ديوان الغائبين ديوان الغائبين : سعيد العويناتي - البحرين - 1950 - 1976

سعيد جعفر العويناتي

- ولد الشاعر سعيد العويناتي في قرية البلاد القديم عاصمة البحرين القديمة العام 1951.

- تلقى تعليمه حتى المرحلة الثانوية العامة في البحرين ثم سافر إلى العراق إذ أكمل تعليمه الجامعي في فرع الاجتماع والعلوم الإنسانية.

- تخرج في جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم الصحافة 1974م.

- بدأ الشاعر بنشر قصائده في صحافة البحرين المحلية منذ السنوات الأولى في السبعينات ثم أصدر مجموعته الشعرية (إليك أيها الوطن إليك أيتها الحبيبة) العام 1976.

- صحافي معروف، عمل مديرا لتحرير مجلة (الحياة التجارية) الشهرية، ومحررا في عدة صحف مثل «صدى الأسبوع» و«الأضواء». وقد نشط في تحرير الصفحة الأدبية في مجلة «المواقف».

- عضو أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، وعضو في هيئتها الإدارية قبل وفاته.

- من الأصوات الشابة والجريئة في حركة الشعر الجديد في البحرين وكانت آخر أمسية شعرية عامة اشترك فيها سعيد العويناتي هي أمسية نادي البلاد الثقافي في شهر ابريل من العام 1976.

- توفي الشاعر في ظروف قاسية داخل المعتقل في 12/12/1976م يوم الأحد ودفن يوم الاثنين بحضور جمع كبير من المشيعين



التفتيش

في تمام العاشرة
فتشوا بعض ازاهير الحديقة
وجدوا الماء يغني
والعصافير على غصن الشجر
ضحكت زهرتنا الحمراء,
كان القمر الوحشي
يستأنس في الليل الصلاة
وأبي في وسط الحوش
يدير الأغنيات
وأخي الأصغر يتلو بعض آيات من الذكر
الحكيم
وصغار الدار في الأرصفة الدنيا يغنون
الحياة
وأنا متكئ أقرأ "تولستوي أحلى
الذكريات

في تمام العاشرة
دخل الجند الحديقة..
فتشوا عن بقعة الضوء
ولكن الحقيقة..
وقفت متحدة
وقفة كل أزاهير الحديقة
وقفة كل الأزاهير الصغيرة
وقف الماء, ونور القمر الطالع وحشياً
وقالوا:
........
........
وقف الجندي في الحال
وأقعى مثل من يسرق ضحكات الطفولة
سارح البال, وغاصة في دماه
رهبة الخوف المميت
وبكى الجندي في الحال
ولكن الذي جاء من الأسفل للأعلى
على هيئة فرمان دعاه:
لامتهان السرقة
وامتهان العمل الوحشي
فاستل من الغمد حرابه
" سقط العدل على الأرض"
وراحة يد هذا العابث الواقف
تستكشف ما في الزهرات
مرة أو مرتين
"سقط العدل على الأرض"
افتحوا الأبواب
قالت ثلة الجند التي أوقفت الأصغر
عن ترتيل آيات من الذكر الحكيم
" إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها
وجعلوا أعزة أهلها أذلة"
"سقط العدل على الأرض"
أغلقوا المذياع
كان اللحن قدسياً
وكانت كلمات الاغنيه
تنشد القدس
وتستذكر أيام فلسطين الاليفة
أوقفوا المذياع في الحال
وصاحوا: أين عبد الله؟
أين الفارس الخارج عن مملكة الرب
المصونة؟
وبكى الاب
بكى
ورفوف المكتبة..
بعثروها
"سقط العدل على الأرض"
استفاقة طفلة الدار
اعتراها الخوف
كان القمر الطالع يستفسر عن ذاك الملثم
وجدوا سيف علي
وجدوا فوق الجدار
صورة الآتي من الشمس يغني
وبكى الظل الجداري
وراحت حكمة العدل أساس المك
تساقط حيناً بعد حين
وهوت فوق التراب
بعض أطراف المدينه
"سقط العدل على الأرض"
"سقط العدل على الأرض"
استفاق الفارس الخارج عن مملكة الرب
المصونة
أنا عبد الله ماذا تبتغون؟؟
في تمام السابعة:
كان عبد الله في الزنزانة الأولى
وكان القيد في رسغيه
والراس تسافر
حلماً يمتد فوق الافق الاحمر حيناً
وأفاق
كانت الارض تدور
وعبيد الله في الزنزانة الأولى
يغني حلم "توليستي"
أفراح صبايا القرويات
ويستذكر أشعار " ماياكوفسكي"
وأسماء المغنين
وأحزان الوطن
"سقط العدل على الأرض"
"سقط العدل على الأرض"



***


أغنية إلى الكوكب المتواري
سعيد العويناتي
(البحرين)

هل تذكرُ تلك الريح البرية
يا من كنت معي فوق رمال البحر
وفي الطرقات تغني
والأطفال عصافير تسرحُ فيما بين العامين
وترسم لوحاتٍ للنخل المتمدد من آلاف السنوات
بهذي الجزر المملوءة بالأصداف
وبالماء الأزرق..؟
***
هل تذكر أغنية ريفية
كنا قد غنيناها يوم تعارفنا
والأحباب على الشرفاتِ
وأسماك البحر على مقربةٍ من شاطئنا الحامل في
داخله أثمار الدنيا، يحتفلون بعرس الأرض
وأفراح الإنسان المغتسل بماءٍ يتدفق من هذي
القيعان المغروسة فينا مذ جئنا للعالم؟
يا أغنية غنيناها
يا فارسنا المتألق خلف الجدران الرطبة
والحجرات الملعونة
***
يا كوكبنا المتواري ما بين غيوم ما عادت تأتي بالمطر
الأبيض
هل تذكر ما بين قيودك وجهي
والأطفال وماء البحر..
وكل شوارعنا
والنسمات
وضحكات النسوة
هل تذكر ما كنا نتسامر فيه
والضحكاتِ
وأسماء الأصحابِ
ولحناً كنا نحفظه
في ساعات الشدة..؟
يا نهراً مملوءاً بالموسيقى
إني أتذكر كل ملامح وجهك
والشعر الفاحم
والبسمة في شفتيك
وأحداقاً كانت لغة تتحدث فيها
حين يدق لك القلبُ .. فتأتي سمراؤك
تلثمها، يسّاقطُ حزنك مغموساً
كالملح بهذي الأرض السبخة
***
يا لغةً كنا نعرفها
حين نراك .. وفي عينيك ملامحنا
وزوايا الحارات المظلمة
وكل صبايا القرويات
يزغردن بعينيك
وكن يطفن غيوماً بيضاء
يسّاقط منهنّ غزيراً ذاك المطرُ المتثاقل بالأثمار
***
يا لحناً قروياً جاء من الأعماق إلى الأعماق
هاك زهور بلادي ألثمها
وأغرسها لك في القلب أنيساً علّ ذئاب الصحراء
تموت من الغيظ...
وتنتحرُ الآن .. وفي أعينها أشواك حدائقنا المزروعة
من آلاف الأعوام إلى آلاف الأعوام
***
هاك سماء بلادي
خذها لك
يا من كنت على مقربة منا
في ذاك الصيف القائظ
والفتياتُ يطفن بباب البحرين
يرددن هتافاً يحمل اسمك
والأصحاب
وأحزان الوطن
ويحلمن بيوم يأتي فيه المطرُ غزيراً مراتٍ أخرى
كي تخضوضر فيه مآقينا الأسيانة..
والأجساد التعبى ..
يا من كنت تواسينا أحزان الأمس
وأحزان اليوم
وأتعاب السنوات السوداء
إني أتذكر في عينيك (حزاوي) القرويين
وأحزان البحارة حين يدقون ليصطادوا
اللؤلؤ من أعماق بحار الفوضى
إني أتذكر في شفتيك كلاماً حلواً
يتناثرُ في الطرقات
وفي الحارات
وفي أرض الريف
وفوق الأسطح
يا من كنت هلالاً في داخله قلبٌ يتنامى حتى يشمل
هذي الأرضُ العطشى، والبحر .. وأعشاب قرانا
المسكونة بالحركة
إني أتذكر في داخلك القلب الهادر كالبحر
وأغصاناً تتكاثر كالنسوة في أيام الأعراس
وفي ساعات غناها الأطفال .. كموج كانوا ..
والأعلام ترفرف .. والزينات .. ودقاتُ القلبِ
وهذا الوطن الأخضر يزدانُ بأفراح العالم في
أيام العرس الأولى
***
يا من كنت معي في الأسواق تطوفُ
وأحلامك ملء البحر
وفي عينيك قوارب صيادي الأمس .. وعمال اليوم
وأشعار المستقبل.. يا غصناً مزروعاً في راحات
المكدودين .. المنهوبين .. المتلحفين براياتِ
الوطن الأكبر، إليك سلامي مشفوعاً بملايين القبلات
وأزهاراً من قلبي لك في هذا الوطن
القابع في داخلك المتعب ..
يا فارسنا بالأمسْ
ويا فارسنا اليوم
ويا ورداً نحفظه للمستقبل
خذنا في ساعات الحزن الأبدية أطفالاً تتراشق
بالقبلات الخضراءْ.


***

بطاقة
سعيد العويناتي

يا رفيقي
هاهنا أقبعُ عريانًا أُصلّي
هاهنا أسجدُ في محرابِ شمسِ اللهِ ملتاعا
كنافورةِ دمٍ في صدورِ الفقراءِ
هاهنا أقبعُ وحدي
مستجيرًا من عذاباتِ السنين،
وأصلّي، جاثمًا فوق قيودي الأزليّةِ
وأغنّي لإلهٍ في متاهاتِ المقابرْ
جسدي يطفحُ فيه الدمُ والعالم مملوءٌ
بنهرِ الوجعِ القابعِ في صدرِ الملايينِ
وأوراقُ الشجرْ
هاهنا يقبعُ وجهي في ملفّاتِ السلاطينِ
وأبقى هاهنا منكفئًا أرسمُ وجهَ العالمِ
المشتاقِ للقتلِ وأوراقِ الخريفْ
آهٍ أوراقَ الخريفْ،
كلماتي، وأغانيَّ، وأشعارُ البلابلْ،
مِزَقٌ من خرقةِ الصوفيّ فوقَ الرأسِ
مكتوبٌ على واجهةِ السجنِ ولحنِ الأغنياتْ

آهِ زوادة عمري يا رفيقْ
جسد الأرض يذوب الآن في الوردةِ
والشارع مملوءٌ بدم الفقراءْ
وكرابيجٌ تدوّي بيد الشرطيِّ فوق الرأسِ،
آهِ حمّى الأمسياتِ
وطني يسبح فيه الشوقُ، والعالم مصلوبٌ
وصدرُ امراتي قطعة شطرنجٍ
وتنّين كبيرٌ، يتشفّى بعذابات الصغارْ

***

لحظة تأمل في الذاكرة
الشاعر سعيد العويناتي


في هدأةِ الليلِ،
كنا معًا، نحتسي قهوَة العيدِ
كنا معًا، والمرايا بلادٌ نهاجر فيها
ونصحو معًا، هذه الأرض حلمٌ، يباغتنا في المنامِ
ونصحو، لنقرأَ أحزانَنا
هل تذكّرتِ كنا نغامرُ ليلاً
ونعرى معًا في المحطاتِ؟
هل تذكّرتِ وجهي المغضَّن بالخوفِ
حين التقينا لأولِ مرّه
وكان الشتاءُ طريًا
وكان العراقُ طريًا
وكانت لقاءاتنا بعدُ لم تكتملْ؟
هل تذكّرتِ؟
هذا هو الحلمُ يا من تُباغتني
والمحطاتُ مسكونةٌ، والمرايا منافذُنا الهاجعه
والظلالُ اختبأنا
تذكّرتُكِ الآن، بحرًا
وتأتي التماعاتُ وجهكِ صوبي، أخبّئها
ليلةَ العيدِ كنا معًا
والصبايا الصغار يضاحكنني
والعيونُ تراقصُ أحلامَها المتعبهْ
هذا هو الحلمُ يأتي
ويأتي مع الخوفِ والرهبةِ القاتله
تذكّرتُكِ الآنَ
أنتِ الحبيبةُ حلمي، وزادي
وبعضٌ من الذاكره
والمرايا، مراياكِ بعضٌ من الذاكره
والمقاعدُ كنا معًا
حلبةُ الرقصِ كنا معًا
نحتسي في المقاهي
ومن حولنا النسوةُ الأجنبيّاتُ يجلسنَ
من تكونُ التي في جوارِكْ؟
ويطرق سمعي السؤالُ
وأبقى أحدّقُ في وجهها برهةً
أحدّقُ لكنني،
وتشردُ بي الذاكره
هل تعودين لي؟
هل تعودين من أرضِ صحبي
لنبقى معًا نحتسي قهوةَ العيدِ في الليلِ
حتى الصَّباحْ؟



سعيد العويناتي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى