- 28 رسالة من عبد المجيد لطفي الى د. شاكر خصباك

-1-
بغداد في 18/7/1972
عزيزي الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية الود الدائم والاحترام العميق. وبعد فقد انتهيت من قراءة مسرحيتك "الشيء" فإذا بي في الحقيقة أمام شيء لا أعتقد أنه كتب عن تلك المرحلة السوداء المليئة بالعار ما يماثله.
إنه كتاب إدانة في الحقيقة ببسالة منقطعة النظر وإذا تركنا الجوانب الأدبية والحوار الإبداعي الفاجع فإن الكتاب سيقف على امتداد غد طويل كوثيقة تمد التاريخ بجوانب حقيقية مما شاهد وناقش وعرف أستاذ نزيه عاصر تلك المرحلة المأساة.
إن شخصيات التمثيلية من العمق حتى دون وصف كامل أو شخصي لهم بحيث لا يبارحون الذهن وربما أخذوا مكانهم من ذهن القارئ إلى مدى بعيد جداً.
إن هذه التمثيلية عمل وثائقي كبير لا يلهم به إلا رجل حساس ونبيل إلى جانب كونه أديباً وفناناً. فلقد ظننت – قبل أن أقرأ تمثيلية "الشيء" أننا لم نخرج ولو بكسب جزئي للأدب من خلال تلك المعارك الطويلة التي انتهت بمجازر 8 شباط 1963 التي تتضاءل أمامها مجازر أيلول في الأردن.
إن عبئاً أو كارثة من الفسق والانهيارات الأخلاقية العفنة سقطت على رؤوس أنبل الناس في هذا الوطن فأبادت من أبادت وشوهت من شوهت لتنهزم بعد ذلك أخلاقياً فلا تُستر لها جيفةٌ بألف قارورة من العطر.
ولعل أبرز شخصيات التمثيلية "شخصية نائب الضابط" وتلك الببغاوية التي لازمته في ترديد الشتائم التي يبدأ بها الضابط الرئيس ثم الملازم وتعقبها لازمته الأساس اللصيقة به – قواد ابن القوادة – فهي بداية كلماته ونهايتها الدنيئة دائماً!
ولقد حملت كلمات وحوارات التمثيلية صوراً صادقة لوضع لم ير البلد أسوأ منه حتى في العهد الملكي الذي قالوا عنه كل شيء فإذا بكل ضحاياه لا تساوي ضحايا وعذابات يوم واحد مما انصب على أرواح وحيوات ناس من اشرف الناس.
إنني أقول جاداً وغير مجامل إن مسرحية "الشيء" إدانة صارخة ليس لليوم ولا للغد القريب وإنما إدانة تلقى البرابرة وحملة الأحقاد والدناءات أجيالاً. فلقد ضمت التمثيلية أكثر الوجوه الوطنية نبلاً وبراءة وأثقف من في البلد من عقول ومواهب وبسالة وكان الاغتيال في باحات السجن وغرف الاعتقال ظاهرة كاملة الملامح للوحشية بأبشع صورها.
ولا أعتقد إلى هذه اللحظة أن كاتباً كتب شيئاً من وحي وآلام تلك المرحلة ما يوازي دقة وحرارة وجمال تمثيلية "الشيء".. الشيء الذي كان يأكل كل شيء بما في ذلك "الأعراض" والمواهب وجهد التعب والأدب. وإنه لعجيب أن تمر بالوطن مثل تلك الكارثة الكبيرة ويقف على قدميه. فأية ردة بربرية قذرة بكل ما في القذارة من معنى ما مررنا بها في تلك الأيام المدانة السوداء...
لقد كانت العمالة قوة استعمارية للإبادة وكان المرتزقة يتقاضون كل ما في البلد من خيرات لقيامهم بما قاموا به وإني لأشعر الآن – تجاه هذا الكتاب – بالخجل لأنني لم أكتب شيئاً بهذا العمق والحرارة وربما بسبب من أنني لم أمرّ مروراً عميقاً أو شخصياً بتلك المأساة الوطنية والأخلاقية التي أنزلت بنا عن طريق عملاء الاستخبارات الأمريكية كما ظهر ذلك فيما بعد...
أما ملاحظتي الوحيدة فهي موضوعية بخصوص مكان الاعتقال أو غرفة السجن فمهما كان الأمر فلا يمكن لغرفة من ثلاثة أمتار مربعة أن تتسع لكل ذلك العدد من المعتقلين وإذا جاز ذلك بشكل لوجودهم الضيق فلا يمكن أن تتسع لرياضة سويدية صباحية يقوم بها من في تلك الغرفة العش أو جحر الأرنب! وإنهم لسعداء بكل تأكيد أولئك الذين سيجلسون يوماً ويرون هذه التمثيلية مشخصة بكل حرارة أمام أعينهم من قبل ممثلين أكفاء تنتزع منهم الإعجاب الذي تستحقه ذكريات ضحايانا. وليجدوا أي ثمن غال قد دفعه جيل الأحرار في أعقاب كارثة 8شباط/1963 وهي لا تمثل إلا عاراً كبيراً تجاه الشعب لا يُنسى.
أما الكتب ألأخرى فأنا في سبيل قراءتها وسأكتب بقية هذه الرسالة عندما أنتهي منها واحد لتحمل خلاصة حكم كاتب معاصر يزكّي كتاباً جليل الشأن هو واحد من الجوانب الكثيرة المثيرة بشكل لا يصدق بما فيها من بربرية الأوغاد. ويظل الأدب رسالة والأديب كلمة حية ومقدسة ما دام مع الشعب ويؤدي رسالة التحدي في وجه الشر والاستبداد والقرصنة. وهو يكابد في سبيل ذلك ما لا يحصى من الخسائر والآلام. والآن أستودعك الله إلى أن أضيف جديداً إلى هذه السطور. عندما أنتهي من كتاب آخر كما ذكرتُ آنفاً. وشكراً لك.
المخلص – عبد المجيد لطفي

***

-2-

18/1/1986
أخي الأستاذ الدكتور شاكر خصباك حفظه الله
تحية طيبة وبعد فقد سُعدت كثيراً اليوم لأنني تلقيت في بريدي أولى رسائلك.
وبالتأكيد إنه لايهمني تأخرها إنما المهم بالنسبة لي أن تكون في خير وعافية وأنت تعرف ذلك فخير الود ما ظل إعجاباً متواصلاً وها قد مرت السنوات الطوال ونحن معاً أكثر فهماً للحياة ومجرياتها وقيم الصداقة فيها.
وإذ تكون في اليمن، أرض الحكمة والطبيعة فأرجو بحرارة أن يعود وجودك فيها بالنفع على الثقافة الجامعية هناك فأنت أستاذ جامعي متمرس وأديب وقاص لك في المكتبات الخاصة والعامة رفاً طويلاً من الكتب العلمية والأدبية وليس لقلم نابض بالحياة مثل قلمك أن ينضب وليس لمثل عقلك النير أن ينكمش، وليس هذا ثناء زائداً بل هو تقرير لواقع حي، ومتجدد ومبرر للكفاءة التي تستحق الثناء عليها..
وباعتقادي وأنت تؤدي واجبك الإنساني والقومي في جزء من الوطن العربي أنك ستعود بمردود طيب من الصور والذكريات تكون أقاصيص متطورة زاهية فالأشعار تعطي أكثر مما تأخذ وهذا جمال قيمتها.
ولأنك جغرافي بحاثة فسترى جانباً من الوطن العربي رؤية ميدانية فالتاريخ إذ يحث خطاه إلى أمام لا يقطع صلاته مع الماضي الذي كوّن الحاضر مضياً نحو المستقبل.
وإذ تسأل عني فقد عانيت في منتصف هذا الشتاء ألماً ممضاً في المفاصل بعد إصابة شديدة بالإنفلونزا على الرغم من كل الوقايات والتحفظات والألم جرَّ ألماً حتى عزوتُ كل شيء للشيخوخة فأنا في 30/6/1986 سأنهي العام الواحد بعد الثمانين ويقول بعض الأطباء أن الشيخوخة بحد ذاتها "مرض عضال" حتى لو لم تأت بالأمراض لما تورث من ملالة وتذمر وضعف في المقاومة ووهن في الذاكرة.
ولكن حين يبلغ المرء هذه المنزلة الزمنية من العمر يروّض نفسه على الصبر والتحمل إذا كان صابراً وحصيفاً.
وإلى أسابيع مضت كنت أتلقى الرسائل من الأستاذ الدكتور عدنان رشيد في جامعة الرياض مثلما كنت أتلقى مزيداً من الرسائل من الصديق الموهوب الأستاذ الدكتور خالد الجادر من المغرب فتأخرت رسائله هو الآخر وقد تعودتُ على ألاّ ألوم أحداً حتى ولو قصّر دون عذر
فالحياة يا أبا صباح مسؤوليات ولكل امرئ مشكلاته ومتاعبه ونحن في زمن مليء بالحركة والتنويع في المعارف التي يجب ملاحقتها للحصول عليها.
وشكراً لك إذ قلت أنك تقرأ بعض ما ينشر لي في مجلة النهضة فأنا أخص هذه المجلة وجريدة الرأي العام في الكويت وحدهما بما أكتب لعلاقة ودية طيبة نشأت مع عميد دار الرأي العام الأستاذ الكبير عبدالعزيز المساعيد ولكنني قلّما أ حصل على المجلة أو الجريدة فلا أرى ما أنشر وقد اعتاد الدكتور عدنان رشيد أن يبعث لي ما يجده في الصحف من كتاباتي على شكل قصاصات والأمر عندي سيان لاسيما وقد خففت من الكتابة مؤخراً. مع تحياتي لك وللعقيلة المحترمة من جميع أفراد أسرتي وعائلتي مع تحية خاصة لك من ولدي الأديب زيد خلوصي وليحفظك الله لي وللعلم والأدب.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-3-

15/4/1986
أخي العزيز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية حارة مقرونة بالدعاء لك وللعقيلة المحترمة بالعافية والدعة والاستقرار وبعد فلقد سعدتُ اليوم سعادة كبيرة إذ تلقيت فيه رسالتك الكريمة التي حملت إليّ كالعادة أنبل ما في الصداقة الطويلة من مشاعر الود والصفاء.
كما أنني – أبا صباح – سُررت بالقصاصات الثلاثة المجتزأة من مجلة النهضة الكويتية إذ لم أطلع عليها وهي منشورة مع أن المجلة تصل إلى أكشاك البيع عندنا ولكنها تنفذ قبل أن أصل إليها فأنا – كما تعلم – قليلاً ما أغادر منزلي للسوق وهكذا يفوتني معظم ما أرسل للنشر فينشر ويسعدني ذلك لأنني بلغت أدبي إلى من يقرأه... ولكن بعض ما أرسل للنشر ولا ينشر يضيع تماماً فأنا لا أحتفظ بنسخ لما أكتب فقد تعودت أن أكتب مباشرةً مع أن تقدمي في السن يستدعي التريث والتدقيق وإعادة بعض ما أكتب بعد التصحيح. ولكن العادات قاهرات إلى جانب ضعفي الذي أورثني نوعاً كريهاً من الكسل وقد بت أعتقد أن أعوامي الأخيرة يجب أن تكرس لنفسي فلا أثقل عليها بما أنا قادر على تجنبه.
ولقد لاحظت أبا صباح أنك حزين لبعض ما قرأت لي مؤخراً لاسيما قصيدتي "كأن لم يكن" وإذا كان كل شيء حاداً ومريراً ومبالغاً فيه في القصيدة فإن العنوان أسمى ما في القصيدة فالواقع أن كل شيء بات في نظري كأن لم يكن.. ما كان وما لم يكن فهذه الفكرة هي صلب العدمية في مواجهة تحديات الحياة بما تحيط به نفسها من معميات ومجهولات ثم ما الذي يدعو أديباً مثلي إلى أن يكون متفائلاً تشرق سطوره بالبهجة! فإن اصطناع البهجة تحريف لواقع غير مبهج. ومن منّا اليوم من ذوي العقول الصقيلة يعيش حياة مبهجة تنعكس على حياته لينعكس ذلك على أدبي؟
إن المرارة مع التقدم في السن والشعور بوحدة الاغتراب تزداد كثافةً لأن طول الترسب يمنحها مذاقاً كريهاً لا ينسى فذو العقل يشقى كما تعلم ومصدر الشقاء عبر الظروف الطويلة الممتدة هو التناقضات الثانوية التي هي من طبيعة الصراع في الحياة فإن التناقضات الثانوية تقهر في صراعها اليوم التناقضات الأساسية الأوسع قدرةً على التغلب وهذا يعني توقف التطور الطبيعي أو التلكؤ فيه لأن تقدم الحياة الإنسانية التي بنت هذه الحضارة الشامخة مدينة لحركة التاريخ وغلبة النقائض الأكثر قابلية للتجاوز إلى الأوسع والأفسح. فمن الطبيعي وأنا أرى ذلك أن تستبد بي أفكار تشاؤمية تحرّف حتى أفكاري الأولية الساذجة نحو ما يعتبر تضليلاً في المفاهيم المتخلفة!
وأخيراً لماذا لا تقوم بتطواف طويل في أرض اليمن وأنت الأستاذ الجغرافي ومعك الزوج الكريمة أم صباح .. ذلك أن من المؤمل أن تستعيد اليمن صفتها الماضية وتسميتها بـ"اليمن السعيدة" فقد اكتشفت فيها حقول غنية بالنفط قد تنعكس وارداتها على الحياة بطفرة تقدمية لعموم الشعب اليمني الذي قال عنه الرسول العربي – الحكمة يمانية-
فليحفظك الله ويسعدك وأن تظل رسائلك حية لتحمل إليَّ ما يسرني من ِأنباء صحتك مع أحر تحياتي وتحيات عائلتي جميعاً للمربية الفاضلة الأستاذة أم صباح مع تحيات خاصة وعميقة لك من ولدي زيد خلوصي وشكراً لك.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-4-

15/6/1986م
أخي العزيز الأستاذ الجامعي الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية طيبة وودّاً مقيماً وشوقاً إليك كتابةً أو لقاءاً مع تمنياتي الحقيقية في أن تكون والعقيلة المحترمة الأستاذة أم صباح في يمن وخير ووفاق.
لقد سررت كثيراً إذ تلقيت في بريد اليوم رسالتك المؤرخة 25/5/1986وعرفت من خطك على الغلاف أنها منك على تباطؤ الجواب..
وقد سررت أكثر لأنك انتويت قضاء العطلة إلى جانب الكريمة العزيزة المهندسة ليلى خصباك ولكم أرجو أن تجدها سعيدة بل أكثر سعادة في بلاد ما أوسعها وأوسع تناقضات الحياة فيها وأعتقد أن زيارتك لأمريكا هي الأولى مع أنك درست في لندن ورأيت العديد من الدول الأوروبية وأية شهادة تأتي لصالح أمريكا العدوانية ضد البشرية كلها بما في ذلك الشعب الأمريكي نفسه لا تقهر من مفكر صادق وهي أنها بليّة هذا القرن بفاشيتها المبطنة بديمقراطية تمثال مانهاتن على أن عرفانك بالشيء عن قرب خير من الجهل به.
شكراً لك لأنك ترى أن رسائلي ربما نشرت يوماً ما ولهذا تتمنى ألاّ تتلف لدى من يحظون بودها ومشاعرها وبالتأكيد أنهم كذلك فيا ويل لي ممن يتلقى مني رسالة جوابية إذا قلّت عن صفحتين ومع ذلك فلو أن الزمن سيتلف ثلاثة أرباعها فإن الربع الباقي سيكون ملء مجلدات فأنا أكاتب، أرد بجفاء وود. -أمزح وأسخر في كل رسائلي منذ أكثر من خمسين سنة-!
وما هذا بالشيء القليل وفي نهايات الأعياد استهلك كثيراً من الوقت والورق للرد على أصدقائي وهم لطيبتهم دكتور شاكر يتمنون لي طول العمر!... يفعلون ذلك بطيبة وكأنني عشت الحياة في جنّات النعيم...
ولقد انتهيت مؤخراً إلى أن الحياة في الشيخوخة ترويض جديد، ترويض للتعود على ما يكره المرء ومن لا يطاوع ظروفه الجديدة تسحقه سحقاً كافراً لا رحمة فيه.
وهكذا..
عزيزي الدكتور خصباك لكم أنا حزين حين أعجز عن إعادة قصيدتي التي أعجبتك فلا أدري أين مصيرها فلقد اكتشفت أن من أدواء الشيخوخة الكسل وعدم الاكتراث بما قد يدخل في التراث.. فإذا عثرت عليها بعثت بها مخطوطة بخطي إليك وقد تجدها في عودتك من أمريكا إلى اليمن. ولكن بدلاً من ذلك دعني أبعث لك بتهنئة شعرية وردتني أو وردت إليّ من أديب وقاص أردني معروف هو الأستاذ ماجد ذيب المفتش العام في وزارة العدل في عمّان وقد هنّأني بتلك الأبيات لقرب عيد ميلادي الثاني والثمانين لأنه يدري أنني من مواليد 30/6/1905 في خانقين مالم يظهر خلاف ذلك في المستقبل كما أبعث جوابي على الأبيات من باب التسلية وقد تدفعني خُيلاء الشيخوخة إلى أن أبعث بها للنشر الأخير ليعلم قرائي في الكويت بأنني شخت جداً في العام الأخير مع أسمى الود وأطيب التمنيات.
ملاحظة:
وفي معظم رسائلي قبل أعوام إلى الدكتور صفاء خلوصي كنت أذيل تلك الرسائل بأبيات ورباعيات وهجويات عشوائية للترفيه عن النفس حتى قال لي مرة سيكون لك ديوان شعر سماه "ديوان شعر عن طريق البريد"
ومع ذلك فكثيراً ما اشعر بحرقة في بلعومي فأشعر برعدة خوفاً من السكر فإن هذا الداء أخشى ما أخشاه فأذهب وأشرب ثلاثة أقداح من الماء القراح لتصريف كثافة السكر حتى في أزمات السكر وهي غير موجودة والحمد لله.
وأنت تعرف أن الله يُحمد على كل شيء.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-5-

27/10/1986م
عزيزي الأخ الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية طيبة مشفوعة بأحب الأماني إلى نفسي لك وللعقيلة المحترمة أم صباح وبعد فقد وجدت أن أكتب إليك باختصار لأن قصيدة نشرها الدكتور باقر سماكة عن الراحل الكبير المرحوم خالك الدكتور محمد مهدي البصير ذكرتني بمرور اثنتي عشرة سنة على رحيله فياله من زمن مضطرب وعجول فمازلت أتكئ على عصاه الخيزران التي كنت كريماً معي حين أهديتنيها لأنهض بها واقفاً حين أهم بمغادرة مكاني في هذه الشيخوخة المرهقة.
كنت أتوقع كما وعدت أن أتلقى منك بعض البطاقات أو الرسائل خلال عطلتك وسفرتك على أن ما يهمني الآن أن يكون العزيزان ليلى وصباح في خير وعافية وأن يكون الاستقرار قد حملك إلى السكينة والرضى بما يعطينا الزمن من أفراح قليلة وأشجان كثيرة.
أقول بالمناسبة – ألا يمكن أن تكتب كتاباً صادق الفحوى عن الأستاذ الراحل الدكتور البصير؟ أليس هذا من بعض حقه عليك أنت بالذات القادر على ذلك قلماً ومقدرة على الإنفاق على طبع الكتاب؟... أم تظل شتيمة الشاعر العراقي القديم قائمة
وكم من فتية في العراق
يرون العجيب كلام القريب
ميازيبهم إن تندت بخير
وعذرهمو عند توبيخهم
قلوبهمو في الهوى قلّب
وأما القريب فلا يعجب
إلى غير جيرانهم تسكبُ
مغنّية الحي لا تطرب!

هذا واستودعك الله فقد عم ظلام المساء في الحديقة ولم أعد قادراً على رؤية ما أكتب مع تحياتي.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-6-

6/11/1986
أخي العزيز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية طيبة وصباحاً طيباً لك فأنا أكتب في صباح شتائي لاذع البرد وأشجار حديقتي تنقص أوراقها الصفراء بينما تتشبث الخُضْرُ بغصونها مستفيدة من قوة عروقها.
لقد سررت با لطبع برسالتك المؤرخة في 21/10/1986 التي تسلمتها اليوم لأنك تمتعت بأجازة صيفية مثمرة حين أطفأت بعض شوقك إلى كريمتك الأستاذة المهندسة ليلى خصباك ولأنك أيضاً رأيت الولايات المتحدة لأول مرة وأعجبت بنظافة المنطقة التي زرتها ولا يمكن أن يجرّ ذلك على الولايات كلها فأنت إنما زرت ولاية سياحية هي موطن الصناعة الرئيسية للسينما الأمريكية التي أفسدت شباب العالم ومازالت تفسده بنشر الجنس والعنف ومنطقة بيفرلي هيلز في لوس انجلس مباءة مصنعة ومرقمة لإصدار مكروبات التحلل الرأسمالي إلى العالم المأخوذ بمظاهر ما يرى...
وإذا كنت قد زرت منطقة لوس أنجلس وأعجبت بنظافتها فإن هناك من يقول غير هذا عن ولاية تكساس حيث تلوث روائح الاصطبلات والمداجن فيها كيلومترات طويلة في تلك الولاية.. ولقد كنت صادقاً يا ابا صباح حين قلت إنك مع ذلك تعجب بالمدن الأوروبية لأن أوربا أكثر ثقافة... وبالتأكيد أنك تعني بذلك الثقافة العامة الفكرية المشوبة بوعي ووجدان الكثيرين من الأوربيين وإلا فما من ثقافة صناعية تكنولوجية تضاهي ما يحدث في أمريكا لعلة واضحة وهي أن أمريكا قرصان كبير يتصيد بقوة المال معظم عباقرة العالم في العلوم والطب وكل ما يضاعف من قوتها المادية طبقاً لشعار الفرد الأمريكي – ميك مني – ولا شيء قبل صناعة صنع أو جمع الفلوس فهي في ثقافتها العلمية عالة على علماء وعباقرة العالم ولو كانت تقوم بما تقوم به خدمة للإنسانية لشكرنا لها ذلك ولكنها وبجنون العظمة تسخّر معظم تلك العبقريات المسروقة لما هو شرير وعدواني وهدام ومخرب فلولا سباقها المعتوه في التسلح وللتسلح لما بقي فقير أو جائع في العالم ولما بقيت وصمة الموت جوعاً في هذا العصر!
إنني بعد هذا لم أكفَّ عن الكتابة لنفسي في مجموعات متتالية وأبعث بشيء من ذلك إلى الصحف ولا أدري لماذا لم تقرأ جديداً لي في مجلة النهضة التي بعثت إليها بالكثير وربما يرجع ذلك إلى أن صحافة الكويت هي الأخرى وبحمد الله باتت خاضعة لرقابة الدولة ووجوب مرورها بعقل المسؤولين عن التنقية – تنقية الأجواء الديمقراطية، وطبعاً لخير الشعب كما في العديد من الدول النامية المتخلفة مع غنى بعضها!...
والواقع أيضاً أن في نفسي هذه الأيام نوعاً من الشعور الأعمق بواقع ما أنا فيه فمنذ بلغت الثانية والثمانين من العمر تفككتُ كآلة عتيقة بالية فأقصى ما أستطيع قطعه في المشي لا يزيد على 150 متراً ثم ينالني الإنهاك وتتوالى عليَّ أوجاع المفاصل التي يقال أنها تعالج بما لاطاقة لي بدفعه من مال وقد أثر الوضع الصحي على مشاعري كإنسان لكي أكتفي بما قدمت من رفيع ووضيع طيلة ستين سنة ونيف من الكتابة دون انقطاع .
والآن دعني أستودعك الله لكل خير وعافية مع تحياتي وتحيات الأسرة كلها إليك وإلى العقيلة الفاضلة الأستاذة أم صباح
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-7-

31/12/1986
أخي العزيز الأستاذ الفاضل الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية ودية حارة لكم وللعقيلة المحترمة الأستاذة أم صباح وبعد فحين أكتب إليكم هذه الرسالة عشية أو صبيحة السنة الميلادية الجديدة تمر في ذهني أشرطة مسجلة لا تبلى عن أصدقائي الأوفياء فأرى أن خير ما يجب أن أفعل هو أن أبعث إليهم بأصدق تمنياتي لسنة جديدة كم بودي ألا تكون كالتي انصرمت إلى نهايتها المتعبة. ولقد سررت بوعدك في زيارة إلى بغداد فسأكون سعيداً بالإصغاء إلى أحاديثك الممتعة أو حين أبثك بعض أحزاني في نجواي بين يديك فالحياة "نصفها" تذكارات فما نظن أنه ذهب أو فات من أعوامنا سيظل حياً في باقيات أعمارنا إلى أن نستهلكها يوماً بعد يوم.
لكم أنا شاكر لك أستاذ شاكر حين تزودني بين حين وآخر بقصاصات من مقالاتي أو خواطري التي أنشرها في مجلة النهضة لأنني قعيد بيتي فلا أشتري الأعداد بصورة دائمة وهكذا يفعل غيرك من الأصدقاء فكثيراً ما تلقيت مثل هذه القصاصات من العديد من الأصدقاء وهم غير قلة والحمد لله.
إنني أكتب إليك في الصباح الباكر والجو معتم وأنا وراء زجاج غرفتي المضبب بانتظار وصول سيارة روضة الأطفال لإيصال حفيدتي الجميلة إليها فأنا كفيل بمثل هذه الأعمال البسيطة والممتدة أكثر أيام الأسبوع.
لقد دُعيت بكرم من أحد أقربائي لأكون ضيفاً عليه ما شئت في ألمانيا الاتحادية حيث يدرس فاعتذرت فقد تلقيت غيرها من قبل واعتذرت فقد جاءت كوصل امرئ القيس حين قال:
أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجاءت بوصل حين لا ينفع الوصل
فأنا بالكاد أتحرك الآن لبضعة أمتار ولست بآسف على "شيء في هذه الدنيا" وهي العبارة التي قالها طيب الذكر الشاعر الكبير محمد مهدي البصير فالأيام مال مستعار وما دام الموت يسلب الإنسان نفسه فلماذا الحرص على مال يجمع أو يبقى فوق الحاجة.
وأخيراً ربما شرعت بطبع الجزء الثاني من ديوان شعري "خليج المرجان" في الصيف فهو جاهز للطبع وتؤخر طباعته بعض المستلزمات التي يمكن التغلب عليها منها غلاء أجور الطبع ذلك أن أجرة ملزمة واحدة كانت تكفي لطبع الديوان كله.
ومع أطيب تمنياتي للأسرة كلها مرة أخرى بسنة مجيدة مريحة وطيبة أستودعكم الله.
المخلص – عبدالمجيد لطفي
-8-
21/2/1987
صديقي الوفي الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية حارة إليك قدر حبي وذكرياتي وصداقتي وبعد فقد وعدتك أن أكتب إليك أول رسالة بالقلم الذي أهديتنيه كذكرى في عودتك من أمريكا. ولكن هذا القلم المطواع في سيولته لا يعيد لي تلك السيولة التي لم تبق اليوم سوى مجاريها وليست هذه ذكرى أشجان وقد وعدتُ أيضاً ألا أوغل فيها ولكن ما دمت أحِبُّ أصدقائي القلة فلابد من أن يعلموا بأموري وصحتي بوجه خاص.
إن شيئاً مشجعاً لم يطرأ على ما اشعر به من سأم ومرارة وقلق ولا أدري متى سأنزع هذا من صدري!
يقولون إن اقتراب الربيع وحلوله سيكون نافعاً لذوي الحساسيات المرهفة إذ تساعدهم على جولات رياضية قصيرة وسأحاول ذلك طبعاً.
يزورني في البيت أكثر من طبيب ويحاول مساعدتي لأنه أُعجب يوماً من شبابه بما كنتُ أكتب ويقولون إجمالاً أشياء أعرفها – انها من علل الشيخوخة فأتساءل لماذا خلق الله هذه الشيخوخة ثم ملأها بالأمراض فإذا كان طول العمر منحة وبركة ممن وهبها فلماذا لم يجعلها كبقية المراحل ليرى الشيخ في هذه الزيادة متعة يُشكر الواهب لها. وبعد أفتريد المزيد من القول وكله من هذا النوع وأنا لا أريد ذلك لمن سيحزنه ما أقول.
أرجو أن تحملوا أجمل تحياتي للعقيلة المحترمة أم صباح ودمتم.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

***

-9-

17/3/1987
أخي العزيز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
شوقا ًوتحية وبعد فلقد سررت اليوم بوصول رسالتك المؤرخة في 7/3/1987 ولكن سروري سرعان ما أفل عندما علمت بمرض العقيلة المحترمة أم صباح وحمداً لله على أنها قد تماثلت للشفاء فهذه دائماً هي لواحق متاعب السفر وتبدل الأجواء والمناخات.
إذا كنت لم تقرأ شيئاً لي في مجلة النهضة فإن مرجع ذلك إلى أنني لم أبعث إليها بشيء منذ شهور غير أنني عدت إلى إرسال بعض الخواطر والأفكار الأدبية تحت عنوان واحد هو – قصاصات- أي مقطعات صغيرة من أفكار أطول لم يتسع الجهد أو الوقت لبسطها بما تستحق من استطالة أما جريدة الرأي العام فلم أعد أرسل لها شيئاً للمرارة التي أشعر بها. فإن جل الوقت في هذا الربيع المتقلب يمضي في تأملات تزيد في البرم لتناقضات في الحياة اليومية ولموحيات قاسية تجابه وتجبّ كل أمل بالمتعة ، والحقيقة أستاذ شاكر لا أدري لماذا تمتد الحياة طويلاً عند بعض الناس. أفلكي يلاقوا أسوأ ما لاقوا في الحياة ؟ فإذا كان طول العمر مكرمة من مانحها فلماذا هي مليئة بكل هذه المنغصات؟ وقد كررت هذا كثيراً في بعض رسائلي لأنني لم أجد له جواباً مقنعاً. والمؤسف أنه لا يكاد يلتقيني صديق حتى يدعو لي بطول العمر وكأنني أنعم في جنّات النعيم.
ولأن ما عندي من كلام هو شيء أشبه بهذا فلماذا أثقل به عليك.
مع أحب تمنياتي الطيبة لكما باليُمن والعافية والخير
عزيزي أبا صباح
تحية أخرى. لقد طرأ نوع من التحسن على صحتي النفسية
ربما بسبب من التحدي الذي كان رد فعل لليأس الناجم عن المفاجأة.
وآمل أن أتحول إلى الأفضل في الربيع والصيف مع تمنياتي
الطيبة لكما.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-10-

12/5/1987
عزيزي الأستاذ الفاضل الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية المودة والذكريات وبعد فأرجو أن تكون والعقيلة الفاضلة أم صباح في خير وعافية.
وبصددي فإن الظروف الصحية ومتاعب الشيخوخة قد قللت من قراءتي وبالتالي من كتابتي أيضاً فصرت ألجأ إلى الإذاعات المختلفة ونادراً ما أجد فيها ما يغني.
أنهض في وقت مبكر وأتجول في حديقة الدار ببطء متفرجاً متأملاً فلم تعد عندي همة الأعوام الماضية فأعمل فيها – في التراب وفي الشجر–.
لقد وجدتُ أن أبعث إليك بالقصاصة المرفقة المجتزأة من جريدة الجمهورية عن القصة العراقية في بعض مراحلها وآراء الكاتب منصفة والدراسة منهجية لمرحلة الخطوات التي تلت البدايات وهكذا بدأ بعض الباحثين في القصة العراقية يميلون إلى الالتزام بالحقائق بعد التوصل إليها وكانوا قبل ذلك ينكرونها وهذه خطوة صائبة للتقويم العادل لأعمال الكتاب الأوائل.
وإذ أرجو لكما الصحة والدعة أستودعكما الله لكل سعادة ويُمن وتوفيق.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-11-

27/5/1987
عزيزي الأستاذ الدكتور شاكر خصباك حفظه الله
تحية طيبة مع أطيب وأصدق تمنياتي لكم أنت والعقيلة المحترمة أم صباح. وأن يكون العيد قد مر عليكم مبهجاً على مافي الاغتراب من شجون!
قبل أيام اتصل بي تلفونياً الأستاذ عائد خصباك وقال إن منتدىً للقصة العراقية سيقام في أربيل وأنني مدعو فأخبرته بأن حالتي الصحية لا تسمح لي بتلبية الدعوى فطلب في هذه الحالة أن أكتب شيئاً عن تجربتي في القصة العراقية فأجبت بأن هذا ممكن وكتبت عدة أوراق عن ذلك وسيأتي لتسلمها فأنا لم أعد من رجال المهرجانات والمؤتمرات الأدبية لأن الشيخوخة عبء لا يحتمل.
لقد قرأت في الحلقة الثانية من كتابات الدكتور الموسوي هذا الذي أبعث به إليك منتزعاً من جريدة الجمهورية فقد لا يصل إليك أو تقف عليه من قبل غيري لما فيه من اشارات عن بعض قصصك والرجل يحاول كما قلت من قبل، يحاول أن يكون محايداً في بحثه وهذا مفيد فلابد من الكلام في القصة ومقارنتها مع معطيات الأجيال الأدبية من باب الوفاء للتاريخ.
مع أطيب تمنياتي لكم بالخير والعافية.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-12-

7/10/1987
أخي العزيز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية طيبة حارة حرارة شوقي إليك ولهفتي في أن اسمع عنك ما يسر.
لقد وصلتني رسالتك المؤرخة في 26/9/1987 ببريد اليوم فسررت بها سروراً أكبر لأنني كنت قلقاً لانقطاع رسائلك قرابة أربعة شهور فلم يصلني منها حتى البطاقة التي نوهت عنها في رسالتك وحمداً لله أنك عدت والعقيلة الكريمة إلى صنعاء بخير وعافية.
وشكراً عميقاً لك أبا صباح إذ زودتني بقصاصة مقتطفة من مجلة النهضة تحمل بعض أفكاري وآمالي في سطور محملة بما أوكل إليها من لهفة الأدب للجهر بالحقيقة وما أقسى ذلك من تبعة.
صحيح أنني لا أكتب كثيراً هذه الأيام ولا أقرأ كثيراً ولكنني إذ أطيل النظر والفكر أقرأ في معاني الأشياء وبواعث وجودها ما يمنحني ما هو أغنى من القراءة في أي كتاب قرأته.
إن التفكير عالم إبداع ممحص للأشياء ومعاد سبكها ببيان أجمل وهذا هو جمال القوة في الخلق الأدبي وإذ طاب الوقت وأقبل الخريف وجدت أن عليّ أن أبذل طاقة أكبر في العمل بالحديقة في زحف بطيء أقتلع خلاله كل شائبة في جداول الشجر وأجد في ذلك متعة لأنني أنهي ما أريد وأبقي على ما أريد من عشب وشجر...
وكثيراً ما اشعر أن عبوديتي النفسية تمنحني في حرية الممارسة لما أريد إرادة متفوقة على كل ما هو معوق بتحكم السنين الطويلة المرهقة...
ومن زاوية نظري إلى الحياة أرى أو يخيل لي أنني أرى مثابة النهاية بلوغاً لغاية الغايات مادامت البدايات تلوذ بنهاياتها المقررة...
وليس لي من شفيع في هذه الشيخوخة لمطاردة الهموم الهوجاء إلا بالعودة إلى الذكريات فالماضي الشخصي أستاذ خصباك تراث لا يعرف قيمته إلا من يرجع إليه وهذا ما أفعل.
وبعد فما أجمل أن أواصل الكتابة لولا أن الضوء يشحب من حولي باقتراب مساء خريفي قلق حتى لا أكاد أتبين ما أكتب إلى جانب الضعف العام الذي ألمَّ ببصري وتجري معي منذ أسابيع ملاقاة في موضوع عنوانه الجذور ويبدو لي ولو متأخراً أنني أصبحت من ذوي الجذور في التاريخ الحديث وسأبعث إليك بما يكتب في اللقاء عندما ينشر في الشتاء من هذا العام. مع تحياتي الحارة إليكما معاً.
من المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-13-

10/1/1988
عزيزي الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية وأشواق مشفوعة بأصدق تمنياتي لأن تكونوا في خير وعافية.
لقد تفضل الأستاذ الصديق علي جواد الطاهر وأخبرني بالتلفون أنه كان في اليمن بصفته أستاذ زائر لجامعة صنعاء وأنه مكث هناك بعض الوقت فسررت لذلك كثيراً فالأشياء الثمينة يجب أن تظل في أعاليها والذهب نفيس لمزاياه وقديماً قيل الفضل لا يعرفه إلا ذووه.. كما أخبرني بأنك تطلب أن أبعث إليك بالحلقتين الثالثة والرابعة من "الجذور" ولكم أنا آسف حين أعتذر لأنه من الصعب حد الاستحالة أن أحصل على نسخ إضافية وقد كنت قد بعثت بصفحة الجذور بحلقاتها الست التي اختتمت بها هذه الحلقات ولم أهمل إرسال أي عدد وأنا متأكد من ذلك ومن الجائز أن تكون البقية قد وصلت إليك وإلا فإن هذه الجذور ستطبع في كتيب بحجم الموسوعة الصغيرة فإن الأقسام الأخرى لغيري قد طبعت من قبل الجريدة طباعة أنية وعندئذ سأبعث إليكم بأكثر من نسخة حيث تكون متداولة في السوق فما أحب ذلك إلى نفسي..
ما الجديد لقلمك يا أبا صباح! ستقول أنت مشغول بإعداد وإلقاء المحاضرات في الجامعة ولكن هذا لم يحُل دون مؤلفات أخرى إلى جانبها كما عوّدنا قلمك السيال في الثقافة والأدب طويلاً.
أما بالنسبة لي فإن البرد القارص قد شدني أياماً طويلة إلى الفراش فالشيخوخة عبء مع المتاعب والأحزان وأنت أدرى بمداها وعمقها العميق لديَّ ولا أريد أن أؤذيك بحزني فأكتب إليك ما لست بحاجة إليه وهكذا بدأت أختصر رسائلي كلها لئلا أنقل شكواي إلى من أحب دون وجه حق.
تحياتي مع أحر وأصدق تمنياتي مرة أخرى.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

فما عندي كتب فوق كتب متراكبة كالجدران البالية وكالرمم المهجورة يعلوها تراب الغبار.
لقد جفت معي بعد أن شربت دموع الرمد طوال ستين سنة في ثلاثة وثمانين حولاً مملوءاً بآفة الذكريات.
وها أنذا أبا صباح:
مع الليل
مع البرد
مع الصمت
فمازال ثالوثي يتهجأ اسمي
وينفخ في صوري
ولكن هيهات
المخلص – عبدالمجيد لطفي
ملاحظة: لك نشرها إذا شئت فهي مكتوبة لك يا أبا صباح.

***

-14-

20/1/1988
أخي العزيز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
شوقاً وتحية حارة حرارة حبي لك وإعجابي بك وبعد فقد تسلمت بريد اليوم رسالتك المؤرخة في 28/12/1987 فلك إزاء ماجاء فيها من عواطف كل شكر ومودة وامتنان.
لقد كتبت إليك رسالة لابد أنها وصلتك على إثر ما أخبرني الدكتور الأستاذ علي جواد الطاهر العائد من صنعاء من أن بعض حلقات "الجذور" لم تصلك وأعتذر مرة أخرى مبدياً أسفي لما حصل من خطأ مع اعتذاري عن عدم وجود نسخ إضافية أبعث بها إليك وكما أخبرتك في رسالتي السابقة أن المقابلة بأكملها ستطبع بكراس أو كتيب أسوةً بمن أو بما سبقها من جذور الآخرين...
وأنا معك في أن لهذه الجذور قيمتها لأن معظم ما جاء فيها مما أوثقه لأن مادته مستمدة مني ومكتوبة بخطي وينقصها القليل ولكن هو الأكثر جدية من بعض أفكاري التي ظلت أبعد من أن تظهر ولا بأس في ذلك فعندي ما يغطيها من شتات المذكرات.
لقد كانت موجة البرد أبا صباح قاسية جداً بالنسبة لي وقد اضطررت إلى ملازمة الفراش وكففت عن كل نشاط كما أن ما سبق أن كتبت ظل على منضدتي لأنني لم أجد من يحمله إلى البريد وهكذا أنا دائماً بين فقدان ورق الكتابة أو فقدان المظاريف أو ركة الحبر وخفة لونه الشاحب.
ومع ذلك فإن حالة الكسل تلك قد أعطتني ساعات مضافة من التأملات فليس بالقراءة وحدها يتسع نطاق فكر الأديب أو تترامى رؤيته...
إن أوراق أشجاري في سواقيها تذكرني بقانون الطبيعة وبهذا السوء من الاستبدال، الإبادة للتجديد.. ومواء الهررة يقودني إلى الطريقة السيئة وحتى القذرة الديمومة في الحياة وبهذا أتذكر مقولة لأحد المتصوفة للدلالة على تفاهة الإنسان أنه خرج من مجرى البول مرتين! وأنه من باب النكاية من الطبيعة ضد أحيائها أن وضعت أكثر رغباتنا قوة في أقبح المناطق وأكثرها إثارة للاشمئزاز.
فحين تراودني مثل هذه الأفكار التي هي من الواقع والاقتباس أشعر أن من الغباء طلب المزيد لأي شيء من مطامع التراب مادامت أيلولتها للتراب.
عندي الكثير مما يجب أن أكتب به ولكنني تحت ظروف البرد والصحة الواهنة أخذت أختصر ما أكتب هذه الأيام حتى إلى واحد مثلك من بين أعز الأصدقاء.
عاماً سعيداً لك وللعقيلة الطيبة الأستاذة أم صباح مشفوعة بكل أماني الأسرة في البيت.
المخلص – عبد المجيد لطفي

* * *

-15-

23/3/1988
صديقي العزيز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية حارة ملؤها الشوق والود وبعد فأرجو أن تكون أنت والعقيلة الفاضلة الأستاذة أم صباح في خير وعافية، وقد كان من المقرر أن أكتب إليك قبل هذا بل منذ سفرك لولا معاذيري وأنت تعرفها والجديد فيها السأم من أحب الأشياء التي كانت تجعل انشدادي إلى الحياة أوثق وهو الأدب، قراءة فكتابةً...
إن الشيخوخة كما أكرر في كل مرة نوع من العقوبة يؤديها الشيخ كضريبة متأخرة عن الشباب ولا أدري لماذا تطول الأعمار وهي ممتلئة بالمتاعب.
إنني أكتب إليك بعد منتصف الليل على إثر ما قرأت عن الأستاذ الصديق الدكتور علي جواد الطاهر في صفحة ثقافة من جريدة الثورة في 23/3/1988 فوجدت أن أبعث بها إليك لأن فيها شيئاً من الإنصاف بعد مرحلة العقوق الطويلة تجاه من يسمون اليوم بـ الجذور التي ظلت جذوراً في الأعماق دون الاعتراف بما تدفع للحياة من نسغ وخضرة.
وعلى أية حال فشيء خير من لا شيء والباقيات الصالحات من العطاء أطول من الأعمار المدججة بالجعجعة والأنانية من الصغار في كل شيء. ولست شكّاءاً من شيء فما في يدي من قلم وما في صدري من لجاجة لحماية الصدق وهو كنز لا أطمع أبداً بسواه. وطوال هذا النهار الذي أعيش منتصف الليلة الجديدة بعده كنت أنتقل بالكرسي من ظل إلى ظل كلما لذعتني الشمس في الحديقة وأنا أملأ صدري بأريج القداح الذي تهزه الطيور والريح ليقع على الأرض كبساط فضي.
والغريب أن الصمت لم يوح لي بشيء لأن عظمة الربيع قطعت عني كل علاقة مع غير أشجار الليمون وطلع النخيل..
آمل أن أكتب إليك رسالة أطول فما أوسع الفسحة أمامي لولا ضيق الصدر وأرجو ألا أكون كذلك في المرة القابلة حين أكتب إليك.
المخلص – عبدالمجيد لطفي


***



-16-

19/4/1988
أخي الأستاذ الكريم الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية طيبة مقرونة بأطيب واصدق تمنياتي لك وللعقيلة الفاضلة أم صباح المحترمة.
وبعد فلقد رأيت أن أبعث إليك بالحلقة السابعة من جذور الدكتور صفاء خلوصي لوجود بعض الكلام فيها عني .
وإذ تكون رسالتي هذه قصيرة لك فلأنني حزين حزناً مراً وشخصياً ذلك أن الأستاذ الصديق إبراهيم الوائلي قد توفي بتاريخ 15/4/1988 تاركاً لنا حزناً يصعد أعلى من مآثره وما ترك للأدب والفكر والحياة فلقد سكت قلبه كما كان متوقعاً وقبل ذلك فقد نور البصر وعاش شهوراً موجعة صابراً محتسباً خيّراً فعّالاً لكل ما ينفع الآخرين كعادته.
إن هذه الكلمات دكتور شاكر ليست مقاطع من مرثية فما أعجزني للحصول على كلمات تصعد إلى مستواه فيا للحزن الذي يعتصر قلبي.
لكن هذه الكلمات هي ملامح حداد متشحة بالسواد لا أظفر منها للقول إلا بالقليل وهيهات أن تكون مرثية لصديق نعرفه عبر صداقتنا الطويلة معاً.
فليرحمه الله بالرضا وليرحم أصدقاءه بالصبر في هذه الفاجعة المؤلمة .
فدم في صحة وخير للمخلص – عبدالمجيد لطفي.

* * *

-17-

24/5/1988
أخي الأعز أبا صباح
تحية حارة وشكراً عميقاً خالصاً على رسالتك المؤرخة في 28/4/1988 التي حملت كالعادة من مشاعر الود ما أغلاها على نفسي.
وشكراً لك لأنك قرأت الرباعيات على الأستاذ الشاعر الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح وإنه لكرم منه أن يبدي رضاه عنها وسأحاول أن أبعث إليه برباعياتي خليج المرجان ليطلع على سوابق لتلك الرباعيات التي أبدى عنها رضاه حفظه الله.
وبعد أخي شاكر لديّ خبرين غير طيبين عني لكم حاولت كتمانهما الأول أن الولد الذي رعيته بكل أساليب العلاج الحديث طوال ربع قرن قد تردّى وصار مؤذياً لي بصورة خاصة على أساس اتهامه لي بأنه ضحية زواج عائلي فاشل مما اضطررت إلى إدخاله في المستشفى في 20/6/1988 وكان قبل ذلك وهذا هو الخبر الثاني كان قد أصابني أكثر من مرض من ذلك تصلب الشرايين وقلق في الضغط بين صاعد ومنخفض ولا أزال تحت العلاج الدائم في بيتي ورعاية ولدي سعد والآخرين.
لم أرد أن أحجب عنك أحزاني ما دمت تواصل السؤال عن حالتي الصحية ومع أن تمنياتك أخوية ورائعة فلكم وددت لو ولدت في ظروف أخرى وعشت حمّالاً أو مزارعاً في بقعة نائية فأنا الآن مع القول الرشيد باطل الأباطيل ، الكل باطل.
شكري لك مرة أخرى وأحر دعائي للعقيلة المحترمة الأستاذة
أم صباح.
وما تشاؤون إلا أن يشاء الله . على حكم القدريين الأولين.
للذكرى – أخي شاكر خصباك
تقادم عمري والحيــاة شقـاءُ
وليس لقلبي مأملٌ ورجـاءُ
وبقيا حصادي في الحياة كما ترى
زوان فقولي جِنّةٌ وهـراءُ
فيا جسداً أعيى السنين بصبره
وكل الذي في جانحيه أباءُ
فقل للردى هذا أوانك فاسقني
بكأسك فالجليّ لديَّ سواءُ
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-18-

10/6/1988
أخي الأعز الدكتور الأستاذ شاكر خصباك المحترم
تحية حارة ، أرجو أن تكون والعقيلة الكريمة في خير وعافية.
لا جديد لديّ هذه الأيام سوى ما يتضاعف من أحزاني ولا أريد أن أثقل بها من أحب.
لقد حضرت الحفل التأبيني الذي أقامته جامعة بغداد بتاريخ 6/6/1988 بكلية الأدب للراحل إبراهيم الوائلي وكان الحاضرون قد ملأوا القاعة قاعة الإدريسي مسبقاً وقد قيلت فيه وفي خصاله الحميدة ما هو حقيقي ولم يتجاوز ما كان للراحل .
وقد كانت وفاة الوائلي خسارة حقيقية وكاوية لي لأن علاقتنا القديمة الطويلة تجددت قبل وفاته بأعوام فكان يزورني كلما اتسع أمامه فراغ فأعرض عليه بعض شكوكي اللغوية فيقوّم ما انحرف أو شذّ عن القاعدة وهكذا فقد كان لي أكثر من صديق، كان أستاذاً ومعلماً أيضاً.
على صفحة آفاق في جريدة الجمهورية قصة قصيرة لي وقد كتبتها في أيام أكثر صفاءً مما أنا فيه اليوم ونصف القصة، بدايتها حقيقية وشخصية والخاتمة خيال.
وعند هذه السطور أتوقف لأصيب بعض الراحة في حديقة الدار التي تفترشها شمس ساطعة حارة.
ومع تحياتي مرة أخرى أستودعك الله.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-19-

بغداد في 26/6/1988
أخي الأعز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية حارة ملء شوقي إليك وبعد فبين كثير من الأحزان التي تلم بي أجد بارقة تحملني إلى التفاؤل والتخلي عن بعض تلك الهموم منذ وصلتني رسالتك المؤرخة في 15/6/1988 التي جاءت كعهدي بما تكتب مفعمة بكلمات دافئة وحزينة لمواساتي مما أنا فيه فشكراً خالصاً وأبدياً لك على ما كتبت فسأتلوها مرة بعد أخرى لأؤكد لنفسي أن وشائجي الأدبية والفكرية مازالت ممتدة بين من أحببته وأعجبت به خلال هذا العمر الطويل.
وشكراً آخر لأنك زودتني بقصاصتين تحملان كلمتين لي لم يسبق لي أن قرأتهما فأنا نادراً ما أصل إلى هذه المجلات لعدم مغادرتي البيت إلا لضرورة جداً وملزمة.
سأبعث اليوم أو غداً بديوان رباعياتي خليج المرجان إليكم لإيصاله إلى سيادة الأستاذ الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح ولعلي ألتقيه في المربد القادم إذا كُتب لي ذلك فأنا لأسباب متعددة لا أحضر المهرجانات عموماً فقد أصبحت حجراً ثقيلاً استقر في القاع والناس حين يطلون على المياه الصافية لا يرون سوى وجوههم من الأشياء.
حبذا لو عدت إلى الكتابة الأدبية فأنت مطالب بذلك ولا تنقصك المادة أو الموضوع – إنني أنتظر ردك بفارغ الصبر . واسلما معاً بصحة وعافية ووئام.
المخلص – عبدالمجيد لطفي
رباعيات مرتجلة لتراجع عشوائي
تراجعتُ عن الأمـس
غدي الآخر قد ماتْ
تقضَّي العمر في الوهم
زرافاتٍ زرافــات
***
من الجِنّة والنـــاس
تعوذتُ بلا جَـدوى
مقاديري تلاحقنـــي
بلا منٍّ ولا سلـوى
***
أخي الحب يمانيٌّ
ونجديٌّ وبغـدادي
فؤاد ينكر الأمـر
فقلبي أرض ميعاد
المخلص – عبدالمجيد لطفي
* * *
-20-
11/8/1988
أخي الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية حارة وبعد فمن بين المرارة والأسى أكتب إليك كصديق ودود بفاجعتي الموجعة فإن ولدي زيد قد توفي في المستشفى مساء 30/7/1988 ودفن في مقبرة الكرخ في 2/8/1988.
وكلما ترك لنا هو جبل من الأحزان والذكريات فليرحمه الله وليلهمنا الصبر والتأسي والسلوان.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-21-

5/11/1988
أخي العزيز أبا صباح الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية شوق إليك وإلى كلماتك النبيلة المعبرة دائماً عن أطيب المشاعر الودية تجاهي ولا عجب في ذلك فإن عمر صداقة مجيدة بمثل هذا العمر الممتد لأمر يدعو إلى الاحترام حقاً.
لقد تسلمت اليوم رسالتك المؤرخة في 26/10/1988 ، والحقيقة أنني كنت بحاجة إليها لأن مأساتي بفقد زيد لا تزال متأججة فقد كان ابناً وصديقاً وذاكرة ما خيبتني في سؤال فأنا أعيش حياته في كل زاوية ومكان وحرف من يده أو كُتبه وهي تعلو حتى لتبلغ السقف وكأنه قد تجسد في كل خلية من نسيج خلاياي وأعصابي.
لم أعد أقرأ إلا قليلاً وزهدت قراءة ولا حرف من جملة الكتب التي رشحها لي في حياته لإعجابه بها وهي أكثر من رف. أما الكتابة فأقصى ما أفعل أن أرد على الرسائل المواسية التي لا تكف عن الوصول تباعاً.
إلى جانب هذا الحزن فإن الشيخوخة تهدر الكثير من الآمال الطيبة فهي جملة أسقام وكأنها ضرائب متأخرة اقترن وفاؤها أو بقاءها مع أسقام الشيخوخة ومتابعها فهل تعجبك رسائل أبعث بها إليك مليئة بالشكوى حين تعلوني متاعب لا تريد أن تكف أو أن تتوارى.
شكراً لك بحرارة حين أخبرتني بأن شعري كان مدار فئة من الأساتذة الفضلاء في مجلس علم وأدب وفضيلة. وكم أكون سعيداً إذ أوصلت شكري وامتناني للأستاذ الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح فإن الفضل – إذا كنت ذا فضل – لا يعرفه إلا ذووه.
إن ما أستطيع مواصلته في الأدب هو نظم الرباعيات ففي كل زاوية من البيت قصاصة فيها رباعية أو أكثر وهي تواتيني دون إعمال وافتعال وبيسر وسهولة وهي في الحقيقة علالة الوحدة وبقية الوعاء وهي إذ تأتي تفرض وجوداً نفسياً دون قصد ويبدو أن متاعب الحياة تحول الفكر إلى نوع من الغضب الذي هو نوع من الاحتجاج العقيم لولا هذه الرباعيات التي هي نتاجها.
لقد بدأت رسائل الدكتور الأستاذ صفاء خلوصي تتوالى وفي كل رسالة مرثية للراحل العزيز زيد فأضيف إليها دون أن أقوى على نشرها فالعناية بشعر الرثاء معدومة لأن الشعر الحديث مشغول بمقاصد أخرى أكثر مردوداً لمردديه.
مازلت في قلق على صحة الدكتور الأستاذ خالد الجادر فقد سبق للدكتور عدنان رشيد في جامعة الرياض أن أخبرني بدخوله المستشفى العسكري في الرياض بتوصية كريمة من أحد الأمراء لإجراء عملية جراحية في القلب وكان ذلك منذ شهرين حقق الله النجاح فيها إذا كان قد أجراها إذ انقطعت رسائله منذ زمن.
وفي الختام أرفع خالص شكري وامتناني للأستاذة الفاضلة عقيلتكم أم صباح على كلمات العزاء الحارة بمصابي متعها الله واسرتها بالخير والعافية فهذه هي الحياة ومن سوء حظ الكاتب أن جراحه تكون أبلغ.
ومع أعمق الود أستودعك الله شاكراً لوصول ا لقصاصة التي نشرت في مجلة النهضة فلم يسبق لي أن قرأتها منذ أن بعثت بها للنشر.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

***

-22-

18/12/1988
أخي الأعز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية ودٍ باقٍ وذكريات ما أجمل وأوجع منها على امتدادها الطويل، لقد تلقيت اليوم رسالتك المؤرخة في 9/12/1988 فهزني ما جاء فيها من مشاعر لا أظنها عرفت التراخي أو النضوب.
إنني أتلقى رسائل متوالية، بعضها يخفف عني ما أعاني وبعضها يضاعف ما أنا فيه من وجع الأيام، ولا أريد أن أكتب ما يضجرك عدا الحزن ولكن ما دمت تكتب إليّ بصدق فيجب أن أكتب لك بصدق مثله فلا أتعدى واقعي وهو مرير أتجرعه لأنني تعودت على تجرعه وتأقلمت مع عذابات كتب لها أن تدوم!
إنني أعيش في غرفة ثلاثة جدران فيها رفوف غاصة بأنفس الكتب التي اختارها الراحل العزيز زيد منذ السنة الأولى من دراسته الجامعية وقد ناهزت نحو 3000 كتاب بمختلف الألوان تركها وديعة لذكراه وأنا أعجز عن مواصلة قراءة جميع ما ترك في مكتبته.
إنني أكتب إليك في ليلة شتائية صافية بعد أن نفضت السماء أنهاراً من المطر أمس وغرفتي باردة لأن رائحة النفط يضايق صدري من المدفأة ولا شيء في بالي سوى الذين عرفت وأحببت على مدى هذا العمر الطويل الذي كافحت فيه بصوفية مضحية أدهش لحدّتها الآن حتى ليوحي لي الحزن أو الخيبة بالندم على ما فات.
شكراً عميقاً حاراً لأستاذنا الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح الفاضل لأن الفضل لا يعرفه إلا ذووه فإذا كتب أو همّ أن يكتب عني شيئاً فالشيء من معدنه الطيب لا يستغرب وعما قريب سيصدر لي هنا كتاب الجذور وفيه حقائق كثيرة من منبع التعاسة منذ الطفولة اليتيمة إلى الشيخوخة الهرمة، أما الرباعيات التي قلتُها في القات فكانت فرحة شاعرٍ لجملة من فضلاء القوم وعلية الفكر، وفي فكري منه أو عنه المزيد، اكتفيتُ بما أرسلتُ فأرجو أن تخص بشكري العميق كل الأساتذة الأجلاء الذين حملتَ إليَّ تحياتهم وعواطفهم العربية النبيلة فالمرء كثير باخوانه ورب أخ لم تلده والدة كما سررت كثيراً بوجود رغبة لديك لزيارة العراق بعد شهرين فإن للوطن نكهة خاصة حتى ولو كانت الأوطان العربية وطناً واحداً اليوم.
وإذ أعيد قراءة رسالتك أشعر بالعذاب الصامت الذي تتعذبه من أجلي وذلك قدر لا مناص منه فأننا في الواقع عابرو قنطرة لا بدأن تصل بنا إلى ما لا نريد.
تحياتي والأسرة كلها لك وللعقيلة الفاضلة الأستاذة أم صباح وإلى اللقاء.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-23-

16/5/1989
أخي العزيز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية عطرة وبعد فقد حمل إليّ البريد بطاقة عيد الفطر المبارك وفيها أسمى ما أعرف في الخلق من أصدقائي القلة الذين لا غنى عن كرمهم وودهم ومراسلتهم.
أما قلة رسائلي لجميع أصدقائي فناجمة عن ظروفي الشخصية فلا أريد أن أزعج هؤلاء الأصدقاء بأحزاني ومتاعبي فآثرت الاختلاء بما في صدري من وجيعة وهذا ما يلفّني هذه الأيام فإذا حاولت تجنب الأحزان غدوت كغرارة أفرغت من كل شيء فلولا ضرورة الجواب على كل رسالة لما شددت على القلم بكلمة.
ومما يحاصرني الآن نفسياً شعوري المرير بأنني تعرفت على الصواب بعد استغراق طويل في الخطأ من ذلك كل ما كتبت عبر هذه الحياة الطويلة وسيحزنك هذا دون شك ولكنني اندفعت إلى ذكر ما ذكرت كاعتذار ليس لي سواه.
والآن حين أكتب إلى الدكتور أبي صباح أشعر بشيء من الارتياح لأنني أعرف عمق النجوى الفكرية معه.. لقد أمضيت شتاءً قاسياً تجددت فيه بعض عللي القديمة وها هو الصيف مباشرة فلم يكن للربيع دور الفصول في حساب السنين,.
لقد صدرت روايتي نبوءة العراف الغجري باللغة الكردية وقوبلت با لرضا وأعتقد أنني أخبرتك وهذا أول كتاب كامل يترجم إلى اللغة الكردية وكان على حساب مديرية الثقافة والنشر الكردية العامة والآن أهز يدي في الهواء وأقول وداعاً وسلاماً وللعقيلة الفاضلة الأستاذة أم صباح ودمتما في خير وعافية.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-24-
12/12/1989
أخي العزيز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية بقدر شوقي إليك، وبعد فقد تسلمت بالبريد رسالتك المؤرخة في 12/11/1989 اليوم أي في 12/12/1989 بعد شهر كامل أما رسائلك التي أرسلت إلي بها في العطلة من أوربا فلم أتسلم منها حتى قصاصة.
إنني لضعف عام ومداهمة الشيخوخة مرة واحدة بأمراضها لم أعد أكثر من حطام عليل ورسائلي إلى أصدقائي القلة لا تتجاوز بضعة سطور في كل جواب.
إن يدي اليسرى ترتعش وويل لي لو سرى ذلك إلى اليمنى التي ضعفت بضعف اليسرى ومع أنني كنت أتوقع هذا إلا أنه ليس بهذه السرعة والتعدد.
ولم أعد قادراً على الكتابة الأدبية ولكن عزائي أنني كتبت ملايين السطور عبر هذه الحياة التي أعتل آخرها كل اعتلال.
عزيزي أبا صباح إن كل ما أفعله حين أشتاق إلى الكتابة أن أضع على الورق بضع رباعيات وأدناه رباعية واحدة تدل على وضعي النفسي. قالت لي ابنتي خولة أن الأستاذة أم صباح حدثتها بالتلفون قبل أسبوع ولا تدري من أين سوى أنها قالت أن أبا صباح سيعود بعد شهرين كتبت لك السلامة في الحل والترحال.
مع تمنياتي لكم بأسعد الأوقات.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-25-

12/3/1990
عزيزي الأستاذ الكبير الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية حارة في أيما مكان تقرأ فيه رسالتي هذه التي أكتب بها إليك بعض النجوى فأنا وحدي في هذا البيت الكبير والجو مملوء بالسحب والضباب.
فيما مضى إلى نهاية الكهولة كنت أصفق لمثل هذا الجو ولا أراه مؤذياً أو مثيراً للحزن أما اليوم فما من جو أحب إليّ من الأجواء الصافية المشمسة البراقة.
ليس الملل هوا لذي حملني إلى المنضدة من السرير لأكتب إليك بل ذكرى عزيزة وشجية على بعد أصدائها.
ذلك أنني في 12/3/1934 عينت كاتباً بسيطاً في أحد أقضية كركوك بأدنى راتب في سلم الرواتب، وكان ذلك ما أستحق وبوجودي في وظيفتي في مدينة ريفية تعلمت ما أفدت منه طوال حياتي.
لو حسبت معي كم مضى على ذلك التعيين؟ أرى أن هذا المدى بلغ 64 سنة أي على أول وظيفة أقول هذا للتأكيد وأنا أجري حساباً لتلك الأعوام بأصابعي ، ومن حسن الصدف على مرارتها وقوع هذه الذكرى اليوم ذلك أنني فصلت من الوظيفة في 12/3/1963 بتهمة عدم الكفاءة والميول السياسية المنحرفة عن الخطوط الجديدة للظافرين في حين كنت من ألمع موظفي ديوانا لوزارة – وزارة المالية وبي كانت تناط حلول أكثر القضايا تعقيداً حتى ولو لم تكن من أعمالي.
ولأن الدنيا دول يا أبا صباح فقد تلقيت الخبر بصبر يشوبه الحزن لأنني كنت مثقلاً بأسرة كبيرة ليس لها مورد غير موردي فجاءت ضئالة التقاعد ضغثاً على أُبالة كما يقولون أو "علاوة مضافة إلى الحمل" ومرت الأيام كما تقول أغنية للراحلة العظيمة أم كلثوم.
بلى يا أبا صباح ومرت الأيام ولا تزال تمر وأنت أعرف بما وقع لي في الكثير منها حتى وأنا في آخر المرحلة .
وللخلاص من دوامة الحزن بالذكريات المتلاحقة يجب أن أغيّر الرتابة فألقي نظرة تفاؤل على حديقة داري فأرى البراعم المكوّرة والأوراق النضرة العبقة... تبتسم لي وأرجو أن تبتسم الحياة لك.
ومن الغرفة التي شرفتني بالزيارة فيها أهز لك يدي ملوحاً بالوداع وقد يكون أيضاً إلى اللقاء.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

***

-26-

18/4/1990
أخي العزيز الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم
تحية حارة وشوقاً إليك ولهفتي لسماع ما أنت عليه فأرجو أن تكون والعقيلة المحترمة أم صباح في خير وعافية وقد سرني جداً وصول رسالتك المؤرخة 3/4/1990 التي حملت نحوي من المشاعر ا لودية ماهي مألوفة منك بل انني كنت أبحث عن شيء يهزني للكتابة فأنا متقاعد قاعد دون رغبة في شيء تحت وطأة متاعب الشيخوخة.
شكراً لك لأن رسائلي كما تقول تبعث السعادة في نفسك وأعتقد أن حبك لي هو الذي يجعلك تعطي رباعياتي هذه الأهمية وإلا فما أكثر الشعر الذي يهز المشاعر لاسيما إذا كان نابعاً من الصدق والحقيقة.
عزيزي الدكتور إن الشيخوخة كمرض متأخر علة لا تحتمل إلاّ على كُرهٍ وأنا أعاني منها ما لا يوصف ولا منجاة لي ولأمثالي إلاّ بتقبل الواقع وهو مرير، وإذ أكتبها فلكي أطلع صديقاً حميماً على أدق ما أواجه في الحياة ولأجد لديه عذراً لتشاؤمي فيما أكتبه ففيما يدعى بالتشاؤم هو الحقيقة المحض، فما دامت الحياة عموماً وقائع يومية قاسية فلا عيب في تبيانها والشكوى منها ولقد تلقيت اليوم رسالة من الأستاذ الكبير عبدالحق فاضل من مراكش يعتذر فيها عن الشكوى والتشاؤم الذي يكتبه وهو يقول مثلي إن الحياة حقيقة واقعة وتبدو متشائمة لصدقها لهذا يتجنب بعض الناس كتابتها أو قراءتها أو الحديث عن ذلك.
إن ضعف البصر وبقية الحواس أمر طبيعي جداً في الشيخوخة والتأقلم المرير معها أمر محتم وأنا أحاول أن أرتّب حاجاتي من كتب ومذكرات ترتيباً يقيها التلف. فإذا ضاق صدري بالوحدة والصمت قمت بتطوافة قصيرة في ممرات حديقتي المهملة وهذا هو موسم التزهير فالخضرة الجديدة يافعة دائماً فأرجو أن تبلغ أصدق إعجابي وحبّي إلى سيادة الدكتور المقالح الذي يولي رضىً خاصاً عن رباعياتي مع فائق التقدير للأستاذة أم صباح.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

-27-

11/6/990
أخي العزيز الأستاذ الجامعي شاكر خصباك المحترم
تحية حارة كمحبتي لك منذ سنوات عديدة حين عرفنا بعضنا عن طريق ما كان ينشر لنا في المجلات والصحف اليومية.
وأمس ظهراً تلقيت في بريدي رسالتك المؤرخة في 25/5/990 وفيها تلك الكلمات العذبة وما يشبه العتاب للتباعد الواقع بين رسائلي وتأخرها عليك ولا عذر لي في هذا وذاك إلاّ ما تعرف من ارتفاع سنّي ومتاعب ذلك غير قليلة ففي الـ30/6/990 سأدخل أول أيام الـ86 من عمري فإذا تذكرت ذلك ..وكثيراً ما يتكرر.. أشعر برجفة من الخوف إذ أن ذلك يعني أن أسير أياماً مضطربة أخرى سنة أخرى وأنا أكثر ضعفاً في كل شيء.
فالشيخوخة يا أبا صباح مرض الأمراض مجتمعة لأنها مرحلة الاسترداد للأشياء التي تعب الأديب في جمعها بمفردات مختارة ثم يرسل العجز آفته وهي النسيان فلا يمكث في الوعاء المليء غير حثالات مما تعلق بالذاكرة.
لم أعد منذ سنوات أكتب شيئاً من المذكرات التي مررت بها في الأعوام القليلة الماضية وإلاّ لكتبت خاطرة حزينة كالعادة فيها. فاليوم في العاشرة حملني ولدي الدكتور سعد إلى المصرف لتقاضي راتبي التقاعدي وهو على تفاهة مقداره فإنه أغناني عن الذل منذ سنة 1963 فالناس قد تبدلوا والبخيل ازداد بخلاً لتهدر كرامة من لم يألف الضيق إلا من عصم ربك. وإذ اجتزت رواق المصرف ونصف موظفيه من فتياتنا الماجدات صرت كالأعجوبة بالعمر الذي تجاوز المألوف.
وحتى اللحية البيضاء التي كانت ذ ات مهابة لا تثير الآن احتراماً لحملتها كما كان ذلك إلى سنوات قليلة خلت. ولما عدت إلى منضدة الكتابة طرحت عليها بالرزمة الهزيلة لأغطّي بها حاجات شهر بأكمله وتذكرت دعاء الرسول الكريم من ربه بهذه الصيغة "اللهم اجعل أفضل رزقي في كبري" والكلام في هذا يطول وأنا ضعيف الحال في الكتابة فلتكن هذه الرسالة لكل من يقرأها ويقول قول الحق فيها.
تحياتي وحبي للأستاذ الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح وليحفظه الله لأطيب الصلات واسلم وأم صباح.
المخلص – عبدالمجيد لطفي

* * *

- 28-

حي المأمون– بغداد في 18/7/1972

عزيزي الأستاذ الدكتور شاكر خصباك المحترم.
تحية الود الدائم والاحترام العميق.
وبعد فقد انتهيت من قراءة مسرحيتك "الشيء" فإذا بي أمام شيء لا أعتقد انه كتب عن تلك المرحلة السوداء المليئة بالعار ما يماثله. إنه كتاب إدانة في الحقيقة ببسالة منقطعة النظير. وإذا تركنا الجوانب الأدبية والحوار الإبداعي الفاجع فان الكتاب سيقف على امتداد غد طويل كوثيقة تمّد التاريخ بجوانب حقيقية مما شاهد وناقش وعرف أستاذ نزيه عاصر تلك المرحلة المأساة.
إن شخصيات المسرحية من العمق حتى دون وصف كامل أو شخصي لهم بحيث لا يبارحون الذهن وربما أخذوا مكانهم في ذهن القارئ إلى مدى بعيد جدا.
إن هذه المسرحية عمل وثائقي كبير لا يلهم به إلا رجل حساس نبيل إلى جانب كونه أدبياً وفناناً. فلقد ظننت قبل أن أقرأ مسرحية "الشيء" أننا لم نخرج ولو بكسب جزئي للأدب من خلال تلك المعارك الوطنية الطويلة ومن هذه الردة المأساة. أنني أقول جاداً وغير مجامل أن مسرحية "الشيء" إدانة صارخة ليس لليوم ولا لغد قريب وإنما إدانة تلقى البرابرة وحماة الأحقاد أجيالا. فلقد ضمت المسرحية أكثر الوجوه الوطنية نبلاً وبراءة وأثقف من في البلد من عقول ومواهب وبسالة.
ولا أعتقد إلى هذه اللحظة أن كاتباً كتب شيئاً من وحي وآلام تلك المرحلة السوداء ما يوازي دقة وحرارة وجمال مسرحية "الشيء".. الشيء الذي كان يأكل كل شيء.. بما في ذلك الأعراض والمواهب وجهد التعب.
وإنني لأشعر الآن- تجاه هذا الكتاب - بالخجل لأنني لم أكتب شيئاً بهذا العمق والحرارة.. ربما بسبب أنني لم أمر مروراً عميقاً أو شخصياً بتلك المأساة الوطنية والأخلاقية كما مررت أنت ولم يكن لي شرف الاعتقال في تلك الهجمة البربرية كما حدث لك. والآن استودعك الله إلى لقاء آخر وشكراً لك.
المخلص
عبد المجيد لطفي


.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى