ديوان الغائبين التجاني يوسف بشيــــر - السودان - 1912 - 1938

أحمد التجاني بن بشير بن الأمام جزري الكتيابي
ولد في (( أم درمان )) عام 1912 ، و توفي عام 1938
لم يكمل دراسته في المعهد العلمي بعد فصله لأسباب سياسية
عمل في الصحافة ن و في شركة شل للبترول
صدر له ديوان واحد بعنوان : (( إشراقة )) .

الصوفيّ المعذّب

.. هذه الذرةُ كم تحملُ في العالم سراً!
قف لديها وامتزج في ذاتها عمقاً وغورا
وانطلق في جوِّها المملوءِ إيمانا وبرّا
وتنقَّلْ بين كبرى في الذراريِّ وصُغرى
ترَ كلَّ الكون لا يفتر تسبيحاً وذكرا
وانتش الزهرةَ, والزهرة كم تحمل عطرا
نديتْ واستوثقتْ في الأرض إغراقاً وجذرا
وتعرتْ عن طرير خضِلٍ يفتأ نضرا
سلْ هزارَ الحقل من أنبتَهُ وردا وزهرا
وسلِ الوردةَ من أودَعَها طيباً ونشرا
تنظرِ الروحَ وتسمعْ بين أعماقِكَ أمرا

* * *

الوجودُ الحقُّ ما أوسع في النفس مداهْ
والكونُ المحضُ ما أوثق بالروح عُراهُ
كلُّ ما في الكون يمشي في حناياه الإلهْ
هذه النملة في رقتها رجعُ صداهْ
هو يحيا في حواشيها وتحيا في ثراهْ
وهي إن أسلمتِ الروحَ تلقّتْها يداهْ
لم تمت فيها حياةُ اللهِ إن كنْتَ تراهْ

* * *

أنا وحدي كنت استجلي من العالَمِ همسَهْ
اسمع الخطرة في الذر وأستبطنُ حسَّهْ
واضطرابُ النور في خفْقتِهِ أسمعُ جرسَهْ
وأرى عيدَ فتى الوردِ واستقبلُ عرسَهْ
وانفعالُ الكرمِ في فقعتِهِ أشهدُ غرسَهْ
ربِّ سبحانَك! إن الكونَ لا يقدر نفسَهْ
صغْتَ من نارِكَ جِنِّيَّهُ ومن نورِك إنْسَهْ

* * *

ربِّ في الإشراقةِ الأولى على طينة آدمْ
أممٌ تزخرُ في الغيبِ وفي الطينة عالَمْ
ونفوسٌ تزحم الماءَ وأرواحٌ تحاومْ
سبَّحَ الخلقُ وسبّحْتُ وآمنْتُ وآمنْ
وتسللْتُ من الغيبِ وآذنْتُ وآذنْ
ومشى الدهرُ دراكا ربذ الخطو إلى منْ...?

* * *

في تجلياتك الكبرى وفي مظهر ذاتِكَ
والجلا الزاخر الفياضُ من بعض صفاتِكْ
والحنانُ المشرقُ الوضاحُ من فيضِ حياتكْ
والكمالُ الأعظم الأعلى وأسمى سبحاتكْ
قد تعبدتُكَ زُلفى ذائداً عن حُرماتِكْ
فَنِيتْ نفسي وأفرغْتُ بها في صلواتِكْ

* * *

ثم ماذا جد من بعد خلوصي وصفائي
أظلمت روحي ما عدت أري ما أنا راء
أيهذا العثير الغائم في صحو سمائي
للمنايا السود آمالي وللموت رجائي
آه يا موت آه يا يوم قضائي
قف تزود أيها الجبارمن زادي ومائي
واقترب إن فؤادي مثقل بالبرحاء

***

يا نعيما مشرف الصفحة يساقط دوني
نضرت في قربه نفسي وزايلت غضوني
فمشت قائلة الشك إلي فجر يقيني
قضت اللذة فاسترجعها لمح ظنوني
واسترد النعمة الكبري من الدهر حنيني
من تري استأثر باللذة واستبقي جنوني؟

***

أذني لا ينفد اليوم بها غير العويل
نظري يقصر عن كل دقيق وجليل
غاب عن نفسي إشراقك والفجر الجميل
واستحال الماء فاستحجر في كل مسيل
رجع اللحن الي أتاره بعد قليل
واختفي بين ظلام المزهر الكل العليل

========

السحر فيكَ وَفيكَ مِن أَسبابه
التجاني يوسف بشير

السحر فيكَ وَفيكَ مِن أَسبابه = دَعة المدل بِعَبقري شَبابه
يا مَعهدي وَمَحط عَهد صِباي = مِن دار تَطرُق عَن شَباب نابه
قسم البَقاء إِلَيكَ في أَقداره = مَن شادَ مَجدك في قَديم كِتابه
وَأَفاضَ فيكَ مِن الهَدي آياته = وَمِن الهَوى وَالسحر ملء نِصابه
اليَوم يَدفَعُني الحَنين فَأَنثنى = وَلهان مُضطَرِبا إِلى أَعتابِهِ
سَبق الهَوى عَيني في مِضماره = وَجَرى وَأَجفَل خاطِري مِن بابة
وَدَعت غَض صِباي تَحتَ ظِلاله = وَدَفنت بيض سني في مِحرابه
وَلَقيت مِن عنت الزيود مَشاكِلاً = وَبَكيت مِن عمرو وَمِن أَعرابه
نَضرت فَجرسني مِن أَندائِهِ = وَاِشتَرَت ملء يَديء مِن أَعنابِهِ
رَفع الشَباب إِلَيكَ مِن أَقلامِهِ = عَمدا مركزة عَلى آدابِهِ
وَتَسابَقوا لِلمَجد فيكَ وَكُلنا = علق بِحَق المَجد مِن طُلابه
حَتّى يَكون المَجد وَهُوَ مصوح= في الأَرض مُنقَلب عَلى أَعقابه
صُوراً مُوَثَقة العَرى في ناشيء = حدث مُصورة عَلى أَعصابِهِ
وَالمَجد أَجدَر بِالشَباب وَأَنما = لِلناس موجدة عَلى أَصحابه
هُوَ مَعهَدي وَلَئن حَفظت صَنيعه = فَأَنا اِبن سرحته الَّذي غَنى بِهِ
فَأَعيذ ناشئة التُقى أَن يرجفوا = بِفَتى يَمت إِلَيهِ في احسابه
ما زِلت أَكبَر في الشَباب وَأَغتَدي = وَأَروح بَينَ بخ وَيا مَرحى بِهِ
حَتّى رَميت وَلَستُ أَول كَوكَب = نَفس الزَمان عَلَيهِ فَضل شِهابه
قالوا وَارجفت النُفوس وَأَوجفت = هَلَعاً وَهاجَ وَماجَ قُسور غابه
كفر اِبن يوسف مِن شَقي وَأَعتَدي = وَبَغى وَلَستُ بِعابئ أَو آبه
وَلَو ان فَوق المَوت مِن مُتلمس = لِلمَرء مد إِلَي مِن أَسبابه

==========

عَجيب أَنتَ يا قَلبي فَكَم ذا
التجاني يوسف بشير

عَجيب أَنتَ يا قَلبي فَكَم ذا = يَهيب بِكَ الجَماك وَتَستَجيب
يَظَل بِكَ الهَوى فَرَحاً وَتَبكي = فَتَشرب مِن مَدامعك القُلوب
تَرود بِكَ الصَبابة كُل يَوم = مجاهل كل آهلها غَريب
وَجَنَ بِكَ الهَوى فَهُنا غَرير = عَلقت بِهِ وَمِن هُنّا حَبيب
وَتِلكَ وَفي مَعاصمها سِوار = وَذاكَ في تَرائِبِهِ صَليب
يَرف عَلَيهِ مِن بَظَر وَنَعمى = مَعالم كُلَها أَرَج وَطيب
وَفي عَينيهِ مُستَذرى وَمَأوى = لِروحي وَهِيَ هائِمَة حَريب
أَصد بِفعل سِحرَهما اللَيالي = فَيَمنَع جانِبي السحر الرَهيب
وَبَينَ يَديهِ يَنبوع وَعِندي = كُؤوس هَوى وَفي شَفَتَيهِ كُوب
تَفرعني الهَوى فَلِكُل عَين = تَمُر عَلَيّ في الدُنيا نَصيب


التجاني يوسف بشيــــر.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى