ديوان الغائبين ديوان الغائبين : حسين جليل - العراق - 1944 - 1979 م

ولد حسين جليل في مدينة بعقوبة (محافظة ديالى - شرقي العراق) وفيها توفي شاباً، بعد أن تردد ومض قصائده بين بعقوبة، وبغداد.
تلقى تعليمه قبل الجامعي في مسقط رأسه، ثم انتسب إلى كلية التربية في بغداد (قسم اللغة العربية) وتخرج فيها (1966).
اشتغل مدرسًا في ثانويات مدينته، وكان قد بدأ في نشر قصائده بمجلة «الأقلام» البغدادية منذ عام 1965.
في عام 1971 بدأ ينشر - في الأقلام - بحوثًا ودراسات ذات منحى ماركسي، وبعد نشر ديوانه عرفته محافل الشعر في العاصمة (بغداد) وترددت أصداء قصائده في اتحاد الأدباء.
رفع راية الدفاع عن الفقراء، وردد شعارات الماركسية، اعتقل عام 1975، ولم يعثر له على أثر بعد عام 1979.

الإنتاج الشعري:
- له ديوان: «لنقرع في قلب العالم أجراس الحب» - منشورات دار الجاحظ - بغداد 1971، وديوان: «عودة الفارس القتيل» - منشورات مديرية الثقافة العامة - بوزارة الثقافة والإعلام - بغداد 1972، كما نشر في مجلة الأقلام القصائد: سقاك الحيا: العدد 2 ،1965، وطفولة: العدد 9 ،1966، وهتاف للإنسان: العدد 12 ،1966، واليد الثالثة - العدد 11 ،1969، وتأملات رجل منفرد - العدد 12 ،1970، والحب المستحيل - العدد 8 ،1971، وصوت آخر - العدد 5 ،1971، وكنز الفقراء - العدد 1 ،1972.

الأعمال الأخرى:
- من مقالاته المنشورة: آراء وتساؤلات في التراث: الأقلام - العدد 2، 3 سنة 1971، ومصطفى الحلاج والفن المقاتل: الأقلام - العدد 5 سنة 1972.
في ديوانيه يبزغُ المعنى، وتستعلي الرسالة، ولكن عبر تشكيل جمالي أقرب إلى أسلوب الحداثة.آثر شعر التفعيلة، وحتى قصيدته العمودية تأخذ رسمها على الورق لتبدو«حرة»!! في قصائده ما في موجة الشعر الحر (شعر التفعيلة) من خصائص: الطفولة، الحوار، التدفق الإيقاعي، الطابع الأسطوري، التكرار، الرموز المسيحية، الشكل القصصي.

مصادر الدراسة:
1 - صباح نوري المرزوك: معجم المؤلفين والكتّاب العراقيين (جـ2) - بيت الحكمة - بغداد 2002.
2 - الدوريات: أعداد مجلة الأقلام المشار إليها سابقًا.

طفولة

في الحفرتين، ذبالتان، بلا وميضٍ، تخفقانِ
في عتمةِ الليلِ الطويلِ على مداراتِ الدخان
تتسرّبان وتخفتان بلا زمانٍ أو مكان
وعلى سنا الينبوعِ، يا أحلى الصبايا، تلهثان
الزئبقُ اللألاء، فيه، تجدّفان وتغرقان

يا نكهةَ العذراءِ، يا فوحَ الطفولةِ، يا سناها
يا خضرةَ الغدرانِ، يا نسغَ البراعمِ، يا شذاها
يا حبّةَ الرمّانِ تسطعُ لهفةُ البلّورِ فيها
«يا «نبعةَ الريحانِ» تورقُ في مَفارق زارعيها
يا «طفلةً»، يا ضوءَ قنديلٍ ينيرُ سُرى أبيها

لم يبقَ في أفقي، لزهركِ، غيرُ أشتاتِ السحابِ
الريح تنثرها وتذروها، على غبشِ الضباب
وذبالتين، بلا وميضٍ، تحفقان مع السراب
في حفرتين عليهما تفترُّ أطواقُ العذاب

يا «طفلةً»، لم يبقَ لي، منها، سوى ذكرى هواها
وشذى براءَتها، وطيفِ عيونِها، وصدى خُطاها
ويحَ «البراعمِ» يا لَكهلٍ مُتعبٍ خفقتْ رؤاها
في دربهِ، فمضى يطاردُها، ليبعثَ من صباها
بُقيا صِباه، وذكرياتٍ أطلعتْها مقلتاها
ويحَ الطفولةِ، أيُّ قلبٍ لا يذوبُ على لظاها
ويموتُ شوقًا دونما لقيا ويحلمُ في جَناها

***

قصيدة الدخان

أرسمُ بالدخانْ
قصيدةً
أرفعها فوق يدي للريحْ
لعلها تطوفْ
عبرَ المدى
لتسمعَ الإنسانَ في مرافئ السماءْ،
في البحارِ،
في الكهوفْ
صوتًا له لونٌ
ولا صدى
ينطفُ كالنَّدى
من صخرة الحروفْ

قصيدةُ الدخانْ
تدورُ كالغيبِ على المكانْ
تدورُ في الزمانْ
تضيع في القلب الذي يسألُ
عن حبٍّ،
وعن إنسانْ

***

الذكرى

ألا يا قطتّي الحوراءَ يا شررًا على الأفقِ
وفي عينيكِ،
من عينيَّ،
تلهثُ جمرةُ الأرقِ
على ومضاتِها تُشوى جذورُ الصمتِ والقلقِ
عصافيرُ الهوى الزرقُ
التي غابت مع الشفقِ
لقد عادتْ مع الذكرى
تلقِّطُ من فم الشمسِ
بذورَ سنابلِ الأمسِ
وتنثرُها على كفّيَّ،
في رَأْدِ الضحى
شِعْرا

***

عودة الفارس القتيل

الحرفُ لا يسفك إلا دمَهُ في ساعةِ النزالْ
وأنّهُ من ألفِ جيلٍ كان، والحياةُ
كانتْ،
وكان الفارسُ الملثّمُ الحزينْ
يرحلُ من وادٍ لوادٍ دونما قرارْ
يطلقُ سهمَ القلبِ في مجاهلِ الظنونْ
إِنْ أسبلتْ أجفانَها النجومْ
واغرورقتْ عيونُها وانسكبَ الظلامْ
إنْ غاضَ نهرُ الحبّ في الرخامْ
وغارتِ الطِّيبةُ في الترابْ
عادَ مع الغمامْ
من رحلةِ العذابْ
عاد وفي عينيهِ حرفٌ يطلعُ النهارْ
منهُ
ومنه يُولد اللؤلؤ في المحارْ
عاد وفي كفّيه طفلٌ أسمرٌ يصيحْ:
الشمسُ حرفٌ
وفمُ المسيحِ حرفٌ
ومنه يُورق السلامْ
في أرضنا الخرابْ

دمُ الضحايا في العيون السود، جرحٌ يذرف الدموعْ
لترسمَ الحرفَ على نوافذ الطريقْ
تذكارَ من غابوا وفي أحداقهم
براءةُ الصغارْ

عيونُ من ماتوا قناديلٌ على أعمدة الجسورْ
حروفُ ياقوتٍ تشعّ الحبَّ في غياهب الصدورْ

عيونُ من ماتوا
بلا إكليلِ وردٍ
دونما قبورْ
لن تهجع الليلَ ولن تغورْ
لكنها تنبض في القلوبِ،
في العيونِ
في النحورْ

الحرفُ كالنجوم مهما غاب في متاهة العصورْ
لا بدَّ أن يعودَ من غيابه الطويلْ
يحمل للأطفالِ
ذكرى الفارسِ القتيلْ


.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى