أربع رسائل جورج اورويــــل " إيريك بليــــر "

- أربع رسائل جورج اورويــــل " إيريك بليــــر "

1 - إلي ريتشارد والميسلي بلير

2 ديسمبر 1938
مــــــــــــــــراكش

أبي العزيـــــز،

لقد سعدت عندما عرفت من أمي أنك قد تحسنت بعض الشئ وتستطيع النهوض من وقت لأخر. لو كانت شهيتك سيئة جداً،هل فكرت في تجربة الهاليبورناج (فيتامينات)؟ لقد تناولتها من وقت لأخر، وهي ليست بغيضة بالمرة إنها مغذية ويبدو أنها تُحسن من الشهية بعد فترة. وأعتقد أن الدكتور " كولينجز" سيوافق عليها. إنها مجرد زيت كبد السمك بنكهة البرتقال وبعض الأشياء الأخري.

الجو هنا إزداد برودة بالأحري مثل البرد في بورما العليا ،الجو بشكل عام لطيف ومشمس ولكنه ليس حاراً. وفي معظم الأيام نوقد ناراً، التي في الواقع لسنا في حاجة لها حتي حلول المساء، ولكن من اللطيف أنها لدينا. لا يوجد فحم في هذا البلد، فكل الوقود من الخشب ويستخدمون الفحم النباتي للطهي. لقد قمنا بمحاولة الزراعة ولكنها لم تنجح كثيراً فمن الصعب للبذور أن تثمر،أعتقد أنه بسبب الجفاف الشديد بوجه عام. معظم الزهور الإنجليزية تزهر بشكل جيد هنا منذ اللحظة التي تزرع فيها، وفي نفس الوقت توجد نباتات إستوائية مثل شجرالجهنمية .إن المزارعين هنا يحصدون محاصيل الفلفل الحار مثل التي إعتادوا زراعتها في بورما. الناس هنا يعيشون في قري محاطة بحوائط من الطين ترتفع إلي ما يقرب من عشرة أقدام، أعتقد أنها للحماية من اللصوص، وفي الداخل لديهم أكواخ صغيرة مزرية عرضها مايقرب من العشرة أقدام والتي يعيشون داخلها. إنها بلد جرداء للغاية، أجزاء منها شبه صحراء، ولكنها لاتعد صحراء حقيقية. فالأهالي تأخذ قطعانها من الخراف والماعز والجمال ويخرجون لترعي حيث لايوجد شيئ علي الأطلاق لتأكله،وأنوف الحيوانات البائسة تبحث هنا وهناك عن القليل من الأعشاب الجافة تحت الحجارة. يتراءي لي أن الأطفال يبدأون العمل في سن الخامسة أو السادسة. هم مطيعون بشكل أستثنائي، ويبقون في الخارج طوال اليوم يرعون الماعز ويقومون بإبعاد الطيورعن أشجار الزيتون.

أعتقد أن المناخ هنا يجعلني بصحة أفضل. في الأسبوع الماضي لم أكن علي مايرام بعض الشئ ، ولكن بوجه عام أشعرأنني أفضل وزاد وزني قليلاً. لقد أنجزت الكثيرمن العمل. سوف نقوم بالتقاط المزيد من الصور بعض منها للمنزل،وسوف نرسلها لك بعد طباعتها.
أعتن بنفسك، وتمنياتي بالشفاء.
مع حبي
إيريك

************

2 - إلي هيربرت رييد

4 يناير 1939
مـــــــــــراكش

عزيزي ريــــــد

شكراًعلي كل من خطابك والمانيفيستو. ومن المضحك أنني أطلعت عليه بالفعل في لا فليشيه وفكرت في عمل مجموعة من التساؤلات إنني بالتأكيد سأوقع عليه. ولو أنك تريد مجرد بعض الأسماء لتمثل إنجلترا تستطيع الحصول علي بعض الأشخاص الأكثر شهرة. لكن علي أي حال أستخدم اسمي في أي شئ تراه يستحق. لقد سألتني إن كنت أريد اقتراح أي تغييرات في المانيفيستو.النقطة الوحيدة التي لدي بعض الشكوك حيالها،رغم انني لا أصر عليها،-التي توجد في الصفحة الثانية- فأنت تقول:
" حتي يظل الروس في مأمن للبيروقراطية ، ترك-الروس- في البداية العمال الألمان ثم العمال الأسبان ثم العمال التشيكوسلوفاكيين، في موقف حرج" وليس لدي شك في أن هذه هي الحقيقة، ولكن هل من الحكمة إستراتيجياً لأشخاص في موقفنا أن يثيروا القضية التشيكية في مثل هذا الوقت؟ لا شك أن الروس قد تركوا التشيك في مأزق، لكن لايبدو لي أنهم تصرفوا بطريقة أسوأ أو شديدة الأختلاف عن الحكومتين البريطانية والفرنسية ، وبإقتراح وجوب ذهاب الروس الي الحرب للدفاع عن التشيك يجب إقتراح ذهاب بريطانيا وفرنسا الي الحرب أيضاً ، إن ذلك ماقد يردده البسطاء الذين يعيشون علي الحدود، والذي لا أؤمن بصحته، أنا فقط أقترح ،وعلي أي حال أضف إسمي للبيان.

إنني أقضي الشتاء هنا من أجل رئتاي، التي أعتقد أنها تتحسن بعض الشئ. فبسبب هذه الصحة اللعينة فإن ما قمت به من عمل تحديداً يعتبر عام ضائع، ولكن هذه الراحة الطويلة جعلتني أفضل وبدأت في كتابة رواية جديدة ،حيث أنه منذ عام ، وبعد ذلك الكابوس المرعب في إسبانيا، أعتقدت جدياً بأنني لن أكون قادراً علي كتابة أي رواية مرة أخري.في الوقت نفسه وبشغف كامل كنت أعتزم منذ وقت مضي أن أكتب لك عن أمر يشغل عقلي .وهو: أنني أعتقد أنه من الضرورة وبشكل أساسي لمن هم مثلنا والذين يعتزمون مقاومة الحرب القادمة أن يبدأوا في تنظيم بعض الأنشطة الغير شرعية المضادة للحرب .لأنه من الواضح جداً أنه سيكون من المستحيل ممارسة أي أنشطة شرعية. ليس فقط عند إندلاع الحرب بل وحتي مع إقترابها، ولو لم نستعد من الأن بما يتعلق بالكتيبات.. الخ ، فأننا بالتأكيد سنكون غير قادرين علي ذلك عندما تحين اللحظة الحاسمة. ففي الوقت الحاضر يوجد قدر كبير من حرية الصحافة ولم تفرض قيود علي شراء مستلزمات المطبوعات الصحفية ومخزون الورق وغيرها، ولكني لاأعتقد ولو للحظة استمرار هذا الوضع فيما يتعلق بهذه الأمور. فلو لم نقم بأستعدادتنا فقد نجد أنفسنا مجبرين علي التزام الصمت وعاجزين تماماً سواء مع بداية الحرب أو الإجراءات الفاشية التي تسبق الحرب ، فمن الصعب حمل الناس علي رؤية مثل هذا الخطر، لأن معظم الشعب الأنجليزي بطبيعته غيرقابل لتصديق أن أي شئ سوف يتغير أبداً. بالإضافة إلي أن عند تعامل المرء مع معارضة حقيقية للحرب، سيجد أن الناس تبدي نوعاً من الإعتراض الأخلاقي للأعمال غير القانونية والسرية. وأتفق تماماً أن الناس ، وخاصة ذوي السمعة السيئة، يستطيعون الحصول علي أفضل النتائج بالمقاومة في العلن،لكننا قد نجد أنه من المفيد جداً أن يكون لدينا أيضا ًمنظمة سرية . ويبدو لي أنه من البديهي أن نقوم بجمع ما سوف نحتاجة لعمل الكتيبات والملصقات ....الخ ووضعها في بعض الأماكن بعيداً عن المتطفلين ولا نستخدمها إلا عند الضرورة. لذلك نحتاج للتنظيم وبالتحديد للمال، ربما ثلاثمائة أوأربعمائة جنيه، ولكن ذلك لايجب أن يكون مستحيلاً، لمساعدة الناس قد نستطيع تدريجياً العمل بحرية. من فضلك أرسل لي لتخبرني إذا ما كنت مهتماً بهذه الفكرة؟ ولكن أرجو لوكنت غير مهتم الا تتحدث عنها مع أي أحد، هل يمكنك ذلك؟
لقد أتممت البيان الذي وقعته.

*********

3- إلي ريتشارد أوزبورن
في 26 أغسطس 1947 :

عزيزي السيد أوزبورن

شكراً جزيلاً علي خطابك في الثاني والعشرين. وسأبذل ما في وسعي للأجابة علي تساؤلاتك.

لقد ولدت في 1903 ودرست في إيتون( Eton )بمنحة دراسية. كان والدي موظفاً حكومياً هندياً ووالدتي أيضاً من عائلة انجلو هندية، ذات صلات قرابة خاصة في بورما. وبعد الإنتهاء من الدراسة عملت لخمس سنوات في البوليس الأمبراطوري في بورما، ولكن هذه الوظيفة لم تكن مناسبة لي بالمرة فاستقلت منها حين عودتي للديار بنهاية عام 1927 .

لقد أردت أن أكون كاتباً، وعشت معظم العامين التاليين في باريس علي مدخراتي وكتابة الروايات التي لم ينشرها أحد فقمت بالتخلص منها. وعندما لم يعد لدي المزيد من المال عملت لفترة في غسل الصحون،وبعد ذلك عدت إلي إنجلترا وعملت في سلسلة من الوظائف ذات الرواتب الضعيفة، في أغلب الأحيان كمدرس، مع فترات من البطالة والفقرالمؤلم.(كانت هذه فترة الركود).

تقريباً كل الأحداث التي وردت في "متشردا بين باريس ولندن " حقيقية، ولكن في فترات مختلفة قمت بنسجهم معاً لعمل قصة متصلة. لقد عملت في محل للكتب لما يقرب من العام من 1934 إلي 1935، وقد ذكرت ذلك في " ليظل الزنبق طائراً" من أجل إعطاء خلفية للأحداث . ولكن الرواية علي ما أعتقد ليست سيرة ذاتية .كما أنني لم أعمل في مكتب للإعلانات.

بوجه عام لم تكن كتبي سيرة ذاتية بالقدر الذي افترضه الناس. هناك ذرات من السيرة الذاتية في ويجان بيير ،وبالتأكيد في إجلالاً لكاتالونيا Homage of Catalonia ، التي تعتبر تقرير مباشر. وستبقي مزرعة الحيوانات واحدة من عدة روايات لا أعُيرها أهتماماً وقد تم قمعها.

أما بالنسبة للسياسة، فقد كنت مهتماً بالموضوع بشكل متقطع حتي حوالي عام 1935، ورغم ذلك أعتقد أنني أستطيع أن أقول إني كنت دائماً بشكل أوبأخر "يساري". ففي "ويجان بيير" حاولت أولاً مناقشة أفكاري . فشعرت ومازلت أن هناك قصور ضخم في المفهوم الكلي للإشتراكية، وكنت مستمراً في التساؤل إذا ماكان هناك مخرج أخر. وبعد القاء نظرة واضحة علي النظام الصناعي البريطاني بمساوئه والهندسة الصناعية في مجالات التعدين، توصلت إلي نتيجة ، وهي أنه من الواجب العمل من أجل الإشتراكية - حتي لو لم أكن منجذباً لها بمشاعري- لأن إستمرار الأوضاع بالشكل الحالي ببساطة لا يحتمل، ولايوجد حل سوي نوع من الجماعية القابلة للتطبيق، لأن هذا مايحتاجه جموع الناس. وفي نفس الوقت تقريبا أصبحت مصاباً بعدوي الرعب من الشمولية، التي في الحقيقة أصبت بها بالفعل في صورة العداء تجاه الكنيسة الكاثوليكية.

لقد حاربت ستة أشهر في إسبانيا 1936 1937 إلي جانب الحكومة،وسوء حظي أوقعني في الصراع الداخلي للحكومة ،الذي أنتهي بي إلي القناعة بعدم وجود الكثيرمن الإختيارات بين الشيوعية والفاشية،ومع ذلك ولأسباب متعددة أفضل اختيار الشيوعية طالما لايوجد أي خيار أخر متاح. لقد كنت مرتبطاً بشكل غير واضح بالتروتسكيين والفوضويين، وأكثر قرباً من الجناح اليساري لحزب العمال (كان أخرهم بيڤان وفوت). وقد عملت محرراً أدبياً في التريبيون ((Tribune جريدة بيڤان في ذلك الحين لما يقرب من عام ونصف (1943 1945) ، بل تمتد لمدة أطول من هذه، ولكنني لم أتنتم لحزب سياسي مطلقاً. واعتقد أنه سياسياً أجدني اكثر قيمة لو قمت بتسجيل مااعتنقه والذي أصدق أنه حقيقي، علي أن أتبع خطي أي حزب سياسي.

في أوائل العام الماضي قررت القيام بعطلة، وذلك لأنني كنت أقوم بكتابة أربعة مقالات أسبوعياً لمدة عامين. أمضيت ستة أشهر في چورا وفي أثناء ذلك الوقت لم أقم بأي عمل، ثم عدت إلي لندن ومارست عملي الصحفي كالمعتاد في الشتاء. ثم عدت إلي چورا وبدأت في كتابة رواية أرجو أن أنتهي منها في ربيع 1948. إنني أحاول الا أقوم بأي عمل أخر حتي أنتهي منها. ونادراً ما أقوم من وقت لأخر بعمل عرض لبعض الكتب للنيويورك. أنني أعتزم قضاء الشتاء في چورا هذا العام ،إلي حد ما ،لأنه يبدو لي أنه لن يكون هناك عمل بشكل مستمر في لندن،ولدرجة ما لأنني أعتقد أنه سيكون من السهل الحفاظ علي الدفء ، فالجو ليس شديد البرودة، والطعام والوقود أسهل في الحصول عليهم.ولدي منزل مريح برغم أنه في مكان ناء إلا أن أختي (أڤريل) تحتفظ به من أجلي. أنني أرمل ولدي صبي تجاوز الثالثة من العمر بقليل.

رجائي أن تكون تلك الرسالة مفيدة ، وأخشي أنني لن أستطيع الكتابة "لستراند" في الوقت الحاضر،لأنني كما ذكرت أحاول ألا أرتبط بعمل في الخارج.ونظراً لأن البريد هنا يرسل مرتين في الأسبوع، فهذا الخطاب لن يرسل حتي يوم 30 ،لذلك سأرسله إلي "سوسيكس" (Sussex).

المخلص لك دائماً
چورچ أورويل

*************

4- إلي برووك ويليامز

24- سبتمبر 1943
بي بي سي

عزيزي السيد روش برووك ويليامز

تأكيداً لما قلته لك سابقاً بشكل خاص، أود أن أتقدم بأستقالتي من ال بي بي سي، وسأكون ممتناً لو قمت بإرسالها للإدارة المعنية.

أعتقد أنني في حديثي معك قد أوضحت أسبابي، ولكن يجب أن أكتبها علي الورق خشية من أي خطأ. لا أغادرلأن هناك أي خلاف مع سياسة ال بي بي سي ولابسبب أي شكوي. علي العكس فأنني أشعر أنه طوال علاقتي بال بي بي سي عوملت بكرم كبير وسُمح لي بحرية كبيرة في العمل. ولم يحدث في أي مناسبة أن أجبرت علي قول شئ علي الهواء لا أقولة بشكل فردي وخاص، وأود أن أنتهز هذه الفرصة لأشكرك شخصياً علي تفهمك التام ومواقفك الكريمة التي أظهرتها دائما تجاه عملي.

أنني أتقدم رسمياً بإستقالتي لأنني أدركت منذ وقت قصير أنني أضيع وقتي والمال العام في عمل لاينتج أي ثمرة. وأعتقد أنه في الوضع السياسي الحالي أن الدعاية البريطانية التي يتم اذاعتها للهند تعد عملاً لا رجاء منه. وما إذا كان يجب استمرارهذه الأذاعة فالتقدير يرجع للأخرين، أما عن نفسي فأنني أفضل عدم إضاعة وقتي فيها في الوقت الذي أستطيع فيه أن أشغل نفسي بالصحافة التي تحقق بعض القدرمن التأثير. أشعر أن بعودتي لعملي الطبيعي بالكتابة والصحافة أستطيع أن أكون مفيداً أكثر مما أنا عليه حالياً.

لاأعرف المدة التي يجب أن أخطربها قبل الأستقالة . لقد أعادت الأوبزرفر مرة أخري إحياء خطة ذهابي إلي جنوب أفريقيا. والتي يجب أن يوافق عليها مكتب الحرب والتي قد تفشل مرة أخري ،ولكنني أذكرها في حالة أضطراري لترك العمل في وقت أقرب من المفروض.وسوف أعمل علي أية حال أن تكون البرامج مُعدة لفترة مقبلة.
المخلص
إيريك بلير

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى