صلاح عساف - هستيريا

ضمت شذى كتابها إلى صدرها : كتاب الزهور ذو الغلاف الأزرق . وتمددت بطول قامتها على الكنبة الكبيرة ، فى الصالة التى راح الضوء يخبو فيها رويداً . شذى فتحت كتاب الزهور ، وشبكت على صدر ثوبها قرنفلة بيضاء : " هذه الوردة يحبها " . وهى تضع الكتاب على المنضدة القريبة وتغلق عينيها وتحلم ، فكّرت أن النهار يتراجع وئيداً الآن .
دست قدميها فى دفء فراء الخُف الخفيف ، وقامت . أزاحت شذى ستارة النافذة إلى جانب ، وابتسمت : " آه .. مطر ؟ كيف لم أشعر به ؟ " . ورأت خيوط المطر تبعثرها الريح التى قدرت أنها قوية . وهى تهم بالمغادرة ، وتفكر فى أن توقد الشموع الجديدة الآن : " منذ متى وهى تمطر ؟ . ألن يستطيع أن يأتى إذن " . وتطلعت إلى أعلى ساعة الجدار ، حيث صورتهما معاً ، فى لقطة خلوية بعيدة ، وفى الخلفية بدا قوس قزح يشق سماء صافية .
خلعت من قدميها الخف واستلقت على الكنبة . تناولت كتاب الزهور ، ونظرت إلى اللا شىء أمامها : " لن يأتى فى هذا المطر " . سحبت الغطاء الصوفى الخفيف عليها ، وتطلعت إلى الباب . شعرت بالخدر واهناً يسرى إلى ساقيها الممدودتين فى استرخاء . وراحت تتخطى برك الماء الصغيرة التى خلّفها المطر . وتلمّ شعرها المحلول إلى الوراء ، وهى تقف أمام النافذة ، وترقب الزخّات التى تأتى وتغسل الزجاج .
لكنها انتفضت ، وقبضت على طرف الغطاء ، وسقط الكتاب : كتاب الزهور ، عندما رأت الزجاج يغبش قليلاً ، بشبح خيل لها أنه توقف لوهلة أمام الباب . فيما تأهبت خلاياها لتلك الوخزة المربكة التى تحدثها رنّات الجرس .
غير أن الزجاج عاد يشف من جديد عن ذلك الضوء المخاتل فى الخارج. وشذى تلتقط الكتاب الذى سقط وترفع الغطاء ، وتشعر برعشة البرودة المباغتة ، وتطّوح بالكتاب ذى الغلاف الأزرق بقوة فى اتجاه الباب، وترى هذه الزهور الميتّة ( كل زهرة بلون ) وقد تناثرت على المدخل الرطب .
رفعت وجهها إلى الصورة بأعلى ساعة الجدار ، وتسمّعت إيقاع دقاتها المتسارعة ، وأغمضت عينيها : " لو لم يأت ؟ " . ورأت نفسها تدور وحيدة فى الغرفة الباردة ذات الضوء الكابى ، تتحسس الجدران المبتلّة ، وتقف فى المنتصف لتشق عن صدرها الثوب . سوف تشد شذى ستارة النافذة حتى تسقط أو تتمزق ، وتبكى هناك . تبكى حتى يسيل فى عينيها ضوء الشموع الشحيحة ، وألوان قوس السماء . قبل أن تمتلىء الغرفة الصامتة برنّات الجرس الوشيكة ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى