قصة ايروتيكة صنع الله إبراهيم - الجليد - الحلقة الخامسة..

(60)
بدأت عمليات طلاء الجدران السنوية استعداداًَ للفصل الدراسى القادم واستغلالا لخلو الأبشجيتى من الطلاب. سألتنى القومندانة إذا كنت سأسافر مثل الآخرين. أجبت بالنفى. طلبت منى إخلاء الحجرة لدهانها وعرضت على غرفة أخرى فى مواجهتها تستخدم مخزنا. كانت صغيرة بلا نوافذ وبفراش واحد. تعثرت فى درجة سلم بمدخلها. وقفت فى منتصفها شاعرا بالاختناق. غادرت الغرفة وسرت فى الكوريدور. كان عمال الدهان يفترشون الأرض شويحتسون الفودكا. وقفت أتأملهم فقال لى أحدهم: لا تسئ الفهم، نحن الطبقة العاملة. ركبت إلى وسط المدينة. ذهبت إلى مكتبة لينين التى تضم ملايين الكتب. دلفت من الأبواب الثلاثية وأعطيت حقيبتى ومعطفى للبابوشكا خلف كاونتر المعاطف ثم عرضت بطاقتى القديمة على حارس مسلح فى كشك زجاجى. وقعت باسمى فى دفتر وأضفت الوقت. على رأس سلم حجرى وتحت السقف المقبب بحر من الكبائن الخشبية. سجلت الكتب التى أريدها فى رق من الكرتون أعطيته للموظف المختص فوضعه فى علبة معدنية أطلقها داخل أنبوب إلى أعماق المكتبة. مضيت إلى إحدى قاعات المطالعة فوق بساط أخضر بال. انتقلت إلى الغرفة المخصصة للتدخين. بعد ساعة من الانتظار تسلمت الكتب التى طلبتها. غادرت المكتبة ومشيت على غير هدى. وقفت أمام مطعم صوفيا فى طابور طويل. وكان النوادل يخرجون ليتصيدوا الأجانب ويصحبوهم إلى الداخل. أشار لى أحدهم بالدخول فاحتج روسيان أمامى. ثم دعانى واحد آخر فتبعته. لحق بنا النادل الأول وأراد أن يتولانى وأوشك الاثنان أن يتشاجرا. أكلت سوليانكا باللحم وسلاطة خضار بالمايونيز. تسللت الفودكا إلى معدتى فدبت الحرارة فى جسدى كله. ركبت الترام. وقفت إلى جانب امرأة عند عداد النقود. كانت أربعينية ذات وجه لطيف رغم امتلائه بالأصباغ. كانت تمسك بمظلة صغيرة مطوية. فكرت أنها عائدة من نزهة يوم أحد محبطة. تحركنا إلى الداخل. شعرت بمؤخرتها خلفى فداعبتها بمؤخرتى. بادلتنى الضغط. نزلت عند سينما ألماز. فيلم مصرى: «الحب المحرم». مديحة يسرى وشكرى سرحان. زحام هائل. تابع المتفرجون فى اهتمام مشكلة امرأة فى الأربعين تستيقظ مشاعرها بعد طول إهمال. لكن الضحك لم ينقطع فى المواقف الميلودرامية الساذجة. وكانوا لازالوا يضحكون عندما انتهى العرض. انطلقت فى شارع هادئ تظلله الأشجار ويجرى فيه الترام. أخذت المترو وغيرته فى محطة اكتابريسكايا. زحام العائدين من الأمسيات الصيفية بالضواحى. صعدت درجات الأبشجيتى التى ران عليها صمت غريب. فتحت باب غرفتى وأنا أتلفت حولى. تمددت على الفراش وتناولت رواية «الصيف الأكثر حزنا للسيد ص» لكاتب أمريكى. حلمت أن كل أسنانى وقعت وحملتها فى فمى. كانت كثيرة ودقيقة وخشيت أن أبتلع بعضا منها قبل أن ألحق بالطبيب. أعاد تركيبها وأصبحت ثابتة. شعرت بالارتياح وإذا بها تتخلخل وتقع من جديد.

(61)
قالت جريدة أزفستيا فى معرض الحديث عن محاكمة المنشقين فى موسكو إن هناك علاقة بين ألكسندر زولجينتسين وجريدة سرية تنشر أنباء المعارضة. وقالت إن أسماء أربعة صحفيين أجانب وردت فى المحاكمة المغلقة، التى اعترف فيها اثنان من المتهمين، أحدهما مؤرخ والثانى باحث اقتصادى، بأنهما عميلان بأجر لجماعات معادية للسوفييت بالخارج، وأنهما نشرا «حوليات الأحداث الجارية»، النشرة الإخبارية السرية المكتوبة على الآلة الكاتبة، وأن الصحفيين الأجانب مراسلون لـ نيوزويك والأسوشيتد برس، وكانوا حلقة اتصال بين المتهمين و«مراكز أجنبية معادية للسوفييت». قالت أيضاً إن عالم الفيزياء زاخاروف التقى بالمتهمين فى حفلات أقامها صحفيون أجانب. ونشرت الأزفستيا خطابا مفتوحا من 13 كاتباً بارزاً يهاجمون زولجينستين وزاخاروف. وبين الموقعين على عريضة الكتاب شولوخوف مؤلف «الدون الهادئ» وسيمونوف وأيتماتوف. وفى اليوم التالى قالت الصحيفة إن المدعى طلب أحكاما مخففة على المتهمين على أساس أنهما تحولا إلى شهود للدولة. وقال إنه نظراً لتوبتهما الصادقة يطلب لكل منهما ثلاث سنوات سجن وبعدها ثلاث أخرى من النفى. ويعنى النفى إقامة جبرية فى جزء ناءٍ من البلاد.

(62)
نتهى أخيراً دهان الجدران والغرف فى الطابق. وعدت إلى غرفتى. نظيفة ومبهجة رغم رائحة الدهان. وقفت أتأمل مشارف الغابة أمام النافذة المفتوحة. عملت فى الصحف وغسلت بعض الملابس. خرجت إلى مكتب البريد. الجو جميل بسبب الدفء. رائحة الجو مثيرة. جسمى كله فى حالة إثارة. تلفنت لـ جاليا. كان التليفون مشغولاً. تلفنت مرة أخرى فردت على. ذكرت اسمى. قالت: لا أسمع جيداً. قلت: أريد ناتاشا.قالت: ليست هنا. هل يمكن أن أبلغها شيئا؟ قلت: فقط بطاقتها أريد أن أعيدها إليها، لقد وعدت بالمجىء لتأخذها لكنها لم تفعل. قالت: ربما ليست فى حاجة إليها، هل عاد هانز؟ قلت: ربما يعود فى نهاية الشهر. قالت: إذن سنزوركم عند ذلك، دازفدانيا، إلى اللقاء.

(63)
لم أجد رغبة فى ممارسة تمارين الصباح. استحممت وغادرت المبنى. أقلنى الترولى باص إلى ميدان بوشكين. نزلت ومشيت من أمام المبانى القديمة الرحبة، وبنايات عهد ستالين المتجهمة ثم المبانى الحكومية الضخمة بلونيها الوردى والأخضر أو الأصفر واللبنى، والأخرى السكنية من أيام خروشوف. مررت من أمام تمثال بوشكين البرونزى الذى كان محنى الرأس فى أسى. بدا مسرح راسيا الضخم وعبر الشارع مبنى جريدة الأزفستيا. الميدان مزدحم بالمارة والناقلات والحافلات. مررت من أمام واجهة محل الحلوى التى ضمت نموذجاً بلاستيكياً متوهجاً لكعكة. حانوت أحذية لا يهتم به أحد لأن محتوياته ليست وفقاً للموضة. فى واجهة حانوت الأسماك كانت المياه تتساقط فوق نموذج كبير لسمكة. وبداخله بسكويت وأسماك معلبة فقط فلم تكن هناك طوابير. لكن النساء كن ينتقلن من حانوت لآخر حاملات شبكاتهن وكلهن آذان وعيون منتبهة وعند أى بادرة من بائعة أو ناقلة سلع يدركن أن شيئاً قد وصل: سمك طازج أو سوسيس أو دجاج. دخلت حانوتا لأسطوانات الموسيقى. اشتريت سيرينادا تشايكوفسكى ومعها «النزوة الإيطالية». سمعت فى الحانوت صوت موسيقى رائعة على الأرغن واشتريت الأسطوانة: آريا هندل بتوزيع حديث وأغنية «البجعة» لسان هانس ورومانس شوستاكوفتش ثم كريسلر وعلى الوجه الآخر توكاتا وفوجة باخ. اشتريت أيضاً أغنية «لم يعد من المعركة». شعرت بامرأة تلتصق بى من الخلف. حركت فخذيها بحيث تحتوى إحدى فلقتى مؤخرتى. رمقتها بركين عينى فرأيت وجهاً لطيفاً لامرأة خمسينية. انتهيت من عملية الشراء والتفت بحثاً عنها فلم أجدها.

(64)
عاد هانز مع بدء الدراسة. أحضر معه زجاجة ويسكى وشيكولاتة غربية وعددا من مجلة بلاى بوى الأمريكية بها عدة تصور ملوك المصريين الفراعنة فى أوضاع جنسية معاصرة. ذهبت أنا وهانز سويا إلى المعهد. وصف لى رد فعل الألمان لوفاة أولبريشت، الزعيم الشيوعى الذى كان رئيسا للحزب ولألمانيا الشرقية، بأنه كان بارداً. لمحت فتاة رقيقة ذات شفتين ناعمتين ووجه ملىء بالبثور مما أعطاها حسية واضحة. ابتسمت لهانز فخاطبها وتعرفنا بها. مجرية تدعى يوديت. علقت على لغتى الروسية المتعثرة قائلة إنها ستتحسن سريعاً. أعطتنا عنوان المنزل الذى تقيم فيه مع زميلاتها بحى تاجانكا. لمحنا زويا مع زميلة لها فابتعد هانز. رأيت فلاديمير يقترب منها. مدت يدها إليه فى برود. وبدأ هو يتكلم. فى اللحظة التالية لمحتنى. بسطت ذراعى نحوها. احتضنتها قائلاً إنها أوحشتنى جداً. قالت سأمر عليك ومشت. كان وجهها ممتلئأ بالصورة الروسية التقليدية. فقد سحره القديم. تبعها فلاديمير وغادرا المعهد سوياً.

(65)
استوقفتنى كلمات الكاتب الأمريكى ثورنتون وايلدر: «الحب الذى يتغنى به الشعراء ليس إلا الرغبة فى أن يكون المرء محبوباً وأن يكون - فى خضم نفايات الحياة - المركز الثابت لاهتمام أحد آخر».

(66)
اشتريت 2 كيلو من الفلفل الأخضر ووضعته فى برطمان زجاجى بعد أن أضفت المياه والملح. اتفقنا أنا وهانز على أن أذهب ليوديت وأدعوها عندنا. كان الجو دافئا قليلاً بعد الغروب. عثرت على منزلها. عندما اقتربت منه لحظت ثلاثة أشخاص: شابا طويلاً وفتاتين، إحداهما يوديت. تعرفت عليها فى الظلام. توقفت وصافحتها. قلت: أنا قادم إليك. قدمتنى لزميلتها وصافحتها. سألتنى يوديت: كيف حال اللغة الروسية؟ لم أجب. مددت يدى مصافحا قائلا إنى سأمر عليها. قالت: نحن دائماً فى البيت مساء. لم تمد يدها أولا ثم مدتها. انصرفت وواصلت طريقى. ثم تبينت أنى لا أعرف وجهتى. فعدت على الناحية الأخرى. وقفت أنتظر الباص طويلا مع فتاة خارجة من محل كوافير وقد صففت شعرها وغطته. ركبت الترولى الذى أخذنى بعيداً. صعد شاب ثمل ووقف يترنح عند المدخل. نزلت فى آخر الخط. أخذت تاكسى إلى الأبشجيتى، وجدت هانز فى المطبخ. سألنى عما فعلت. قلت إنى لا أنفع فى شىء.

(67)
فى المترو وقفت إلى جوار امرأة ذات مؤخرة بارزة وجسم طويل. احتككت بها طويلاً. بشعور بائس صعدت السلم المتحرك. انتشرت بائعات الفواكه خارج المحطة. اشتريت نصف كيلو برقوق ونصف كيلو كمثرى وكيلو عنب. بحثت عن طماطم بلا جدوى. الباص شبه فارغ. أربعينية ذات عيون سوداء واسعة وشفاه ممتلئة شبعت تقبيلاً بحكم سنها. ملامحها إسبانية لكنها روسية وجسمها غير متناسق. ترتدى حذاء على الموضة بقاع خشبى مرتفع، تتأمله كثيراً فى إعجاب. مررت بالحانوت لأبحث عن طماطم وزبد وخبز. لم أجد. كانت هناك فلاحة روسية على الرصيف تبيع حزمات الفجل الأحمر المبهج. اشتريت منها. وجدت هانز مستلقياً فوق فراشه بملابس الخروج. أفطر توا. جلست على فراشى متصنعا المرح. ملأت كأس نبيذ. قال إنه سيذهب إلى المعلمة تاتيانا. طُرق الباب وسمعت صوت زويا: هل أستطيع الدخول عندكم؟ حيتنى وخلعت معطفها الخفيف. جلست وهى تقول فى مرح: أنا سكرانة اليوم. سألها هانز: كيف؟ قالت: فوق، كنت عند واحدة واحضروا عدة زجاجات من النبيذ. سألتها عن فلاديمير. قالت: مللته. أبدى هانز ملاحظة ساخرة. قلت له: هل تنتظر من هذه الفتاة التى تحبك أن تتغاضى عن تجاهلك لها وتظل تتعبد لك حتى تتنازل بالالتفات إليها؟ قالت: فعلاً. وقفت ووضعت يدى على رأسها قائلاً: أنا الوحيد الذى يحبك. قالت: أعرف. أريد أن أشرب. صببت لها نصف كأس. قامت وجلست بجوارى. ألصقت خدى بخدها. كان هانز يجلس أمامنا. انتظرت أن يخرج كما أعلن ويتركنا سوياً. سألتها إذا كانت أكلت. قالت: أجل. فجذبتها إلى وقبلتها فى خدها فأعطتنى شفتيها وفى عينيها نظرة غائبة وعلى وجهها ابتسامة ملائكية. كانت ثملة. أخرجت عدة اسطوانات منها اسطوانة «الفالس الأخير» التى رقصنا عليها مرات قبل ذلك. تنقلت فى أرجاء الغرفة منتظرا أن ينصرف. أدرت الأسطوانة فبدأت النغمة الأولى. انصرف هانز أخيراً عندما بدأت النغمة السريعة الحركة. وقفنا نرقص متباعدين وهى تتحرك بصعوبة. جذبتها إلى صدرى واحتضنتها خدا إلى خد. بدأت النغمة الثالثة الحالمة، فقبلتها فى فمها. شفتاها رقيقتان. رائحة فمها حلوة. أمطرتها بقبلات صغيرة حتى توهجت شفتاها تحت فمى. كانت عيناها مغمضتين تماماً. حركت لسانى داخل فمها.التصقت بها ونحن نتحرك حركة بسيطة على ايقاع الموسيقى وهى تبادلنى الحك. جذبتها فى رفق إلى الفراش. غمغمت: نيت، لا. لكنها لم تقاوم. قالت: أدخن. أشعلت لها سيجارة وجلسنا متجاورين. قلت: أنت تحبين هانز. قالت: لا أعرف، لكنى أحمل له مشاعر طيبة. أخذت منها السيجارة وبدأت أقبلها قالت: أشرب. قلت: لا أريدك سكرانة. وضعت لها قليلا من النبيد. قلت لها إنى أحبها ودائما كنت أريدها. قالت إنها تحمل لى مشاعر طيبة. قبلت أذنها. ضحكت فى رقة وتقلص وجهها فى اتسامة طفولية. قالت: أنت تزغزغنى. تمددنا على الفراش والتحم لسانانا. شعرت بمتعة رائعة من تقبيلها، من ملمس خدها وشعرها. أغمضت عينيها تماما. جعلت أتحسس ملابسها وأردت أن أخلع الجوبة فرفضت. مددت يدى بين ساقيها. كان جوربها ينتهى عند نهاية فخذيها. عثرت على الكيلوت فوضعت يدى داخله ودعكت شعرها برفق. فرجت ساقيها. أردت أن أخلع لها سترتها فرفضت ففككت زرارا وأخرجت ثديا صغيراً، بحلمة طويلة. مصصتها فبدأت ترتعش تحتى وتتنهد. لم تكن مبللة. حاولت مرة أخرى أن أخلع ملابسها التحتية. رفضت وقامت واقفة قائلة شيئاً ما لم أتبينه. عدت استمتع بدعك خدى لصق خدها. ثم بقبلات خفيفة على شفتيها حتى تدب فيهما الحرارة والبلل وينفرجان ليحتويا شفتى. جذبتها ووقفنا نرقص وأنا أحك جسمى فى جسمها وهى تنحنى قليلاً لتصبح فى مستواى وتحك بنشاط مغمضة العينين. سألتها إن كانت جائعة فقالت إنها لم تأكل من يومين. انهمكت فى إعداد طعام. وصعدت هى إلى أعلى لتغتسل. عادت وجلست على حافة النافذة. أزاحت خصلة من شعرها خلف أذنها وقالت: هل تذكر عندما ذهبنا نسمع موتسارت سوياً وشربنا بيرة وكيف إنى لم أعجب بالقسم الأول من الكونشرتو. قلت: الصيف كان رديئا بالنسبة لى، وكنت بمفردى طول الوقت. قالت إنى الوحيد الذى ابتهج برؤيتها عند عودتها من المستشفى. بكت فجأة قائلة إن الجميع يسخرون منها. تركتها مسرعا فى هذه اللحظة إلى المطبخ لأضع الطماطم على اللحم. توليت إطعامها ولم تلبث أن استعادت مرحها. أكملنا زجاجة النبيذ. طرق الباب وظهر هانز. قال إنه غير رأيه ولم يذهب إلى موعده. أخفت وجهها وقالت مازحة: انتظر حتى أرتدى ملابسى. دار حديث حول اثنين فى الخمسين من عمرهما تزوجا وكيف تبرجت المرأة وأحاط بها الناس يتفرجون. أرادت أن تقول إن الناس سيئون. قال هانز فى استهانة: طبعاً امرأة مضحكة. هاجمت الناس الذين يضحكون من الآخرين والكذابين والمنافقين. والناس الذين يجرون وراء المال ويتمسحون بالاشتراكية. اشتبك معها هانز وأنا أحاول تهدئة الموقف. غادر الغرفة فسكتت ثم قامت فأدارت اسطوانة الموسيقى ومضت إلى الباب فوقفت خلف الدولاب وأسندت رأسها إليه وبكت. مضيت إليها واحتضنتها مهدئاً. قالت: أريد الانصراف، أعطنى معطفى. قلت لا. بكت وهى تردد أن الكل ضدها، الجميع خدعوها، ويسخرون منها. كلهم يقولون لأنفسهم إنها مجنونة لأنها كانت فى المستشفى. وعدتها إدارة المعهد بالعودة إلى الدراسة عندما تغادر المستشفى وإذا بزميلاتها يعترضن. قالت: لا أحد يريدنى،إلا عندما أكون مرحة، وعندما دخلت المستشفى لم تسأل عنى واحدة من صديقاتى. انهمرت دموعها وهى تحكى عن أبيها المريض وكيف كانت تذهب إلى المستشفى وهى فى التاسعة تحمل للمرضى الزهور والصحف وتقرأ لهم. وكيف خسرت بموت أبيها الصديق الوحيد. وكيف كانت عندها أوزة تنفعل عندما تراها قادمة وتطلق أصواتا مرحبة. وفى يوم عادت من المدرسة لتجد أن أمها قد طهتها. وقالت إن أحداً لا يريدها إلا لممارسة الجنس. أقنعتها بأن تعود إلى الفراش وتستلقى فوقه. أصرت أن تشرب سيجارة أولا. ثم طلبت نبيذا بمكر المدمن. كان وجهها قد أصبح متوردا وعيناها متقرحتين من البكاء. شكل مختلف تماما لوجهها أعطاها سنا أكبر وحسية. استلقت فوق الفراش وغطيتها بالبطانية. فوضعت رأسها على فخذى واستكانت إلى جوارى كطفل وهى باسمة. ملست على شعرها ودلكت لها فروة الرأس. سألتها إن كانت تريدنى أن أفعل ذلك فهزت رأسها وهى مغمضة العينين وقالت بابتسامة طفولية: دا، أجل. أغمضت عينيها ونامت. كان وجهها على خدها الأيسر مائلاً إلى أسفل وقد صنع شعرها حوله هالة متموجة ناعمة. وفجأة فتحت عينيها وقالت: نبيذ. قلت: بعد نصف ساعة. قالت: إذن سيجارة. دخنا ثم نامت مرة أخرى. وهى نائمة ضحكت فجأة. أغلقت النافذة عندما شعرت ببرودة الخريف. استيقظت بعد قليل وقالت: مرت نصف ساعة. قلت: لا. خمس دقائق، نامى. قالت: رأيت حلماً ملوناً. قلت: شاشة عريضة؟ قالت: لا. كانت هناك بركة ورجل غريب. نامت مرة أخرى بعد أن طلبت منى ان أستلقى بجوارها وأضع ذراعى حولها ودفنت رأسها فى صدرى. غفوت قليلا مثلها ثم نهضت وخرجت إلى الكوريدور. رأيت هانز قادما. قال: ليلة كئيبة. قلت: أنت كنت مرهقا وهى سكرانة وتحبك وتشعر أنك ألقيت بها جانبا. قال إن ما استفزه أنها تتكلم بطريقة فلاديمير، نفس حركات يديه وتعبيراته التى تصل إلى معاداة النظام والشيوعية والحزب. أعددنا شايا واستيقظت على الصوت. جلسنا معا نشرب. كانت هادئة باسمةوقد أفاقت. بدأ هانز يناقشها فى امتحانها المقبل وكيف يمكن مساعدتها. اقترح أن أتكفل أنا باللغة الإنجليزية وهو بالشيوعية العلمية والاقتصاد السياسى. قالت إن هناك أشياء لا تفهمها وغير مقتنعة بها ولا تستطيع أن تحفظها. قلنا لها إن هذا ليس مجاله المعهد. اتفقنا على أن تأتى لنساعدها وصعدت إلى غرفتها.

(68)
فى 11 سبتمبر وقع انقلاب عسكرى فى شيلى وقتل الرئيس اللندى بعد حصار الانقلابيين لقصر الرئاسة. قال هانز إن الانقلاب سيشغل الثورة فى أمريكا اللاتينية ويقوى من شوكة أتباع جيفارا. قلت إنهم ينتمون إلى اليسار الطفولى. فما فعله كان مغامرة حمقاء. تلى هانز أبياتا من قصيدة جديدة ليوفتوشكو يخاطب فيها الثائر الأرجنتينى: أيها القومندان، إنهم يتاجرون بك، ويرفعون الأسعار، لكن اسمك العزيز يباع بثمن بخس جداً. فبيعينى هاتين.. لا بغيرهما، أيها القومندان، رأيت فى باريس صورتك، والبيريه تعلوها نجمة على «السراويل الساخنة» لآخر موضة، ولحيتك أيها القومندان، على الأقراط والمشابك والصحون. كنت شعلة صافية من الحياة، فإذا بهم يحولونك إلى دخان فقط. لكنك سقطت، يا قومندان، باسم العدالة والثورة، لا لكى تصبح إعلاناً لتجارة دعاة اليسار.

(69)
ظهرت زويا فى سترة شتوية وبنطلون رياضى اختفى داخل حذاء مطر برقبة عالية ملوثة بالطين. وعلى ذراعها كمية كبيرة من الزهور. دخلت منفعلة ووجهت حديثها إلى هانز طالبة زجاجة. ناولتها زجاجة لبن وأخرى مربعة لعود الزنبق الأبيض ولزهور المرجريت البيضاء. عاملها هانز برقة. وضعت باقى الزهور جانبا وأخرجت من شنطتها عدة تفاحات قالت إنها طازجة وقد جمعتها بنفسها. ثم أخرجت ورقة صغيرة بها قطعة تفاح حفظت فى السكر. قسَمت القطعة قسمين وقالت: كلوا. لم يبد هانز حماسا فأصرت. أكلت قطعة بصعوبة. أخذت منها القطعة الأخرى ودفعتها إلى فمى بشجاعة قائلاً: انظرى. أدرت أسطوانة الرابسودى المجرية لليست. تناولت من حقيبتها كتاب ترومان كابوت وأوراق اللغة الإنجليزية بحماس. صنعت قهوة فى المطبخ. وذهب هانز لإحضارها. احتضنتها قائلاً: كنت أتمنى أمس أن تكونى معى. قالت ضاحكة: أما اليوم فلا خلعت غطاء رأسها وأطلقت شعرها وجلست إلى جوارى وأخذنا نعمل. عاد هانز وجلس إلى مكتبه معطياً ظهره لنا. قبلت يدها مرة. وخدها مرة أخرى. وهى صامتة تبتسم أحيانا ابتسامة طفولية. نزل هانز ليتلفن. تناولت سكينا وقطعت تفاحة إلى نصفين متساويين وصنعت حفرة فى وسطهما وضعت فيها حبة كريز برى حمراء ثم أطبقت النصفين. سألتها لمن؟ قالت: لأى أحد. قلت لها: زويا؟ نظرت إلىّ وضحكت فى خجل. احتضنتها فأسرعت تأخد تفاحة أخرى وثبتت فيها أربعة عيدان كبريت ثم حبتا كرز مكان العينين. وصنعت حفرة فى قمتها وضعت فيها زهرة حمراء مثل القبعة وثبتت بندقة صغيرة بصورة عمودية مكان الأنف. عاد هانز فقلت لها: المكان الملائم لها على التومبوشكة، الكوميدينو، المجاورة لفراشه. حرك رأسه معترضاً. أضافت إليها عشباً أخضر فوق العينين كحاجبين ووضعتها على حافة النافذة. غادر هانز الغرفة فأضافت رأسا عودى ثقاب وسط العينين وأمالت رأسيهما فى اتجاه فراش هانز. قلت لها: هناك تعبير من التوسل. ضحكت فى خجل وأسرعت تدير أحد العودين فى اتجاه فراشى. احتضنتها واقفين وهى تدخن ووضعت خدى لصق خدها.أغمضت عينيها ولم تتحرك. عندما بدأت أقبلها لم تقاوم. لكنها لم تتحمس. سمعت صوت أقدام فى الكوريدور وشعرت أنها تفكر مثلى فى أن هانز قادم. دخل هانز فجأة فانفصلنا وانهمكت فى إعداد الشاى. سألته إذا كان قد لاحظ أى تغيير على التفاحة. قالت إنه دوراك، عبيط، ولن يلحظ. أُخذ وأصر أنه لاحظ. قلت له: العيون موجهة إليك. جلس ودار بينهما حديث طويل. مدت يدها إلى ورقة من صحيفة برافدا. قصت عنوانا رئيسياً عن شىء ما «يساعد الموهبة». وطلبت من هانز أن يدير رأسه ثم ألصقت القصاصة على الجدار إلى جوار سريره. أعلنت: أنا ذاهبة. سأتى بعد ثلاثة أيام للدرس. قبلتنى فى خدى ثم انحنت عليه فقبلها فى خدها. قالت: ياللعظمة يقبلنى وهو جالس. سألتها إن كانت تحتاج إلى مرافقة. قالت وهى تتناول بقية الزهور: لا. سأصعد إلى البنات أولاً ثم أذهب إلى منزل أمى.

(70)
قال ميخا: عندى ثلاث فتيات وعليكما المكان والأكل والشراب. كان قصيراً ممتلئا بشكل أنثوى، ذا فم رقيق وعينين ضيقتين مسحوبتين. ذهبنا إلى شقة عبدالحكيم الذى سافر إلى زوجته فى أوكرانيا. مضى ميخا ليقابل الفتيات عند محطة المترو المجاورة. عاد بعد نصف ساعة وحيداً. قال: لم تأت الفتيات. تطلع إليه هانز فى استعلاء وقال: إذن تصرف. قال ميخا: كيف؟ قال هانز: هذا شأنك. تبادلا نظرات عميقة. شعرت بأن هناك حوارا ما يجرى بينهما. كان هناك ما يشبه التحدى فى نظرات هانز. نهض ميخا وغادر المسكن. عاد بعد ربع ساعة فى رفقة فتاتين. همس لى هانز: من بنات الشوارع. إحداهما كالمومس بصوت أجش وأصباغ كثيرة ورداء من الجلد الصناعى الأسود اللامع، عاملة أو ممرضة، ببقع حمراء فوق يدها. تسحب أنفاسها بعمق كأنها مصابة بالزكام. الأخرى صغيرة وعادية تدعى لانا. شربنا وألقى ميخا عدة نكات جنسية وهو يمثلها بحركات بذيئة. قالت الأولى إنها تريد أن نشترى لها مظلة يابانية من النوع صغير الحجم. لاحظت أنها مهتمة بـ هانز. قالت لانا إنها تريد أن تغسل رأسها. تساءلت عما إذا كانت هناك كريات للف الشعر. بحثنا عنها فى أنحاء السكن. وجدنا بعضها فوق خزانة معدنية. تلفن هانز لـ ناتاشا ثم خرج ليحضرها. تحممت لانا طويلاً. جلست فى الصالة أدخن وشعرت بالرغبة فى الاستسلام للنعاس. قمت إلى المطبخ ومررت من أمام غرفة النوم فلمحت ميخا يرقص ببطء مع الفتاة الأخرى. وسمعتها تقول بصوتها الأجش: لا أريد. لا أريد. وعندما رأيانى افتعلا الانسجام وتمايلا طرباً مع الموسيقى فى صمت حتى ابتعدت فعاودا النقار. ثم خرجا إلى الصالة. جاء هانز بناتاشا ودخل بها غرفة النوم فأغلقت الشمطاء الباب عليهما فى سخط. ثم غادرت المسكن مع ميخا. خرجت لانا من الحمام لافة شعرها وخلعت ملابسها. قالت: أريد أن أنام. استلقيت بجوارها على الأريكةوقبلتهاثم رقدت فوقها. تحسست ساقيها ووجدت جلدها سميكا وخشنا ويغطيه الشعر. طلبت منها أن تخلع الكيلوت. قالت إن عندها الدورة. لم أصدقها. قلت: لا يهم. مددت يدى فلمست قطنا. خلعت الكيلوت ووضعته تحت رأسها وتسللت إلى أنفى رائحة الدماء. فقدت الرغبة واستسلمت للنوم. فى الصباح وجدت آثار دماء على الأريكة. طلبت منى قطنة وصابونا قائلة: لا تخف فالدماء طازجة. أعطتنى رقم تليفونها. لاحظت أنها تكلمنى ببطء متعمد كى أفهم. كما لو كانت لها خبرة بالحديث إلى الأجانب. تناولنا الإفطار ورفضت أن تشرب القهوة لأن الطبيب حظر عليها الأشياء الساخنة. استعدت للخروج وقالت: ألن توصلّنى. قلت: المسافة بسيطة حتى محطة المترو. قالت بضجر: لادنا، طيب. طيب. خرجت. دخل هانز الصالة بعد قليل. قال إن ناتاشا انصرفت مبكرة. وقال إنها قاومته حتى السابعة صباحاً ثم استسلمت، لكنه لم يستمتع معها. أضاف أنه فى أغلب الأحوال يكون سكراناً عندما ينام مع فتاة ولا يعى ما يحدث بينهما ولا حتى إذا كان قد حدث شىء. ذهبنا إلى الأبشجيتى ونمنا بضع ساعات. بعد الغروب جاء ميخا سكراناً. قال وهو يدقق فى ملامح وجهينا: غاضبان منى؟ لم نجب. قال إنه يخشى أن يكون قد انتقلت إليه عدوى ما من البنت، فقد كانت تهرش طول الوقت فى فخذها وظهرها، عندى واحدة أخرى أجمل. قال إنه فقد والديه فى الثانية من عمره ونشأ فى ملجأ للأيتام، وكانت الحياة قاسية، وإنه ملحد لأنه لو كان هناك رب ما سمح بذلك. استفسر عن أصحاب الشقة وهل يحتاجون لشراء شىء أجنبى. طلب أن نبحث له عن بنطلون من الجينز.

(71)
كنت أغسل ملابسى فى المغسل وعندما عدت إلى الغرفة وجدت زويا جالسة على فراش هانز فى ملابس خروج شتوية ممسكة بكراسة. سألتها بلا تمهيد: لماذا لم تأت كما وعدت؟ قالت: أختى عادت ويومها ألقيت تقريراً فى المعهد استمر 4 ساعات عن رحلة البراكتكا، التدريب العملى، وأثنوا علّى جداً، وكنت قد كتبت جزءاً منه ثم أكملته شفاهة. توقفت لحظة ثم قالت: أنا سكرانة قليلاً. أضافت: اليوم صباحاً جاء الطبيب إلى منزل أمى فى زيارة دورية لى، حدق فى عينى وأمرنى بالسير بضع خطوات أمامه ثم قال إننى يجب أن أدخل المستشفى مرة أخرى، قلت له إن لدى امتحانات خلال شهر، وعند خروجه عرضت علىّ الجارة أن نشرب فودكا سوياً. وقالت إنها لم تأت للدراسة وإنما لتتلفن وستأتى فى يوم آخر. ألصقت خدى بخدها. فأغمضت عينيها. لمست فمها بفمى وكان جافا. حكت طويلاً عن ابنة أختها وتفاهاتها. قالت: اليوم تمر ثلاث سنوات على زواجى، ألا تكفى؟ قلت: أظن أنك ستتركيه. قالت: وأنا أيضاً. قالت سأذهب. وقفت. قلت لها: دازفيدانيا. ظلت واقفة فاحتضنتها. انفصلت عنى وخرجت.

(72)
وصل لطفى من مصر. طالب دكتوراه، ممتلىء الجسم على وجهه علامات استياء دائم. أعطوه حجرة بمفرده فى الطابق الأول. قال لى عندما عرف أنى أسكن مع طالب آخر وقبل ذلك مع ثلاثة: لابد أن تدخل على السوفييت بمطالب كثيرة وعندئذ يعطونك ما تريده بالضبط. سألته عن الأوضاع فى مصر. قال: زى الزفت. الشباب مهتم بشىء واحد هو الكاراتيه، والجميع يعانون الغلاء والفوضى والتكالب على المال، هناك اقتراح أمام مجلس الشعب بتحويل شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة ومعنى ذلك انتهاء كل شىء، عندما أعود فى النهاية إلى مصر سأشكل شركة فالقطاع الخاص يعمل الآن. قال إن المستشار الثقافى الجديد للسفارة المصرية اشترى سيارة فولفو من فنلندا، وكان عضوا فى التنظيم الطليعى للاتحاد الاشتراكى الذى شكله عبدالناصر فى السنوات الأخيرة من حياته ثم صار من أنصار السادات وجاءوا به إلى موسكو ليقوم بالسيطرة على المبعوثين. أقرضنى كتاب «عودة الوعى» توفيق الحكيم. وضعت خطوطا تحت بعض العبارات: «لكنه (عبدالناصر) غمرنا فى سحر أو حلم. ربما كان سحره الخاص كما يقولون وربما كان الحلم الذى جعلنا نعيش فيه بتلك الأمانى والوعود. بل تلك الصور الرائعة لإنجازات الثورة التى حققها لنا وجعلتنا أجهزة الدعاية الواسعة بطبلها وزمرها وأناشيدها وأغانيها وأفلامها نرى أنفسنا دولة صناعية كبرى ورائدة العالم فى الإصلاح الزراعى وأقوى قوة ضاربة فى الشرق الأوسطـ».

(73)
أعددت بطاطس مسلوقة ولحماً بارداً وسلاطة من غير طماطم. وأشعلت المدفأة الكهربائية ومصباح المكتب. أطفأت نور الحجرة. وعندما وضعت زجاجة فودكا على المائدة ومعها ماء الفلفل المخلل دبت الحياة فى زويا. أشارت إلى حديثنا السابق وقالت إنها ستبقى دائماً مع زوجها لأنها مدينة له، وإن الجنس معه عادى، أحياناً تستمتع جداً، وإذا لم تحصل على الذروة فهذا شىء غير مهم. نظرت إلى هانز وقالت: لو كنت طلبت منى الزواج، كنت سأرفض بالتأكيد. وجود زوجى يجعل هناك خطا للحياة لأنى ضعيفة جداً. قالت إنها لا تعارض فى أن تنام مع من يعجبها، وإنها قدمت هانز إلى زوجها كى تستطيع التحدث عنه بحرية. قلت: الخيانة الزوجية قد تكون هى أرقى أشكال الحب وأكثرها براءة، فهى جنس بحت بدافع المتعة دون أن تكون هناك - فى أغلب الأحيان - أهداف اقتصادية. انضمت إلينا تاليا. قالت زويا: نحن فى جلسة مصارحة. قالت تاليا بعد أن شربت كأسين إنها باردة جنسياً بشكل عام، لم تعرف النشوة إلا منذ 4 سنوات، تقوم من حب لتقع فى حب آخر، تحلم دائماً أنها نائمة مع فتيات أخريات، علاقتها متحفظة بأمها، جدتها هى التى ربتها. أشار هانز إلى الفودكا والمدفأة الكهربائية وزويا والحجرة المرتبة ومصباح المكتب وقال: لن نحصل أبداً بعد الآن على مثل هذه اللحظة وسنتذكرها دائما. صعدت تاليا إلى غرفتها. وعرض هانز على زويا أن تبقى حتى الصباح قائلاً: لدينا حجرة أخرى خالية فى نفس الطابق. قالت إن أمها تنتظرها ولا بد أن تعود لتعطى انطباعا بأنها لم تقض الليلة فى الخارج. لكنها لم تغادر الغرفة. استعددت للنوم والتففت جيداً بالغطاء. كنت ضيقا برائحة دخان السجائر وأصوات الحديث. بين النوم واليقطة شعرت به يأخذها خلف الخزانة الخشبية وساد السكون. سمعت صوت فتح مصراع الخزانة. هل يأخذ مفتاح الحجرة الأخرى التى سافر أصحابها وتركوه لدينا؟ نمت. استيقظت على صوت غلق الباب. المدفأة مشتعلة. استيقظت مرة أخرى. ضوء الفجر. دارمقبض الباب ودخل هانز. سمعته كما لو كان يعيد المفتاح إلى الخزانة.

(74)
تلفن هانز لـ جالياً. قالت إنها لا تستطيع المجىء وإن ناتاشا عندها. دعتنا للذهاب إليها. أخذنا تاكسى. كان الثلج قد تساقط لأول مرة. جلسنا فى صالة صغيرة حول مائدة عامرة بزجاجات الشمبانيا وبطيخ وعنب وكمثرى. شاب فى ربطة عنق عريضة وسترة ضيقة الاكتاف وقميص أحمر. فتاة ذات ملامح آسيوية تدعى ماشا وشاب يوغوسلافى فى جينز. شاب آخر قدم نفسه على أنه يهودى أجنبى. سمعت اليوغوسلافى يقول إنه لا يحب موسيقى البيتلز ويفضل عليها جيمس براون. قلت إنى لا أعرفه. قالت ناتاشا: أنا أعرفه. كانت قد تجاهلت هانز. تتابع رنين التليفون وسمعناها تسرد أسعار بعض الملابس الأجنبية. بدا كما لو أنها تتوسط فى بيعها أو شرائها. قالت عندما رأتنى أحدق فيها: لماذا لا يوجد بيننا من يرتدى بزة سوفييتية أو قميص سوفييتى؟ لأن كل موضة جديدة لابد أن تمر على عشرة مستويات مختلفة الأمر الذى يستغرق خمس سنوات حتى يتم اعتمادها، أيام خروشوف كانت الشرطة تقبض على من يرتدى الجينز. سألت جاليا عن أخبارعدنان وعما إذا كان قد أرسل لها شيئاً. وضعت ماشا رأسها على بطن اليوغوسلافى الواقف إلى جوارها ولفت ساعدها حول خصره وأغمضت عينيها. جلس قائلاً: لنمارس الأونانيزم، الإستمناء. التفت إلى هانز وتحسس وجهه معلناً: لسنا فى حاجة إلى نساء. دخل شاب يترنح من السكر. قالوا إنه بوريس الرسام. قال وهو يتناول كأسا من الشمبانيا: ليس عندى أمل فى أن أكون فناناً جيداً. ليس أمامى سوى أن أرسم ما ترضى عنه الأجهزة الرسمية، فى فيلم جيورجى يسأل واحد زميلاً له: كيف تعيش إذن؟ ليس هناك ما يمكن سرقته فى مصنعك سوى الهواء المضغوط. انفرج باب حجرة مغلقة فى عنف عن شاب عارى الصدر. قال إن الضجة التى نحدثها تحرمه من النوم. وإنه سيذهب للشرطة إن لم نكف أو ننصرف. قالت جاليا إنه أحد جيرانها فى الشقة، وإننا يحسن أن ننصرف. احتضن اليوغوسلافى هانز وقبله قائلاً: أذهب معى، نم معى الليلة. تخلص منه هانز. رفضت ناتاشا أن تأتى معنا. أخذنا تاكسى إلى الأبشجيتى. سألنى هانزفى الطريق: ما الذى يجعل الرجل هكذا؟ قلت: ماذا تقصد؟ قال: أن يكون مثلياً جنسياً. قلت: عوامل كثيرة، تجارب الطفولة، التكوين الهرمونى للجسم، وأشياء أخرى. بمجرد صعودنا أفرغ معدته فى المغسل وهو يغمغم ساخطاً: ليست حتى جميلة، لا تساوى شيئاً ولن أعبأ بها. أدركت أنه يقصد ناتاشا.

(75)
فتحت باب الغرفة لأتبين سبب الضجة فى الكوريدور. اتضح أن بلماجد الجزائرى أقام حفلة دعى إليها الطالبات الجديدات. كان دقيق الحجم مليئا بالحيوية. لمحته ذاهبا غادياً جالباً معه كل مرة بنتين أوثلاث.انضم إلىّ هانز ووقفنا نتأمل الكوريدور الذى يخلو فجأة ثم يمتلىء بمن يستريحون من ضجة الرقص أويتنسمون الهواء. خرجت فتاة ثملة وسارت حتى نهاية الكوريدور. ناداها أحد الطلبة فتوقفت. سألها: إلى أين؟ فمدت ساعديها يمينا ويسارا فى حركة تمثيلية قائلة:إلى التواليت ! ظهرت صديقة البلغارى بوجهها الصغير الذى يشبه وجوه الدمى وردائها القصير الذى يكشف عن ساقين ممتلئتين وصدر صغير للغاية. تبعتها فتاة رائعة فى بلوزة زرقاء ضيقة وبنطلون رمادى بوجه مستدير جميل وعينين عسليتين لا معتين وبشرة يجرى فيها الدم بقوة وشعر أسود قصير ومشية متمهلة فيها خيلاء التى تشعر بسحرها. وكنت أراها دائماً محاطة بالشبان. قلت لهانز: أتحداك آن تحصل عليها. اقتربت منا أنار الكازاخية بصدرها الرائع وشفتيها الحمراوين المبتلتين دائماً. سمعتها تقول لزميلة لها وهى تشير إلى هانز: هذا أجمل شاب هنا. طلبت منه أن يترجم لها نصاً باللغة الألمانية. دعاها للدخول فرفضت. ووعدت بالعودة بعد عشر دقائق لكنها لم تأت. أحضر لنا بلماجد عدداً من صحيفة الهيرالد تريبيون الأمريكية مشيراً إلى تعليق فى صدر الصفحة الأولى لمراسل الصحيفة فى الشرق الأوسط. قال إن السادات يفكر فى القيام بمغامرة انتحارية لإنقاذ نفسه ونظامه، وإن هناك مفاوضات للصلح بين العرب وإسرائيل لكن العرب يشترطون أن تتم عملية انتصار شكلية لإقناع شعوبهم بقبول الصلح.



.
صورة مفقودة

Dowa Hattem - Egypt

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى