ديوان الغائبين ديوان الغائبين : عبدالأمير جرص - العــــراق - 1965 - 2003

ولد في بغداد 1965
تخرج في كلية الآداب ، جامعة بغداد،
توفي اثر حادثة ، في العام 2003، وعمره لا يتجاوز 38 عاما، حين كان يتجول في دراجة هوائية، فسقط منها، مصطدما رأسه بالرصيف.
- (قصائد ضد الريح) مجموعة شعرية صدرت في العام 1993 عن دار (الآن)

ذروة وجودنا
عبد الأمير جرص

يقول ولـيم فوكـنر “إن أَشدّ الرجال وحشية لم يصنعوا بامرأة ما تصنعه أَفضل النساء برجل”.
وأَنا أَعترف بأَنني أَكثر الرجال وحشية
وبأَنكِ أَفضل النساء
ولكن هل صنعتُ بكِ ما صنعتِ أَنت بي؟
لقد جعلتني أُحبّكِ وهذا عندي غاية التوحّش
ومنتهى اللاإِنسانية.
***
كان وجودك هو العصا الوحيدة التي أَتوكأ عليها في هذا العدم المحض

هذه الأَيام المُقحمة على الزمن
هذه الأشجار المفروضة على الريح
– الريح التي تتصدّع كلّما اقتربت من مصادرنا –
كان وجودك هو العدم الوحيد الذي أَتقرب به إليّ
أَنا الذي أَنهيت علاقتي بالأَبدية منذ أَمد بعيد
وصارت الريح آخر معجزاتي…
بعدما كنت أَنا سيّد الأَبد وأَكثر مريديه جرأة في التحوّل
من زوال محض تدعوه الأبدية بالموت
إلى موتٍ محض أَدعوه أنا بالتحوّل
التحوّل عن كوني أَشدّ المخلصين للأبدية.
لا أَحب الأَشياء الفانية
أمقت هذا الزوال الذي يصحبني حتى وأنا في ذروة وجودي
لا أحبّك
لأنك العصا الوحيدة التي انكسرت أمام أول ريح اقتربت من مصيري
لا أحب المنكسرين ولا أحترم دموع أمي تلك التي انسكبت
أمام أول ريح اقتربت من مصيري:
لقد حاولت أن أكون: أنتِ
بعدما تعبت من كوني: أنا.
حاولت أن أهدم آخر قلاعي بيدي
حاولت أن لا أتحصّن منك أيتها الريح العاتية
يا مصيري الذي انكسر
أمام أول خرق لعادتي
يا فنائي الذي أتواصل معه يومياً
وعلى غير عادتي
أحبّك
وعلى غير عادتي
أشتهيك.
أيتها الفانية مثل علاقتك بي
ومثلك أنت
فانية حتى وأنت في ذروة وجودك.


* من الأعمال غير المنشورة للشاعر العراقي عبد الأمير جرص (1965-2003)


***


قصائد ضد الريح

وانت منكسر ، تجرح اكثر
ايها الزجاج ..
ارمهم
بالحجارة
وليكن قدرك الريح
تجري ضدها
هكذا !
وبلا قدمين
تركض تركض .. حافياً.

اعظم ما في الربّ
انه ..
لم يولد
ذلك انني ولدتُ
ولم تكن الريح ..
معي

اليس مسلياً
ان اكتب ضد الريح ..
وان اتحدث ضد الريح ..
في يومِ عاصف
اذن !
لتكن الريح .. ابي
وليكن ابي ..
مثلاً
اقول مثلاً
يوليوس قيصر ..
اليس رائعاً
ان اكتب ضد يوليوس قيصر
الذي هو :
ابي
او بالاحرى الريح
تلك التي قدّر لي
ان اكتب ضدها
وان امشي ضدها
في يوم عاصف .

دعوة
ايتها الفراشة
هلمّي
فمازلت متوهجاً كمصبح
مازلت
كمصباح
متوهجاً
بامكاني ان اقودكِ
الى النار
..........
المساء ظليّ
وانتِ
عمود حلم مطفأ
في الظهيرة
..........
افضّل الدخولفيك
كلما افكر بالخروج ..
عليك
......
عندما تسطع الروح
امنع الكلمات ظليّ
واترك رأسي
يتسلق الشمس ..

أهداء
لعيني أبي الضرير
ليعقوب الطاعن
بالحزن
امنح الكواكب الاحد عشر
والشمس والقمر
والقميص المقدود .

ملاحظة
قد لا اكون عميقاً
كالبحر الابيض
ولكني بالتأكيد
اكثر سواداً .

تنبيه
ربما اعني شيئاً آخر
ممكن
ان لا اعني اي شيء
مطلقاً
وقد اعنيك شخصياً
هذا
سر !
لانتشلتك من الجب
ونصبتك خليفة
على خزائن الارض
وصيرتك نبياً
تجيد الغيب
وتحلم بالكواكب
لو انك فقط
اتخذتني
غلاماً وسيم جداً
ولكنني
مرتبط
بيدي .

احتشاد:
انا ذا
احتشد كالآف القتلى
مهدداً ، الديناصور
بانقراضي .

لافتة :
اغمض عيني اليسرى ، اضع الشعيرة
في منتصف الفرضة ، وارسم خطاً
وهمياً بيني وبين آخر العمر
احذر !
مركبة طويلة
سيطرة
على المرء
ان يتجنب خطوط الافق
هذه الايام .

حصار :
الجميع صوتوا
على منحي
عيداً
وثياباً
ونقود
ولكن الحزن
استخدم الفيتو ..

مرثية :
اعداد لا تحصى من القتلى
احتشدوا امس في الثكنة
وعندما سألهم آمر الفوج
ماذا تريدون
اجابو :
نريد ان نموت
ولان نالك ما هو أطول منها
يدي
قصيرة .

سجائر:
أوآه
ايتها السجارة
كم نحترق

* * *

يغمرني الثلج
ولا اكف عن الاحتراق
السجارة في فمي
او انا في فمها
لا فرق
كلانا
اما ان يحترق
او
ينطفي

* * *

ومضرة في صحة الموتى
السجائر
ثم من منا
يلف سجائر الموتى
اذا ماتوا
ومن ينسى ؟
رجاءً
لا تفلوا خمرة الموتى
ولا تدعوا التراب
يوسخ الموتى
رجاءً
لا تعيشوا مثلما الموتى
فان الموت سكرٌ
وابن آدم
( ليس يملأ جوفه غير التراب ) ..

***

سوء حظ

سأولد في القرن القادم
سأولد في بغداد
أيضاً
فأنا سيئ الحظ
سيكون أبي نفسه
ستكون أمي نفسها
وسيكون أصدقائي نفسهم
فأنا
سيئ الحظ ـ كما أسلفت ـ
حتى وان ولدت
ـ وهذا ما سيحصل بالفعل ـ
فلن أولد في مكان آخر
حتى وان متُّ
فلن أموت في مكان آخر


...................................


لتكن
هذه البرك الراكدة
في مستنقعات اللغة
هذه الكلمات المتعفنة ، اليابسة
وسيلتي في التعبير
عن امتناني
مع خالص شكري




( ........)


حياتي كلمة،
أطلقها الرب على عدمي
وها أنذا
أعود بحياتي
وبالكلمة ذاتها
أو ربما بنفس الأسلوب
أعود
وليس بحوزتي سوى كلمة
كلمة واحدة
كلمة ،
ترى
ما الذي سأصنع بمثل هذه الكلمة
هل أبني قبرا
ثم كيف سأكتب قصيدة
إنني لا املك حتى أن انبح
يا للعار
ماذا سأقول لحبيبتي

...................

انحدرت من أصول حيوانات منقرضة
مررت بسلالات من السحالي والعناكب الغريبة
والديناصورات
مررت
بأيام لم يطأها احد
بسنين من البط
مررت
بقرون من الأفواه المغلقة
وها أنذا
أعود بحياتي وبالكلمة ذاتها
أعود
إلى قلب من الطين
إلى حيث يرتعش السعف
كمريض بالشيزوفرينية
إلى تمر أحزاننا المر
أعود
وليس بحوزتي سوى كلمة
كلمة واحدة
كلمة
ترى
ماذا سأقول لحبيبتي ؟







حبيبتي

أنا من الحيوانات القديمة ، النافرة
تلك التي يصعب ربطها
بمثل هذا الحبل المتين
من الحب

غزل

فمك الأدرد المسكين
فمك يا حبيبتي أحوج ما يكون
إلى أسنان
فمك المنغولي
فمك

تشبيب

احلم بك ، أيتها العلقة ، يا مضغة
احلم بك ، تصيرين عظاما
احلم بعظامك يكسوها اللحم
واحبك
ايها اللحم
يا عظامنا
احبك ككلب

قصيدة حب

ما الذي سأصنع كي احبك
وهبيني : احبك
من أين سأجد ما احبك به
صدقيني
ليس لي غير يدي
تلك التي توجعني
والتي ما إن أمسكتني بها
حتى بكيت
أيتها الآلهة
لست قذرا ، فأعيش
ولا ميتا فأحيا
ليس لي غير حفنة من الكلمات البذيئة
النابية
تلك التي سأحبك
بها

رثاء
الى يوسف الحيدري


أليس قصيدة
أن يموت الرجل
يوم الجمعة
وفي سوق السراي
أوه
متى سنفهم القصيدة
إن الكلمات التي في الكتب
الكتب التي في السراي
تحفظ جيدا هذه القصيدة
في يوم الجمعة
وفي سوق السراي
أوه
متى سنتعلم الشعر

قصة قصيرة

منذ وطن وثلاث وثلاثين قذيفة
أو ربما بعيدا جدا
هناك
في المساءات التي حفرتها الصواريخ
في الذاكرة
كانت أمي السحلية تمنح أبي انقراضها
وكان أبي الديناصور ، لا يفهم
اوه
كم أنا كائن خرافي
إنني موجود فقط ، على ارض الواقع
حيث تعيشين وتموتين
دون أن يراك احد
أو يلتفت إليك
أحد

أفكار

بالقطار سافر أخي
إلى نفسه
قلت له يا أخي :
إلى أين ستمضي
والجهات أربع
أربع
لا أكثر
......
وحين كنا أطفالاً نحبو
كنا نمر في رأس شارعنا
كأية خاطرة
أو فكرة عابرة
.....
مرة استيقظنا
فلم نجد الوطن
قيل لنا :
لم الوطن جميع حاجاته
جمعها شجرة شجرة
نهرا ...... نهرا
وحل بعيدا
.......
أوطان كثيرة
لن تجد مكانا
أوطان كثيرة
تفكر بالهروب
من الخارطة


تنظير

في رأسي كلمات ، ليست في رأسك
إنني احسد التشكيليين والموسيقيين
احسد كل من يتحدث بغير اللغة
أود لو اكتب الشعر
بالإشارة
انظري يا ربة الشعر
انظري ...... إلى سماء القصيدة
إنني استفز بالشعر الغيمة
فتسيل مطرا مدرارا
يسقي حقول المعرفة في رأس
بوابل من الأسئلة
في رأسي كلمات ، ليست في رأسك
إن من أهم وظائف اللغة
إنها ليست للتوصيل ولا للتخاطب
بدليل إنني لست اسما
أنت لا تمحوني بالحبر الأبيض
ربما بالمسدس يموت الإنسان
ولكنه لا يمحى
في رأس كلمات ليست في رأسك
إن أهم ما ابتكرناه
نحن العراقيين القدامى
الكتابة الصورية
كنا نرسم على الطين ما يدور في أذهاننا
وكنا سعداء في ذلك
أما اليوم
وقد استبدلت الصورة بالرسم
فلا يمكنني إلا أن أصمت
في رأسي كلمات ليست في رأسك
إن الكرسي الذي في رأسك ليس بالضرورة
الكرسي الذي اعنيه في قولي :
أنا بلا كرسي
إذ ربما اعني
أنا لا أجد ما استقر عليه
وبذلك يمكن أن يكون الكرسي امرأة
أو وطنا أو رأيا
ثم إن الأرض أيضاً يمكن أن تكون
الكرسي المقصود
لو أنها فقط
لا تدور
إن الزمن طفل مولع بتحطيم الكراسي
يمكنني تعريف الموت على انه :
الكرسي المطلق الذي سنستمر عليه
بلا استثناء
في رأسي كلمات
ليست في رأسك
وأنا لا أتحدث
عما
في رأسك .

غبار الشعر

كلهم من تراب ، أما أنا فمن عبث خلقت
بلا وسخ أو تراب
ولهذا ، فلا غبار علي إن اعتزلت
المسجد
أو بكيت
من التطرف
كانوا ينادونني بالقرد ، أنا الوحيد
الذي يقول :
جدي لم يكن قردا
لم يتسلق شجرة واحدة من أشجار عوائلكم الرخوة
ولا كان بيروقراطيا فظا
جدي صار قردا بعد أن مر
بسلالات من الصمت
وهذا ما سأثبته بالقصيدة
وبكل ما أوتيت من الشعر
فانا من عبث خلقت
من امتزاج فظ لأنواع العناصر
اللاطبيعية المكونة للزمن
ومن ارتفاع حاد في درجات الأمومة
والأبوة
خلقت مصحوبا بزخات ندم
وبانهيارات عالية في الروح
خلقت
وفي فمي سيجارة
كان كل شئ مضرا وملوثا
حتى المساءات لم تكن صالحة
للشرب ، كنت أنام بحزني وبحزني الرث هذا
كنت أقابل أجمل النساء
تزوجت فهل أنا سوى أعزب
جبت الأحلام كل مساء بحلم
فهل وصلت يا جدي
هل وصلت إلى ما في نفسي
وأنت أيضا يا أمي أيتها العاقر
كم حبلتِ بغيري
وكم تعسرت بي
كنت تنجبينني كل مرة بطريقة أخرى
وبشكل أخر
حتى إني لم اعرف هل أنا نفسي
أم أنا شكل آخر للإنسان القرد
اكره التصاقي الفج هذا بعسل الأمومة
كوني يا أمي أمّاً لكل هذا التحلل
أما أنا فسأكتفي بالخروج
من المهد
إلى اللا ........ احد
او ربما إلى الأحد
حاملاً بيدي أيقونات العصور الوسطى
وكل ما توصلت إلى العلم
هل المنطق معقول ؟؟
أنت معقول أكثر أيها الشعر
فأنت من عبث خلقت بلا معنى
كانت تطاردك اللغة بأدغالها وكنت تفر ....ز إلى القلب
كنت دائما تثبت العكس
من الذهول إلى الخروج
ومن الخروج إلى الدخول
ولهذا ، فلا غبار عليك إن اعتزلت المنطق
أو بكيت
من التطرف .

أشجار

أجدادنا البدو ، كانوا يربون الصحارى في بيوتنا
لقد قسمتنا الصحارى إلى قبائل
وها نحن نتشاجر
يقول أبي :
إننا سومريون من اوروك
وأنا لا أصدقه
إذا ليس شرطا أن نكون من اوروك هذه
لو لم أكن من هنا
لكنت في مكان آخر
ولكنت أنا نفسي
على أية حال

دقائق مغشوشة

إنني أمارس حياتي
على أنها : هواية
أو نزوة
لم أكن قط جادا
في العام 1995 ، دخلت الثلاثين
هكذا
أي كما لو إنني ادخل
حانة

فاشست
التراب الذي أهلت أكثره
على جثتي
جثتي المتروكة في العراء
طيلة
حياتي .

رامبو

خساراتنا الكبيرة
تلك التي تمنحنا أحزانا كبيرة
ورائعة
خسارتنا
أهم ما حققناه في التاريخ
المشرق
لأممنا المجيدة

تخطيط للفنّان هاني مظهر


تشهير

يريدنا العراق
أن نشتري تمرا ونبيعه
يريدنا ... أن نغرق في الطين
بينما نريد من العراق الذي هو أبونا
أن يترفع عن الطين الذي يتصبب ظمأ من نهريه الغارقين بالدمع
نريد من العراق الذي هو ابننا البكر
أن يعيننا على الشعر الذي يتفتح كل مساء
بينما العراق نائم في أحضان حبيبته الحرب
لا يدري أي حصار بنا
العراق الكبير
بأنهاره الجارية كالدمع في عيوننا
وبشمسه الوسنانة التي ما من تمر
إلا وأوسمته ( حلاء )
العراق الذي يريدنا أن نشتري تمرا ونبيعه
يريدنا : أن نعمل في الطين
أي كأن حياتنا محفوفة بالطين
أو كأن لا طين في حياتنا إلا وحل المستنقع نزرع دوابا ونمشي
نحن الدواب . الماشية في الطين
كلنا دروب إليك
كلنا
خطط سرية تحوك خبزك
كلنا
لم
ولكنك يا ابتي
تريدنا أن نهجر الشعر الذي هو أمنا
تريدنا أن نخرج إلى السوق
لنشتري تمرا
ومن ثم نبيعه .


صرخة

كيف حال الله في الأهوار
هل ما زال يغرق
كلما بردية مرت
أو كلما بنيّة مرت
كيف حالك
أيها الرب الجنوبي
يا رفضنا العالي
أنت اكبر من جوامعهم
واكبر من مآذنهم
واكبر من منارات حفظنا صمتها
عن ظهر قلب
الرفض اكبر
الرفض اكبر
الرفض اكبر
لا اله سوى الجنوب

خبز

لدينا خبز
سننام الليلة وتحت وسادة كل منا
رغيفان من الخبز
الخبز الذي صار اسود
الخبز الذي يعد ابيض
نامي
يا ابنتي
ـ تصبحين على خبز
ـ تصبح على خبز ........ أبي
ـ تصبحون على خبز جميعا
غدا يا ابنتي
حين تذهبين إلى المدرسة
وحقيبتك ملأى بالإفلاس
غدا حين تقفين في رفعة العلم
لا تمزقي العلم
ولا تبصقي على معلمة التربية الوطنية
أرجوك
يا ابنتي
حافظي
على بشاعة مدرستك .
................


أحزانٌ وطنية
مجموعة الشاعر الثانية

***



عبدالأمير جرص.jpeg
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى