الغرفة. هل تخونني يا جدعان بعد هذا العمر؟
جدعان: حتى وأنت مخطوفة تغارين علي!؟
صبحة: لماذا لا أغار عليك؟ أنت زوجي الحبيب، وأنا زوجة تقدر زوجها. اصدقني القول يا جدعان، هل عندك امرأة من هؤلاء اللواتي سمعتهن الليلة وهن يتحدثن في ممر الفندق. بعد هذا العشرة الطويلة يا جدعان، وفي هذا العمر؟
جدعان: اتركينا من هذا الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ودعينا نفكر في حل لما نحن فيه.
صبحة: قلبي غير مطمئن يا جدعان لا من ناحيتك، ولا من ناحية هؤلاء.
جدعان: لا تصدقي يا صبحة هؤلاء الإرهابيين. لا تجعليهم يسمموا عقلك، إنهم ماهرون في صيد عقول النساء، وخداع الناس باسم الدين والأخلاق.
صبحة : أنا أضيع يا جدعان.
جدعان: ما بعد الضيق إلا الفرج... كيف خطفك هؤلاء الأنذال؟؟
صبحة: لا تذكرني. أنت السبب يا جدعان. فعلتك السوداء هي بداية الكارثة التي حلت بي. مروا وأنا نائمة في السرير أمام الغرفة. وجدوني فريسة سهلة، قادوني وأنا نائمة. تعرف أن نومي ثقيل وأحيانًا أسير وأنا نائمة. لا أدري أين أنا الآن. لا أعرف المكان، يبدو أنه قريب من فندق "السلام ". لا أعلم بما ينوون فعله. هل نلتقي يا جدعان في هذه الدنيا أم الآخرة؟ إن هؤلاء، كما يبدو، متقلبو المزاج، مرة يظهرون كأنهم ملائكة، ومرات كأنهم شياطين.
جدعان: المهم ألا يعتدوا على شرفك.
صبحة: اطمئن يا جدعان، خطفوني وهم يعرفون أني امرأة كبيرة في السن، بل أكبر من أمهاتهم. يلعن أمهاتهم كلهن!
جدعان: انهم يسمعونك ويقتلونك.
صبحة: لا تخف! ناولني زعيمهم الهاتف، وراح يلاطف إحدى الإرهابيات. ها هو قادم نحوي. وداعًا يا جدعان!
الزعيم: (يأخذ السماعة منها. يخاطبه) اسمع، لا نريد أن نضيع الوقت معك، سنحل الأمر بمعرفتنا.
جدعان: افعلوا ما شئتم، لكن يجب أن تعلموا بأن صبحة زوجتي، ولن أتخلى عنها حتى ولو جئتم لي بسبعين من الحور العين، أو حتى بنساء الجنة كلهن. صبحة تساوي عندي نساء الدنيا والآخرة.
الزعيم: كلكم كفار يجب ذبحكم، وقتالكم بلا رحمة. أي حور عين يا غبي؟! (يغلق الهاتف)
جدعان:(ينتبه إلى الفتاة. يخاطبها بغضب) من قال إني أريدك بدلًا من زوجتي؟ ارجعي من حيث أتيت، وانصحيهم بأن يعيدوا صبحة. أريد زوجتي صبحة، ولن أقبل بها بديلًا.
الفتاة:(بخوف) لا يا عمي . قضيتي لا علاقة لها بما يجرى لزوجتك.
جدعان: معقول؟!
الفتاة: نعم. أنا فتاة بريئة هربت من امرأة تريد أن تلحقني بتنظيم إرهابي، وتزوجني من زعيم التنظيم، قد يكون هؤلاء الذين خطفوا زوجتك من أفراد التنظيم نفسه. أنا لم أرهم بعد.
جدعان:(بحزن) الآن تأكدت أن صبحة مخطوفة. خطفوها! خطفوها! العوض على الله!
:(إلى الفتاة)أتمنى ألا تكوني السبب فيما جرى لصبحة! لكن ما يحيرني كيف دخلت الغرفة، ونمت في سرير زوجتي. ومن هي المرأة التي تريد إرغامك على الزواج؟ يبدو أن وراءك حكاية طويلة.
الفتاة: نعم حكايتي طويلة ومرعبة مثل حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، لكني لست شهرزاد.
جدعان: وأنا لست شهريار، لكن لا بد من أن أستمع إليك.
الفتاة: أنا اسمي مريم، فتاة من قرية في الجنوب، جئت برفقة الحاجة فاطمة التي أقنعتني بأن أترك الجامعة، وأهرب من أهلي، وأجيء إلى هذه المدينة؛ كي أتطوع للعمل مع جماعة خيرية مؤمنة هدفها نشر الدين، وبث روح التسامح والمساواة بين الناس، وتحقيق العدل على الأرض. لكني اكتشفت بأنها جماعة إرهابية همها قتل الناس، وسلب الأموال، وتدمير كل ما أنجزته البشرية من قيم وحضارة. كما عرفت أن الحاجة فاطمة تريد أن تزوجني لزعيم من زعماء الجماعة يكبرني بعشرات السنين. تمكنت من الهرب منها، وجدت باب هذه الغرفة مفتوحًا وأمامه سرير خاو. سحبته إلى الداخل بسرعة، وأغلقت الباب، أعدته إلى المكان الذي بجانب سريرك، ودفنت جسمي تحت الغطاء، وحاولت النوم.
جدعان: لم تخافي أن يحدث لك مكروه، وأنت تلجئين إلى النوم في مكان تجهلينه؟
مريم: شجعني على فعل ذلك قرب المكان، ووجود الباب مفتوحًا، واطمئنان قلبي إليكما أنت وزوجتك عندما رأيتكما ليلة أمس عائدين إلى هذه الغرفة. ظل في ذهني الرغبة في اللجوء إليكما. ثم إني قلت في نفسي أسوأ ما سيحدث لي أفضل من أن أسلم نفسي إلى الإرهابيين.
جدعان: ما فعلت هو الصحيح يا ابنتي. الآن صرت أخشى أن يحدث لابنتي ما حدث لك. أنا لي ابنة في مثل عمرك اسمها بهجة. غدًا عندما يعلم الناس بحكايتك سوف تكونين درسًا لبنات جيلك حتى لا يتورطن في علاقات مشبوهة، ويضعن في ضلالات تضر بهن وبمستقبلهن.
مريم: أخطأت حين هربت من أهلي. ماذا سيقولون عني؟ سيتهمونني بكل ما هو قبيح. أنا في أشد الندم على ما فعلت. ماذا جرى لعقلي حتى أترك البيت الذي فيه تربيت، والمكان الذي فيه نشأت، وأطيع تلك المرأة التي كانت تظهر لي الحنان والعطف، وتلهب عقلي بكثير من الخرافات والأكاذيب؟ لم أنتبه إلى مستقبلي حين تركت الجامعة، والحياة الهانئة، وابتعدت عن أمي وأبي. ستبكي أمي كثيرًا، وكذلك أبي سيحزن علي حزنًا لم يحزن مثله من قبل، وإخوتي سيرون أني الفتاة المتنمرة التي تستحق القتل. لن ألومهم. خرجت عن الطريق المستقيم. إنهم لا يستحقون العذاب من أجلي. اللهم اغفر لي عما فعلت، وعما سببته لأهلي من عذاب وآلام ؟
جدعان: لا تعذبي نفسك كثيرًا يا ابنتي. العاطفة أحيانًا تقودنا في دروب خاطئة. الفتاة في مثل سنك قد تغرق في الأحلام الوردية ويحملها الخيال بعيدًا، وتغزوها الآمال التي لا صلة لها بالواقع. نحتاج دائمًا إلى العقل لينير لنا الطريق.
مريم: الحقيقة المرة التي لم أنتبه إليها أن الفتى في مجتمعنا يخطئ ويغفر له خطؤه، ويمارس حياته كأنه لم يفعل سوءًا، أما البنت فتعذب بخطئها، ومن الصعب أن تعود حياتها إلى ما كانت عليه قبل أن تخطئ.
جدعان: الحمد لله أن خطأك وقف عند هذا الحد! الله يحبك كثيرًا، عسى أن تنتهي قصتك إلى خير، ويرضى عنك الأهل جميعًا، وتعودي إلى الجامعة، وتكملي دراستك لخدمة أهلك ومجتمعك!
مريم: آه! يا عم جدعان، الشر كثير هذه الأيام. من أين لي أن أعرف أن امرأة مثل الحاجة فاطمة التي تبدو من النساء الصالحات تخدع فتاة في عمر ابنتها؟
جدعان: كثيرًا ما ننخدع بالظاهر يا ابنتي. ثم إن الشر معروف منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل. لا تزعجي ذهنك بمثل هذه الأفكار.
مريم: لا أدري يا عم جدعان كيف يكون الأهل حين يروني.
جدعان: صدقيني سيكونون سعداء، يا مريم. لكن الأمر الأهم كيف تعودين إليهم؟
مريم: الأمل أن تساعدني يا عم جدعان. سأحتفظ لك بهذا الجميل ما حييت.
جدعان: (يبعد وجهه عنها، ويقول لنفسه) هذي مسؤولية أخرى على جدعان. ثنتان في رقبتي صبحة ومريم. اللهم أعني على مواجهة هذا الواقع غير المتوقع!
مريم: أنت لها يا عم جدعان، والله في عونك!
جدعان: أراك ابنة حلال. أنت الآن بمنزلة ابنتي بهجة. يجب أن أعترف بأن خطأك، مع أنه خطأ جسيم، يمكن تصحيحه عن طريق العقل، بالعقل نقدر على حل المشكلات التي تعترضنا، وبخاصة هذه الأيام التي يتمسح فيها الناس بالدين.
مريم : ماذا تنوي أن تفعل؟
جدعان: يجب أن نخبر الدولة حتى لا نتعرض للمساءلة بأنا نتستر على الإرهاب، ثم إن الدولة هي الأقدر على توفير الحماية لنا، ومواجهة الإرهابيين والانتصار عليهم.
مريم: أخشى أن يسجنوني .
جدعان: لا بل سيعفون عنك؛ لأنك لم تفعلي بعد أي سوء. وسيعيدونك إلى أهلك معززة مكرمة، وستجدين الأهل في انتظارك بفرح، وسيغفرون لك خطأك، بل ويحتفلون بك مثل أي فتاة ذكية وشجاعة استطاعت أن تواجه الظلم، وتفلت من الإرهابيين.
مريم: افعل ما شئت يا عمي، وستجدني إن شاء الله من الصابرات المحتسبات.
جدعان: (يرفع السماعة) آلو!
مسؤول: الشرطة في خدمتكم. من معنا؟
جدعان: المواطن جدعان نظمي.
المسؤول: نعم تفضل.
جدعان: (بتهدج) أرجو النجدة.
المسؤول: أخبرني يا جدعان بهدوء.
جدعان: فتاة تسمى مريم في فندق السلام غرفة 117مطاردة من جماعة إرهابية خطيرة. وهم في طريقهم للوصول إليها. إنها تحتاج إلى الحماية السريعة، وإنقاذها من أيدي الإرهابيين. أي تأخر سيؤدي إلى إلحاق الأذى بفتاة بريئة.
المسؤول: من تكون بالنسبة إلى الفتاة؟
جدعان: أنا مقيم في الفندق، والفتاة التجأت إلي.
المسؤول: عرفنا الموقع. قادمون في الحال. أوصي الفتاة بالهدوء، وعدم الاضطراب. كل شيء سيسير على ما يرام.
مريم:(بدهشة) لم تخبرهم عن زوجتك؟
جدعان: المهم أنت. إذا أمسكوا بالمشاركين في هذه العملية فسيطلقون سراح صبحة. هي شبكة إرهابية واحدة كما يبدو. لا تهتمي. لا خوف عليها.
:(بابتسام) إنها تخيف الجدعان فكيف لا تخيف الإرهابيين الجبناء؟
مريم: أنا أتفاءل حين أسمع كلامك.
جدعان: تفاءلوا بالخير تجدوه. ستنتهي القضية على خير؛ فهي الآن في يد الأمن. هيئي نفسك للمرحلة القادمة.
(تتجه نحو الحمام)
(صمت)
(طرقات على الباب)
جدعان: جاءت الشرطة. ما أسرعهم!
:(بصوت عال لمريم) أغلقي عليك باب الحمام جيدًا، والزمي الهدوء. لا تخرجي حتى أناديك.
مريم: (من داخل الحمام بصوت مرتعش) أمرك يا عم!
جدعان:(يقف بالباب قبل أن يفتحه) من؟
صبحة: أنا صبحة!
جدعان: (بفرح) كنت أعرف بأنهم سيطلقون سراحك.
(يفتح الباب. تندفع صبحة إلى الداخل، يدفعها ثلاثة رجال مقنعين.)
جدعان: الله أكبر ثلاثة على امرأة!
الزعيم : (يغلق الباب) دون أي ضجيج أو اضطراب هذي زوجتك. الآن أعطنا ما بحوزتك من مال مقابل إرجاعها إليك. لا تخفي شيئًا من المال الذي معكما. أي حركة مشبوهة تفقد حياتك وحياة زوجتك.
جدعان: من أين لنا المال؟ كل ما نملك أنفقناه في هذي الرحلة.
صبحة: ابحثوا عن غيرنا. ستجدون في الفندق كثيرين من الأغنياء.
الزعيم: هذا الرفض لا يفيد، سيجعلنا نستخدم القوة لتحقيق هدفنا.
جدعان: ماذا ستفعلون بنا؟ نحن الاثنين كما ترون لا خير فينا. جئنا إلى هذي المدينة كي نمضي في آخر العمر بعض الأوقات الجميلة. ليتنا لم نأت!
صبحة: "قالوا للقرد بدنا نسخطك قالهم أكتر من هالسخطة شو بدي أصير"
الزعيم: لا يمكن أن نطلع من المولد بلا حمص.
صبحة: ما الحمص الذي ستخرجون به من هذه الغزوة؟
الزعيم: المال أو التخلص منكما. هيا أخرجا ما معكم من المال.
صبحة: إلى أي شريعة تحتكمون؟
الزعيم: شريعة الإسلام طبعًا.
جدعان: أي إسلام! الإسلام لا يرى ما ترون. ألم تسمع ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وقوله: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"؟ أراكم تفعلون ما يخالف كل تعاليم الإسلام، تفعلون كل شر: تقتلون وتسلبون وتدمرون. اتقوا الله! نحن في عمر آبائكم وأمهاتكم. حرام ما تفعلون. لا توجد شريعة تبيح إرهاب الناس، وسلب أموالهم ، وقتلهم دون وجه حق.
الزعيم: (يدفع جدعان في صدره) احترم كبر سنك وإلا كتمت أنفاسك بهذا المسدس.
إرهابي آخر: دعنا نتخلص منه.
صبحة: (بتوسل) لا. أرجوكم اتركوه!
الزعيم: تخافين عليه هذا الحمار؟!
جدعان: لا بأس، قد يخطئ الابن بحق والده.
الزعيم: الله يطول بالنا عليك!
(يدفعه الاثنان الآخران إلى الحائط)
الاثنان: قف لا تتحرك.
صبحة: ليس في قلوبكم رحمة. الويل لكم من الله!
الزعيم: اسمعي يا امرأة إذا لم يستجب لنا سنقتله أولًا ثم نقتلك. المال بدلًا من رأسيكما.
جدعان: قلت لكم لا نملك من المال غير أجرة الطريق، طريق العودة إلى مدينتنا.
:(لنفسه) أين هؤلاء؟ تأخروا. أخشى أن تضعف مريم، ويفتضح أمرها. لا بد أن يأتوا.
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال
الزعيم: ماذا تخرف لنفسك؟
جدعان: في النهاية ستحاسبون على أعمالكم.
الزعيم: الوقت يضيع. سأطلق الرصاص.
صبحة: انتظر. عندي هاتف خلوي وسلسال من ذهب، وضعتهما في حقيبتي. خذوا كل شيء واتركونا.
الزعيم: الآن نستطيع أن نتفاهم. احضري الحقيبة. لا نريد غير سلسال الذهب.
جدعان: (يصرخ) لا تطيعيه يا صبحة؛ سينفذ ما في ذهنه حتى لو حصل على كل شيء. إنه متعطش للدماء لا المال فقط.
الزعيم: كل شيء مباح في قتال الكفار.
(جلبة أمام الغرفة. يفتح الباب بقوة. يندفع ضابط واثنان من رجال الأمن، وهم مصوبون أسلحتهم)
الضابط: (شاهرًا المسدس)لا يتحرك أحد. أي حركة تعني إطلاق الرصاص بلا رحمة. أسلحتكم على الأرض. ارفعوا أيديكم جميعًا. المكان مطوق لا فائدة من المقاومة.
صبحة: الله يحييكم ! جئتم في الوقت المناسب.
الضابط:(إلى الثلاثة) إلى الحائط.
(يدير الثلاثة وجوههم نحو الحائط)
الضابط:(إلى الشرطيين ) ضعا القيود في أيديهم.
(يضعان القيود في أيديهم ويفتشانهم)
الضابط: (إلى جدعان) أنت من بلغت عليهم.
جدعان: نعم أنا جدعان وهؤلاء هم الإرهابيون الذين اعتقلوا زوجتي، ويطاردون الفتاة مريم، يريدونها أن تنضم إليهم، ويزوجوها لزعيمهم.
الزعيم: (بسخرية) جدعان هذا الذي لم يكن في الحسبان. يجعل سره في أضعف خلقه.
الضابط: الآن صرت حكيمًا!
:(إلى جدعان) أين الفتاة؟
جدعان: في الحمام .
:(ينادي عليها) اخرجي يا مريم!
(تخرج مريم، وهي في حالة من الخوف والضعف)
صبحة: من هذي يا جدعان؟
جدعان: ليس الوقت وقت غيرة يا صبحة.
مريم:(للضابط) هؤلاء لا بد أنهم الإرهابيون الذين يطاردونني بالتعاون مع الحاجة فاطمة. لكن يا حضرة الضابط، أين الحاجة فاطمة؟ ألم تلقوا القبض عليها؟
الضابط: اطمئني، اعتقلناها قبل أن نأتي إليكم.
جدعان: أرى أنها أخطر امرأة في العصابة؛ فهي المزود البشري لهؤلاء.
الضابط: (لمريم) الحمد لله لم تقعي في أيدي هؤلاء الجناة! أنت الآن في مأمن. ستبقين معنا، وتكونين مكرمة عندنا حتى إكمال بعض الإجراءات، وإخبار أهلك ليأتوا لاستلامك. اطمئني لن يحدث لك مكروه. أنت فتاة شجاعة؛ استطعت بالذكاء وحسن التصرف الخروج من المأزق الذي ترديت فيه. وأنت يا جدعان لك الشكر الجزيل على ما قدمته من شجاعة وحكمة في مواجهة الإرهابيين. أنت بطل يا جدعان.
جدعان: ليتني بطل كما تقول أيها الضابط!
صبحة : بل أنت بطل يا جدعان.
جدعان: (يشير إلى مريم) أرأيت يا صبحة؟ هذي هي مريم التي كان هؤلاء الإرهابيون يريدون خطفها، وضمها لجماعتهم. استنجدت بنا مع أننا كنا مثلها تحت المطرقة. الأمر المهم استطعنا نجدتها بهمة رجال الأمن . لم تكن حياتنا بأهمية حياة هذه الفتاة.
مريم: لا تقل هذا يا عم جدعان. لا تكون الحياة ذات قيمة إذا خلت من أمثالكم. الشكر الجزيل لك يا عمي.
صبحة: (تضع يدها على كتف مريم) سيفرح أهلك عندما يرونك عائدة إليهم.
مريم: ما زلت خائفة يا خالة.
صبحة: كلنا يسكننا الخوف هذه الأيام. هل نقدر أن نتخلص منه؟!
الضابط: لا خوف بعد أن يزول الإرهاب. اتركونا من الخوف الآن.
:(للجميع) هل تريدون شيئًا؟ نحن في خدمتكم دائمًا.
جدعان: لا نريد غير القصاص العادل للإرهابيين، وعودة مريم إلى أهلها معززة مكرمة.
الضابط : هذا ما سنعمل على تحقيقه.
جدعان: الآن اتركونا لنستريح أو ننام قليلًا قبل أن نعود إلى مدينتنا.
مريم: سأظل أحتفظ بجميلك يا عم جدعان، وأنت يا خالة صبحة طوال حياتي . سأحدث والدي وإخوتي عما فعلتماه من أجلي. أنقذتما حياتي من الضياع، وحافظتما على إنسانيتي. صحيح ما زال الخوف يعمل في قلبي لكنه خوف مشوب بالأمل الذي يعين على تحمل أثقال الحياة. أرجو مسامحتي عما سببته لكما من مشاق وآلام.
جدعان: لا أدري يا بنيتي إن كان ما حدث هو النهاية أم البداية. ما قامت به الشرطة ربما هو خطوة على طريق طويل.
صبحة: مكتوب علينا أن نتعذب كثيرًا على أيدي من حولنا من البشر. انتبهي إلى نفسك يا بنيتي. (تتعانقان)
(تخرج مريم مع الضابط)
(يجلس جدعان وصبحة على الكرسيين حول الطاولة)
جدعان: الحمد لله على سلامتك يا صبحة! تخلصنا من الإرهابيين، ونجت مريم المسكينة من مؤامرتهم.
صبحة: هل تعلم يا جدعان بأني ما زلت أسمع تلك الحركة التي أيقظتني من النوم؟ إنها ما زالت تدور في رأسي.
جدعان: هل أنت خائفة؟
صبحة: نعم خائفة. يبدو أن المخلوق الذي قلت إنك تخلصت منه عاد إلى الغرفة.
جدعان:(ينهض) انتظري قليلًا.
صبحة: ماذا ستفعل؟
جدعان:(يتجه إلى الباب. يتفقد الخزانة والممر. يفتح باب الحمام ويغلقه بغضب. يعود إلى مكانه) ما هذا الخوف الذي يتملكني؟ ما الذي يجري؟
صبحة: لم تفعل كما فعلت وأنا نائمة؟
جدعان: (يصرخ) هيا نغادر الفندق بسرعة يا صبحة.
(يجمعان أغراضهما ويخرجان)
النهاية
[/SIZE]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى