قصة ايروتيكة د. عبداللطيف هسوف ـ المداعبة قبل المواقعة

أخرجت سعاد كتاب وصفات أكلات أوربية من حقيبتها وتهيأت للطبخ. بعد سويعة أمضتها في المطبخ، كان المكان يعبق برائحة حساء البصل، المحضر على الطريقة الفرنسية، وكذا رائحة اللازانيا بالكفتة والجبن والطماطم. تركت كل ذلك ينضج رويدا رويدا، ثم استأذنت كريم وراحت لتأخذ حماما خفيفا. عادت بعد لحظات ملفوفة في منشفة بيضاء وشعرها السابل يقطر ماء. كانت عارية لم تعد ارتداء ثيابها. حدق كريم في حاجبيها الرفيعين وعينيها الناعستين، ثم قال لها:
- حرام أن تجمعي بين غوايتين.
لم تفهم قصده. قطبت حاجبيها متسائلة. استأنف:
- جمالك الجبار وعريك الفاضح.
قهقهت فرحا. كانت تحدوها سعادة عارمة. لا تتذكر الآن وحشتها وخوفها الدائم من البقاء وحيدة.
عندما جلست بالقرب منه على الأريكة، راح يتأملها من كافة زوايا الضوء مستمتعا أيما متعة. شعر بدفء أنفاسها تختلط بحرارة أنفاسه. أشارت إليه رمزا بالتمدد وانزلقت هي إلى جانبه تداعبه بلمساتها التي تلهبه من الداخل. وهي تفعل، كانت تضع علامات في خيالها لوشم مكامن ضعفه كلما اهتز جسمه جراء تمرير أصابعها على هذه النقطة أو تلك. تتلمس أمكنة الجسد التي يضرب فيها النبض، ثم تضع يدها اليمنى على قلبه وتسأله:
- أكل هذا ينبض من الحب لأجلي؟

لا يجيبها. كانت تلك لحظات ينطق فيها الصمت ولا حاجة للكلام. يضع وجهه على صرتها ويمرر يديه على ساقيها من الخلف، ثم يقبل امتلاء فخديها. ينساق لحركاتها في هدوء وتنساق هي في حنان لحركاته. كان يحس وكأنما هذا الطيران الطليق أصبح أزليا لن ينتهي أبدا. تصعد وتتمدد فوقه سابحة عيناها في عينيه. نهداها تفيضان بين يديه فترتقي معه في المتعة حد الانتشاء. حين اشتد وطيس الشهوة، كان يمرر باطن يديه على ظهرها ووركها وفخذيها حتى يصل إلى تجويفة ظهر الركبة حيث يغرس بحنان أظافره. راح يدفعها إليه برفق. كان يقبل شفتيها المنفرجتين وينظر إلى عينيها النصف مغمضتين. تسارعت حركاتها فوقه. انتفض جسمها بعد ذلك. وفي شبه نثرة واحدة، سقطت فوقه وهي تصرخ من شدة اللذة. انتهت إلى بكاء مكتوم، ثم ما لبثت أن نظرت في عينيه وأخذت تضحك وتقبله بجنون.
غفيا بعض الوقت ملتصقين على الأريكة الضيقة. حين استيقظ كريم، كان العشاء جاهزا على مائدة الطعام. أكلا بنهم ولذة شديدين. كانت رائحة الأكل تفتح فوهة المريء واسعا، كما أن المجهود البدني الذي خرجا للتو منه أكل عضلاتهما أكلا. رشف من كأس العصير الذي وضعته على المائدة باردا منعشا، ثم سألها:
- أكل هذا يصدر منك؟
أجابته:
- ابق معي، فالجميل ما سيأتي.
ضحكت بدلال، ثم أردفت:
- أحسك تتربع فوق عرش قلبي.
رد في شيء من اللؤم وهو يبتسم:
- حنانيك، قلبي قد يتوقف من شدة الخفقان.
- لن تستطيع أن تقيس مقدار حبي لك، وإن كنت شاعرا.
- إن واصلت بنفس الوثيرة، لن تتركي لي ما أذود به على نفسي وأواجهخطورة الوضع القائم الآن بيننا.
- أحبي لك خطر تتمثله؟
تنفس في تؤدة، ثم رد عليها قائلا:
- ربما هي فقط تهيؤات.
ارتمت سعاد على الأريكة بجوار كريم. استندت برأسها على كتفه. داعب شعرها وجيدها. احتواها بين ذراعيه، ثم تتابعت القبلات من الجانبين. حملها إلى غرفة النوم. غرفة نوم عادية، لكن الفراش كان وثيرا ورطبا خيط من قماش الساتان الأحمر الموشى بالدانتيلا السوداء. أضاء الأباجورة بحركة سريعة. كتمت الضحك فيها حين رأته هائجا ينظر إليها وهي تتمطط فوقه كلبؤة مفترسة. لباسها الداخلي هو الآخر أحمر اللون يعصر وسطها من شدة ضيقه. بعد ساعة، كان جسدا مسجى فوق السرير وكانت هي بجواره جثة شبه جامدة.
أفاق من شبه موته اللذيذ. أخذ سيجارة وأشعلها بعد أن رشف من كأسه مرة أو مرتين. استكان للذة الاشتهاء. داعبها وهو يمسح على شعر رأسها بنعومة. استرخيا فوق السرير ولاذا بالصمت فترة من الزمن. خرقت هذا الصمت لتسأله بنبرة حنونة:
- أهو الحب؟
رد بحزم:
- الحب يحتاج لوقت أطول.
- ثمة حب لا يحتاج للوقت وحب قد لا يزهر حتى بعد سنوات طويلة من العشرة.
- ولماذا تستعجلين أنت الأمور هكذا؟
- أريدك أن تكون لي.
- أترغبين في امتلاكي؟
تجمدت سعاد مذهولة بعض الشيء. وبعد أن استوعبت السؤال، دنت من كريم، ثم دنت أكثر ليلتصق جسدها العاري بجسده. وبصوت كله نعومة قالت:
- هل لديك مانع؟
كانت تلتهمه بنظراتها، تحلم في عينيه. هادئة هدوءا شهوانيا، كأنما تريد أن تمحو كل ما تبقى عنده من احتراس. يجري شيء غريب في جسده، لم يقو على إجابتها. كانا يبتسمان، يضمها بقوة ويتباوسان. وجهها الفتان يوقظ الشهوة بداخله فيلمسها بلطف عند نهديها. تضحك بدلال، تغير من وضع ساقيها ويتطلع هو لعري فخديها. يضمها إليه لتشتد رغبتها وتزداد رغبته فيها. تأملها مليا، بحلق فيها ودقق النظر. أحنت رأسها في إشارة إلى امتثالها وخضوعها. ضمها إليه. أدخلت ضلوعها في ضلوعه. سلمت مجددا نفسها كاملة له.
كان يظن أنه متين وقوي، غير متهاوي الأركان ولن يسمح لامرأة أيا كانت أن تعبث به لحظة زمن. ها هو الآن ينهزم تماما. تسحقه هذه المجنونة، تواصل سحقه دون توقف ولا تسمح له بأن يفيق من هذه الإغماءة اللذيذة والجامحة في آن واحد.
مضت الساعات هكذا دون أن يملا من بعضيهما. في الهزيع الأخير من الليل، قبل الرقاد، كانت سعاد لازالت تستنبت الرغبة. قبل ما بين نهديها، شم رائحة صرتها وهام غير مبال يسمع صوت انفجار الشهوة تدوي داخله. سارت كجن يرتجف تحت ظله. تمد يديها، ترفع ساقيها، وفي لحظة تعالى صراخها، ثم انبثقت تنهدات وآهات تعصر أسرار إشباع الشهوة.
من قال إن النساء شر لابد منه؟ سعاد هي السكينة بعد العاصفة. سعاد هي هدوء البحر بعد غضبه. سعاد هي كل الحركات وفي جميع الأوضاع، ثم الخلود إلى راحة لذيذة تنام إثرها ولا تتمنى أن تفيق أبدا. وسط الحنان المنسكب من نظرات هذه المرأة المشتعلة، كانت الأسئلة ومحاولات الإجابة تتناوب على فكره. جاهدا حاول أن يلجم هذا النزوع إلى عقلنة كل ما يجري من حوله في سعي منه إلى فهم الأحداث التي يمر بها. لماذا لا يعيش عفوية الحياة؟ لماذا يدقق في كل كبيرة وصغيرة؟ ها هي ذي امرأة تمنحه جسدها على طبق من ذهب. عن أي شيء آخر يبحث الآن؟ لذة عابرة خير من عذاب التيه في دروب المساءلات. لا داعي لتعقيد الأمور. هو لها وهي له لإطفاء نار الشهوة المتخطية لكل شيء. وماذا لو استفاق على خيبة أمل؟ كل اللواتي ضاجعهن في السابق تفتتت صورهن صباح أول ليلة صاحبهن فيها. لا يريد أن يفقد سعاد كما فقد الأخريات. لكن ما العمل وهو على علم مسبق بأن قلبه لن يخفق لها أبدا؟
انتبه إلى أنه كان غارقا في التفكير حين سألته:
- أأنت تفكر فيها؟
- عمن تتحدثين؟
- تلك التي تتربع فوق عرش قلبك ولا تسمح لي بدخوله.
- إنك تخرفين، لا أحد يستعمر قلبي، الطريق مفتوحة إن شئت أنتقومي بالمحاولة، لكن تجلدي بالصبر.
- سأحاول وإن كنت على علم مسبق بانهزامي.
- لماذا تنهزمين منذ البداية؟
- الحياة علمتني أن كل جميل له نهاية محتومة، فالأحسن أن لا أمنينفسي بالمستحيل وأستعد من الآن للفراق الآتي.


[SIZE=6]* د. عبداللطيف هسوف
المداعبة قبل المواقعة[/SIZE]


[SIZE=6].[/SIZE]

[SIZE=6]
13887324727.jpg
[/SIZE]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى