ديوان الغائبين إبراهيم عبدالعاطي - السودان - 1905 - 1935

ابراهيم محمد عبد العاطي .
ولد في بلدة كركوج (ولاية الجزيرة - السودان)، وبها توفي .
درس في مراحله الأولى بالسودان، ثم سافر إلى مصر، وفي القاهرة التحق بالمعهد الديني( الأزهر) وأتم المرحلة الثانوية.
استقر بالقاهرة، وعمل بالصحافة.

الإنتاج الشعري:
- له ديوان «الراووق» القاهرة 1934
في تقديم ديوانه شبه محمد عثمان جلال شعره بشعر البهاء زهير في كثير من جوانبه، وإن كان بحاجة إلى مزيد من التجويد والتجربة.
في شعره رصانة، ويميل أحياناً إلى غريب اللغة، لتأثره بالشعر العربي القديم، وقد كانت له آراء مختلفة، قد توصف في زمانها بالجرأة، فلم يكن يرى في شعر العقاد ما يبرر اعتراف طه حسين له بإمارة الشعر، بعد رحيل شوقي.

مصادر الدراسة:
- حسين منصور: مقدمة ديوان الشاطئ الصخري - القاهرة 1939.

يوم الوداع

لقـد سلـب النـوى مـنى انـتفـاعـي وأجهَدنـي الـبُكـا يـوم الـــــــــوداعِ
وفـي يـوم الرحـيلِ فقـــــدتُ رُشدي وكـدتُ أذوب مـــــــــــــــن فَرْط النزاع
سئمتُ مضـاجعـي وهجـرتُ نـومـي أبـيـتُ اللـيلَ أنجـمَه أراعـــــــــــــي
ونَقّبتُ الـبـلادَ عـلى وَفــــــــــــــــيٍّ أخـي خُلقٍ كريـمٍ ذي اندفـــــــــــــــاع
إذا اشـتدّ الزمـانُ عـلـيَّ يـومــــــــــاً تَألّمَ لـي ونـاح مع النـواعـــــــــــــي
فـمـا ألفـيـتُ غـيرَ صِحـابِ ســـــــــــوءٍ ذوي حسدٍ تَربَّوا بــــــــــــــــــالخداع
رأوا أدبـي وإقـدامـي وصِدقـــــــــــــي رمَونـي بـالخلاعة والـتداعـــــــــــــي
إذا مـا قـمتُ أرشدهـم بعـلـمـــــــــــي وآدابـي الجـديرةِ بـالسمــــــــــــــاع
تـراهـم يـنظرون إلـــــــــــــــيَّ شَزْراً فـيُخجلهـم قـريضـي واطّلاعــــــــــــــي
وقـالـوا لـيس إبراهـيــــــــــــمُ أهلاً ولسنـا للخلـيل ذوي انصـيـــــــــــــاع
وأنّا نحن أحسنُ مـنه ديـنـــــــــــــــاً ورأيـاً فـي مـجـال الاجتـمــــــــــــاع
وعـابـونـي ولـم أَرَ فـيَّ عـيبـــاً سـوى أنـي إلى الـمـجـد انـتزاعــــــــي
تـرى سِيـمـا الـذَّكـا تبـدو بـوجهـــــــي تلـوح بـه كقُضبـان الشُّعـــــــــــاع
ولـي هِممٌ لهـا الجَوْزا مكــــــــــــــانٌ وحَظّي جـاء مـلـتصقـاً بقـــــــــــــاع
كأنَّ الـدهـرَ يـطلـبنــــــــــــــي بثأرٍ يُجـرّعـنـي بـه سمَّ الأفـاعــــــــــــــي
فـمـا صدم النـوى مـثلـي كريـمـــاً وأسلـمـنـي الزمـانُ إلى الرعــــــــــاع
زمـانٌ مـا لقـيـتُ بـه ســـــروراً سـوى الـمحنِ الـتـي بتـرتْ ذراعـــــــــي
وأنـي أشــــــــــــــــــــرئبُّ لكلّ فضلٍ ولـم يـقْصر عـن العـلـيـاء بـاعــــــــي
وأدعـو للعُلا حـرصـاً عـلـيـهـــــــــــا ولـم أعثر عـــــــــــــــلى رجل القِراع
ومـا صدّ النفـوسَ سـوى أنــــــــــــــاسٍ بِعـادٍ عـن مـيـاديـن الـدفـــــــــاع
كفى الإنسـانَ فـي الـدنـيـا احتقـــــارٌ: إذا مـا عُدَّ مـن سَقَط الـمتــــــاع
ضعفْنـا قـوّةً جُبنـاً وصــــــــــــــــارت رجـالُ الغربِ تـرمح بـالـبقــــــــــــاع

****

وفــــــاء

شُغِلَ الفؤادُ بحـبّ ذاتِ الخـالِ = فغدوتُ مـن وَلَهـي كشَنٍّ بـالــــــــــــــي
ودعـا الهـوى قـلـبـي فـمـال مع الهـوى = يـا شَدَّ مـا ألقى مـن الأهوال
فـارقتُهـا كرهـاً ولستُ ولـم أكــــــــــنْ = بعـد الفراقِ وطـوله بـالســــــــــال
لـم أنسَ يـومَ الـبـيـنِ أقـوالَ الـتـــــي = غادرتُهـا بـيـن القنــــــــــــا والضّال
يـا ظاعـنـاً يبـغـي النـوى ويروعـنـي = إن غبتَ عـنـي لـم تغبْ عـن بـالـي
أخذتْ تُودّعـنـي ودمعُ العـيـنِ مـن = آمـاقهـا يجـري عـلى أذيـالــــــــــــي
وأتتْ تعـاتبنـي النسـاءُ وأســرفتْ = وأبـي تَوعّدنـي عـلى تَرحـالـــــــــــــي
أمّي وأختـي تبكـيـان لــــــــــــــواحدٍ = حَذَرَ الفراقِ وصحــــــــــــبةِ الأوغال
فأذاب دمعُ الـبـاكـيـاتِ حُشـاشـتـي = يـومَ النـوى وتقطّعتْ أوصـالــــــــي
لـم يثنِ دمعهـمُ الغزيرُ عزيـمتــي = وتـركتُهـم فـي الـحـزن والإعـــــــــوال
وعـلـوتُ ظهـرَ مَطـيّتـي وغمزتُهـــــــــــا = ــــــــــــــــوالغمزُ يُفزع هِمّةَ ال
وقطعتُ قفرَ الـبـيـدِ لا لسوى العُلا = إذ لا يؤمّ سـوى العـلا أمـثـالـــــــــي
فأنختُ ثَمَّ مطـيّتـي لـيلاً وقـــــــــــــد = أنزلـتُ بـيـن الأكرمـيـن رِحـالـــــي
فـوجـدتُ أهلاً يسهـرون لعِلّتــــــي = حتى نسـيـتُ بـهـــــــــم كرامَ الآل
نعـمَ الرفـاقُ ونعـم مـن نـادمتُ من = أهلِ الـذكـاءِ ذوي الـوفـاءِ الغالـــي
جَرّبتُهـم فـوجـــدتُ كلَّ سُمَيْدعٍ = ثَبْت الجَنـانِ إذا دعــــــــــــــوتُ نَزال
أكْرِمْ بـهـم مـن فتـيةٍ آبـاؤهــم = شَرُفـوا وطـابت دوحةُ الأخـــــــــــــوال
بُرآءُ مـا للـحقـد مـنهـم مـــــــــــوضعٌ = والـحقـدُ بئسَ خلـيـــــــقةُ الأنذال
قَضّيـتُ شطرَ العـمـرِ بـيـن رحـابـهم = فبـهـم بـلغتُ نهـايةَ الآمـــــــــــــال
وأمـنـتُ لـمّا أنْ ظفرتُ بـهــــــــــم كذ = غدرَ الزمـانِ وحـيرة الإقـــــــــــــلال
وإذا دعـوتُهـمُ لـيـوم كريـــــــــــــهةٍ = طـاروا لهـا برويّةٍ فـي الـحـــــــــــال
يـا إخـوتـي للّهِ دَرُّكُمُ لقـــــــــــــــد = شـاهدتُ فـيكـم هِمّةَ الأبطــــــــــــــال
أجزلـتُمُ بـالـبِرِّ والإحسـان فـــــي = زمـنٍ يضنّ بـه ذوو الآبــــــــــــــــال
قَدّمتـمُ للـمـجـد خـيرَ نفـيسكــــم = وقـرنـتُمُ الأقـوالَ بـالأفعــــــــــــال
أثقـلـتُمُ ظهـري بصُنْع جـمـيلكـــم = وستـرتـمـو مـا سـاء مـن أحـوالــــــــي
مـا كـنـتُ ذا عُسْرٍ ولكـن رُمتـــــمُ = أن تُبصروا شخـصـي أخـا أمــــــــــــوال
يـا سـادتـي رفقـاً فإنّ أسـيركــــــــــم = بـالـبِرّ راح ضحـيّةَ الأثقــــــــــــــال
أبنـاءَ جنسـي إننـي لــــــــــــــولاكُم = مـا كـنـتُ ذا عـلـمٍ ولا ذا بــــــــــال
لا بل ولا كنتُ المهـذّبَ فـي الورى = فـيكم سموتُ على الأديب «القـالي»
إنّي لأحـمدكـم وأشكر فـيكــــــــــــــمُ = عطفَ الرؤومِ وجـرأةَ الرئبــــــــــــــال
ولئن سلِمْتـم لـي فلـم أحفل ببـا = قِي النـاسِ مـا وُجِدوا ولستُ أبـالــي
رضـيَ الإلهُ صنـيعَكـم يـا إخـوتـي = وأثـابكـم عـنّي عـلى الأفضــــــــــــال
مـا دمتُ فـي قـيـد الـحـيـاة إلـيكـــــمُ = مـنّي الثنـاءَ إلى انقضـا الآجـــــــال
ولأوصـيـنّ بشكركـم بعـدي عــــــــــــلى = مَرِّ الـدهـورِ بقـيّةَ الأنجـــــــــــــال
وبقـيـتـمُ فـي رَغْد عـيشٍ لا تــــــــــرى = سـاحـاتُكـم أبـداً عَنـا الإمحـــــال
يـختـال قطرٌ يـهتدي بـهداكــــــمُ = ويظلّ فـي عِزٍّ وفـي استقـــــــــــــــلال
واللهَ أسأل أن يُنـيل جـمـيعَكـــم = فـي الصـالـحـات سـريعَ نُجحٍ عـالـــي
وحـبـاكـمُ الصدرَ الـمقـدّمَ كلَّكـم = مـا إن يُرى فـي شعبكـم مـا تـالــــــــي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى