قصة ايروتيكة محمد ابي سمرا - ليلى تستعيد عذريتها في فندق

في زمن الحرب، حينما كنت تلميذاً في مدرسة قريتي، حاول مدرّس من عائلتي - وهي أكبر عائلة موسعة في القرية، وأشدّها تضامناً عصبياً ومنازعات داخلية - استمالتي إلى "اتحاد قوى الشعب العامل" القروية. لكني منذ أيامي الاولى في المدرسة، شعرتُ بأني كبرتُ على أن أُستمال وأكون تابعاً. فأشهر هجرتي البيروتية كانت قد قذفتني حراً طليقاً في فضاء علاقة شبه سياحية مراهقة بـ"جبهة أبو العباس الفلسطينية" التي زودتني مبالغ مالية أذاقتني البيرة والتدخين وأحضان بائعات الهوى في بارات بيروت. أما هجرتي الكويتية ومرارة خيبتي بخالي وجحوده، فكانت قد حطّمت لديَّ بداهة التضامن والتكافل العائليين، ورمتني في العراء وحيداً، وكبَّرتني سنوات في شهور قليلة. هذا ما جعلني فتىً متوتراً مشاكساً قوي الشكيمة، وليس لأحدٍ سلطة عليَّ في فوضى الحياة المدرسية في زمن الحرب.
بعدما كنت أكتنز في قلبي وجوارحي شغفي البريء، الصامت والخائف، بفتيات مراهقتي، صرت جسوراً في اقترابي من كل فتاة تعجبني أو أستشفّ أني أعجبها، فأرى أنها موضوع لشهوتي الحسية المتفجرة، غير هيّاب من أن تصدّني، ولا من أن أواعدها أو أدعوها إلى الانفراد بها في لقاءٍ حميم. هذا أتاح لي لقاءات حميمة ببعض فتيات المدرسة بعدما أشاع انهيار نظام التعليم وقيمه ومراتبه، نوعاً من الانحلال في علاقة كبار السنّ من التلامذة والتلميذات.

* * *

حين شعرتُ بأن معلمة في مدرسة خاصة قريبة من مدرستي الرسمية، تستوقفها نظراتي الجسورة التي تنمّ عن رغبتي، ورأيتُ أن ثلاثة من المعلمين يحومون حولها بنظراتهم، اقتربتُ منها مرةً وبادرتها قائلاً إني أريد محادثتها. ها أنذا أسمعُ، هيا تكلم، قالت متحديةً ساخرة. لأردم السنين الستّ التي تكبرني بها، قلت لها إني أكبر منها بكثير في تجربتي وخبرتي، وأريد محادثتها حديث رجل الى امرأة. بعد لحظةٍ من الصمت وتحديقها الجامد في عينيَّ، قالت لي أن أتبعها الآن إلى بيتها، ثم استدارت ومشت، من دون أن تلتفت إليَّ.
كنت أعلم أن أهلها ينتجعون مع قطعان الماعز في بلاد بشارة. حين وصلتُ إلى بيتها متأخراً عنها دقائق، قالت لأخيها الصغير أن يذهب ويلعب مع أولاد الجيران. واقفَين متباعدَين في غرفة واسعة خالية إلا من مقاعد قليلة متباعدة وسرير معدني عتيق في الزاوية، تبادلنا عبارات الغواية الجنسية التي تستمد لغتها في القرى من قاموس المهانة والشتيمة والبذاءة، خلف قناع الجسارة والتحدي. في خطوات قصيرة متباطئة اقتربت مني، ولما صار جسمها قريباً جداً من جسمي، صمتنا عن الكلام، فألصقتْ ثدييها إلى صدري، ثم طوّقت خصري بساعديها وأخذت تقبّلني في شفتيَّ. شعرتُ بأني أدوخ حينما أدخلت لسانها كله في فمي. لكنها سريعاً أخرجته وتراجعت إلى الوراء، فسمعتُها، كما من البعيد، تقول في صوت يخلط الاستدراج بالتحدي: هيّا حدِّثني حديث رجل إلى إمرأة. لا أدري لماذا قلتُ لها: في بيروت، ليس هنا، في بيروت. ابتعدتْ وجلست على حافة السرير، فاقتربتُ منها ورحت أقبّلها قبلات سريعة، لكنها بطيئاً استجابت وتمددت على السرير، فبدأتُ أفكّ أزرار فستانها العليا. فجأةً أبعدت جسمها وقامت متجهة إلى وسط الغرفة، ثم قالت: لا ليس هنا، ليس هنا، في بيروت، في بيروت.
في فرصة الساعة العاشرة من صبيحة النهار التالي، رأيتها تدخّن أمام مدخل المدرسة التي تدرّس فيها، فاقتربتُ منها وسألتها إن كانت تريد الذهاب غداً الجمعة إلى بيروت. لم تتردد في الموافقة، واتفقنا في أيٍّ من السيارات العمومية سيحجز كلٌّ منا بمفرده في المساء مكاناً على مقعدها الخلفي.
قبيل شروق شمس نهار الغد انطلقت بنا السيارة من ساحة الضيعة. حين وصلنا إلى حاصبيا قلت لها: إننا سنتوقف لساعة أو أكثر في صيدا، لمقابلة زعيم "التنظيم الشعبي الناصري"، ونتابع رحلتنا إلى بيروت في سيارة أخرى. لم تبدِ رفضاً ولا استغراباً، فيما أنا أخبرها بأني فكرتُ بعد لقائنا أمس في بيتها، بأن أنشئ في المدرسة تنظيماً تابعاً لمصطفى سعد، لأن ليس له من أتباع قط في الضيعة، وأعلم أنه مع تنظيمه على عداوة قوية مع "اتحاد قوى الشعب العامل" الذي يتكاثر أتباعه ومناصروه بين معلّمي المدرسة وتلامذتها. في نبرةٍ حيادية قالت إنها لا تحبّ المنظمات المسلحة، وتنفر من المشاحنات بين محازبيها. لم أجاوبها، لكنها التفتتْ فجأةً إليَّ وقالت في صوت خافت: ما لك في السلاح والمسلحين؟! لماذا لا تنشئ فرقة كشفية؟
لا بد أن الفكرة ستعجب مصطفى سعد، وسيوافق عليها فوراً - قالت لي- لأن ضيعتنا خالية تماماً من الكشافة. أذهلتني فكرتها غير المتوقعة، وغمرني شعور بالفرح حينما نظرتْ إلى عينيَّ مبتسمةً، وقرّبت فمها من أذني قائلةً في صوت خافت إنها ستساعدني في إنشاء فرقة كشفية للبنات المرشدات في مدرستها. سألتُها من أين لها بفكرة الفرقة الكشفية، فقالت: في بيروت، في بيروت.

* * *

في صيدا أنزلنا السائق من سيارته أمام منزل مصطفى سعد، فقلت للحرّاس الواقفين أمامه إني والأستاذة ليلى أتينا من العرقوب لمقابلة أبو معروف وإننا على موعد معه. أدخلنا أحد الحرّاس إلى الصالون، فرأيت مصطفى سعد، الذي لم أكن أبصرته إلا في الصور، جالساً بين جمع من الرجال. عرّفتُه بنفسي، وقلت إني مناضل من العرقوب الذي يعرف أبو معروف ووالده الشهيد، رجاله، وإني مع الأستاذة ليلى المعلمة في المدرسة الرسمية، نريد محادثته في أمر مهم. بعد هنيهات من جلوسنا بادرته متسائلاً: يا أخ أبو معروف، لماذا كل التنظيمات الوطنية موجودة في قريتنا التي لا يغيب عن ساحتها سوى تنظيمكم، "التنظيم الشعبي الناصري"؟ قبل أن يجيب، تابعتُ قائلاً إني منذ طفولتي تفتَّحتُ على القومية العربية ومبادئ "ثورة 23 يوليو" الناصرية وماردها العربي. لكن لا أحد في قريتي يتكلم باسمها سوى "اتحاد قوى العامل". فجأةً ومن دون إرادة مني ارتفع صوتي، وبنبرةٍ من الاستياء المسرحي، قلت: ومن يكون اتحاد قوى الشعب الخامل هذا يا أبو معروف؟! أنا والأستاذة ليلى سوف نبدأ نشاطنا في الضيعة بإنشاء فرقة كشفية لـ"التنظيم الناصري"، وسنسمّيها أشبال الشهيد معروف سعد، ولا نحتاج إلا لموافقتكم ودعمكم.
ما إن غادر الزائرون الصالون، حتى اصطحبنا مصطفى سعد، في سيارته إلى عيادة طبيب في صيدا، فاستقبلتنا سكرتيرته الجميلة الناعمة على أنغام موسيقية غريبة لم أسمع مثلها من قبل. كانت الموسيقى تنبعث خفيفة متماوجة في أرجاء العيادة. فيما أبو معروف يعانق الدكتور ويتبادلان القبل، قالت لي ليلى إن تلك الموسيقى تسمى كلاسيكية غربية، قبل أن يقول مصطفى سعد للدكتور أن يتصل بعلي بابا ويدعوه إلى الحضور فوراً لأمر مهم. اسم علي بابا استدعى إلى ذاكرتي قصة علي بابا والأربعين حرامي، وذكّرني أيضاً باسم مطعم علي بابا والأربعين فروجاً الذي كان يلهب مخيلتي كلما سمعتُ اسمه في حكايات شاب عن عمله فيه قبل عودته من بيروت إلى الضيعة في بدايات الحرب. كان الشاب رقيباً في الجيش اللبناني، قبل التحاقه بـ"جيش لبنان العربي" المنشقّ عنه، وعودته إلى الضيعة ومشاركته مسلّحي منظماتها المحلية في الاستنفارات والعراضات المسلحة. حضر علي بابا إلى العيادة، فإذا به رجل ضخم أصلع الرأس، خشن الصوت، محطّم الأسنان. قال له مصطفى سعد أن يزودني ما أريد من مستلزمات فرقة كشفية سوف أؤسسها للتنظيم في قريتي، وأن يصرف لي مبلغ 500 ليرة في آخر كل شهر، وأن يقبضني اليوم مرتبي الشهري الأول.

* * *

وحدنا، ليلى وأنا، ركبنا سيارة تاكسي من صيدا إلى بيروت. كان في جيبي 500 ليرة، وقلت لسائق السيارة إننا نريد الوصول إلى الروشة، حيث طلبتُ لغدائنا كيلوغراماً من اللحم المشوي وبطحة من العرق في مطعم لا يزال على حاله حتى اليوم، على خلاف فندق توجهنا إليه قرب المطعم، ولم أعد، لاحقاً، أبصر له من أثر ونسيتُ إسمه. قلت لموظف الاستقبال في ذلك الفندق إني أريد غرفة واسعة لليلة واحدة. حدّق الموظف وقتاً طويلاً في وجهي، قبل أن يسألني كم أبلغ من العمر. أنا من قيادة "التنظيم الشعبي الناصري"، جاوبته، والتفتُّ إلى ليلى خلفي، وتابعتُ قائلاً للموظف إنها عروسي، وقبلت الزواج بي خطيفة. طلب مني مبلغ 75 ليرة بدل إيجار الغرفة، فدفعتُ له، قبل أن يعطيني مفتاحها قائلاً إنها في الطبقة الخامسة وتشرف على البحر، فمشيتُ في اتجاه المصعد، لكني لم التفت حين سمعت الموظف يتمتم: يا أهلا وسهلا بالتنظيم الناصري وقادته.

* * *

في سيارة لتنظيم مصطفى سعد "الشعبي الناصري"، وصلتُ الى قريتي في ظهيرة النهار التالي. قاد السيارة من صيدا مساعد لعلي بابا، بعدما حمّلنا فيها من مستودع للتنظيم ثياب فرقة كشفية ومستلزماتها. فيما كنا ننقل المستلزمات الكشفية من السيارة الى بيت أهلي، أخذت أمي تتضرع إلى الله راجيةً أن يرضى عني، ويفتحها في وجهي ويوفّقني ويرزقني، من دون أن تدرك ما الذي أدخله الى البيت، ولا سألتني ماذا يكون.
المرتّب الشهري الذي حصلتُ عليه من التنظيم كان يعادل ضعف مرتّب معلم مدرستي الرسمية التي تطوّع ما يزيد على خمسين من تلامذتها في الفرقة الكشفية التي انشأتُها وسمّيتُها "فوج الشهيد معروف سعد". أطلقت الفوج الذي قدته بمسيرة أولى مشى فيها من ملعب المدرسة الى ساحة الضيعة، 15 تلميذاً يرتدون الزيّ الكشفي كاملاً، ويهتفون للتنظيم وللشهيد معروف سعد. في مقدم المسيرة مشيتُ حاملاً عصا كانت لوالدي أيام كان يرعى الماعز. أما المسدس الذي وضعتُه على خصري، فاشتريته، من عيار 7 ملم، من تاجر سلاح في الضيعة. بعد أيام على المسيرة، علم مدير المدرسة أني أحمل مسدساً في الصف، فزار والدي في بيتنا ورجاه أن يمنعني من أخذه الى المدرسة. لكني في النهار التالي شهرتُ مسدسي في الملعب على ناظر من محازبي "اتحاد قوى الشعب العامل"، بعدما حاول منعي من الخروج من الملعب مصطحباً تلميذة في صفي، فقام محازبو "قوى الشعب العامل" من المعلمين والتلامذة بتعطيل الدروس احتجاجاً. أنا بدوري جمعتُ فوجي الكشفي وعدداً كبيراً من التلاميذ والتلميذات، وأخذتهم في رحلة كشفية الى مرج صغير في خراج الضيعة يدعى عيون جنعم، لأن عيون ماء ترشح من أرضه التي جعلها الرعاة مقيلاً لقطعانهم وسقايتها. قرب عين ماء نصبتُ خيمة قيادة الفوج، وعقدتُ فيها اجتماعاً للمرشدين، حضرته التلميذة التي منعها الناظر من الخروج معي من ملعب المدرسة، فعيّنتُها مرشدة قائدة للفتيات اللواتي انضممن الى الفوج.

* * *

بعد الظهر فوجئتُ بضوء النهار ينهمر عليَّ في عمق الخيمة، بعدما كنت أحكمتُ ربط قماشتَي مدخلها. سمعتُ صوت ليلى في موجة من الشتائم، قبل أن أتبين وجهها، فنزعت المرشدةُ شفتيها من فمي، وسحبتُ يدي من بين فخذيها المنحسر عنهما حتى أسفل بطنها قماش فستانها الطويل. قفزتُ من مكاني وأمسكتُ يد ليلى وأدخلتُها الى الخيمة، فكفَّت عن الشتائم، وسارعت المرشدة الى الخروج هاربة، فتبعتها. لما رأيتُ الكشافة التلامذة يتراكضون لاهين ومتوزعين بعيداً في جهات المرج، وأيقنتُ أن أحداً منهم لم يسمع الشتائم، عدت الى الخيمة، فعاجلتني ليلى، اذ اقتربتُ منها، بصفعة قوية على وجهي. تمالكتُ غضبي، فلم أصفعها، وسمعتها تقول في صوت مختنق إنها تحبّني وجاءت تطلب مني مرافقتها غداً الى بيروت، حيث ستُجري في عيادة طبيب عملية تعيدها بنتاً عذراء، قبل سفرها الى السعودية لتتزوج هناك ابن عمتها الشيخ. فكرتُ للحظة، ثم قلت لها إني لم أفهم كلامها، فرفعتْ فستانها ووضعت يدها بعنف بين فخذيها، وصرخت: سأقطّبه عند الحكيم في بيروت، ليفتحه ابن عمتي الشيخ في السعودية ويسيل منه الدم. بعد لحظة من الصمت، سألتني: هل تذهب معي غداً الى بيروت؟ أثارني عري فخذيها وانسدال فستانها على عريهما، وأخافني كلامها، فنظرتُ إلى عينيها الدامعتين، وفي مزيجٍ من الرغبة والخوف قلت لها إني سأذهب. اتفقنا على مغادرة الضيعة غداً صباحاً، كلٌّ بمفرده في سيارة، وعلى مكان لقائنا بيروت.
لما خرجتْ من الخيمة، وقفتُ في مدخلها، فأقلقني سيرها في اتجاه المرشدة التي كانت قاعدةً كظلٍّ جامد تحت شجرة وحيدة في المرج العاري، ووقفتْ فجأة كأنها ستركض هاربة، لكنها لم تفعل. ظلت جامدة في مكانها حتى اقتربت منها ليلى، فسارتا متقاربتين من دون أن تلتفت إحداهما الى الأخرى.
من مكاني البعيد في مدخل الخيمة تهيأ لي أن المسافة الثابتة بينهما مسكونة بقوة خرساء تنبعث من مركز جسم كلٍّ منهما، ذاك الذي وضعت ليلى يدها عليه قبل قليل، وحاولت المرشدة أن تنزع يدي عنه وأنا أقبّلها. فيما كنت أحدّق فيهما تبتعدان، فكرتُ في أن الشهوة والرعب هما ما يسيل من جسميهما دم الحيض الذي يتخثر صديداً في بثور تحت بشرة وجهي مذ بلغتُ ونبت شعر عانتي. صديدٌ هو توق الفتيان وشوقهم الى البنات اللواتي يمتنع على الفتيان أن يلمسوا من أجسامهن سوى خصل من شعرهن يقصصنها سراً، وسراً يعطينها لفتيان يخبئونها كذخائر فضيحة مقدسة في محارم بيضاء يدسّونها في مواضع قريبة من قلوبهم، ويقبّلونها في خلواتهم. وبألسنة فتيات خصل الشعر السرية هذه، غنّت فيروز: "يا هاك الصبح لمّا خصلة الشعر لمّى" (التقطها) الشاب المحبوب ليخبئها، كنوم أفعى شتوي، في صدره، علامة على امتلاك قلب فتاته العذراء، حتى يفتتح بها قوة رجولته مدنّساً شرف أهل الفتاة وشرفها في ليلة الزفاف.
مشهد ليلى والمرشدة تمشيان مبتعدتين في خلاء المرج، أشعرني كأنما رجولتي موصولة بمركز جسم كلٍّ منهما. لكني في نصف النهار التالي وليلته اللذين أمضيتهما مع ليلى في غرفة الفندق البيروتي، لم أنتبه للوقت، ونسيتُ رجولتي الموعودة ومَن أنا ومَن كنت ومَن سأكون.

* * *

في البداية، حين دخلنا الى الغرفة وأقفلت ليلى بابها، أرعبني قولها وهي تضحك مقهقهة، إنها سوف تودّع بي شبابها، قبل أن تحرق نفسها في ساحة الضيعة، بدل أن تذهب الى السعودية، فتخيلتُ نيراناً تشتعل في جسمها وسط الساحة، ثم رحت أقهقه مثلها، فزال الرعب عني، من دون أن نكفّ عن الضحك الذي أخذ يتوالد ويتجدد تلقائياً، من غير أن ندري لماذا ومما نضحك. بين موجهات قهقهاتها المتتالية صرختْ: خلص خلص، فيما هي تخرج من محفظتها اليدوية آلة تسجيل صغيرة شغّلتها، فانبعثت منها موسيقى كلاسيكية. توقفنا عن الضحك، وارتمينا معاً على السرير الواسع في وسط الغرفة التي – اذ أبصرتُ الأفقَ خلف زجاج بابها المؤدي الى الشرفة – تهيأ لي أنها معلّقة بين زرقة البحر والغيوم البيضاء. في صوت هادئ قالت ليلى إنها ستطلب من خدم الفندق كل ما تحتاج اليه حتى صبيحة الغد، وسنمضي الوقت كله في الغرفة. لم يكن قولها هذا موجهاً إليَّ، وفي صوت مَن يكلم نفسه تابعت قائلة إن البشر في القرى يعيشون كالحيوانات. أنا المستلقي الى جانبها على السرير، ووجهي وعيناي الى السقف مثلها، انتبهتُ أن هنالك كلاماً لا يتوجه لأحدٍ ولا يستدعي جواباً ولا فعلاً، بل يُقال ويُسمع، هكذا، كالموسيقى التي تملأ إيقاعاتها وأصداؤها فضاء الغرفة من حولنا، ويظل معناه عالقاً في وعينا كذكريات، كنبرة صوتي منادياً: ليلى، ليلى، ليلى، فيما هي تقوم عن السرير، وتقف قبالة المرآة الكبيرة المعلقة على الجدار، وتبدأ بفكّ أزرار قميصها متسائلة إن كانت امرأة خلعت لي ثيابها من تلقاء نفسها، هكذا، بطيئاً بطيئاً، بلا خوف ولا عنف؟ لم تنتظر مني جواباً، ولا أنا جاوبتُها، فقالت لي أن أبقى في مكاني على السرير، فبقيتُ أشاهد في المرآة بزوغ ثدييها من تحت القماش. ومن دون أن تلتفت إليَّ خلفها قالت أن أفعل مثلها، ففعلتُ قاعداً على السرير، ثم رأيتها تقرّب ثدييها الصغيرين العاريين من شفتيَّ في المرآة التي كان ضوء النهار يتلامع على صفحة مياه البحر في عمقها، ومن صفحتها تسللت برودة الزجاج الى حلمتَي ليلى اللتين أحسستُ بارتعاشهما في فمي. قبل أن تنزع قميصها الأبيض، رمت الى الخلف حمّالة صدرها السوداء، ومن دون أن تلتفت قالت: قبّلها، قبّلها. كان قماشها ناعماً وفيه رائحة جلدها الدافئ. من البعيد سمعتُ صوتها يناديني باسمي، كأنها تستغيث، فقمت عن السرير عاري الجذع، ثم ركعتُ على الموكيت خلفها، فاستدارت بوجهها وصدرها العاري نحوي. أدخلتُ يديَّ تحت قماش تنورتها الطويلة، متلمساً بكفيَّ عري فخذيها من دون أن أراه، وبطيئاً بطيئاً أنزلتُ كيلوتها الذي تخيلتُه أسود فاحماً خلف عتمة عينيَّ المغمضتين. لكنني شفافاً بلا لون، أو كماء الينابيع، رأيته عند كاحلَي قدميها، قبل أن تتركه على الموكيت الرمادية، وتتجه نحو الحمّام، قائلة لي أن أتبعها، كي نستحمّ معاً.

* * *

من الوقت الذي أمضيناه في الغرفة بعد خروجنا من الحمّام، لم يبقَ اليوم في ذاكرتي سوى لحظات من مشاهد قليلة، مرتدياً كل منا ما قالت ليلى إنه روب دو شامبر، وأن نتمدد على السرير، فتمددنا صامتَين في غلالة من موسيقى آلة التسجيل. من عنقها حتى أسفل قدميها أخذت تزيح أطراف الروب، بطيئاً بطيئاً، فأحسستُ برعشات عريها باردة في جلدها الدافئ كصوتها الخافت يقول لي أن أعتليها. رفعتُ رأسي وجذعي، ونزعتُ عني الروب، فبدا جسمها العاري كحجلة برونزية بجناحين أبيضين كالثلج على شرشف السرير الأزرق كسماء صافية. حين انتبهتْ الى أني بعينين جامدتين أحدّق في عانتها السوداء، سألتني إن أخافتني، ومن دون أن تنتظر جوابي، قالت إنها نذرتها منذ موت معلم مدرسة الضيعة وهو يجامعها في بيته، وسوف تدع الطبيب يقصّها غداً في عيادته، وأن أدخلها الآن، ففعلتُ مغمض العينين، فهبّت في جسمي كله حرارة قوية تخيلتُها تنبعث من نيران تشتعل في شعر عانات نساء أحرقن أنفسهن في الضيعة. فجأة قذفتُ وانطفأ جسمي، ففتحتُ عينيَّ ورفعتُ جذعي عن صدر ليلى تقهقه عالياً وتنقلب فوقي قائلة أن أغفو وأنام، فأخذت قهقهاتها تخفتُ وتخفتُ وهي تقبّلني وتقبّلني في مواضع كثيرة من جسمي البارد المبتعد كصوتها الذي سمعتُه متقطعاً متباعداً يؤرجحني في خدرٍ بين اليقظة والنوم. ومن غفوتي التي لا أعلم كم استغرقت، أفقتُ على صوتها تغني: "قلبي بلون عقالك، أسود من القطرانِ".


* النهار
3 أيار 2014

.


a6e90224039eed52e4a58ddf91c6bceb.jpg

Giovanni Costa

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى