صلاح عساف - صداقة جديدة

(1)
ضرب له (ص) موعداً على مقهى (العهد الجديد) .

(2)
ها أنت تجلس وحيداً فى انتظاره . مرّ من الوقت ساعة .. وهاهو مرّة أخرى ، منصوباً لك من جديد : الفخ الذى ينصبه كل مرّة . وفى كل مرّة ، يتبدى لك الأمر مع (ص) ، كما لو كان معكوساً ، على النحو الذى تحسه الآن :

(3)
حين كنت تحب أن تراه ، تخرج إليه فى الشوارع ، حيث تنتظر أن ينشق عنه الهواء . أو تروح تطارده فى الوجوه التى تطالعها . ولكى لا تتقابلان أخيراً ، أبداً .
وكنت تجده أمامك ، فجأة ، فى أى مكان ، وعلى خلاف ما تحسب ، دونما انتظار من ناحيتك .
وعلى طول علاقتكما ، حين كنت تنتظره ، كان كأنما يشرع فى الاختفاء . كى تبحث عنه مجدداً ، وكى تجده ، وتشعر فى وجوده بذلك الفرح الذى كان هو لا يشاطرك نصيبه منه أبداً ، إلا عندما كان يقرر أن يغيب ، ويسلمك من جديد إلى الانتظار .
(4)
- " كن جاهزاً ، ومرتدياً ملابسك . سأمرّ عليك فى الخامسة تماماً". أو :
- " لا تخرج من عملك ، قبل أن آت إليك " .
مرّات ومرّات كنت تنتظره ، فهل نسيت ؟ .

(5)
كنتما تسيران معاً ، تحت شمس الظهيرة ، أسفل عمارة كان يسكن فيها صديق له . فاستأذنك فى الصعود إليه ، لدقائق . كم من الوقت مرّ ، وأنت واقف وحدك هكذا ، منتظراً ؟ . لا تذكر . كل ما تذكره أنك قررت فجأة ، وفى بساطة ، أن تمشى . نافضاً عنك لزوجة الخيوط التى ينسجها حولك ، ومتحرراً فى الوقت نفسه من سماجة الخديعة .

(6)
كان الجرسون يروح ويجىء . وارتفعت أصوات بعيدة فى الركن ، ابتهاجاً بالانتصار فى دور النرد الأخير .
قال لنفسه : " إنهم ينتصرون هنا ، فقط ! " .
وانتبه إلى دقّات على إحدى كتفيه . التفت . كان (ص) واقفاً أمامه مبتسماً . ما أن رآه حتى قام ليقّرب له كرسياً ، وهو يقول :
- " اجلس وانتظرنى " .
قال له (ص) :
- "ما بك ؟ إلى أين تذهب ؟" .
كان الجرسون يقترب . ناداه :
- " هات له شاى وشيشه وبعدين قهوة مضبوط " .
ثم التفت إلى (ص) :
- " سأذهب وأعود . انتظرنى " .
متخذاً قراره الأخير بأن يخرج (ص) من حياته ، وإلى الأبد . وأن تكون هذه ، هى المّرة الأخيرة التى يراه فيها :
- " سأعود حالاً " .
وواضعاً قدميه على حافة الرصيف ، وملّوحاً له بالسلام :
- " يجب أن تنتظرنى " .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى