كاهنة عباس - ما الأدب ؟

الادب هو مكمن الدمع والسر والبوح والقول، لما لا يرى ولا يدرك ، تحيلنا عبارته حسب ما جاء بلسان العرب الى معنى الدعوة الى مأدبة ، أي الى معاني الكرم وحسن الضيافة والاحتفاء بالاخر، وهوما يجرنا الى معادلة غريبة عجيبة، تتمثل في البوح بأسرار النفس وخفاياها لكن دون تجاوز المحظور اجتماعيا ؟ أولا يشترط تحقيق هذين الهدفين ، أن يكون كل كاتب مصابا بالعصاب لانه سيسعى (شاء أم أبى) الى خرق قواعد لغة تعتبر مقدسة واحترامها شكلا ومضمونا في الان نفسه ، للتواصل مع المتلقى ؟
لا بد لنا إذا ،من اتباع هذين المسارين لفهم الادب العربي : التوق الى التحرر بقتل الاب رمزيا ومعنويا لتوليد معان جديدة تعترف بالانسان كقيمة ، و الاحتكام الى التراث بوصفه المرجع والمصدر والذاكرة الذي يعتبر الانسان عبدا لحاكمه وسلطانه وإلهه .
الادب هو ممارسة شبيهة بتلك المرآة التي تعكس أسرارنا ،كل ما نخفيه من وجدان وصراعات وتناقضات وخير وشر وأفكار ووعي وخيال وحلم وانتظارات وتساؤلات، إنه الحكايات التي تروي مسيرتنا المتعثرة والكامنة في أعماقنا كي تخرج الى الدنيا واضحة المعالم.
هو القول الذي يصف إنسانيتنا المكتومة ، دون استعمال اللغة المألوفة ،تلك التي لا تعترف بما هو ذاتي وخاص ، لذلك كان الادب أفقا جديدا لا يكتفي بالمتداول ولا الشائع في القول بل يلتجأ الى خلق لغة أخرى لوصف ما تختلج به نفوسنا من عواطف وانفعالات وتصورات تكشف لنا خفايا الواقع.
إنه ذلك الوطن البعيد القريب من التخييل المتوقع الحدوث ، التخييل الذي نحياه والذي ما انفك يرمي بوشاحه على العالم من حولنا حتى نستأنسه فيصبح أقل غربة عنا.
الادب إذا عالم الوهم والحلم والممكن والواقع والمتخيل والمباح والمكتوم والمحظور ، عالم ألف ليلة وليلة ، عالم اللذة والشهوة والغربة والفشل والحيرة والتساؤل ، عالم الجميل والقبيح ، إنه ذلك الصندوق المغلق الذي يحتوي على غرائب العالم وعجائبه بكل ما يمكن أن يصدق وأن لا يصدق .
لذلك لا بد أن نعيد النظر في تعريفه ،حتى لا يقتصر على الانشاء والحكي أن تكون مهمته إنجاز البيان والتبيين أو صياغة نص بمحسناته بديعية وسجعه بل الذهاب باللغة الى ما هو أبعد منها، الى مالا تستطيع تراكيبها القديمة منها والحديثة أن تحويه.
لا بد أن تتكلم لغة الاخر بنفس أوصافها وعباراتها ونعوتها لكي يدرك كل منا ما يقوله الطرف الاخر وهو ما يجعل بعض اللغات تستمر على امتداد القرون بنفس القواعد والتراكيب حتى لا نفقد سلسلة الوقائع والاحداث ومجريات التاريخ التي مرت عليها لكن الحديث عن النفس أو عما نراه أو نعيشه أو نرويه يتطلب تحويرا وتصرفا في علاقة الدال بالمدلول أي تصور آخر للعالم ولغة مخالفة للمعهود في القول كما في التعبير.

تعليقات

الأستـاذة/ كـاهنة عـباس

مقـالة تفتأ تقول ما يجب قوله في ماهية الأدب.
ولقد جـاءت ممسكة بالأصل ورائية لحضور الزمن المخالف.. نظرة للغة وعدم الإشفاق عليها وهي تناضل من أجل بنى جديدة وتلمس رؤية تمتلك ناصية محدثة تفلق المعنى بجديتها وجديدها.
راقت لي المقالة .
تحاياي.
الكاتب/ السعيد رابطي/الجزائر
 
الى الكاتب السيد السعيد مرابطي :
أسعدني مرورك الكريم وما كتبته حول هذا النص المقتضب ،الذي يندرج ضمن سلسلة من المقالات، بدأت بالتساؤل حول إمكانية التفكير باللغة العربية ( المنشور بهذا الموقع ) لكي لا تقتصر مهمتها على النقل والتحليل والاستنتاج، فتصبح قادرة على إنتاج المعنى .
وهو طموح ، يسعى الى تحقيقه الكاتب والمتلقي ، ومحاولة ضمن محاولات عديدة أخرى لارساء رؤية وأفق أخرى للابداع .
ولاشك أن قراءتك أضافت للنص مساحات ونوافذ أخرى بنفس التكثيف المقتضب لعمقها وثرائها .
مع مودتي واحترامي .
كاهنة عباس .
 
أعلى