ثلاث رسائل من نصير عواد إلى سلام إبراهيم

- ثلاث رسائل من نصير عواد إلى سلام إبراهيم

4– 11 – 2005 هولندا

أل عبد سوادي .. عساكم بخير
وكــل عــام وأنــتم بــخير

في الحقيقة وحدي توصلت إلى عدم القدرة على الفرح في الأعياد والمناسبات ولم يساعدني احد في ذلك ولكني اكتب لك بحكم العادة وكذلك طمعاً في تسجيل مواقف أخلاقية واجتماعية على نبي المتلصصين . أن (سرير الرمل)* المنشورة مؤخراً كانت رائعة ومخيفة .. وهذا ليس موقفاً نقدياً لكني وجدت نفسي في دائرة مغلقة من الرعب وبمبنى فني وحكائي محكم وممتع لولا الدراسة التي كتبت عنها في نفس العدد والتي أضاعت علي الكثير

أما في ردك على شاكر الانباري فأنا لا اتفق معك على الدور المبالغ فيه في إعطاء الرواية دورا مرجعيا للتاريخ خصوصا وان التاريخ يتوسل مرجعيات غير تلك التي تعتمدها الرواية

نصيــــــــــــــــــر عواد

_____________
*سرير الرمل مجموعة قصصية صدرت عن دار حوران – دمشق 2000

*******************************

9 – آذار – 2005
هولندا

سلام عبد سوادي .. بعد المودة

أتدري أن أسمك من الغرائب الأخرى التي تضاف إلى جثتك وتاريخك وهل تدري إن عائلة بيت (...) سكنوا بيتنا الصغير بعد استئجاره بخمسة دنانير وتتواجد فيه النساء على الدوام ( ليلى وجميلة وأمهم ) والأولاد في الشوارع حتى نهايات الليل يشتغلون في أفران الخبز وإحياء الحفلات والغناء وكانت الكبيرة جميلة لا تعرف الهدوء بصدرين ناهدين تقلب بهما على الدوام وحين يأتي المساء تصعد على سطح الدار تنشر الملابس أو تلمها باحثة عن شيء في كل الاتجاهات بعينين ويدين لا يستقران لقد تعلمت العادة السرية على يديها والتي بقيت حتى اليوم أجمل العادات وكانت جميلة تحدثني عن القتيلة أمام جامع السنة بأنها من صنع أمها المريضة على الدوام ودفعت ابنها الصغير للادعاء بأنه فعل ذلك أما الصغيرة ليلى فإن حكايتها تشبه المصريات القادمات من الريف للرقص والشهرة وكانت صديقة للصبية التي كانت تتردد على شقة الوزيرية بين هاشم الكحلي-1- وهاشم لفتة -2- لقد نسيت اسمها وكانت في يوم من أيام دعارتنا جالسين نسكر أنا وهاشم لفتة وهي ومصادفة دخل علينا قاسم لفتة وصالح عايش وبعد الخمر ناموا معها في القسم الآخر من الغرفة ولم يعطوها الفلوس فاستنجدت بهاشم لفتة الذي طالبهم بأن يعطوها حقها لكنهم سخروا منه وقالوا له هل أنت قوادها فسكت هاشم لكنها لم تسكت ووقفت تدافع عن مهنتها وتعلمت منها يومها أن للقحاب كرامة من نوع مختلف وحين بقينا لوحدنا وجدتها تبكي بمرارة وتروي أن احدهم ناكها ببشاعة والآخر هو نفسه بحاجة من ينيكه وعرفت أنها قصدت بالأول قاسم لفتة وبالثاني صالح عايش وبقيت حتى اليوم أهوى حكايا القحاب عن أنواع النيك والرجال وبعد أكثر من عام وقبل تركي للعراق زرتها في سجن النساء وقبلتني بين دموعها وقالت بلطف تعلمني الأصول في أن أجلب معي ملابس داخلية أو جوارب أو حلويات في المرة القادمة وفي السجن بقيت معها ساعتين وأكثر حدثتني عن ليلى حيران كأجمل النساء ولكنها لا تعرف قيمتها ولا تعرف تختار أو تستمر في علاقة لأنها كانت جميلة جدا ووقحة وتوقعت لها أن احدهم سيقتلها في يوم ما

وقبل أن تنتهي الزيارة حدثتها ولا أدري لماذا بأني سوف أترك العراق بسبب حصار البعثيين مع أني لم أحدث بذلك بعض أفراد عائلتي فبكت بمرارة القحاب وقالت ماذا يريد من عندنا صدام حسين نحن والشيوعيين وفتحت صدرها الذي أذبلته الكفوف وتوجهت إلى الله ودعت على أبن العوجة وطبعاً أنا يومها كنت مناضلا شرساً فضحكت من قدرتها على أن تضع تجربتها مع تجربتي وتطلب الأمر مني أعواماً طويلة كي أدرك وأتعلم من أن السياسية تمتلك عهرا كثيرا لقد سبقتني عاهرة الوزيرية في فهم ذلك وعلمتني أن أبحث عن المشتركات في المتناقضات هل ترى يا صاحبي كم تعلمت من القحاب وهل تستطيع أنت أن تضيف شيئا لذلك العالم

لقد بدأت أسكر لقد طلع الصباح
نصير عواد

_______________________
الرسالة حول فصل من رواية مخطوطة نشر في الزمان بعنوان – حضن هو الدنيا –
1-2 هاشم لفتة وهاشم الكحلي صديقين قتلا في الحرب العراقية الإيرانية

************

30 ديسمبر 2004
سلام ابراهيم ..
عساك بخير وكل عام وأنتم بخير
دعني أسبق ردود أفعالك التي أعرفها وأقول لك أن كل الذي في بالك بعيدا جداً عن الدوافع التي وقفت خلف تذكرك والكتابة إليك. ومع أني سأفترض أن لديك ردود أفعال بعد برودة المنافي تلك ولذلك سأختصر الطريق عليك لانك تأخرت كثيراً خصوصا وأنا الان مثقوب الذاكرة ومطفئ الحواس ومنشغل بالاستمرار في التخلص من سلوكيات ومفردات قد تعني لك الكثير من مثل العائلة والحزب والوطن الذي استحال في المنام إلى طاس الحمام الرمادي والثقيل الذي اشترته أمي ذات صباح ديواني لشرب اللبن الذي نجلبه من نجمة الدبية قريبة هاتف الدبي, وحين داهمه العتق تحول إلى حبّ الماء الساكن في الظل البعيد, ومن ثم إلى حمام العائلة الساخن ليتحول الطاس بعد أعوام إلى شكلا بصرياً لا أستطيع وصفه لك كي لا أفسد منامي باعتباره آخر الطيبات. وحتى أغلق الأبواب على بقايا الذكاء في رأسك الكبير فإن الخمر هو الآخر لم يكن خلف صحوة ذاكرتي لسبب بسيط فلقد تركته من الليلة الماضية على الرغم من أني لا أستطيع تناول أكثر من ربع قنينة في أحسن الأحوال فكيف وأنا اليوم في منحدر الرحلة. ولا أطيل عليك الحكاية فلقد كنت في لحظة صفاء عند قراءتي لروايتك وأحسست أنك الوحيد الذي أنصف عبد سوادي في وقوفك عند أسباب حزنه وانهياراته وتمنيت بخبث أن يورثـك كل ذلك. ومع أني فرحت كثيراً ورحت أركض بين السطور متابعاً المرأة التي قالت لك لا تقربني أبداً وأحسست أنها أجابت عنا جميعاً لكن رؤية انسحاقك وذهولك وانهيارك بقيت أمنية قديمة تعلو كل أنواع الشماتة والحسد. لكن الحزن المبثوث في الرواية أفسد فرحتي تلك مثلما أفسد رحلتي في ظهيرة الله بين مقهى الضويري ومعمل الثلج وسوق القصابين وجميل خرميط. فلقد كانت عوالم أسطورية أثقلها الحزن. عندما هبطت امرأة الضباب الدرجات الخمس في الشوارع الخلفية الضيقة قرب المحكمة القديمة وتعرت البيوت التي فضحتها أبوابها العتيقة وشبابيكها المخلوعة. هنا فقط تذكرت عينيك وفضولك أثناء تجوالك الدائم في تلك الشوارع حيث كانت عادة التلصص عندك توازي كل ما أبدعته في حياتك , فلقد كنت متلصصاً من الطراز الأول ها أنا أصل نهاية الحكاية لا مشتاقاً ولا مودعاً فسأكون سكران ومنشغلا بالتلويح لعام آخر يمضي ساخراً... ولكني أردت القول أني تذكرتك يعني أنا أشرف منك ( من الزنار وفوق وليست من الزنار وتحت)

وكل عام وأنتم بخير ......... نصير


.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى