قصة ايروتيكة ألف ليلة وليلة - حكاية قمر الزمان مع معشوقته

ومما يحكى أيضاً أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان رجلٌ تاجرٌ اسمه عبد الرحمن قد رزقه الله بنتاً وولداً فسمى البنت كوكب الصباح لشدة حسنها وجمالها وسمى الولد قمر الزمان لشدة حسنه ، ولما نظر ما أعطاهما الله من الحسن والجمال والبهاء والاعتدال خاف عليهما من أعين الناظرين وألسنة الحاسدين ومكر الماكرين وتحيل الفاسقين فحجبهما عن الناس في قصرٍ مدة أربعة عشر سنةً ، ولم يرهما أحدٌ غير والديهما وجاريةٌ تتعاطى خدمتهما، وكان والدهما يقرأ القرآن كما أنزله الله ، وكذلك أمهما تقرأ القرآن ، فصارت الأم تقرئ ابنتها والرجل يقرئ ولده حتى حفظا القرآن وتعلما الخط والحساب والفنون والآداب من والديهما ولم يحتاجا إلى معلمٍ ، فلما بلغ الولد مبلغ الرجال قالت المرأة لزوجها التاجر: إلى متى وأنت حاجب ولدك قمر الزمان عن أعين الناس؟ أهو بنتٌ أم غلامٌ؟ فقال لها: غلامٌ، قالت: حيث كان غلاماً لم لا تأخذه معك إلى السوق وتقعده في الدكان حتى يعرف الناس ويعرفوه لأجل أن يشتهر عندهم أنه ابنك وتعلمه البيع والشراء وربما يحصل لك أمر فيكون الناس قد عرفوا أنه ولدك فيضم يده على مخلفاتك ، وأما إذا مت على هذه الحالة وقال للناس أنا ابن التاجر عبد الرحمن فأنهم لا يصدقونه بل يقولون: ما رأيناك ولا نعرف أن له ولداً وتأخذ أموالك الحكام ويصير ولدك محروماً وكذلك البنت ، مرادي أن أشهرها عند الناس لعل أحداً يكون كفؤاً لها يخطبها فنزوجها له ونفرح بها فقال لها: إنما فعلت ذلك مخافةً عليهما من أعين الناس.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة والستين بعد التسعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن زوجة التاجر لما قالت له ذلك الكلام قال لها: إنما فعلت ذلك مخافةً عليهما من أعين الناس لأني محبٌ لهما والمحب شديد الغيرات وقد أحسن قول من قال هذه الأبيات:

أغار عليك من نظري ومني = ومنك ومن مكانك والزمان
ولو أني وضعتك في عيوني = دوماً ما سئمت من التداني
ولو واصلتني في كـل يومٍ = إلى يوم القيامة ما كفانـي

فقالت له زوجته: توكل على الله ولا بأس على من يحفظه الله وخذه في هذا اليوم معك إلى الدكان ثم أنها ألبسته بدلةً من أفخر الملابس فصار فتنةً للناظرين وحسرةً في قلوب العاشقين وأخذه أبوه معه ومضى به إلى السوق فصار كل من رآه يفتتن به ويتقدم إليه ويبوس يده ويسلم عليه وصار أبوه يشتم الناس حيث يتبعنه لقصد الفرجة وصار البعض من الناس يقول: أن الشمس قد طلعت في المحل الفلاني وأشرقت في السوق ، والبعض يقول: مطلع البدر في الجهة الفلانية والبعض يقول: ظهر هلال العيد على عباد الله وصاروا يلمحون إلى الولد بالكلام ويدعون له وقد حصل لأبيه خجلٌ من كلام الناس ولا يقدر أن يمنع أحداً منهم عن الكلام وصار يشتم أمه ويدعو عليها لأنها هي التي كانت سبباً في خروجه والتفت أبوه فرأى الخلائق مزدحمين عليه خلفه وقدامه وهو ماشٍ إلى أن وصل إلى الدكان ففتح الدكان وجلس وأجلس ولده قدامه والتفت إلى الناس فرآهم قد سدوا الطريق وصار كل من مر به من رائحٍ وغادٍ يقف قدام الدكان وينظر إلى ذاك الوجه الجميل ولا يقدر أن يفارقه وانعقد عليه اجماع النساء والرجال متمثلين بقول من قال:

خلقت الجمال لنا فـتـنةً = وقلت لنا يا عبدي أتقون
وأنت جميلٌ تحب الجمال = فكيف عبادك لا يعشقون

فلما رأى التاجر عبد الرحمن الناس مزدحمين عليه وواقفين صفوفاً نساءً ورجالاً لديه شاخصين لولده خجل غاية الخجل وصار متحيراً في أمره ولم يدر ماذا يصنع فلم يشعر إلا ورجلٌ درويشٌ من السياحين وعليه شعار عباد الله الصالحين وقد أقبل عليه من طرف الشوق ثم تقدم إليه التاجر وصار ينشد الأشعار ويرخي الدموع الغزار فلما رأى قمر الزمان كأنه قضيب البان نابتٌ على قضيبٍ من الزعفران أفاض دمع العين وأنشد هذين البيتين:

رأيت غصناً على كئيب = شبيه بـدرٍ إذا تـلألأ
فقلت ما الاسم قال لولو = فقلت لي لي فقال لا لا

ثم أن الدرويش صار يمشي الهوينا ويمسح شيبته بيده اليمنى فانشق لهيبته قلب الزحام، فلما نظر إلى الغلام اندهش منه العقل والنظر وانطبق عليه قول الشاعر:

فبينما ذاك المليح فـي مـحـلٍ = من وجهه هلال عيد الفطر هل
إذا بشيخٍ ذي وقـار قـد أهـل = معتمداً في مشيه على مـهـل
يرى عـلـيه أثـر الـزهـد
قد مارس الأيام والليالي = وخاض في الحرام والـحـلال
وهام بالـنـسـاء والـرجـال = ورق حتى صار كـالـحـلال
وعاد عظماً بالباقـي جـلـد
وكان في ذا الفن مغربياً = الشـيخ عـنـده يرى صـبـيا
وفي محبة الـنـسـاء عـذرياً = في الخصلتين مـاهـراً عـويا
فزينـب لـديه مـثــل زيد
يهيم بالحسنا ويهوى الحسنا = ويندب الربع ويبكي الـدمـنـا
تخاله من فرط شوقٍ غصـنـا = مع الصبا إلى هناك أو هـنـا
إن الجمود من طباع الصـلـد
وكان في فن الهوى خبيراً = مستيقظاً في أمـره بـصـيرا
وجاب منه السهل والعـسـيرا = وعانق الظـبـية والـغـريرا
وهام بالشيب معاً والـمـراد

ثم تقدم إلى الولد وأعطاه عرق ريحانٍ فمد أبوه يده إلى جيبه وأخرج له ما تيسر من الدراهم وقال: خذ نصيبك يا درويش واذهب إلى حال سبيلك فأخذ منه الدرويش الدراهم وجلس على مصطبة الدكان قدام الولد وصار ينظر إليه ويبكي ويتحسر حسراتٍ متتابعةٍ ودموعه كالعيون النابعة فصارت الناس تنظر إليه وتعترض عليه وبعضهم يقول: كل الدراويش فساق وبعضهم يقول: أن الدرويش في قلبه من عشق الولد احتراق، وأما أبوه فأنه لما عاين هذا الحال قام وقال: قم يا ولدي حتى نقفل الدكان ونروح إلى بيتنا ولا ينبغي لنا في هذا اليوم بيعٌ ولا شراءٌ الله تعالى يجازي أمك بما فعلت معنا فأنها هي التي تسببت في هذا كله، ثم قال: يا درويش قم حتى أقفل الدكان، فقام الدرويش وقفل التاجر دكانه وأخذ ولده ومشى فتبعهما الدرويش والناس إلى أن وصلا إلى منزلهما فدخل الولد المنزل والتفت التاجر إلى درويش وقال له: ما تريد يا درويش؟ وما لي أراك تبكي؟ فقال: يا سيدي أريد أن أكون ضيفك في هذه الليلة والضيف ضيف الله تعالى فقال التاجر: مرحباً بضيف الله ادخل يا درويش.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والستين بعد التسعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الدرويش لما قال للتاجر والد قمر الزمان: أنا ضيف الله قال التاجر: مرحباً بضيف الله، أدخل يا درويش وقال التاجر في نفسه: إذا كان هذا الدرويش عاشقاً للولد وطلب منه فاحشةً فلا بد أن أقتله في هذه الليلة وأخفي قبره وأن كان ما عنده فسادٌ فإن الضيف يأكل نصيبه. ثم أنه أدخل الدرويش هو وقمر الزمان قاعةً وقال لابنه قمر الزمان: سر يا ولدي واجلس بجانب الدرويش وناغشه ولاعبه بعد أن أخرج من عندكما فأن طلب منك فساداً فأنا أكون ناظراً لكما من الطاقة المطلة على القاعة فأنزل إليه وأقتله، ثم أن الولد لما اختلى به درويش في تلك القاعة وقعد بجانبه فصار الدرويش ينظر إليه ويتحسن ويبكي وإذا كلمه الولد يرد عليه برفقٍ وهو يرتعش ويلتفت إلى الولد ويتنهد ويبكي إلى أن أتى العشاء فصار يأكل وعينه على الولد ولا يفتر عن البكاء فلما مضى ربع الليل وفرغ الحديث وجاء وقت النوم قال أبو الولد: يا ولدي تقيد بخدمة عمك الدرويش ولا تخالفه وأراد أن يخرج فقال له الدرويش: يا سيدي خذ ولدك معك أو نم عندنا، قال: لا ها هو ولدي نائماً عندك ربما تشتهي نفسك شيئاً فولدي يقضي حاجتك ويقوم بخدمتك، ثم خرج وخلاهما وقعد في قاعةٍ ثانيةٍ فيها طاقةٌ تطل على القاعة التي هما فيها هذا ما كان من أمر التاجر.

وأما ما كان من أمر الولد فأنه تقدم إلى الدرويش وصار يناغشه ويعرض عليه نفسه فاغتاظ الدرويش وقال له: ما هذا الكلام يا ولدي؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم اللهم أن هذا منكراً لا يرضيك أبعد عني يا ولدي ثم قام الدرويش من مكانه وقعد بعيداً عن الولد فتبعه الولد ورمى روحه عليه وقال له: لأي شيءٍ يا درويش تحرم نفسك من لذة وصالي وأنا قلبي يحبك؟ فازداد غيظ الدرويش وقال له: أن لم تمتنع عني ناديت أباك وأخبرته بخبرك فقال له: أن أبي يعرف أنني بهذه الصفة ولا يمكن أن يمنعني ولا جبر بخاطري لأي شيء تمتنع عني أما أعجبتك؟ فقال له: والله يا ولدي ما أفعل ذلك ولو قطعت بالسيوف البواتر وأنشد قول الشاعر:

أن قلبي يهوى الملاح ذكوراً = وأناثاً ولست بالمـتـوانـي
بل أراهم أصائلاً وبـكـوراً = لم أكن لائطاً ولا أنا زانـي

ثم بكى وقال: قم افتح لي الباب حتى أروح إلى سبيلي أنا ما بقيت أنام في هذا المكان ثم قام على قدميه فتعلق به الولد وصار يقول له: انظر لاشراق وجهي وحمرة خدي ولين معاطفي ورقة شفائفي، ثم كشف له عن ساق يخجل الخمر والسلقي ورنا إليه بلحظٍ يعجز السحر والراقي وكان بديع الجمال كثير الدلال كما قال فيه بعض من قال:

لم أنسه مذ قام يكشف عامداً = عن ساقه كاللؤلؤ الـبـراق
لا تعجبوا من أن تقوم قيامتي = إن القيامة يوم كشف الساقي

ثم بين له الغلام صدره وصار يقول له: انظر إلى نهودي فأنها أحسن من نهود البنات وريقي أحلى من السكر النبات فدع الورع والزهادة وخلنا وعليك الأمان من الردى وأترك هذه البلاد فأنها بئست العادة وصار يريه ما خفي من محاسنه ويبديه ويثني عنان عقله والدرويش لم يلتفت إليه ويخفي وجهه ويقول: أعوذ بالله استح يا ولدي أن هذا الشيء حرامٌ لا أفعله ولا في من النسك والعبادة واغتنم وصالي وتمل بجمالي ولا تخف من الشيء أبدا المنام فشدد عليه الغلام فأنفلت الدرويش وأستقبل القبلة وصار يصلي.

فلما رآه تركه حتى صلى ركعتين وسلم وأراد أن يتقدم إليه فنوى الصلاة مرةً ثانيةً وصلى ركعتين ولم يزل يفعل هكذا ثالثاً ورابعاً وخامساً فقال له الولد: وما هذه الصلاة؟ هل مرادك أن تطير إلى السحاب أضعت حظنا وأنت طول الليل في المحراب ثم أن الغلام ارتمى عليه وصار يبوسه بين عينيه فقال له: يا ولدي أخز عنك الشيطان وعليك بطاعة الرحمن فقال له: أن لم تفعل بي ما أريد أنادي أبي وأقول له: أن الدرويش يريد أن يفعل بي الفاحشة فيدخل عليك ويضربك حتى يكسر عظمك على لحمك، كل هذا وأبوه ينظر بعينيه ويسمع بأذنيه فثبت عند أبا الولد أن الدرويش ما عنده فساد وقال في نفسه: لو كان هذا الدرويش مفسداً ما كان يتحمل هذه المشقة كلها. ثم أن الولد صار يحاول الدرويش ولكما نوى الصلاة قطعها عليه حتى اغتاظ الدرويش غاية الغيظ على الولد وضربه فبكى الولد فدخل عليه أبوه ومسح دموعه وأخذ بخاطره وقال للدرويش: يا أخي حيث أنك على هذه الحالة لأي شيءٍ تبكي وتتحسر حين رأيت ولدي؟ فهل لهذا من سبب؟ فقال له الدرويش: نعم أنا لما رأيتك تبكي عند رؤيته ظننت فيك السوء، فأمرت الولد بهذا الأمر حتى أجربك واضمرت أني إذا رأيتك تطلب منه فاحشةً أدخل عليك وأقتلك فلما رأيتك ما وقع منك عرفت أنك من الصلاح على غايةٍ ولكن بالله عليك أن تخبرني بسبب بكائك، فتنهد الدرويش وقال له: يا سيدي لا تحرك علي ساكن الجراح فقال: لا بد أن تخبرني فقال له: اعلم أنني درويشٌ سياحٌ في البلاد والأقطار لاعتبر بآثار خالق الليل والنهار فاتفق أنني دخلت مدينة البصرة في يوم جمعة ضحوة النهار فرأيت الدكاكين مفتوحةً وفيها من سائر الأصناف والبضائع والمأكول والمشروب وهي خاليةٌ ليس فيها رجلٌ ولا امرأةٌ ولا بنتٌ ولا ولدٌ وليس في الشوارع كلابٌ ولا قططٌ ولا حس حسيسٍ ولا أنس أنيسٍ، فتعجبت من ذلك وقلت: يا ترى أين راح أهل هذه المدينة بقططهم وكلابهم؟ وما فعل الله بهم؟ وكنت جائعاً فأخذت عيشاً سخناً من فرن خبازٍ ودخلت دكان زيات وبسست العيش بالسمن والعسل وأكلت وطلعت دكان شرباتٍ فشربت ما أردت، ورأيت القهوة مفتوحةً فدخلتها ورأيت فيها البكارج على النار ممتلئةً بالقهوة، وليس فيها أحدٌ فشربت كفايتي وقلت: أن هذا الشيء عجيبٌ كأن أهل هذه المدينة أتاهم الموت فماتوا كلهم في هذه الساعة أو خافوا من شيءٍ نزل بهم فهربوا وما قدروا أن يقفلوا دكاكينهم.

فبينما أنا أفكر في هذا الأمر وإذا بصوت نوبةٍ تدق فخفت واختفيت حصةً من الزمان، وصرت أنظر من خلال الخروق فرأيت جوارٍ كأنهن الأقمار قد مشين في السوق زوجاً من غير غطاءٍ بل مكشوفات الوجوه ومن أربعون زوجاً بثمانين جاريةٍ ورأيت وليدةً راكبةً على جوادٍ لا يقدر أن ينقل أقدامه مما عليه وعليها من الذهب والفضة والجواهر وتلك الوليدة مكشوفة الوجه من غير غطاءٍ وهي مزينةٌ بأفخر الزينة ولابسةً أفخر الملبوس وفي عنقها عقدٌ من الجوهر وفي صدرها قلائدٌ من الذهب وفي يديها أساورٌ تضيء كالنجوم وفي رجليها خلاخلٌ من الذهب مرصعةٌ بالمعادن والجواري قدامها وخلفها وعن يمينها وشمالها وبين يديها جاريةٌ مقلدةٌ بسيفٍ عظيمٍ قبضته زمردٌ وعلائقه من ذهبٍ مرصعٍ بالجواهر.

فلما وصلت تلك الصبية إلى الجهة التي قدامي حبست عنان الجواد وقالت: يا بناتي قد سمعت حس شيءٍ في داخل الدكان ففتشنه لئلا يكون فيه أحدٌ مستخف ومراده يتفرج علينا ونحن مكشوفات الوجوه ففتشن الدكان الذي قدام القهوة التي أنا مستخفٌ فيها وبقيت أنا خائفاً فرأيتهن قد خرجن برجل وقلن لها: يا سيدتنا قد رأينا هنا رجل وها هو بين يديك فقالت للجارية التي معها السيف: أرمي عنقه فتقدمت إليه الجارية وضربت عنقه، ثم تركته مطروحاً على الأرض ومضين ففزعت أنا لما رأيت هذه الحالة ولكن تعلق قلبي بعشق الصبية وبعد ساعةٍ ظهر الناس وصار كل من له دكان يدخلها ودرجت الناس في الأسواق والتموا على المقتول يتفرجون عليه فخرجت أنا من المكان الذي كنت فيه سراً ولم ينتبه لي أحداً ولكن تمالك قلبي عشق تلك الصبية فصرت أتجسس عليها سراً فلم يخبرني أحدٌ عنها بخبرٍ، ثم أني خرجت من البصرة وفي قلبي من عشقها حسرةٌ فلما رأيت ابنك هذا رأيته أشبه الناس بتلك الصبية فذكرني بها وهيج علي نار الغرام وأضرم لهيب الهيام وهذا سبب بكائي، ثم أنه بكى بكاءً شديداً ما عليه من مزيدٍ وقال له: يا سيدي بالله عليك أن تفتح لي الباب حتى أروح إلى حال سبيلي ففتح له الباب فخرج. هذا ما كان من أمره. وأما ما كان من أمر قمر الزمان فأنه لما سمع كلام الدرويش اشتغل باله بعشق تلك الصبية وتمكن منه الغرام وهاج به الوجد والهيام، فلما أصبح الصباح قال لأبيه: كل أولاد التجار يسافرون البلاد لتحصيل المراد وليس منهم واحدٌ إلا وأبوه يجهز له بضاعةً فيسافر بها ويربح فيها ولاي شيءٍ يا أبي لم تجهز لي تجارة حتى أسافر بها وأنظر سعدي؟ فقال له: يا ولدي أن التجار مقلون من المال فيسفرون أولادهم لأجل الفوائد والمكاسب وجلب الدنيا، وأما أنا فعندي أموالٌ كثيرةٌ وليس عندي طمعٌ فكيف أغربك وأنا لا أقدر على فراقك ساعةً خصوصاً وأنت فريدٌ في الجمال والحسن والكمال، وأخاف عليك فقال له: يا أبي لا يمكن إلا أن تجهز لي متجراً لأسافر به وإلا أغافلك وأهرب ولو كان من غير مالٍ ولا تجارةٍ وأن أردت تطيب خاطري فجهز لي بضاعةً حتى أسافر وأتفرج على بلاد الناس فلما رآه أبوه متعلقاً بالسفر أخبر زوجته بهذا الخبر وقال له: أن ولدك يريد أن أجهز له متجراً ليسافر به إلى بلاد الغربة كربة فقالت له زوجته: ماذا يضرك من ذلك؟ أن هذه عادة أولاد التجار فكلهم يتفاخرون بالأسفار والمكاسب فقال له: إن غالب التجار فقراء يطلبون كثرة الأموال وأما أنا فمالي كثيرٌ فقالت له: زيادة الخير لا تضر وأن كنت أنت لا تسمح له بذلك فأنا أجهز له متجراً من مالي، فقال التاجر: أني أخاف من الغربة لأنها بئست الكربة، قالت: لا بأس بالإغتراب الذي فيه الإكتساب ولا يذهب ولدنا ونطلبه فلا نراه ونفتضح بين الناس فقبل التاجر كلام زوجته وجهز متجراً للولد بتسعين ألف دينارٍ وأعطته أمه كيساً فيه أربعون فصاً من ثمين الجواهر أقل قيمة الواحد خمسمائة دينارٍ، وقالت: يا ولدي احتفظ بالجواهر فأنها تنفعك فأخذ قمر الزمان جميع ذلك وسافر إلى البصرة.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والستين بعد التسعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن قمر الزمان أخذ جميع ذلك وسافر إلى البصرة وكان قد وضع الجواهر في كمرٍ وشده على وسطه ولم يزل مسافراً حتى لم يبق بينه وبين البصرة إلا مرحلةً واحدةً فخرج عليه العرب وعروه وقتلوا رجاله وخدمه فرقد بين قتيلين ولطخ روحه بالدم فظن العرب أنه مقتول فتركوه ولم يتقرب منه أحدٌ، ثم أخذوا أمواله وراحوا فلما راح العرب إلى حال سبيلهم قام قمر الزمان من بين القتلى ومشى وهو لا يملك شيئاً غير الفصوص التي على حزامه ولم يزل سائراً حتى دخل البصرة فاتفق أن دخوله كان في يوم جمعةٍ وكانت المدينة خاليةً من الناس كما أخبر الدرويش فرأى الأسواق خاليةً والدكاكين مفتوحةً وهي ممتلئةً بالبضائع فأكل وشرب وصار يتفرج.

فبينما هو كذلك إذ سمع النوبة تدق فاختفى في دكانٍ إلى أن جاءت البنات فتفرج عليهن ولما رأى الصبية أخذه العشق والغرام وملكه الوجد والهيام حتى لا يستطيع القيام وبعد حصةٍ من الزمان ظهرت الناس وملأت الأسواق فذهب إلى السوق وتوجه إلى رجلٍ جوهري وأخرج له حجراً من الأربعين يساوي ألف دينارٍ فباعه له ورجع إلى محله، ثم باع أربعة فصوصٍ بأربعة ألاف دينارٍ وصار يتفرج في شوارع البصرة وهو لابسٌ أفخر الملابس حتى وصل إلى سوقٍ فرأى فيه رجلاً مزيناً فدخل عنده وحلق رأسه وعمل معه صاحبه ثم قال له: يا والدي أنا غريب عن البلاد وبالأمس دخلت هذه المدينة فرأيتها خاليةً من السكان وما فيها أحدٌ من أنسٍ ولا جانٍ ثم أني رأيت بنات بينهن صبيةً راكبةً في موكبٍ وأخبره بما رآه فقال له: يا ولدي هل أخبرت غيري بهذا الخبر؟ قال: لا، فقال له: يا ولدي إياك أن تذكر هذا الكلام قدام أحد غيري فأن كل الناس لا يكتمون الكلام والأسرار وأنت ولدٌ صغيرٌ فأخاف عليك أن ينقل الكلام من ناسٍ إلى ناسٍ، حتى يصل إلى أصحابه فيقتلونك. وأعلم يا ولدي أن هذا الذي رأيته ما أحدٌ رآه ولا يعرفه في غير هذه المدينة وأما أهل البصرة فإنهم يموتون بهذه الحسرة وفي كل يوم جمعةٍ عند ضحوة النهار يحبسون الكلاب والقطط ويمنعونها عن المشي في الأسواق وجميع أهل المدينة يدخلون الجوامع ويغلقون عليهم الأبواب ولا يقدر واحداً منهم أن يمر في السوق ولا أن يطل من طاقةٍ ولا يعرف أحدٌ ما سبب هذه البلية ولكن يا ولدي في هذه الليلة اسأل زوجتي عن سببها فأنها دايةٌ تدخل بيوت الأكابر وتعرف أخبار هذه المدينة فأن شاء الله تعالى تأتي عندي في الغد وأنا أخبرك بما تخبرني به فكبش كبشة وقال له: يا والدي خذ هذا الذهب وأعطه لزوجتك فأنها صارت أمي وكبش كبشةً ثانيةً وقال: خذ هذا لك، فقال المزين: يا ولدي اجلس مكانك حتى أروح إلى زوجتي واسألها وأجيء إليك بالخبر الصحيح، ثم تركه في الدكان وراح إلى زوجته وأخبرها بشأن الغلام وقال له: مرادي أن تخبريني بحقيقة أمر هذه المدينة حتى أخبر بها هذا الشاب التاجر فأنه متولعٌ بالإطلاع على حقيقة أمرها وامتناع الناس والحيوانات عن الأسواق في ضحوة يوم الجمعة وأظن أنه عاشقٌ وهو كريمٌ سخيٌ فإذا أخبرناه يحصل لنا منه خيرٌ كثيرٌ.

فقالت له: رح هاته وقل له: تعال كلم أمك زوجتي فأنها تقرئك السلام وتقول لك: إن الحاجة مقضيةٌ فذهب إلى الدكان فرأى قمر الزمان قاعدٌ النظرة فأخبره بالخبر وقال له: يا ولدي اذهب بنا إلى أمك زوجتي فأنها تقول لك: أن الحاجة مقتضيةٌ، ثم أخذه وسار به حتى دخل على زوجته فرحبت به وأجلسته ثم أنه أخرج مائة دينارٍ وأعطاها لها وقال لها: يا أمي أخبريني عن هذه الصبية من تكون؟ فقالت: يا ولدي أعلم أن سلطان البصرة قد جاءته الجوهرة من عند ملك الهند فأراد أن يثقبها فأحضر جميع الجواهرجية وقال لهم: أريد منكم أن تثقبوا لي هذه الجوهرة والذي يثقبها له علي تمنيةً فمهما تمناه أعطيته له وأن كسرها فأني أرمي رأسه فخافوا وقالوا: يا ملك الزمان أن الجواهر سريعة العطب وقل أن يثقبه أحد ويسلم لأن الغالب عليه الكسر فلا تحملنا ما لا نطيق فنحن لا يخرج من أيدينا أن نثقب هذه الجوهرة وإنما شيخنا أخبر منا فقال للملك: ومن شيخكم؟ قالوا له: المعلم عبيد وهو أخبر منا بهذه الصناعة، وعنده أموالٌ كثيرةٌ وله معرفةٌ جيدةٌ، فأرسل إليه وأحضره بين يديك وأأمره أن يثقب لك هذه الجوهرة فأرسل إليه وأمره بثقبها وشرط عليه الشرط المذكور فأخذها وثقبها على مزاج الملك فقال: تمن علي يا معلم. فقال: يا ملك الزمان أمهلني إلى الغد والسبب في ذلك أنه أراد أن يشاور زوجته وكانت زوجته تلك الصبية التي رأيتها في الموكب وكان يحبها محبةً عظيمةً ومن عظم محبته لها أنه كان لا يفعل شيئاً إلا إذا شاورها فيه ولأجل ذلك أمهل التمنية حتى يشاورها فلما أتى إليها قال لها: أنا ثقبت للملك جوهرةً وأعطاني تمنيةً وقد أمهلته حتى أشاورك فأي شيءٍ تريدين حتى أتمنى؟ قالت: نحن عندنا أموالٌ لا تأكلها النيران ولكن أن كنت تحبني فتمنى على الملك أنه ينادي في شوارع البصرة فأن أهلها يدخلون الجوامع يوم الجمعة قبل الصلاة بساعتين ولا يبقى في البلد كبيرٌ ولا صغيرٌ إلا ويكون في المسجد أو في البيت وتقفل عليهم أبواب المساجد والبيوت ويتركون دكاكين البلد مفتوحةً وأركب بجواري وأشق في المدينة ولا ينظرني أحدٌ من طاقةٍ ولا من شباكٍ وكل من عثرت به قتلته. فراح إلى الملك وتمنى عليه هذه الأمنية فأعطاه ما تمناه ونادى بين أهل البصرة بما تمناه فقالوا: أننا نخاف على البضائع من القطط والكلاب فأمر الملك بحبسها في ذلك اليوم حتى تخرج الناس من صلاة الجمعة وصارت تلك الجارية تخرج في كل يوم جمعةٍ قبل الصلاة بساعتين وتركب بجواربها في شوارع البصرة ولا يقدر أحدٌ أن يمر في السوق ولا أن يطل من طاقةٍ ولا من شباكٍ فهذا هو السبب وقد عرفتك بالجارية ولكن يا ولدي هل مرادك معرفة خبرها أو مرادك الاجتماع بها؟ فقال: يا أمي مرادي الاجتماع بها، فقالت: أخبرني بما عندك من الذخائر الفاخرة فقال: يا أمي عندي من ثمين المعادن أربعة أصنافٍ صنف ثمن كل منه خمسمائة دينارٍ وصنف ثمن كل واحدٍ منه سبعمائة دينارٍ وصنف ثمن كل واحدٍ منه ثمانمائة دينارٍ وصنف كل واحدٍ منه ألف دينارٍ، قالت له: تسمح نفسك بأربعة منهم؟ قال: نفسي تسمح بالجميع فقالت: قم يا ولدي من غير مطرود وأخرج فصاً منها يكون ثمنه خمسمائة دينارٍ واسأل عن دكان المعلم عبيد شيخ الجواهرجية واذهب إليه تراه جالساً في دكانه وعليه ثيابٌ فاخرةٌ وتحت يده الصناع فسلم عليه وأجلس في الدكان وأخرج الفص وقل له: يا معلم خذ هذا الحجر واصنع لي خاتماً بالذهب ولا تجعله كبيراً بل أجعله على قدر مثقالٍ من غير زيادةٍ وأصنعه صنعاً جيداً ثم أعطه عشرين ديناراً وأعط الصناع كل واحدٍ ديناراً وأقعد عنده حصةً وتحدث معه وإذا أتاك سائلٌ فأعطه ديناراً وأظهر الكرم حتى يتولع بمحبتك ثم قم من عنده ورح إلى منزلك وبت هناك فإذا أصبحت فهات معك مائة دينارٍ وأعطها لأبيك فأنه فقير الحال قال: وهو كذلك، ثم خرج من عنده وذهب إلى الوكالة وأخذ فصاً ثمنه خمسمائة دينار وعمد به إلى سوق الجواهر وسأل عن دكان المعلم عبيد شيخ الجوهرية فدلوه على دكانه فلما وصل إلى الدكان رأى شيخ الجوهرية رجلاً مهاباً وعليه ثيابٌ فاخرةٌ وتحت يده أربعة صناعٍ فقال لهم: السلام عليكم فرد عليه السلام ورحب به وأجلسه فلما جلس أخرج له الفص وقال له: يا معلم أريد منك أن تصوغ لي هذا الحجر خاتماً بالذهب ولكن اجعله على قدر مثقالٍ من غير زيادةٍ وصغه صياغةً طيبةً ثم أخرج له عشرين ديناراً وقال له: خذ هذه في نظير نقشه الأجرة باقيةٌ ثم أعطى كل صانع ديناراً فأحبه الصناع وأحبه المعلم عبيد وقعد يتحدث معه وصار كل من أتاه من السائلين يعطيه ديناراً فتعجبوا من كرمه ثم أن المعلم عبيد كان عنده عدةً في بيته مثل العدة التي في الدكان وكان من عادته أنه إذا أراد أن يصنع شيئاً غريباً يشتغله في بيته حتى أن الصناع لا يتعلمون منه الصنعة الغريبة وكانت الصبية زوجته تجلس قدامه فإذا كانت قدامه ونظر إليها يصنع لك شيءٌ غريبٌ صناعته بحيث لا يليق إلا بالملوك فقعد يصنع هذا الخاتم صنعةً عجيبةً في البيت فلما رأته زوجته قالت: ما مرادك أن تصنع بهذا الفص؟ قال: أريد أن أصوغه خاتماً بالذهب فأن ثمنه خمسمائة دينارٍ فقالت له: لمن؟ قال: لغلامٍ تاجرٍ جميل الصورة له عيونٌ تجرح وخدودٌ تقدح وله فمٌ كخاتم سيدنا سليمان ووجنتان كشقائق النعمان وشفائف حمرٍ كالمرجان وله عنقٌ مثل أعناق الغزلان وهو أبيضٌ مشربٌ بحمرة ظريفٍ، لطيفٍ، كريمٍ فعل كذا وكذا وصار تارةً يصف لها حسنه وجماله وتارةً يصف لها كرمه وكماله وما زال يذكر لها محاسنه وكرم أخلاقه حتى عشقها فيه ولم يكن أحدٌ أعرض من الذي يصف لزوجته إنساناً بالحسن والجمال وفرط سخائه بالمال.

فلما أفاض منها الغرام قالت له: هل يوجد فيه شيء من محاسني؟ فقال لها: جميع محاسنك كلها فيه وهو شبيهك في الصفة وربما كان عمره قدر عمرك ولولا أني أخاف على خاطرك لقلت: أنه أحسن منك ألف مرةٍ فسكتت ولكن التهبت نار محبته في قلبها ثم أن الصائغ لم يزل يتحدث معها في تعداد محاسنه حتى فرغ من صياغة هذا الخاتم وناوله لها فلبسته فجاء على قدر إصبعها فقالت له: يا سيدي أن قلبي حب هذا الخاتم وأشتهي أن يكون لي ولا أنزعه من إصبعي، فقال لها: اصبري فأن صاحبه كريمٌ وأنا أطلب أن أشتريه منه فأن باعني إياه جئت به إليك وأن كان عنده حجرا آخر اشتريه لك وأصوغه مثله.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والستين بعد التسعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجوهري قال لزوجته: اصبري فأن صاحبه كريمٌ وأنا أطلب أن اشتريه منه فأن باعني إياه جئت به إليك وأن كان عنده حجرٌ آخر اشتريه وأصوغه لك مثله، هذا ما كان من أمر الجوهري وزوجته.

وأما ما كان من أمر قمر الزمان فأنه بات في منزله فلما أصبح أخذ مائة دينارٍ وأتى إلى العجوز زوجة المزين وقال لها: خذي هذه المائة دينارٍ فقالت له: أعطيها لأبيك فأعطاها له ثم أنها قالت له: هل فعلت كما قلت؟ قال: نعم قالت له: قم وتوجه الآن إلى شيخ الجوهرية فإذا أعطاك الخاتم فضعه في رأس إصبعك وانزعه بسرعةٍ وقل له: يا معلم أخطأت أن الخاتم جاء ضيقاً فيقول لك: يا تاجر هل أكسره وأصوغه واسعاً؟ فقل له: ما أحتاج إلى كسره وصياغته ثانياً ولكن خذه وأعطه لجارية من جواريك وأخرج له حجراً آخر يكون ثمنه سبعمائة دينارٍ وقل له: خذ هذا الحجر صنعه لي فأنه أحسن من ذلك وأعطه ثلاثين ديناراً وأعط لكل صانعٍ دينارين وقل له: هذه الدنانير في نظير نقشه والأجرة باقيةٌ ثم أرجع إلى منزلك وبت هناك وتعالى في الصباح ومعك مائتا دينارٍ وأنا أكمل لك بقية الحيلة.

ثم أنه ذهب إلى الجوهري فرحب به وأجلسه على الدكان فلما جلس قال له: هل قضيت الحاجة؟ قال: نعم وأخرج له الخاتم فأخذه وحطه في رأس إصبعه ثم نزعه سريعاً وقال له: أخطأت يا معلم ورماه له وقال له: أنه ضيق على إصبعي فقال له الجوهري: يا تاجر هل أوسعه لك؟ قال: لا، ولكن خذه إحسانا وألبسه لبعض جواريك فأن ثمنه تافهٌ لأنه خمسمائة دينارٍ فلا يحتاج إلى صياغته ثانياً ثم أخرج له فصاً آخر ثمنه سبعمائة دينارٍ وقال له: اصنع هذا الخاتم ثم أعطاه ثلاثين ديناراً وأعطى كل صانعٍ دينارين فقال له: يا سيدي لما تصوغ الخاتم تأخذ أجرته قال: هذه في نظير نقشه والأجرة باقية ثم تركه ومضى فاندهش الجوهري من شدة كرم قمر الزمان وكذلك الصناع ثم أن الجوهري ذهب إلى زوجته وقال لها: يا فلانة ما رأت عيني أكرم من هذا الشاب وأنت بختك طيبٌ لأنه أعطاني الخاتم بلا ثمنٍ وقال لي: أعطه لبعض جواريك وحكى لها القصة.

ثم قال لها: أظن أن هذا الولد ما هو من أولاد التجار وإنما هو من أولاد الملوك والسلاطين وصار كلما مدحه تزداد فيه غراماً ووجداً وهياماً ثم لبست الخاتم والجوهري صاغ له الثاني أوسع من الأول بقليل فلما فرغ من صناعته لبسته في إصبعها من داخل الخاتم الأول ثم قالت: يا سيدي انظر ما أحسن الخاتمين في إصبعي فأشتهي أن يكون الخاتمان لي فقال لها: اصبري لعلي اشتري الثاني لك ثم بات فلما أصبح أخذ الخاتم وتوجه إلى الدكان. هذا ما كان من أمره. وأما ما كان من أمر قمر الزمان فأنه أصبح متوجهاً إلى العجوز زوجة المزين وأعطاها مائتي دينار فقالت له: توجه إلى الجوهري فإذا أعطاك الخاتم فضعه في إصبعك وانزعه سريعاً وقل أخطأت يا معلم أن الخاتم جاء واسعاً والمعلم الذي يكون مثلك إذا أتاه مثلي بشغلٍ ينبغي له أن يأخذ القياس فلو كنت أخذت قياس إصبعي ما أخطأت وأخرج له حجراً آخر يكون ثمنه ثمانمائة دينارٍ وقل له: خذ هذا اصنعه وأعط هذا الخاتم إلى جاريةٍ من جواريك ثم أعطه أربعين ديناراً وأعط كل صانع ثلاثة دنانيرٍ وقل له: هذا في نظير نقشه وأما الأجرة فأنها باقيةٌ وانظر ماذا يقول لك ثم تعال ومعك ثلثمائة دينارٍ وأعطها لأبيك يستعين بها على وقته فأنه رجلٌ فقير الحال، فقال سمعاً وطاعةً ثم أنه توجه إلى الجوهري فرحب به وأجلسه ثم أعطاه الخاتم فوضعه في إصبعه ونزل به بسرعةٍ وقال له: ينبغي للمعلم الذي مثلك إذا أتاه مثلي بشغلٍ أن يأخذ قياسه فلو كنت أخذت قياس إصبعي ما أخطأت ولكن خذه وأعطه لبعض جواريك ثم أخرج له حجراً ثمنه ثمانمائة دينارٍ وقال له: خذ هذا وأصنعه لي خاتماً على قدر إصبعي.

فقال: صدقت والحق معك فأخذ القياس وأخرج له أربعين ديناراً وقال له: خذ هذه في نظير نقشه والأجرة باقيةٌ فقال له: يا سيدي كم أجرة هذا أخذناها منك فإحسانك علينا كثيرٌ فقال له: لا بأس ثم أنه تحدث معه حصة وصار كلما يمر به سائل يعطيه ديناراً وبعد ذلك تركه وانصرف. هذا ما كان من أمره.

وأما ما كان من أمر الجوهري فأنه توجه إلى بيته وقال لزوجته: ما أكرم هذا الشاب التاجر فما رأيت أكرم منه وأجمل منه ولا أحلى من لسانه وصار يذكر لها محاسنه وكرمه ويبالغ في مدحه.

فقالت له: يا عديم الذوق حيث كنت تعرف فيه هذه الصفات وقد أعطاك خاتمين مثمنين ينبغي لك أن تعزمه وتعمل له ضيافةً وتتودد إليه فإذا رأى منك المودة وجاء منزلنا ربما تنال منه خيراً كثيراً وأن كنت لا تسمح له بضيافة فأعزمه وأنا أعمل له الضيافة من عندي، فقال لها هل أنت تعرفين أنني بخيلٌ حتى تقولي هذا الكلام؟ قالت له: ما أنت بخيلٌ ولكنك عديم الذوق فأعزمه في هذه الليلة ولا تجيء بدونه وأن أمتنع فأحلف بالطلاق وأكد عليه، فقال لها: على الرأس والعين؟ ثم أنه صاغ الخاتم ونام وأصبح في ثاني يوم متوجهاً إلى الدكان وجلس فيها. هذا ما كان من أمره.

وأما ما كان من أمر قمر الزمان فأنه أخذ ثلثمائة دينارٍ وتوجه إلى العجوز وأعطاها لزوجها فقالت له: ربما يعزم عليك في هذا اليوم فإذا عزم عليك وبت عنده فمهما جرى لك فأخبرني به في الصباح وهات معك أربعمائة دينارٍ وأعطها لأبيك فقال سمعاً وطاعةً، وصار كلما فرغت منه الدراهم يبيع من الأحجار، ثم أنه توجه إلى الجوهري فقام له وأخذه بالأحضان وسلم عليه وعقد معه صحبةً، ثم أنه أخرج الخاتم فرآه على قدر إصبعه فقال له: بارك الله فيك يا سيد المعلمين أن الصياغة موافقةٌ، ولكن الفص ليس على مرادي، لأن عندي أحسن منه فخذه وأعطه لبعض جواريك وأخرج لي غيره، وأخرج له مائة دينارٍ وقال له: خذ أجرتك ولا تؤاخذنا فأننا تعبناك، فقال له: أن الذي تعبنا فيه قد أعطيتنا إياه وتفضلت علينا بشيءٍ كثيرٍ وأنا قلبي تعلق بحبك ولا أقدر على فراقك، فبالله عليك أن تكون ضيفي في هذه الليلة وتجبر خاطري. فقال: لا بأس ولكن لا بد أن أتوجه إلى الخان لأجل أن أوصي أتباعي وأخبرهم بأنني بائت في الخان حتى لا ينتظروني، فقال له: أنت نازلٌ في أي خان؟ قال: في الخان الفلاني، فقال: أجيء إليك هناك، فقال: لا بأس. ثم أن الجوهري توجه إلى ذلك الخان قبل المغرب خوفاً من غضب زوجته عليه أن دخل البيت بدونه، ثم أنه أخذه ودخل به في بيته وجلسا في قاعة ليس لها نظير، وكانت الصبية رأته حين دخوله فافتتنت به، ثم صارا يتحدثان إلى أن جاء وقت العشاء فأكلا وشربا وبعد ذلك جاءت القهوة والشربات لم يزل يسامره إلى وقت العشاء فصليا الفريضة ثم دخلت عليهما جاريةٌ ومعها فنجانان من المشروب فلما شربا غلب عليهما النوم فناما ثم جاءت الصبية فرأتهما نائمين فنظرت إلى وجه قمر الزمان فاندهش عقلها من جماله وقالت: كيف ينام من عشق الملاح؟ ثم قلبته على قفاه وركبت على صدره، ومن شدة غيظها من غرامه نزلت على خدوده بعلقة بوس حتى أثر ذلك في خده فاشتدت حمرته وزهت وجنته ونزلت على شفتيه بالمص ولم تزل تمتص شفته حتى خرج الدم من فمها ومع ذلك لم تنطفئ نارها ولم يرو أوارها، ولم تزل معه بين بوس وعناق والتفاف ساق على ساق حتى أشرق جبين الصباح وتبلج الفجر ولاح.

ثم وضعت في جيبه أربعة عواشقٍ وتركته وراحت وبعد ذلك أرسلت جاريةً بشيء مثل النشوق فوضعته في مناخيرهما فعطسا وأفاقا فقالت لهما الجارية: اعلموا يا أسيادي أن الصلاة وجبت فقوموا لصلاة الصبح، وباتت لهما بالطشت والإبريق، ثم قال قمر الزمان: يا معلم أن الوقت جاء وقد تجاوزنا الحد في النوم، فقال الجوهري للتاجر: يا صاحبي أن نوم هذه القاعة ثقيلٌ كلما أنام فيها يجري لي هذا الأمر، فقال: صدقت، ثم أن قمر الزمان أخذ يتوضأ، فلما وضع الماء على وجهه أحرقته خدوده وشفته فقال: عجباً إذا كان هواء القاعة ثقيلاً واستغرقنا في النوم ما بال خدودي وشفتي تحرقني؟ ثم قال: يا معلم خدودي وشفتي تحرقني ثم قال: أظن أن هذا من فعل الناموس، فقال: عجباً وهل يجري لك فيها مثلي؟ قال: لا ولكن إذا كان عندي ضيفٌ مثلك يصبح يشكو من قرص الناموس ولا يكون ذلك إلا إذا كان الضيف مثلك أمرد وأما إذا كان متلحياً فلا يهوى أصحاب اللحى، فقال له: صدقت.

ثم أن الجارية جاءت لهما بالفطور فأفطرا وخرجا وراح قمر الزمان إلى العجوز فلما رأته قالت له: أني أرى آثار الحظ على وجهك بما رأيت؟ قال لها: ما رأيت شيئاً وإنما تعشيت أنا وصاحب المحل في قاعة وصلينا صلاة العشاء ثم نمنا فما أفقنا إلا الصبح، فضحكت وقالت: ما هذا الأثر الذي على خدك وعلى شفتك؟ قال لها: إن ناموس القاعة فعل معي هذه الفعال، فقالت: صدقت، وهل جرى لصاحب البيت مثل ما جرى لك؟ قال: لا ولكنه أخبرني أن ناموس تلك القاعة لا يضر أصحاب اللحى ولا يعف إلا على المرد وكلما يكون عنده ضيفٌ فأن كان أمرد يصبح يشكو من قرض الناموس وأن كان ملتحياً فلا يجري له شيءٌ من ذلك، فقالت: صدقت، فهل رأيت شيئاً غير هذا؟ قال: رأيت في جيبي أربعة عواشقٍ، قالت له: أرني إياها فأعطاها لها، فأخذتها وضحكت وقالت: إن معشوقتك قد وضعت هذه العواشق في جيبك، قال: وكيف ذلك؟ قالت: أنها تقول لك بالإشارة: لو كنت عاشقاً ما نمت فأن الذي يعشق لا ينام ولكن أنت لم تزل صغيرٌ ولا يليق بك إلا اللعب بهذه العواشق، فما حملك على عشق الملاح وقد جاءتك في الليل فرأتك نائما فقطعت خدودك بالبوس وحطت لك هذه الأمارة ولكنها لا يكفيها منك ذلك بل لا بد أن ترسل إليك زوجها فيعزم عليك في هذه الليلة فإذا رحت معه فلا تنم عاجلاً وهات معك خمسمائة دينارٍ وتعال أخبرني بما يحصل وأنا أكمل لك الحيلة، قال سمعاً وطاعةً ثم توجه إلى الخان. هذا ما كان من أمره.

وأما ما كان من أمر زوجة الجوهري فأنها قالت لزوجها: هل راح ضيفنا؟ قال: نعم ولكن يا فلانة أن الناموس شوش عليه في الليلة وقطع خدوده وشفته وأنا استحيت منه، فقالت: هذه عادة ناموس قاعتنا فأنه لا يهوى إلا المرد ولكن أعزمه في الليلة الآتية، فتوجه إلى الخان الذي هو فيه وعزمه وأتى به إلى القاعة فأكلا وشربا وصليا العشاء فدخلت عليهما الجارية وأعطت كل واحدٍ فنجاناً.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والستين بعد التسعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية دخلت عليهما وأعطت كل واحدٍ منهما فنجان قهوة فشرباه وناما فأتت الصبية وقالت له: يا علق كيف تنام وتدعي أنك عاشقٌ والعاشق لا ينام، ثم ركبت على صدره وما زالت نازلةً عليه ببوسٍ وعضٍ ومصٍ وهراشٍ إلى الصباح، ثم حطت له في جيبه سكينةً وأرسلت جاريتها عند الصباح فنبهتهما وخدوده كأنها ملتهبةٌ بالنار من شدة الاحمرار وشفاهه كالمرجان بسبب المص والتقبيل، فقال له الجوهري لعل الناموس شوش عليك؟ قال: لا، لأنه لما عرف النكتة ترك الشكاية، ثم أنه رأى السكين في جيبه فسكت.

ولما فطر وشرب القهوة ذهب من عند الجوهري وتوجه إلى الخان وأخذ خمسمائة دينارٍ وذهب إلى العجوز وأخبرها بما رأى وقال لها: أني نمت غصباً عني ولما أصبحت ما رأيت شيئاً غير سكينٍ في جيبي فقالت له: الله يحميك منها في الليلة القابلة فأن نمت ذبحتك، فقال: وكيف يكون العمل؟ فقالت: أخبرني بما تأكله وتشربه قبل النوم؟ قال: نتعشى على عادة الناس ثم تأتي إلينا جاريةٌ بعد العشاء وتعطي كل واحدٍ منا فنجاناً فمتى شربت فنجاني نمت ولا أفيق إلا في الصباح.

فقالت له: أن الداهية في الفنجان فخذه منها ولا تشربه حتى يشرب سيدها ويرقد وحين تعطيه ذلك الجارية قل لها: أسقيني ماءً فتذهب لتأتي إليك بالقلة فكب الفنجان وراء المخدة وأجعل روحك نائماً وعندما ترجع إليك بالقلة تظن أنك نمت بعد أن شربت الفنجان فتروح عنك وبعد حصة يظهر لك الحال وإياك أن تخالف أمري، فقال: سمعاً وطاعةً، ثم توجه إلى الخان، هذا ما كان من أمره.

وأما ما كان من أمر زوجة الجوهري فأنها قالت لزوجها: إكرام الضيف ثلاث مراتٍ فأعزمه مرةً ثالثةً، فتوجه إليه وعزمه وأخذه ودخل به إلى القاعة، فلما تعشيا وصليا العشاء إذ بالجارية دخلت وأعطت كل واحد فنجاناً فشرب سيدها ورقد وأما قمر الزمان فأنه لم يشرب فقالت له الجارية: أما تشرب يا سيدي؟ فقال لها: أنا عطشان هات القلة فذهبت لتجيء إليه بالقلة فكب الفنجان وراء المخدة ورقد، فلما رجعت الجارية رأته راقداً فأخبرت سيدتها بذلك وقالت: أنه لما شرب الفنجان رقد، فقالت الصبية في نفسها: أن موته أحسن من حياته ثم أخذت سكيناً ماضيةً ودخلت عليه وهي تقول: ثلاث مراتٍ وأنت لم تلحظ الإشارة يا أحمق الآن أشق بطنك، فلما رآها مقبلةً عليه وفي يدها السكين فتح عينيه وقام ضاحكا. فقالت له: ما فهمت هذه الإشارة بفطنتك فأخبرني من أين لك هذه المعرفة؟ قال: من عجوز وجرى لي معها كذا وكذا وأفادها بالخبر فقالت له: في غدٍ اذهب من عندنا ورح إلى العجوز وقل لها: هل بقي معك من الحيل زيادةً عن هذا المقدار؟ فأن قالت لك: معي فقل لها: اجتهدي في الوصول إليها جهاراً وأن قالت: ما لي مقدرةٌ وهذا آخر ما معي فأتركها عن بالك وفي ليلة غدٍ يأتي زوجي ويعزمك فتعال معه وأخبرني أنا أعرف بقية التدبير. فقال: لا بأس. ثم بات معها بقية الليلة على ضمٍ وعناقٍ وأعمال حرف الجر بإنفاق واتصال الصلة بالموصول وزوجها كتنوين الإضافة معزول ولم يزالا على هذه الحالة إلى الصباح، ثم قالت: أنا ما يكفيني منك ليلةً واحدةً ولا يومٍ ولا شهرٍ ولا سنةٍ وإنما قصدي أن أقيم معك بقية العمر ولكن أصبر حتى أعمل لك مع زوجي حيلةً تحير ذوي الألباب ونبلغ بها الأرب وأدخل عليه الشك حتى يطلقني وأتزوج بك وأروح معك إلى بلادك وأنقل جميع ماله وذخائره عندك وأتحيل لك على خراب دياره ومحو آثاره ولكن اسمع كلامي وطاوعني فيما أقوله ولا تخالفني. فقال: سمعاً وطاعةً وما عندي مخالفةٌ، فقالت له: رح إلى الخان وأن جاء زوجي وعزمك فقل له: يا أخي أن ابن آدم ثقيل ومتى أكثر التردد اشمئز منه الكريم والبخيل وكيف أروح عندك كل ليلةٍ وأرقد أنا وأنت في القاعة فأن كنت لا تغتاظ مني فربما يغتاظ حريمك مني بسبب منعك عنه، فأن كان مرادك عشرتي فخذ لي بيتاً بجانب بيتك وتبقى أنت تسهر عندي إلى وقت النوم وأنا تارة أسهر عندك إلى وقت النوم ثم أروح إلى منزلي وأنت تنام مع حريمك وهذا الرأي أحسن من حجبك عن حريمك كل ليلةٍ فأنه بعد ذلك يأتي إلى ويشاورني فأشير عليه أن يخرج جارنا فأن البيت الذي هو ساكن فيه بيتنا والجار ساكن بالكراء ومتى أتيت البيت يهون الله علينا بقية تدبيرنا ثم أنها قالت له: رح الآن وافعل كما أمرتك فقال لها سمعاً وطاعةً ثم تركته وراحت وهو جعل نفسه نائماً وبعد مدةٍ أتت الجارية فنبهتهما فلما أفاق الجوهري قال: يا تاجر لعل الناموس شوش عليك؟ قال: لا، فقال الجوهري: لعلك اعتدت عليه ثم فطرا وشربا القهوة وخرجا إلى أشغالهما وتوجه قمر الزمان إلى العجوز وأخبرهما بما جرى.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والستين بعد التسعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن قمر الزمان لما توجه إلى العجوز، وأخبرهما بما جرى وقال له: أنها قالت لي كذا وكذا وقلت لها كذا وكذا فهل عندك أكثر من هذا التدبير حتى يوصلني إلى الاجتماع بها جهاراً؟ فقالت: يا ولدي إلى هنا انتهى تدبيري وفرغت حيلي فعند ذلك تركها وتوجه إلى الخان ولما أصبح الصباح توجه إليه الجوهري عند المساء وعزمه فقال له: لا يمكن أن أروح معك فقال له: لماذا وأنا أحببتك وما بقيت أقدر على فراقك فبالله عليك أن تمضي معي فقال له: أن كان مرادك طول العشرة معي ودوام الصحبة بيني وبينك فخذ لي بيتاً بجانب بيتك وأن شئت تسهر عندي وأنا أسهر عندك وعند النوم يروح كلٌ منا إلى بيته وينام فيه.

فقال له: أن عندي بيتاً بجانب بيتي وهو ملكي فامض معي في هذه الليلة وفي الغد أخليه لك فمضى معه وتعشيا وصليا العشاء وشرب زوجها الفنجان الذي فيه العمل فرقد وفنجان قمر الزمان لا غش فيه فشربه ولم يرقد فجاءته وقعدت تسامره إلى الصباح وزوجها مرميٌ مثل الميت ثم أنه صحا من النوم على العادة وأرسل أحضر الساكن وقال له: يا رجل أخل إلي بيتي فأني قد احتجت إليه فقال له: على الرأس والعين فأخلاه له وسكن فيه قمر الزمان ونقل جميع مصالحه فيه وفي تلك الليلة سهر الجوهري عند قمر الزمان، ثم راح إلى بيته وفي ثاني يوم أرسلت الصبية إلى معماري ماهر فأحضرته وارغبته بالمال حتى عمل لها سرداباً في قصرها يوصل إلى بيت قمر الزمان وجعل له طابقاً تحت الأرض فما يشعر قمر الزمان إلا وهي داخلةٌ عليه، ومعها كيسان من المال فقال لها: من أين جئت؟ فأرته السرداب وقالت له: خذ هذين الكيسين من ماله وقعدت تهارشه وتلاعبه إلى الصباح. ثم قالت له: انتظرني حتى أروح له وانبهه ليذهب إلى دكانه وآتي لك فقعد ينتظرها وانصرفت لزوجها وأيقظته فقام وتوضأ وصلى وذهب إلى الدكان وبعد ذهابه أخذت أربعة أكياسٍ وراحت إلى قمر الزمان من السرداب وقالت له: خذ هذا المال وجلست عنده ثم انصرف كل منهما إلى حال سبيله فتوجهت إلى بيتها وتوجه قمر الزمان إلى السوق ولما رجع في وقت المغرب رأى عنده عدة أكياسٍ وجواهرٍ وغير ذلك ثم أن الجواهري جاء به في بيته وأخذنا إلى القاعة وسهر فيها هو وإياه فدخلت الجارية على العادة واسقتهما فرقد سيدها وقمر الزمان ما أصابه شيءٌ لأن فنجانه سالمٌ لا غش فيه، ثم أقبلت إليه الصبية وجلست تلاعبه وصارت الجارية تنقل المصالح إلى بيته من السرداب ولم يزالوا على هذه الحالة إلى الصباح.

ثم أن الجارية نبهت سيدها واستقهما القهوة وكلٌ منهما راح إلى حال سبيله وفي ثالث يومٍ أخرجت له سكيناً كانت لزوجها وهي صياغته وبيده كلفها خمسمائة دينارٍ ولم يوجد لها مثيلٌ في حسن الصياغة ومن كثرة ما طلبها منه الناس وضعها في صندوقٍ ولم تسمح نفسه ببيعها لأحد من المخلوقين ثم قالت له: خذ هذه السكين في حزامك ورح إلى زوجي واجلس عنده وأخرجها من حزامك وقل له: يا معلم انظر هذه السكين فأني اشتريتها في هذا اليوم وأخبرني هل أنا مغلوبٌ فيها أو غالب فأنه يعرفها ويستحي أن يقول لك هذه سكيني فأن قال لك: من أين اشتريتها وبكم أخذتها؟ فقل له: رأيت اثنين من اللاوندية يتقاتلان مع بعضهما فقال واحدٌ منهما للأخر: أين كنت؟ قال: كنت عند صاحبتي وكلما اجتمع معها تعطيني دراهم.

وفي هذا اليوم قالت لي: أن يدي لا تطول دراهم في هذا الوقت ولكن خذ هذه السكين فأنها سكين زوجي فأخذتها ومرادي بيعها فأعجبتني السكين ولما سمعته يقول ذلك قلت له: أتبيعها لي؟ فقال: اشتر، فأخذتها منه بثلثمائة دينارٍ فيا ترى هل هي رخيصةٌ أو غاليةٌ وانظر ما يقول لك ثم تحدث معه مدةً وقم من عنده وتعال إلي بسرعة فتراني قاعدةً في فم السرداب أنتظرك فأعطني السكين فقال لها سمعاً وطاعةً، ثم أخذ تلك السكين وحطها في حزامه وراح إلى دكان الجوهري فسلم عليه ورحب به وأجلسه فرأى السكين في حزامه فتعجب وقال في نفسه: أن هذه سكيني ومن أوصلها إلى هذا التاجر؟ وصار يفكر في نفسه ويقول: يا ترى هي سكيني أو سكين تشابهها؟ وإذا بقمر الزمان أخرجها وقال: يا معلم خذ هذه السكين وتفرج عليها، فلما أخذها من يده عرفها حق المعرفة وأستحى أن يقول هذه سكيني ثم قال له: من أين اشتريتها. فأخبره بما أوصته به الصبية فقال له: هذه بهذا الثمن رخيصةٌ لأنها تساوي خمسمائة دينارٍ، وانقادت النار في قلبه وارتبطت أياديه عن الشغل في صنعته وصار يتحدث معه وهو غريقٌ في بحر الأفكار وكلما كلمه الغلام خمسين كلمةً يرد عليه بكلمةٍ واحدةٍ وصار قلبه في عذابٍ وجسمه في اضطراب وتكدر منه الخاطر وصار كما قال الشاعر:

لم أدر قولاً إذا حبوا مكالمتـي أو كلموني يروني غائب الفكر

غرقانٌ في بحر فكرٍ لا قرار له لا فرق للناس انثاها من الذكر

فلما رآه تغيرت حالته قال له: لعلك مشغولٌ في هذه الساعة ثم قام من عنده وتوجه إلى البيت بسرعةٍ فرآها واقفةٌ في باب السرداب تنتظره، فلما رأته قالت له: هل فعلت كما أمرتك؟ قال: نعم، قالت: ما قال لك؟ قال لها إنها أنا رخيصةٌ بهذا الثمن لأنها تساوي خمسمائة دينارٍ، ولكن تغيرت أحواله فقمت من عنده ولم أدر ما جرى بعد ذلك فقالت: هات السكين وما عليك منه ثم أخذت السكين وحطتها في موضعها وقعدت. هذا ما كان من أمرها.

وأما ما كان من أمر الجوهري، فأنه بعد ذهاب قمر الزمان من عنده التهبت بقلبه النار وكثر عنده الوسواس وقال في نفسه: لا بد أن أقوم وأتفقد السكين وأقطع الشك باليقين وأتى البيت ودخل على زوجته وهو ينفخ مثل الثعبان فقالت له: مالك يا سيدي؟ فقال لها: أين سكيني؟ قالت: في الصندوق، ثم دقت صدرها بيدها وقالت: يا همي لعلك تخاصمت مع أحد فأتيت تطلب السكين لتضربه. قال لها: هات السكين أريني إياها قالت: حتى تحلف أنك لا تضرب بها أحداً فحلف لها ففتحت الصندوق وأخرجتها له فصار يقلبها ويقول: أن هذا شيءٌ عجيبٌ، ثم أنه قال لها: خذيها وحطيها في مكانها. قالت له: أخبرني ما سبب ذلك؟ قال لها: أني رأيت مع صاحبنا سكيناً مثلها وأخبرها بالخبر كله ثم قال: لما رأيتها في الصندوق قطعت الشك باليقين فقالت له: لعلك ظننت بي وجعلتني صاحبة اللاوندي وأعطيته السكين فقال لها: نعم أني شككت في هذا الأمر ولكن لما رأيت السكين ارتفع الشك من قلبي فقالت له: يا رجل أنت ما بقي فيك خيرٌ فصار يعتذر إليها حتى أرضاها. ثم خرج وتوجه إلى دكانه وفي ثاني يوم أعطت قمر الزمان ساعة زوجها وكان يضعها بيده ولم يكن أحد يملك مثلها، ثم قالت له: رح إلى دكانه واجلس عنده وقل له: أن الذي رأيته بالأمس رأيته في هذا اليوم وفي يده ساعة وقال له: أشتري هذه الساعة فقلت له. من أين لك هذه الساعة؟ قال: كنت عند صاحبتي فأعطتني إياها فاشتريتها منه بثمانية وخمسين ديناراً فانظر هل هي رخيصةٌ بهذا الثمن أو غاليةٌ وانظر ما يقول وإذا قمت من عنده فأتني بسرعة وأعطني إياها، فراح إليه قمر الزمان وفعل معه ما أمرته به فلما رآها الجوهري قال: هذه تساوي سبعمائة دينارٍ داخله الوهم. ثم أن الغلام تركه وراح إلى الصبية وأعطاها تلك الساعة وإذا بزوجها دخل ينفخ وقال لها: أين ساعتي؟ قالت له: ها هي حاضرةٌ قال لها: هاتيها فأتته بها فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فقالت له: يا راجل ما أنت بلا خبرٍ فأخبرني بخبرك فقال لها: ماذا أقول أني تحيرت في هذه الحالات ثم أنشد هذه الأبيات:

تحيرت والرحمن لا شك فـي أمـري وضاقت بي الأحزان من حيث لا أدري

سأصبر حتى يعلم الـصـبـر أنـنـي صبرت على شيءٍ أمر من الصـبـر

وما مثل مر الصبر صبـرت وإنـمـا صبرت على شيء أحر من الجـمـر

وما الأمر أمري في المـراد وإنـمـا أمرت بحسن الصبر من صاحب الأمر

ثم قال: يا امرأة أني وجدت مع التاجر صاحبنا أولاً سكيني وقد عرفتها لأن صياغتها اختراعٌ من عقلي ولا يوجد مثلها وأخبرني بأخبار تغم القلب وأتيت فرأيتها معه الساعة ثانياً وصياغتها أيضاً اختراعٌ من عقلي وليس يوجد مثلها في البصرة وأخبرني بأخبار تغم القلب فتحيرت في عقلي وما بقيت أعرف ما جرى لي فقالت له: مقتضى كلامك أني أنا خليلة ذلك التاجر وصاحبته وأعطيته مصالحك وجوزت خيانتي فجئت تسألني ولو كنت ما رأيت السكين والساعة عندي كنت أثبتت خيانتي ولكن يا رجل حيث أنك ظننت بي هذا الظن ما بقيت أوكلك في زادٍ ولا أشاربك في ماءٍ بعد هذا فأني كرهتك كراهة التحريم فصار يأخذ بخاطرها حتى أرضاها، ثم خرج وتندم على مقابلتها بمثل هذا الكلام وتوجه إلى دكانه وجلس.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة والستين بعد التسعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجوهري لما خرج من عند زوجته صار يتندم على هذا الكلام ثم ذهب إلى الدكان وجلس وصار في قلقٍ شديدٍ وفكرٍ ما عليه من مزيدٍ وهو ما بين مصدقٍ ومكذبٍ وعند المساء أتى إلى البيت وحده ولم يأت بقمر الزمان معه فقالت له الصبية: أين التاجر؟ قال: في منزله قالت: هل بردت الصحبة التي بينك وبينه؟ قال لها: والله أني كرهته مما جرى منه فقالت له: قم هاته من شأن خاطري فقام ودخل عليه بيته فرأى حوائجه منشورة فيه فعرفها فقادت النار في قلبه وصار يتنهد. فقال قمر الزمان: ما لي أراك في فكري؟ فاستحى أن يقول له حوائجي عندك من أوصلها إليك وإنما قال له: حصل عندي تشويشٌ ولكن قم بنا إلى البيت لنتسلى هناك. فقال: دعني في محلي فلا أروح معك فحلف عليه وأخذه ثم تعشى معه وسهر تلك الليلة وصار يتحدث معه وهو غريقٌ في بحر الأفكار وإذا تكلم الغلام التاجر مائة كلمة يرد عليه الجوهري بكلمةٍ واحدةٍ، ثم دخلت عليهما الجارية بفنجانين حسب العادة فلما شربا رقد التاجر ولم يرقد الغلام لأن فنجانه غير مغشوشٍ، ثم دخلت الصبية على قمر الزمان وقالت له: كيف رأيت هذا القرنان الذي هو في غفلته سكران ولا يعرف مكايد النسوان فلا بد أن أخدعه حتى يطلقني ولكن في الغد أتهيأ بهيئة جاريةٍ وأروح خلفك إلى الدكان وقل له أنت يا معلم أني دخلت اليوم خان اليسيرجية فرأيت هذه الجارية فاشتريتها بألف دينارٍ فأنظرها هل هي رخيصةٌ بهذا الثمن أو غاليةٌ ثم اكشف له عن وجهي ونهودي وفرجه علي. ثم خذني وأرجع بي إلى منزلك وأنا أدخل بيتي من السرداب حتى انظر آخر امرنا معه ثم أنهما أمضيا ليلتهما على الرأس وصفاءٍ ومنادمةٍ وهراشٍ وبسطٍ وانشراحٍ إلى الصباح وبعد ذلك ذهبت إلى مكانها وأرسلت الجارية فأيقظت سيدها وقمر الزمان فقاما وصليا الصبح وأفطرا وشربا القهوة وخرج الجوهري إلى دكانه، وقمر الزمان دخل بيته وإذا بالصبية خرجت من السرداب وهي بصفة جاريةٍ، وكأن أصلها جارية.

ثم توجه إلى دكان الجوهري ومشت خلفه ولم يزل ماشياً وهي خلفه حتى وصل بها إلى دكان الجوهري فسلم عليه وجلس وقال: يا معلم أني دخلت اليوم خان اليسيرجية بقصد الفرجة فرأيت هذه الجارية في يد الدلال فأعجبتني فاشتريتها بألف دينارٍ وقصدي أن تتفرج عليها وتنظر هل هي رخيصة الثمن أم لا وكشف عن وجهها فرآها زوجته وهي لابسةٌ أفخر ملبوسها ومتزينةٌ بأحسن الزينة ومكحلةٌ ومخضبةٌ كما كانت تتزين قدامه في بيته، فعرفها حق المعرفة بوجهها وملبوسها وصيغتها لأنه صاغها بيده ورأى الخواتم التي صاغها جديداً لقمر الزمان في إصبعها وتحقق عنده أنها زوجته من سائر الجهات، فقال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: اسمي حليمة وزوجته اسمها حليمة فذكرت له الاسم بعينه فتعجب من ذلك وقال له: بكم اشتريتها؟ قال: بألف دينارٍ قال: أنك أخذتها بلا ثمنٍ لأن الألف دينارٍ أقل من ثمن الخواتم وملبسها ومصاغها بلا شيءٍ. فقال له: بتسرك الله الخير وحيث أعجبتك فأنا أذهب بها إلى بيتي فقال: افعل مرادك فأخذها وراح إلى بيته ونزلت من السرداب وقعدت في قصرها. هذا ما كان من أمرها.

وأما ما كان من أمر الجوهري فأن النار اشتعلت في قلبه وقال في نفسه: أنا أروح انظر زوجتي فأن كانت في البيت تكون هذه الجارية شبيهتها وسبحان من ليس له شبيهٌ وأن لم تكن زوجتي في البيت تكون هي من غير شك، ثم أنه قام يجري إلى أن دخل البيت فرآها قاعدةً بملبسها وزينتها التي رآها بها في الدكان فضرب يداً على يد وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فقالت له: يا راجل هل حصل لك جنونٌ أو ما خبرك فما هذه عادتك لا بد أن يكون لك أمرٌ من الأمور فقال لها: إذا كان مرادك أن أخبرك فلا تغتمي فقالت: قل، فقال لها: إن التاجر صاحبنا اشترى جاريةً قدها مثل قدك وطولها مثل طولك واسمها مثل اسمك وملبوسها مثل ملبوسك وهي تشبهك في جميع صفاتك وفي إصبعها خواتم مثل خواتمك ومصاغها مثل مصاغك فلما فرجني عليها ظننت أنها أنت وقد تحيرت في أمري، ليتنا ما رأينا هذا التاجر ولا صحبناه ولا جاء من بلاده ولا عرفناه فأنه كدر عيشتي بعد الصفاء وكان سبباً في الجفاء بعد الوفاء وأدخل الشك في قلبي فقالت له: تأمل وجهي لعلي أكون أنا التي كنت معه والتاجر صاحبي وقد لبست بصفة جاريةٍ واتفقت معه على أن يفرجك علي حتى يكيدك فقال: أي شيء هذا الكلام أنا ما أظن بك أن تفعلي مثل هذه الفعال وكان ذلك الجوهري مغفلاً عن مكايدة النساء وما يفعلن مع الرجال. ثم قالت له: ها أنا قاعدةٌ في قصري ورح أنت إليه في هذه الساعة وأطرق الباب واحتل على الدخول عليه بسرعةٍ فإذا دخلت ورأيت الجارية عنده تكون جاريته تشبهني وجل من ليس له شبيه وأن لم تر الجارية عنده أكون أنا الجارية التي رأيتها معه ويكون ظنك السوء بي محققاً فقال: صدقت، ثم تركها وخرج فقامت هي ونزلت من السرداب وقعدت عند قمر الزمان وأخبرته بذلك وقالت له: افتح الباب بسرعةٍ وفرجه علي.

فبينما هما في الكلام وإذا بالباب يطرق فقال: من بالباب؟ قال: أنا صاحبك فأنك فرجتني على الجارية في السوق وفرحت لك بها ولكن ما كملت فرحتي بها فافتح الباب وفرجني عليها، قال: لا بأس بذلك.

ثم فتح له الباب فرأى زوجته قاعدةً عنده فقامت وقبلت يده ويد قمر الزمان وتفرج عليها وتحدث معه مدةً فرآها لا تتميز عن زوجته بشيء فقال: يخلق الله ما يشاء ثم أنه خرج وكثر في قلبه الوسواس ورجع إلى بيته فرآى زوجته جالسةً لأنها سبقته من السرداب حين خرج من الباب.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السبعين بعد التسعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية سبقت زوجها من السرداب حين خرج من الباب، ثم قعدت في قصرها فلما دخل زوجها قالت له: أي شيءٍ رأيت؟ قال: رأيتها عند سيدها وهي تشبهك فقالت: توجه إلى دكانك وحسبك سوء الظن فما بقيت تظن بي سوءً فقال: الأمر كذلك فلا تؤاخذيني بما صدر مني قالت: سامحك الله ثم قبلها ذات اليمين وذات الشمال وراح إلى دكانه فنزلت من السرداب إلى قمر الزمان ومعها أربعة أكياسٍ وقالت: جهز حالك بسرعة للسفر واستعد للتحميل المال بلا إمهال حتى أفعل لك ما عندي من الحيل فطلع واشترى بغالاً وحمل أحمالاً وجهز تخترواناً واشتري مماليك وخدماً وأخرج الجميع من البلد وما بقي له عاقةً وأتى لها وقال: أني أتممت أموري فقالت: وأنا الأخرى قد نقلت بقية ماله وجميع ذخائره عندك وما خليت له قليلاً ولا كثيراً ينتفع به وكل هذا محبةً فيك يا حبيب قلبي فأنا أفديك ألف مرةٍ بزوجي ولكن ينبغي أن تذهب إليه وتودعه وتقول له: أنا أريد السفر بعد ثلاثة أيامٍ وجئت لأودعك فاحسب ما أتجمل لك عندي من أجرة البيت حتى أورده لك وتبرأ ذمتي وانظر ما يكون من جوابه وأرجع إلي وأخبرني وأنا أحتال عليه وأغيظه لأجل أن يطلقني فما أراه إلا متعلقاً بي وما بقي لنا أحسن من السفر إلى بلادك فقال لها: يا حبذا أن صحت الأحلام ثم راح إلى دكانه وجلس عنده وقال: يا معلم أنا مسافرٌ بعد ثلاثة أيامٍ وما جئت إلا لأودعك والمراد أنك بحسب ما تجمل لك عندي من أجرة البيت حتى أعطيه لك وتبرأ ذمتي فقال له: ما هذا الكلام أن فضلك علي والله ما آخذ منك شيئاً من أجرة البيت وحلت علينا البركات ولكنك توحشنا بسفرك ولولا أنه يحرم علي لتعرضت لك ومنعتك عن عيالك وبلادك. ثم ودعه وتباكيا بكاءً شديداً ما عليه من مزيدٍ وقفل الدكان من ساعته وقال في نفسه: ينبغي أن أشبع من صاحبي وصار كلما راح يقضي حاجةً يروح بيته معه فإذا دخل بيت قمر الزمان يجدها فيه وتقف بين أيديهما، وتخدمهما وإذا رجع إلى بيته يراها قاعدةً هناك ولم يزل يراها في بيته إذا دخله ويراها في بيت قمر الزمان إذا دخله مدة ثلاثة أيامٍ، ثم أنها قالت له: أني نقلت جميع ما عنده من الذخائر والأموال والفرش ولم يبق عنده إلا الجارية التي تدخل عليكما بالشراب ولكني لا أقدر على فراقها لأنها قريبتي وعزيزةٌ عندي وكاتمةٌ لسري ومرادي أن أضربها وأغضب عليها وإذا أتى زوجي أقول له: أنا ما بقيت أقبل هذه الجارية ولا أقعد أنا وإياها في بيت فخذها وبعها فيأخذها ليبيعها فاشتريها أنت حتى نأخذها معنا فقال: لا بأس بذلك ثم أنها ضربتها فلما دخل زوجها رأى الجارية تبكي فسألها عن سبب بكائها فقالت: أن سيدتي ضربتني فدخل وقال: ما فعلت هذه الجارية الملعونة حتى ضربتيها؟ فقالت له: يا رجل أني أقول لك كلمةً واحدةً أنا ما بقيت أقدر أنظر هذه الجارية فخذها وبعها وإلا طلقني فقال: أبيعها ولا أخالف لك أمراً ثم أنه أخذها معه وهو خارجٌ إلى الدكان ومر بها على قمر الزمان وكانت زوجته بعد خروجه بالجارية مرقت من السرداب بسرعةٍ، إلى قمر الزمان، فادخلها في التختروان وقبل أن يصل إلى الشيخ الجوهري، فلما وصل إليه ورأى قمر الزمان الجارية معه، قال له: ما هذه؟ قال: جاريتي التي كانت تسقينا الشراب ولكنها خالفت سيدتها ما بقي لها قعودٌ عندها، فقال له: بعها لي حتى أشم رائحتك فيها واجعلها خادمة لجاريتي حليمة فقال: لا بأس خذها فقال له: بكم؟ فقال: أنا لا آخذ الآن منك شيئاً تفضلت علينا فقبلها منه وقال للصبية: قبلي يد سيدك، فبرزت له من التختروان وقبلت يده، ثم ركبت في التختروان وهو ينظر إليها.

ثم قال له قمر الزمان: استودعتك الله يا معلم عبيد أبريء ذمتي فقال له: أبرأ الله ذمتك وحملك بالسلامة إلى عيالك وودعه وتوجه إلى دكانه وهو يبكي وهو عزٌ عليه قمر الزمان لكونه كان رفيقا له والرفق له حقٌ ولكنه فرح بزوال الوهم الذي حصل له من أمر زوجته حيث سافر ولم يتحقق ما ظنه في زوجته، هذا ما كان من أمره.

وأما ما كان من أمر قمر الزمان فأن الصبية قالت له: أن أردت السلامة فسافر بنا على غير طريقٍ معهودةٍ.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الحادية والسبعين بعد التسعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان لما سافر قالت له الصبية: أن أردت السلامة فسافر بنا على غير طريق معهوده فقال: سمعاً وطاعةً، ثم سلك طريقاً غير الطريق التي تعهد الناس المشي فيها ولم يزل مسافراً من بلادٍ حتى وصل إلى حدود قطر مصر ثم كتب كتاباً وأرسله إلى والده مع ساعٍ وكان والده التاجر عبد الرحمن قاعداً في السوق بين التجار وفي قلبه من فراق ولده لهيب النار لأنه من يوم ما توجه ما أتاه من عنده خبرٌ فبينما هو كذلك وإذا بالساعي مقبلٍ وقال لهم: يا سادتي من فيكم اسمه التاجر عبد الرحمن؟ فقالوا له: ما تريد منه؟ قال لهم: أن معي كتاباً من عند ولده قمر الزمان وقد فارقته عند العريش ففرح وانشرح وفرح له التجار وهنوه بالسلامة، ثم أخذ الكتاب وقرأه فرآه من عند قمر الزمان إلى التاجر عبد الرحمن وبعد السلام عليك وعلى جميع التجار فأن سألتم عنا فلله الحمد والمنة فقد بعنا واشترينا وكسبنا، ثم قدمنا بالصحة والسلامة والعافية، فعند ذلك فتح باب الفرح وعمل الولائم وأكثر الضيافات والعزائم وأحضر آلات الطرب وأتى في الفرح بأنواع العجب فلما وصل ولده الصالحية خرج إلى مقابلته أبوه وجميع التجار فقابلوه وأعتنقه والده وضمه إلى صدره وبكى حتى أغمي عليه ولما أفاق قال له: يومٌ مباركٌ يا ولدي حيث جمعنا بك المهيمن القادر. ثم أن التجار تقدموا إليه وسلموا عليه فرأوا معه أحمالاً كثيرةً وخدماً وتخترواناً وهو في دائرةٍ واسعةٍ، فأخذوه ودخلوا به البيت فلما خرجت الصبية من التختروان رآها أبوه فتنة لمن يراها ففتحوا لها قصراً عالياً كأنه كنزٌ انحلت عنه الطلاسم ولما رأتها أمه افتتنت بها وظنت أنها ملكةً من زوجات الملوك ففرحت بها وسألتها فقالت لها: أنا زوجة ولدك قالت أمه: حيث تزوج بك ينبغي لنا أن نقيم لك فرحاً عظيماً حتى نقرح بك وبولدي. هذا ما كان من أمرها.

أما ما كان من أمر التاجر عبد الرحمن فأنه بعد انقضاض الناس وراح كل واحدٍ إلى حال سبيله اجتمع بولده وقال له: يا ولدي ما تكون هذه الجارية عندك وبك اشتريتها؟ فقال له: يا والدي ليست جارية وإنما هي التي كانت سبب غربتي فقال له والده: وكيف ذلك؟ قال: أنها التي كان يصفها لنا الدرويش ليلة ما بات عندنا فأن آمالي تعلقت بها في ذلك الوقت ولا طلبت السفر إلا من أجلها حتى تعريت في الطريق وأخذت العرب أموالي وما دخلت البصرة إلا وحدي وحصل لي كذا وكذا وصار يحكي لوالده من المبتدأ إلى المنتهى فلما فرغ من حديثه قال له: هل مرادك الزواج بها؟ قال: أن كنت تأمرني افعل ذلك وإلا فلا أتزوجها قال له: أن تزوجت بها أكون بريئاً منك في الدنيا والآخرة وأغضب عليك غضباً شديداً كيف تتزوج بها وعي عملت هذه الفعال مع زوجها وكما عملتها مع زوجها على شأنك تعمل معك مثلها على شأن غيرك فأنها خائنةٌ والخائن ليس له أمانٌ فأن كنت تخالفني أكون غضباناً عليك وأن سمعت كلامي أفتش لك على بنتٍ أحسن منها تكون طاهرةً زكيةً أزوجك بها ولو أنفق عليها جميع مالي وأعمل لك فرحاً ليس له نظيرٌ وافتخر بك وبها وإذا قال الناس فلان تزوج فلانة أحسن من أن يقولوا تزوج جاريةً معدومة النسب والحسب وصار يرغب ولده في عدم زواجها ويذكر له في شأن ذلك عبارات ونكتاً وأشعاراً وأمثالاً ومواعظ، فقال له قمر الزمان: يا والدي حيث كان الأمر كذلك لا علاقة لي بزواجها فلما قال قمر الزمان ذلك الكلام قبله أبوه بين عينيه وقال له: حقاً يا ولدي وحياتك لا بد من أن أزوجك بنتاً ليس لها نظير.

ثم أن التاجر عبد الرحمن حط زوجة عبيد الجوهري وجاريتها في قصرٍ عالٍ وقفل عليهما وقيد بهما جاريةً سوداء توصل لهما أكلهما وشربهما وقال لها: أنت وجاريتك تظلان محبوستين في هذا القصر حتى انظر لكما من يشتريكما وأبيعكما له وأن خالفت قتلتك أنت وجاريتك فأنك خائنةٌ ولا خير فيك فقالت له: افعل أنت مرادك فأني استحق جميع ما تفعله معي ثم أقفل عليهما الباب وودى عليهما حريمه وقال: لا يطلع عندهما أحدٌ ولا يكلمهما غير الجارية السوداء التي تعطيهما أكلهما وشربهما من طاقة القصر فقعدت هي وجاريتها تبكي وتتندم على ما فعلت بزوجها. هذا ما كان من أمرها.

وأما ما كان من أمر التاجر عبد الرحمن فأنه أرسل الخطاب يخطبون بنتاً ذات حسب ونسب لولده فما زلن يفتشن وكلما رأين واحدةً يسمعن بأحسن منها حتى دخلن بيت شيخ الإسلام فرأين بنته ليس لها نظيرٌ في مصر وهي ذات حسنٍ وجمالٍ وقدٍ واعتدالٍ لأنها أحسن من زوجة عبيد الجوهري بألف طبقةٍ وأخبرته بها فذهب هو والأكابر إلى والدها وخطبوها منه وكتبوا الكتاب وعملوا فرحاً عظيماً ثم عمل الولائم وعزم في أول يوم الفقهاء فعملوا مولداً شريفاً وثاني يوم عزموا التجار تماماً ثم دقت الطبول وزمرت الزمور وزينت الحارة والخط بالقناديل وفي كل ليلةٍ تأتي سائر أرباب الملاعب يلعبون بأنواع اللعب وكل يوم يعمل ضيافةً لصنفٍ من أصناف الناس حتى عزم العلماء والأمراء والصناجق والحكام. ولم يزل الفرح قائماً مدة أربعين يوماً وكل يومٍ يقعد التاجر ويستقبل الناس وولده يقعد بجانبه ليتفرج على الناس وهم يأكلون من السماط وكان فرحاً ليس له نظيرٌ وفي آخر يومٍ عزم الفقراء والمساكين غريباً وقريباً فصاروا يأتون زمراً ويأكلون والتاجر جالساً وابنه بجنبه فبينما هم كذلك وإذا بالشيخ عبيد زوج الصبية داخل في جملة الفقراء وهو عريانٌ تعبان وعلى وجهه أثر السفر فلما رآه قمر الزمان عرفه فقال لأبيه: انظر يا أبي إلى هذا الرجل الفقير الذي دخل من الباب فنظر إليه فرآه رث الثياب وعليه خلق جلباب يساوي درهمين وفي وجهه اصفرار يعلوه غبار وهو مثل مقاطيع الحجاج ويئن أنين المريض المحتاج ويمشي بتهافتٍ ويميل في مشيه ذات اليمين وذات الشمال وقال: يا ولدي من هذا؟ قال له: هذا المعلم عبيد الجوهري زوج المرأة المحبوسة عندنا فقال له: أهذا الذي كنت تحدثني عنه؟ قال: نعم وقد عرفته معرفةً جيدةً وكان السبب في مجيئه أنه لما ودع قمر الزمان توجه إلى دكانه فجاءته دقة شغل فأخذها واشتغلها في بقية النهار.

وعند المساء قفل الدكان وذهب إلى البيت ووضع يده على الباب فانفتح فدخل فلم ير زوجته ولا الجارية، ورأى البيت في أسوا حالٍ. فلما رأى الدار خاليةً التفت يميناً وشمالاً ثم دار فيه مثل المجنون فلم يجد أحداً وفتح خزنته فلم يجد فيها شيئاً من ماله ولا من ذخائره فعند ذلك أفاق من سكرته وتنبه من غشيته وعرف أن زوجته هي التي كانت تنقلب عليه بالحيل حتى غدرت به فبكى على ما حصل له ولكنه كتم أمره حتى لا يشمت به أحدٌ من أعدائه ولا ينكدر أحدٌ من أحبابه وعلم أنه إذا باح بالسر لا يناله إلا الهتيكة والتعنيف من الناس وقال في نفسه: يا فلان اكتم ما حصل لك من الخبال والوبال وعليك بالعمل.

تم أنه قفل بيته وقصد الدكان ووكل بها صانعاً من صناعه وقال له: أن الغلام التاجر صاحبي عزم علي أن أروح معه إلى مصر بقصد الفرجة وحلف أنه ما يرحل حتى يأخذني معه بحريمي وأنت يا ولدي وكيلي في الدكان وأن سألكم عني الملك فقولوا له أنه توجه بحريمه إلى بيت الله الحرام ثم باع بعض مصالحه واشترى له جمالاً وبغالاً ومماليك واشترى له جاريةً وحطها في تختروان وخرج من البصرة بعد عشرة أيامٍ فودعه أحبابه وسافر والناس لا يظنون إلا أنه أخذ زوجته وتوجه إلى الحج وفرحت الناس وقد أنقذهم الله من حبسهم في المساجد والبيوت في كل يوم جمعةٍ وصار الناس يقولون: لا رده الله إلى البصرة مرةً أخرى حتى لا نحبس في المساجد والبيوت في كل يوم جمعةٍ لأن هذه الحصة أورثت أهل البصرة حسرة عظيمة وبعضهم يقول: أظنه لا يرجع من سفره بسبب دعاء أهل البصرة عليه وبعضهم يقول: أن رجع لا يرجع إلا منكس الحال وفرح أهل البصرة بسفره فرحاً عظيماً بعد أن كانوا في حسرةٍ عظيمةٍ حتى ارتاحت قططهم وكلابهم.

فلما أتى يوم الجمعة نادى المنادي في البلد على العادة بأنهم يدخلون إلى المساجد قبل صلاة الجمعة بساعتين أو يستخفون في البيوت وكذلك القطط والكلاب فضافت صدورهم فاجتمعوا جميعاً وتوجهوا إلى الديوان ووقفوا بين يدي الملك وقالوا له: يا ملك الزمان أن الجوهري أخذ حريمه وسافر إلى حج بيت الله الحرام وزال السبب الذي كنا نحبس لأجله فبأي سببٍ الآن؟ فقال الملك: كيف سافر هذا الخائن ولم يعلمني لكن إذا جاء من سفره لا يكون الأخير وروحوا إلى دكاكينكم وبيعوا واشتروا فقد ارتفعت عنكم هذه الحالة. هذا ما كان من أمر الملك وأهل البصرة.

وأما ما كان من أمر المعلم عبيد الجوهري فأنه سافر عشرة مراحلٍ فحل به ما حل بقمر الزمان قبل دخوله البصرة وطلعت عليه عرب بغداد فعروه وأخذوا ما كان معه وجعل نفسه ميتاً حتى خلص وبعد ذهاب العرب قام وهو عريان إلى أن دخل بلدٍ فحنن الله على أهل البلد الخير فستروا عورته بقطعٍ من الثياب الخلقة وصار يسأل ويتقوت من بلدٍ إلى بلدٍ حتى وصل إلى مصر المحروسة فأحرقه الجوع فدار يسأل في الأسواق فقال له رجل من أهل مصر: يا فقير عليك ببيت الفرح كل واشرب فأن هناك في هذا اليوم سماطٌ للفقراء والغرباء فقال له: لا أعرف طريق بيت الفرح فقال له: اتبعني وأنا أريه لك فتبعه إلى أن وصل إلى بيت الفرح فادخل ولا تخف فما على باب الفرح من حجابٍ. فلما دخل رآه قمر الزمان فعرفه وأخبر به أباه ثم أن التاجر عبد الرحمن قال لولده: يا ولدي أتركه في هذه الساعة ربما يكون جائعاً فدعه يأكل حتى يشبع ويسكن روعه وبعد ذلك نطالبه فصبرا عليه حتى أكل واكتفى وغسل يديه وشرب القهوة والشربات السكر الممزوجة بالمسك والعنبر وأراد أن يخرج فأرسل خلفه والد قمر الزمان فقال له الرسول: تعالى يا غريب كلم التاجر عبد الرحمن قال: ما يكون هذا التاجر؟ فقال له الرسول: أنه صاحب الفرح فرجع وظن أنه يعطيه إحسانا فلما أقبل على التاجر رأى صاحبه قمر الزمان فغاب عن الوجود من الحياء منه وقام له قمر الزمان على الأقدام وأخذه بالأحضان وسلم عليه وتباكيا بكاءً شديداً ثم أجلسه بجانبه فقال له أبوه: يا عديم الذوق ما هذا شأن ملاقاة الأصحاب أرسله أولا إلى الحمام وأرسل إليه بدلةً تليق به وبعد ذلك أقعد معه وتحدث أنت وإياه فصاح على بعض الغلمان وأمرهم أن يدخلوه الحمام وأرسل إليه بدلة من خاص الملبوس تساوي ألف دينارٍ وأكثر من ذلك المبلغ وغسلوا جسده وألبسوه البدلة فصار كأنه شاه بندر التجار وكان الحاضرون سألوا قمر الزمان حين غيابه في الحمام وقالوا له: من هذا؟ أأأووو ومن أين تعرفه؟ فقال: هذا صاحبي وقد أنزلني في بيته وله علي إحسان لا يحصى فأنه أكرمني إكراماً زائداً وهو من أهل السعادة والسيادة وصنعته جوهري ليس له نظيرٌ وملك البصرة يحبه حباً كثيراً وله عنده مقامٌ عظيمٌ وكلامٌ نافذٌ وصار يبالغ لهم في مدحه ويقول: أنه عمل معي كذا وكذا وأنا صرت في حياءٍ منه ولا أدري ما أجازيه به في مقابلة ما صنعه من الإكرام ولم يزل ينفي عليه حتى عظم قدره عند الحاضرين وصار مهاباً في أعينهم فقالوا: نحن كلنا نقوم بواجبه وإكرامه من شأنك ولكن مرادنا أن نعرفه ما سبب مجيئه إلى مصر وما سبب خروجه من بلاده وما فعل الله به حتى صار في هذه الحالة؟ فقال لهم: يا ناس لا تتعجبوا أن ابن آدم تحت القضاء والقدر وما دام في هذه الدنيا لا يسلم من الآفات.

أعلموا أني أنا دخلت البصرة في أسوأ من هذا الحال وأشد من هذا النكال لأن هذا الرجل دخل في مصر مستور العورة بالخلقان وأما أنا فأني دخلت بلاده مكشوف العورة يدٌ من خلف ويدٌ قدام ولا نفعني إلا الله وهذا الرجل العزيز والسبب في ذلك أن العرب عروني وأخذوا جمالي وبغالي وأحمالي وقتلوا غلماني ورجالي ورقدت بين القتلى فظنوا أني ميتٌ فذهبوا وفاتوني وبعد ذلك قمت ومشيت عرياناً إلى أن دخلت البصرة فقابلني هذا الرجل وكساني وأنزلني في بيته وقواني بالمال وجميع ما أتيت به معي ليس إلا من الله ومن خيره فعندما سافرت أعطاني شيئاً كثيراً ورجعت إلى بلادي مجبور الخاطر وفارقته وهو في سيادةٍ فلعله حدث له بعد ذلك نكبةٌ من نكبات الزمان أوجبت له فراق الأهل والأوطان وجرى له في الطريق مثل ما جرى لي ولا عجب في ذلك ولكن ينبغي لي الآن أن أجازيه على ما صنع معي من كريم الفعال وأعمل بقول من قال. فبينما هم في هذا الكلام وأمثاله وإذا بالمعلم عبيد مقبلاً عليهم كأنه شاه بندر التجار فقام إليه الجميع وسلموا عليه وأجلسوه في الصدر، وقال له قمر الزمان: يا صاحبي نهارك سعيدٌ مباركٌ، لا تحك على شيءٍ جرى علي قبلك فأن كان العرب عروك ونهبوا منك مالك فأن المال فداء الأبدان فلا تغم نفسك فأني وصلت بلادك عرياناً وقد كسوتني وأكرمتني ولك علي الإحسان الكثير فأنا أجازيك.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والسبعين بعد التسعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن قمر الزمان لما قال للمعلم عبيد الجوهري أني وصلت بلادك عرياناً وقد كسوتني ولك علي الإحسان الكثير فأنا أجازيك وافعل معك كما فعلت معي بل أكثر من ذلك فطب نفساً وقر عيناً، وصار يطيب بخاطره ومنعه من الكلام لئلا يذكر زوجته وما فعلت معه، ولم يزل يعظه بمواعظٍ وأمثالٍ وأشعارٍ ونكتٍ وحكاياتٍ ويسليه فلحظ الجوهري ما أشار إليه قمر الزمان من الكتمان فكتم ما عنده وتسلى بما سمعه من الحكايات والنوادر. ثم أن قمر الزمان ووالده التاجر عبد الرحمن أخذا الجوهري وذهبا به إلى قاعة الحريم واجتمعا به فقال له التاجر عبد الرحمن: نحن ما منعناك من الكلام إلا خوفاً من الفضيحة في حقك وحقنا ولكن نحن الآن في خلوةٍ فأفدني بما جرى بينك وبين زوجتك، فشرح له القضية من المبتدأ إلى المنتهى، فلما فرغ من قصته قال له: هل الذنب من زوجتك أو من ولدي؟ قال له: والله أن ولدك ما عنده ذنبٌ لأن الرجال لهم طمعٌ في النساء والنساء عليهن أن يمتنعن عن الرجال، فالعيب عند زوجتي التي خانتني وفعلت معي هذه الفعال.

فقام التاجر واجتمع بولده وقال له: يا ولدي أننا اختبرنا زوجته وعرفنا أنها خائنةٌ ومرادي الآن أن أختبره وأعرف هل هو صاحب عرضٍ ومروءةٍ أو هو ديوثٌ، فقال له: وكيف ذلك؟ فقال له: مرادي أن أحمله على الصلح مع زوجته فأن رضي بالصلح وسامحها فأني أضربه بالسيف فأقتله وبعد ذلك أقتلها هي وجاريتها لأنه لا ينفع في حياة الديوث والزانية وأن نفر منها فأني أزوجه شقيقتك وأعطيه أكثر من ماله التي تناولته منه.

ثم أنه عاد إليه وقال له: يا معلم أن معاشرة النساء تحتاج إلى طول البال ومن كان يهواهن فأنه يحتاج إلى سعة الصدر لأنهن يعربدن الرجال ويؤذينهن لعزتهن عليهن بالحسن والجمال فيستعظمن أنفسهن ويحتقرن الرجال ولا سيما إذا أبانت لهن المحبة من بعولتهن فيقابلنه بالتيه والدلال وكريه الفعال من جميع الجهات، فأن كان الرجل يغضب كلما رأى من زوجته ما يكره فلا يحصل بينه وبينها عشرةٌ ولا يوافقهن إلا من كان واسع البال كثير الاحتمال وأن لم يحتمل الرجل زوجته ويقابل إساءتها بالسماح فأنه لا يحصل له في عشرتها نجاح، وقد قيل في حقهن: لو كن في السماء لمالت إليهن أعناق الرجال ومن قدر وعفا كان أجره على الله.

وهذه المرأة زوجتك ورفيقتك وقد طالت عشرتها معك فينبغي أن يكون عندك لها السماح وهذا في العشرة من علامات النجاح، والنساء ناقصات عقلٍ ودينٍ وهي أن أساءت فأنها قد تابت وأن شاء الله لا تعود إلى فعل ما كانت تفعله أولاً، فالرأي عندي أنك تصطلح أنت وإياها وأنا أرد لك أكثر من مالك وأنت أقمت عندي فمرحباً بك وبها وليس لكما إلا ما يسركما وأن كنت تطلب التوجه إلى بلادك فأنا أعطيك ما يرضيك وها هو التختروان حاضرٌ فركب زوجتك وجاريتها فيه وسافر إلى بلادك والذي يجري بين الرجل وزوجته كثيرٌ فعليك بالتيسير ولا تسلك التعسير.

فقال الجوهري: يا سيدي وأين زوجتي فقال له ها هي في هذا القصر فاطلع إليها واسترض بها من شأني ولا تشوش عليها فان ولدي لما أتى بها وطلب زواجها منعته عنها ووضعتها في هذا القصر وقفلت عليها وقلت في نفسي ربما يجيء زوجها فأسلمها إليه لأنها جميلة الصورة والتي مثل هذه لا يمكن زوجها أن يفوتها والذي حسبته حصل والحمد لله تعالى على اجتماعك بزوجتك، وأما من جهة ابني فأني خطبت له وزوجته غيرها وهذه الولائم والضيافات من أجل فرحه، وفي هذه الليلة أدخله على زوجته وها هو مفتاح القصر الذي فيه زوجتك فخذه وافتح الباب وادخل على زوجتك وجاريتك وانبسط معها ويأتيكم الأكل والشرب ولا تنزل من عندها حتى تشبع منها، فقال جزاك الله عني كل خيرٍ: ثم تناول المفتاح وطلع فرحاً فظن التاجر أن هذا الكلام أعجبه وأنه رضي به فأخذ السيف وتبعه من وراءه بحيث لم يره ثم وقف ينظر ما يحصل بينه وبين زوجته. هذا ما كان من أمر التاجر عبد الرحمن. وأما ما كان من أمر الجوهري فأنه دخل على امرأته فرآها تبكي بكاءً شديداً بسبب أن قمر الزمان تزوج بغيرها ورأى الجارية تقول لها كم نصحتك يا سيدتي وقلت لك أن هذا الغلام لا ينالك منه خيرٌ فاتركي عشرته فما سمعت كلامي حتى نهبت جميع مال زوجك وأعطيته له وبعد ذلك فارقت مكانك وتعلقت في هواه وأتيت معه في هذه البلاد وبعد ذلك رماك من باله وتزوج بغيرك ثم جعل آخر تلفك به الحبس، فقالت لها اسكتي يا ملعونة فأنه وأن تزوج بغيري لا بد أن أخطر يوماً على باله، فأنا لا أسلوا مسامرته فلا بد أن يتذكر عشرتي وصحبتي ويسأل عني وأنا لا أرجع عن محبته ولا أحول عن هواه ولو مت في السجن فأنه حبيبي وطبيبي وعشمي منه أنه يرجع إلي ويعمل معي انبساطاً فلما سمعها زوجها تقول هذا الكلام دخل عليها وقال لها يا خائنة أن عشمك فيه مثل عشم إبليس في الجنة كل هذه العيوب فيك وأنا ما عندي خبرٌ ولو علمت أن فيك عيباً من هذه العيوب ما كنت قنيتك عندي ساعةً واحدةً ولكن حيث تيقنت فيك ذلك ينبغي أن أقتلك ولو قتلوني فيك يا خائنة ثم قبض عليها بيديه الاثنتين.

ثم اتكأ على زمارة حلقها وكسرها فصاحت الجارية وأسيدتاه فقال يا عاهرة العيب كله منك حيث كنت تعرفين أن فيها هذه الخصلة ولم تخبريني ثم قبض على الجارية وخنقها كل ذلك حصل والتاجر ممسكٌ السيف بيده وهو واقفٌ خلف الباب يسمع بأذنه ويرى بعينه ثم أن عبيد الجوهري لما خنقهما في قصر التاجر كثرت عليه الأوهام وخاف عاقبة الأمر وقال في نفسه أن التاجر إذا علم أني قتلتهما في قصره، لا بد أنه يقتلني ولكن اسأل الله أن يجعل قبض روحي على الإيمان وصار متحيراً في أمره ولم يدر ماذا يفعل.

فبينما هو كذلك وإذا بالتاجر عبد الرحمن دخل عليه وقال له لا بأس عليك أنك تستاهل السلامة وانظر هذا السيف الذي في يدي فأنا كنت مضمراً على أن أقتلك أن صالحتها ورضيت عليها وأقتل الجارية وحيث فعلت هذه الفعال فمرحباً بك، ثم مرحباً وما جزاؤك إلا أن أزوجك ابنتي أخت قمر الزمان ثم أنه أخذه ونزل به وأمر بإحضار الغاسلة وشاع الخبر أن قمر الزمان ابن التاجر عبد الرحمن جاء بجاريتين معه من البصرة فماتتا فصار الناس يعزونه ويقولون له تعيش رأسك وعوض الله عليك، ثم غسلوهما وكفنوهما ولم يعرف أحدٌ حقيقة الأمر هذا ما كان من أمر عبيد الجوهري وزوجته وجاريته.

وأما ما كان من أمر التاجر عبد الرحمن فأنه أحضر شيخ الإسلام وجميع الأكابر وقال له شيخ الإسلام اكتب كتاب بنتي كوكب الصباح على المعلم عبيد الجوهري ومهرها قد وصلني بالتمام والكمال فكتب الكتاب وسقاهم الشربات وجعلوا الفرح واحداً وزفوا بنت شيخ الإسلام زوجة قمر الزمان وأخته كوكب الصباح زوجة المعلم عبيد الجوهري في تختروان واحدٍ في ليلةٍ واحدةٍ وفي المساء زفوا قمر الزمان والمعلم عبيد سواءً وأدخلوا قمر الزمان على بنت شيخ الإسلام وأدخلوا المعلم عبيداً على بنت التاجر عبد الرحمن فلما دخل عليها رآها أحسن من زوجته وأجمل منها بألف طبقةٍ.

ثم أنه أزال بكارتها ولما أصبح دخل على التاجر عبد الرحمن وقال يا عم أني اشتقت إلى بلادي ولي فيها أملاكٌ وأرزاقٌ وكنت أقمت فيها صانعاً من صناعي وكيلاً عني وفي خاطري أن أسافر إلى بلادي لأبيع أملاكي وأرجع إليك فأن تأذن لي في التوجه إلى بلادي من أجل ذلك فقال له يا ولدي قد أذنت لك ولا لوم عليك في هذا الكلام فأن حب الوطن من الإيمان والذي ما له خير في بلاده ما له خير في بلاد الناس وربما أنك إذا سافرت بغير زوجتك ودخلت بلادك يطيب لك فيها القعود وتصير متحيراً بين رجوعك إلى زوجتك وقعودك في بلادك فالرأي الصواب أن تأخذ زوجتك معك وبعد ذلك أن شئت الرجوع إلينا فارجع أنت وزوجتك ومرحباً بك وبها لأننا ناس لا نعرف طلاقاً ولا تتزوج منا امرأةٌ مرتين ولا تهجر إنساناً بطراً فقال يا عم أخاف أن ابنتك لا ترضى بالسفر معي إلى بلادي فقال له يا ولدي: نحن ما عندنا نساء تخالف بعولتهن ولا نعرف امرأة تغضب على بعلها فقال له بارك الله فيكم وفي نسائكم. ثم أنه دخل على زوجته وقال لها أنا مرادي السفر إلى بلادي فما تقولين قالت أن أبي يحكم علي ما دمت بكراً وحيث تزوجت فقد صار الحكم كله في يد بعلي وأنا لا أخالفه فقال لها بارك الله فيك وفي أبيك ورحم الله بطناً حملتك وظهراً ألقاك، ثم بعد ذلك قطع علائقه وأخذ في العلو فأعطاه عمه شيئاً كثيرا وودعا بعضهما ثم أخذ زوجته وسافر ولا يزال مسافراً حتى دخل البصرة فخرجت لملاقاته الأقارب والأصحاب وهم يظنون أنه كان في الحجاز وصار بعض الناس فرحاناً بقدومه وبعضهم مغموماً لرجوعه إلى البصرة وقال الناس لبعضهم أنه يضيق علينا في كل جمعةٍ بحسب العادة ويحبسنا في الجوامع والبيوت حتى يحبس قططنا وكلابنا هذا ما كان من أمره.

وأما ما كان من أمر الملك فأنه لما علم بقدومه غضب عليه وأرسل إليه وأحضره بين يديه وعنفه وقال له كيف تسافر ولم تعلمني بسفرك فهل كنت عاجزاً عن شيءٍ أعطيه لك لتستعين به على الحج إلى بيت الله الحرام فقال له العفو يا سيدي والله ما حججت ولكن جرى لي كذا وكذا وأخبره بما جرى له مع زوجته ومع التاجر عبد الرحمن المصري، وكيف زوجه ابنته إلى أن قال له وقد جئت بها إلى البصرة فقال له والله لولا أني أخاف من الله تعالى لقتلتك وتزوجت بهذه البنت الأصلية من بعدك ولو كنت انفق عليها خزائن الأموال لأنها لا تصلح إلا للملوك ولكن جعلها الله من نصيبك وبارك الله لك فيها فاستعوض بها خيراً.

ثم أنه أنعم على الجوهري ونزل من عنده وقعد معها خمس سنواتٍ وبعد ذلك توفي إلى رحمة الله تعالى فخطبها الملك، فما رضيت وقالت أيها الملك أنا ما وجدت في طائفتي امرأةً تزوجت بعد بعلها فأنا لا أتزوج أحداً بعد بعلي فلا أتزوجك ولو كنت تقتلني فأرسل يقول لها هل تطلبين التوجه إلى بلادك فقالت إذا فعلت خيراً تجازى به فجمع لها جميع أموال الجوهري وزادها من عنده على قدر مقامه، ثم أرسل معها وزيراً من وزرائه مشهوراً بالخير والصلاح وأرسل معه خمسمائة فارسٍ فسار بها ذلك الوزير حتى أوصلها إلى أبيها وأقامت من غير زواجٍ حتى ماتت ومات الجميع وإذا كانت هذه المرأة ما رضيت أن تبدل زوجها بعد موته بسلطانٍ كيف تسوى بمن تبدله في حال حياته بغلامٍ مجهول الأصل والنسب وخصوصاً إذا كان ذلك في السفاح وعلى غير طريق سنة النكاح ومن ظن أن النساء كلهن سواءٌ فأن داء جنونه ليس له دواء فسبحان من له الملك والملكوت هو الحي الذي لا يموت.


.

Turkish-artist-Ramzi-Taskiran
Turkish-artist-Ramzi-Taskiran-1.jpg
  • Like
التفاعلات: Maged Elgrah

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى