ديوان الغائبين أحمد توفيق البرطباطي - مصر - 1896 - 1922م

أحمد توفيق عبداللطيف البرطباطي.
ولد في قرية برطباط (محافظة المنيا - وسط الصعيد) وتوفي فيها وهو في ريعان شبابه.
التحق بمدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بمدينة بني مزار، ونال منها شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، ثم انتقل إلى القاهرة فالتحق بالمدرسة السعيدية الثانوية، وحصل منها على شهادة البكالوريا (1918)، غير أنه لم يواصل دراسته لمرض عضال ألمَّ به.
عمل بإدارة أملاك والده الزراعية.

العذّال والحبّ

أزف البينُ واستطار الرَّجاءُ = ليت شعري يا قلبُ كيف النَّجاءُ
أيها اللائمون ما ذقتمُ الحُبْـ = ـبَ، وأنتم بكنههِ جُهَلاء
ما كفى بَعْدُ ما حملتُ من الدا = ءِ، فأرضى بعذلكمْ وهو داء
انصروني على الهوى أو دعوني = يرتمي بي القضاءُ كيف يشاء
أَزَعَمتم بأنكم فصحاءُ = أنا منكم وإن زعمتم بَراء
أيُّ ذنبٍ ذنبُ الدخيلِ فؤادي = وعيوني جميعُها الغرماء
ملكَتْهُ مرعًى خصيبًا هنيئًا = يرتع الرّيمُ فيه كيف يشاء
قد تضرُّ الفتى جوارحه فالسْـ = ـسَمعُ والقلبُ بعضُها إيذاء
كم جليلٍ هَوى لنظرةِ عينٍ = وذكيٍّ أبلى قُواهُ الذكاء
إن في بعض ما نحبُّ لَهُلْكًا = والذي خِلْتَهُ رجاءً عَناء

***

ضـــاع الرجــــاء

ضاع الرَّجاءُ فكن بحيثُ رجائي = واحملْ على حسن الوفاءِ وفائي
إن خان خِلٌّ أو تغيَّر صاحبٌ = فأنا الحرِيُّ بحفظ عهد إخائي
أرسلتُ قلبي فهو عندك حاضرٌ = وبَعُدتُ حتى ما أبينُ لرائي
خوفًا عليَّ من العيون يواقظًا = من أن تُخَدِّشَ عفَّتي وولائي
وإذا رآني الدهرُ وهو مناوئي = ومُناصِبي الأيامَ طولَ عدائي
ما بين أولادٍ له وبناتِه = أغرى البناتِ وصاح في الأبناء
فبَعُدْتُ عن أبنائه متحاميًا = أخواتِهم ومُجانِبَ الإيذاء
والمرءُ فيما بينه نسَبٌ وما = بين اْخْته مِن جامع الآباء
أخفيتُ وجهي عنه لا عن فِتيةٍ = فُضَلاءَ مثلِكَ غايةَ الفُضَلاء
يسري فيفعل فضلُهم بحبيسهم = ما يفعل المصباح في الظلماء
فهجرتُ هذا الناسَ لا عن رغبةٍ = في الهجر لكن كي أصونَ حيائي
أنا في الحقيقة من بقيّةِ مَعْشَرٍ = قاسوا الأمورَ بحكمةٍ ودهاء
قِسْتُ الأمورَ وسُسْتُها ببصيرةٍ = نظرَتْ بها عيني إلى نُظَرائي
وطرحتُ أهواء الزمان ورَيْبَه = كي لا أُسَبَّ بخُلَّةِ الأهواء
إلا هوى في نفس كل أخي حِجًا = تدلي حبائله ذرا العلياء

***

عـــــاذلي

عاذلي مكَّنَتْكَ منِّيَ نفسٌ = عَقَّها الدّهرُ واستباها الحياءُ
قد تجاوَزْتَ في ملامك حَدّاً = والدَّوا قد يكون منه الداء
أيُّ لومٍ على قرين حِجًا يَرْ = نو لِـمَا لا تنالُه القُرَناء
ما عليها سوى المعالي أميرٌ = ولها أنفُسُ الكرام إماء
نفسُ حُرٍّ لم يثنها عن ذُرا المجـ = ـدِ صعابٌ ولم يَعُقْها عَناء
عَهِدَتْ ألُفَةَ التوَجُّعِ لا تَشْـ = ـجَى لخطبٍ يضيق عنه الفضاء
ما تُراني أسعى فأُجهِدُ نفسي = ومن الخطب مدلهمٌّ عَياء
أبدًا أقطع الليالي بفكرٍ = يقطع الهمَّ عزمُه والمضاء
وكأن الليلَ الطويلَ أمانِيْـ = ـيَ فما أن يَبينَ منها رجاء
طال حتى ملَلْتُه وأرى أنْ = ليس تنجابُ هذه الظلماء
وكأنَّ الهلال فيه حبيبٌ = طال منه دون الحبِيب الثَّواء
فمضى يذرف الدموع فذي الأنْـ = ـجُمُ دمعٌ تُقِلُّه الزرْقاء
ودموعي بمقلتَيَّ جَوارٍ = ولكم قَرَّحَ العيونَ بكاء
هذه توقظ النفوس من اليأ = سِ، وهذي في مثلها البأساء
خفيتْ حكمه الإله عن الخَلْـ = ـقِ فكلٌّ بعلمها أدعياء
كلّهم يزعم الحقيقة ما يعـ = ـلمَ اللّه، ما يكنّ الخفاء
فلسألنْ ساكنَ المعرّة هل ضا = قتْ عليه بجمعها الغبراء
أيُّ شيءٍ قضى القضاء عليه = وهو شيخٌ يحار فيه القضاء
سعد المرء لا يقرّ بعيشٍ = وحياةٍ مصيرها الانقضاء
لا يغرَّنْكَ ما ترى في رجالٍ = من ثرآء يضيق عنه الفضاء
قد ينال العلاء فيها أخو الفَقْـ = ـرِ ويُزري بأهله الإثرآء
إنما المجد هبّة من سُباتٍ = هو للمجد والأمانيَ داء
وأراني قضيتُ عشرًا وتسعًا = كلُّ حظي في كلهنَّ العناء

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى