منير عتيبة ـ قبلة العفريت

أخبرتنى جدتى أن قبلة العفريت تحكمت فى مجرى حياتها.
كانت صبية رشيقة بدرية الوجه يتيمة الأبوين.. تعيش مع خالها.. وترعى بنفسها الأفدنة القليلة التى ورثتها عن أبيها.
ذات ليلة تأخرت فى أرضها.. فاضطرت للعودة وحدها ليلا.. لم تكن خائفة.. فهى فى بلدتها التى تحفظ كل شجرة فيها.. وتعرف كل شبر أرض.. لكنها لاحظت أشياء غريبة أثناء سيرها.. رأت شجرة توت مضيئة على بعد أمتار منها.. وكلما اقتربت من الشجرة ابتعدت عنها الشجرة لتظل المسافة بينهما ثابتة.. ثم اختفت الشجرة وظهر قنديل مثلث الشكل معلق فى الفضاء يسير أمام عينى جدتى.. احتار عقلها.. لكن قلبها لم يخف.. فهى لم تعرف الخوف أبدا.. كما أنها تحفظ بعض قصار السور القرآنية التى ظلت ترددها فى سرها.
وفجأة تحول القنديل إلى شاب جميل الصورة.. توقفت جدتى وهى تشهق من أثر المفاجأة.. كان الشاب يبتسم بوداعة.. ورأت جدتى فى عينيه حزنا ومسكنة.
قالت له:
-من أنت؟
-أنا عفريت.
همت بقراءة سورتى الفلق والناس.. لكنه أشار لها متوسلا حتى لا تبدأ.. وقال لها:
-اسمعى حكايتى أولا.. ثم افعلى ما بدا لكِ.
فوقفت جدتى منصتة بينما حكى لها:
-مرضت فجأة مرضا حار فيه المداوون ولم يعرفوا ما هو ولا كيف يمكن علاجه.. حتى زار بلدتنا حكيم عجوز قال لى إن شفائى متوقف على قبلة تمنحها لى إنسية.. فحسبت أن العلاج سهل.. لكنه أخبرنى أن الإنسية التى توافق على علاجى لابد أن تكون صبية عذراء جميلة يتيمة شجاعة قادرة على صرفى وحتى إحراقى بقوة شخصيتها وبما تحفظه من القرآن.. أى تعطينى القبلة وهى قادرة على عدم إعطائها لى.
سألته جدتى:
-وإذا رفضت؟
-سأنصرف.. وبعد قليل سأحترق فأنتِ آخر أمل لى.
فكرت جدتى قليلا.. ثم قررت الموافقة.. فقد رأت أنها قادرة على إنقاذ حياة بمجرد قبلة يمكن أن تصلى وتصوم وتستغفر ليتجاوز لها الله عنها بعد ذلك.
وتركته يقبلها.. وهى لا تنكر أنها شعرت بحلاوة فى فمها.. مزيج من عسل ملكات النحل والزبد الصابح.. وتمنت لو كررها.. لكنه ابتسم بسعادة.. وانحنى على قدميها شكرا.. ثم اختفى.
كانت هذه القبلة سببا فى طلاق جدتى مرتين.. فقد تزوجت مرتين.. وكانت فى كل مرة تتضايق من قبلة زوجها.. ثم تنفر من رائحة فمه.. وتصر على طلب الطلاق.
وحدث أن جاء إلى البلدة شاب طرده أبوه بدسيسة من زوجته الجديدة.. وافتتح هذا الشاب "دكانة" من البوص على ترعة المحمودية يمارس فيها مهنته.. نجار آلات زراعية.. وحدث تعارف بين جدتى والشاب الغريب.. وأحب كل منهما الآخر.. وتقدم الشاب يطلب يد جدتى.. لكن خالها رفض لأنه فقير وغريب.. ثم اضطر الخال للموافقة أمام إصرار جدتى التى كانت تحارب لتتزوج الشاب الغريب وفى قلبها خوف وتساؤل عن طعم قبلته.
وبعد أن انتهى حفل الزفاف.. ودخلا حجرة النوم.. أسرعت جدتى إلى زوجها وقبلته فى فمه قبلة عميقة.. فشعرت بحلاوة عسل ملكات النحل والزبد الصابح فى فمها.. كان هذا الشاب الغريب هو جدى لأمى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى