محسن يونس - عمود الزان

تميم البقال – بعد الضنى – اغتنى ، وقعد فى دكانه ، والناس هم وحدهم يأتون إليه، يروح للمدينة الحرة ، ويعرف كيف يخرج من مخارجها كالشعرة ، ويدخل البلدة بأحمال ، ووجهه كله يسقط عليه الرضا .
وابتنى بيتا من طابقين ، تحف به أشجار النخيل ، والمانجو والجوافة التى لها ظل على الأرض ، وشجرة فل معطر غرسها فى الأركان الأربعة حول بيته كل ركن فلة ، وقال مع الأيام تعطى الأشجار الثمار من كل حبة ثمرة أو زهرة .
وألبس أمه هندية القماش المقصب ، واشترى لها زوجا من الأحذية ، ثم أخذها إلى الطبيب ، وفتح فمها الواسع كالفراغ ، فوجد الفكين تخلصا من كل الأسنان ، وتميم أخرج الفلوس من جيبه حتى الطبيب يركب لها طقما ، يصنع من الذهب الخالص .
وقال لها اضحكي يا أمي ، فصارت هى تضحك لأقل سبب .
وتميم جاء بأحسن بنت فى البلدة ، ومن عائلة ، ودخل عليها ، وجعلها امرأة ، والبنت التى صارت امرأة له فهمت كلامه ، وقالت : أنت تأمر .. أنا أطيع .. والوصايا من عائلتها وعتها ، وكانت تهز دماغها ، وخرمت حلمة أذنها وعلقت تلك الوصايا ، لتكون على الدوام جرسا يوقظها فى حال بطرها .. قالت : عارفة .. عارفة ، سوف تريح رجلها ، وتخدم أمه ، وتنادبها بالجدة دائما .
وامرأة تميم كم من شموس غربت ، وأقمار نورت .. زهقت ، وكانت تهمس لنفسها حين تقع عيونها على أم تميم أن الجدة تزوجت الزمن ، وتعض على إصبعها ، وتقول : آه يا نارى .. لأن أم تميم عاشت مائة سنة ، وعشرين فوقها ، ولبست الأسود ، وتفتح الراديو على القرآن ، وكانت تحكى عن ولدها وامرأته الحكايات ، وهى تقعد فى الدكان ، وتضحك فيلمع الذهب فى فمها .



محسن يونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى