قصة ايروتيكة مليكة مستظرف - جراح الروح و الجسد

الفصل الأول
ـ ياويلي ..يافضيحتي
حاولت مرارا أن أبدأ. كنت أحمل قلمي و أوراقي البيضاء و أنزوي في ركن الغرفة.أظل أمرر القلم على ورقتي بطريقة عشوائية و أسرح بأفكاري بعيدا، في ذلك الماضي البعيد. وعندما أستفيق من شرودي أجدني قد رسمت نذوبا وخطوطا كتلك التي أحملها في ذاكرتي.لماذا أنبش في الماضي؟ لماذا أنكأ الجراح؟ لكي أرتاح. و لن أرتاح الا اذا تقيأت على وجوههم كل ما ظل محبوسا في جوفي طوال هذه السنين. لا داعي أن أنشر غسيلي الوسخ على الملأ؟ بل سأنشره وسيراه الجميع. لم يعد يهمني أحد. طز في الجميع أقولها بأعلى صوتي.
آه يا ذاكرتي يا ابنة الزانية لماذا لم أفقدك كما فقدت كل شيء؟ لماذا لا يملك المرء ممحاة في مكان ما من الجمجمة تمحو كل الأشياء المحزنة والسيئة؟ لماذا؟ أحاول الهروب من الماضي، أجده يقف أمامي كغول خرافي يخرج لي لسانه بكل جرأة لن أتخلص منه. انه يلتصق بي كجلدي تماما. انه أخطبوط شيطاني يلتف حول عنقي يخنقني. هذه المرة لن أهرب من ذاكرتي سأحكي و أحكي لأرتاح. قبل اليوم كسرت ألف قلم و قلم و بكيت ألف مرة. اليوم لملمت ما تبقى من شجاعتي و قررت أن أقول كل شيء بدون خوف أو حشومة … أو عيب… سأحكي بكل جرأة… سموني ما شئتم زنديقة… مجنونة… فما عدت أهتم… لقد طفح الكيل.

… بعد المدرسة كنت ألعب مع أبناء حيي نلعب لعبة العسكر و اللصوص و البلي.و عندما أتعب أجلس مع صديقاتي نلعب بعرائسنا نغير ملابسها, نضمها لصدورنا كما تفعل أمهاتنا معنا.
كنت أبحث عن مخبأ حتى لا يكتشفه الأصدقاء, أين أختبئ؟ وراء سيارة؟ لا المكان مكشوف ويسهل القبض علي…أختبئ في حديقة المسيو جورج جارنا؟ لا…ذلك اليوم أمسك بطارق و هدده بأن يضعه في جراج الفيلا مع كلابه الخمسة. من يومها لم نعد نقترب من بيته.أين سأختبئ؟..اعترض طريقي رجل أسود، طويل جدا و نحيف. يا الهي كم هو طويل و بشع! شعره أكرث و كثيف يصلح عشا للحمام، وشفتاه كقطعة مقانق ويرتدي قميصا برتقاليا أزراره العليا مفتوحة تكشف عن صدر نحيف كالمشواة، و يلبس بنطلونا من الجينز ضيق من الاعلى ، واسع جدا من الأسفل..و لديه دراجة. قال لي:
ـ هيا معي ، والدك يريدك.
و لأن والدتي تحذرني من الحديث مع الغرباء فقد ابتعدت عنه.أين أختبئ؟ سأذهب الى المزبلة.. لكن لا انها نتنة مملوءة فضلات آدمية و أزبالا . علي قال لي: أن العفاريت تسكنها..تستيقظ ليلا و تنام نهارا وقد أزعج العفاريت أثناء نومها فتشلني أو تتلبسني. لا ..أين أختبئ؟ الرجل الأسود يمسك يدي بقوة. ألا تريدين الذهاب لرؤية والدك؟ اني أعمل في المحل المجاور لمحله ، أرسلني لكي آتي بك..
ـ ما اسم أبي؟
ـ الحاج محمد..
ـ أجل أبي الحاج محمد.
و أردف : أنتن خمس بنات وولد . هل أنا مخطئ؟
ـ فعلا ..فعلا
جاءت منى قالت لي : اهربي سيقبضون عليك.
أركبني دراجته و طار بي . شيء بداخلي كان يقول لي:
اقفزي من الدراجة. أهربي. لكن لم أفعل. ومن حارة لأخرى و من زقاق لآخر انتهى بنا المطاف في عمارة نائية و فوق سطح احدى العمارات أمسكني بعنف و بطحني أرضا. رفع فستاني, حاولت الصراخ. كانت يده تقفل فمي بقوة..أحسست بالاختناق.. جسمه ثقيل ورائحة عرقه كريهة. وهذا اللهاث قرب أذني. حاولت المقاومة وكلما قاومت و حاولت التخلص منه ازداد شراسة. وبعدها انتهى. مادة لزجة كريهة بين فخذي،ألم , شعري أشعت، رجلايا كأنهما مصنوعتان من القطن ، لا أستطيع الوقوف .هو ممدد بجانبي يلهث كحيوان، كخنزير،كشيطان، وذلك الشيء الطويل جدا الضخم يتدلى بين رجليه…و… صرخت. استطعت أن أصرخ بقوة. أجفل الحيوان الراقد بجانبي.رفع سرواله بسرعة و هرب. صعدت امرأة أوربية سمينة جدا. كانت ترطن بلغة لا أفهمها . لم أعد أفهم شيئا. حملتني, أخذتني الى بيتها بالطابق السفلي. أذخلتني الى الحمام نزعت ملابسي و أخذت في غسل جسمي بماء دافئ وصابون. كنت أتلوى من الالم ،أرتعش ، أبكي. وكانت تحاول اسكاتي. غسلت عضوي جيدا.
لم تكن تكف عن السب والشتم بلغة لا أفهمها. ألبستني ملابسي ،أعطتني كأس حليب دافئ وبسكويت. ضمتني اليها .هدأت شيئا فشيئا. بعدها لا أعرف كيف و صلت الى البيت. عندما أخبرت والدتي بالأمر، ضربت فخذيها بكفيها النحيلتين:
ـ ياويلي ..يافضيحتي
تندب خديها، تلبس جلبابها، تنسى أن تضع النقاب على وجهها، تمسكني بعنف تجرني، رجلايا كالقطن، ألم بين فخذي، أمي لا أستطيع، تجرني ، كانت تكلم نفسها بصوت مرتفع:
ـ يا ويلي ، اللي عنده بنت عنده أفعى لازم يقتلها. ياريت كل أولادي ذكور..البنات مصيبة، يا ربي لا تورينا ما يخيفنا. تمسح دموعها.ندخل احدى الشقق في عمارة مظلمة. تأخذني الى جارتنا و هي امرأة تقوم بكل شيء: فهي طباخة في الأعراس و قابلة ـ مولدة ـ و تغسل الموتى. نزعت المرأة ملابسي و أخذت تبحث عن ذلك الشيء الموجود الفخذين. بالتأكيد كان شيئا مهما ذلك الذي تبحث عنه. بدليل الاهتمام الذي بدا على وجهها المغضن و بدليل ذلك الخوف و التوسل الذي كنت أراه في عيني والدتي التي كانت تضع يدها فوق قلبها مستندة الى الحائط. كانت والدتي تبدو و كأنها كبرت عشر سنين دفعة واحدة. فجأة أصبح حجمها أكثر ضآلة و انكماشا. كنت أشعر بالخجل و المهانة, لماذا تفعلان هذا؟ كنت أحاول أن أخفي ذلك الشيء بأصابع مرتعشة ، فتزجرني تلك المرأة. كانت تبدو كتلك الغولة التي تأكل الأطفال في الحواديث التي تحكيها أمي لنا. كانت ضخمة جدا و فمها خال من الأسنان الا من ناب في الفك السفلي. ابتسمت ابتسامة لزجة بلا معنى وقالت لوالدتي:
ـ ابنتك طبق سليم كما أنجبتها.
تنفرج أسارير والدتي ، تمنحها نقودا. نعود الى البيت تسألها أختي خديجة:
هه! ماذا قالت المرأة؟-
تتنفس والدتي الصعداء:
ـ الحمد لله مازالت بنت.
تنزع جلبابها، تذهب الى المطبخ، تعود و هي تحمل سيخا حديديا احمر رأسه بفعل النار. أجفل رعبا..
أهرب الى الغرفة الأخرى تنادي أمي على خديجة:
ـامسكيها بنت الحرام..
تقول أمينة بتوسل:
ـ سامحيها الله يخليك.
ـ ابعدي عن طريقي.
ـ يا أمي انها طفلة.. عمرها أربع سنوات لا تعرف شيئا.
ـ ما تعرف والو..هي كتعرف الشيطان فين مخبي ولده.
تمسكني خديجة و تكوي والدتي فخذي الأيسر. أرتعش.. لم أعد أستطيع حتى الصراخ. أنزوي في ركن الغرفة و أبكي في صمت و أمسح دموعي. عندما يأتي والدي حتى لا يعرف بالأمر. تعودت أن أنام مع والدي ووالدتي : غرفتهما كانت كبيرة جدا. بها سريران كبيران و دولاب ضخم جدا وكرسي هزاز. كان والدي ينام بمفرده على سرير و انا ووالدتي على السرير الآخر. أنام على ذراعها. أخفي رأسي بين ثنايا عنقها ، تهدهدني، تحكي لي حكاية هينة التي خطفها الغول. فأنام و لا أصحو حتى الصباح.في بعض الأحيان كنت أستيقظ ليلا، أتحسس السرير لا أجدها، أناديها. تجيبني من مكان ما من الغرفة. لم أكن أعرف أين تختفي لكن أشعر بالأمان.
في تلك الليلة انتظرت أن تناديني كالمعتاد حتى أنام بجانبها . لكنها لم تفعل. انتظرت، انتظرت، وبعدها أقفلت الباب دوني. وأنا؟ أحسست بالحرقة في قلبي أشد ايلاما من الحرق في فخذي. كنت أنتحب كطفل يشكو حرقة الفطام. وضعت لي خديجة فراشا في الأرض و قالت بتأفف: نعسي ما تفيقي.
أجابتها أمينة: الله ينجيها.
شعرت أنني منبوذة ، مكروهة، مدنسة. كنت أتساْل ما كل هذه الحكاية؟كل شيء تم في رمشة عين: الرجل الأسود، هل يكون فعلا صديق أبي؟ لماذا اختارني لكي ينفث في سمومه دون الآخرين؟ لماذا ضمتني المرأة الفرنسية؟و لماذا ضربتني أمي وكوت فخذي؟ هل أنا ظالمة أم مظلومة؟لأول مرة أنظر الى سقف الغرفة و أبحث عن هذا الله بعينين دامعتين، أسأله أن يكون كل هذا كابوسا فقط. بت ليلي كله أنتظر معجزة ترفع عني الظلم. ربما يرسل الله ملاكا أو شيطانا لا يهم . يشرح لوالدتي ما حدث و يجعلها تعطف علي و لا تنبذني أبدا. أحسست بيد تتحسس شعري في الظلام .أجفلت، فرحت ، قلت : أمي.
ـ أنا أمينة . لا تخافي.
ضمتني اليها. دفنت رأسي في عنقها. حاولت أن أنام. لكن الألم في مؤخرتي و فخذي. حمى تسكن جسدي. عرقي غزير، الرجل الأسود، تلك الرائحة الكريهة المنبعثة منه, قضيبه المتدلي كقنفذ كريه، المرأة الفرنسية، حضنها قبلاتها، و سيخ أمي الحديدي و تلك الجملة : لا تخبري غريبا و لا قريبا بالأمر.
في الصباح أيقظتني خديجة بركلة من قدمها:
ـ فيقي يا القحبة.. نايمة في العسل.
أقفز. أنظر حولي جيدا. لم يكن كابوسا. حرقي ينز صديدا و ماء. لا أستطيع الوقوف على قدمي ، أسمع والدتي تقول لأمينة: لا أريد أن أرى وجهها، الأكل فيها خسارة، اعطيها الخبز حافي.
أتت أمينة، أعطتني قطعة خبز و فنجان قهوة.
ـ اشربي القهوة سريعا ، لقد أتيت بها خلسة.
نظرت الى الحرق، مسحت دمعة نزلت على خدها ضمتني اليها:
ـ ليس لدينا أي دواء بالبيت ، سأذهب عند المسيو جورج و أطلب منه مطهرا ، لكن لا .. كلابه شرسة .سأضع لك معجون أسنان.
و تأتيني بمعجون الأسنان. يعاودني الألم أعض على شفتي حتى لا أصرخ.

* * * * * *

….. مرت أيام تجر وراءها الأيام و الشهور. ونسيت أو تناسيت الموضوع برمته لأنني بطبعي أكره تذكر كل الأشياء المحزنة.
حتى والدتي يبدو أنها نسيت الموضوع. لكن حدث ثانية ما نكأ جراحي.
في حينا كان بقال طيب يغدق علي دون الجميع بالحلوى و الشوكلاطة. وفي بعض الأحيان لم يكن يأخذ مني ثمن البضاعة التي أشتريها منه. وعندما أخبرت والدتي بالأمر لم تزد عن قولها أنه رجل طيب.ووالدتي لا تخطئ في حكمها على الناس اذا فهو رجل طيب. كان سمينا جدا و قصيرا يبدو كدولاب متحرك. يرتدي دائما وزرة زرقاء متسخة ، تحتها سروال قندريصي لا لون له ، ربما كان أبيض أو رماديا في يوم ما ، ينتعل بلغة صفراء مهترئة. وكان و جهه مفلطحا يتوسطه أنف ضخم أحمر دائما كأنه نبتة غريبة نبتت في غير موضعها. وسبابته أبدا لا تفارق أنفه.
في ذلك اليوم ذهبت لاشتري مسحوق الغسيل , طلب مني البائع “الطيب” ان أذخل الى الداخل لان مساعده غير موجود ورجله تؤلمه. ففعلت عن طيب خاطر.ربت على شعري و قال انني فتاة جميلة وقبلني على خدي و أجلسني على ركبتيه وقال:
-اختاري ما تريدين و كل ما تشتهين من أنواع الحلوى ..ما تحشميش.
و بعدها أحسست شيئا محشوا بين فخذي و أنفاسا متهدجة قرب أذني و…رميت بكل الحلوى التي ملأت بها جيوبي. كانت يده ككماشة تطبق علي تشل حركتي.انظر الى الحرق في فخذي ,أرتعش و..
أردت أن أخبر والدتي بالأمر , لكن تذكر الرجل اللأسود , الحرق في فخذي وجملة والدتي ” لا تخبري غريبا بالأمر , لم تحافظي على نفسك” . ولم أخبر غريبا و لا قريبا بالأمر, دخلت البيت مطأطأة الرأس , اغتسلت في الحمام كما علمتني المرأة الفرنسية.
جلست في ركن قصي من البيت , كان في عيني انكسار و حزن. أعيد الشريط أمام عيني و سؤال لا يفارقني : لماذا يفعلون بي هذا؟
في الغد أرادت والدتي ارسالي لبقال الحي , رفضت.قلت لها:
-كبرت الان .لن اذهب الى البقال و لن ألعب مع أصدقائي الذكور في الحي. .ضحكت والدتي وقالت: لا تتعجلي بالدخول الى عالم الكبار.
تمتمت وحدي:
-لو الأمر يعود لي فأنالا أريد الدخول الى عالمكم أبدا.
من يومها لم أعد تلك الفتاة المشاغبة العنيدة.رأسي دائما مطأطأ و في عيني انكسار و حزن و ذل ووخوف كبير وكره أكبر.
والدتي كانت تبدو سعيدة لأنني لم أعد ألعب مع أبناء حيي من الذكور و لا أبرح البيت الا الى المدرسة.
لكن حتى البيت لم يعد آمنا. كان يسكن معنا قريب أبي القروي اسمه”قدور”.كان في حوالي العشرين من عمره ربما اكثر بقليل. اتخذه أبي سندا له في أعماله. و كان “قدور” هذا الامر الناهي .يحضر الى البيت فيصبح حديثنا نحن البنات همسا ومشينا على أطراف الأصابع.و كان ابي يبدو سعيدا بتجبر قريبه و تسلطه.
كان “قدور” طويلا جدا و ضخما . يحلق شعره على “الزيرو” لديه عينان متقاربتان و ضيقتان كعيني صقر. لا يتحدث كثيرا , بل لا يتحدث ابدا.عندما يعود من العمل يدخل غرفة بناها له أبي في حديقة البيت نأتيه بالطعام, يأكل في صمت, يستمع للراديو وينام.
و ليلا ناداني”قدور” لكي آتيه بكوب ماء. كنا نتفرج على فيلم مصري و الصمت يسود المكان, و كل حواسنا مشدودة للفيلم.سمعت نداءه ذهبت اليه بكوب الماء. أحذ يريني صوره و أشياء أخرى لم أعد أتذكرها و كان يكلمني برفق و ليونة. كل هذا بدا غريبا في نظري, لأنه لم يكن يكلمني الا صافعا أو ناهرا أو شاتما. أحسست يدا مرتعشة تتحسس صدري و نهدي”أي نهد لطفلة لم تتجاوز السادسة من عمرها؟” رفع فستاني و بطحني أرضا. لم أعترض. كنت أعرف أنه لا جدوى من المقاومة أو الصراخ.استسلمت و انا ألعن كل شيء في سري. الشريط يمر أمام عيني : نفس الحكاية تتكرر. الرجل الأسود , بقال الحي , “و قدور القذر”.و من بعد ذلك؟انتهى رفع يمناه و صفعني مهددا بسوء المصير ان أخبرت أحدا بالأمر.
و تكررت اعتداءاته كنت أخضع في صمت و ذل و مهانة. لم أفكر أبدا في أن أحكي لأي أحد. سيخ امي يتراقص أمام عيني و سبابتها تتوعد بسوء العاقبة ان أخبرت أحدا بالأمر.طبعا لن أخبر أبي. و أمينةالطيبة لا أراها الا في العطل.تدرس بالمدينة القديمة و تظل طوال الاسبوع عند جدتي هي و باقي شقيقاتي حيث توجد مدارسهن بالقرب من منزل جدتي.كنا نسكن هناك في الماضي, وعندما تغير سكننا الى المعاريف لم يكلف أبي نفسه عناء تغيير مدارسهن بل تركهن عند جدتي. خديجة الكبرى لا تدرس و عبد الله وحده يدرس بمدرسة بمحاذاة البيت.
كنت أصمت و أذعن لمصيري.أحمل دميتي, أنزع ملا بسها, أشد شعرها, أصرخ في وجهها: “لم تحافظي على نفسك , اياك أن تخبري أحدا بالأمر.”
و ذات مرة ضبطتنا شقيقتي خديجة بالجرم لمشهود. سحبتني من ضفيرتي الطويلة كالدواب,أخذت تبحث عن شيء موجود بين فخذي .كلهم يريدون ذلك الشيء الموجود بين الفخذين.
تبحث, تبحث. بعدها تأخذ عصى و تضربني على مؤخرتي بعنف, بجنون..بجنون..جنون. أتأوه , أصرخ, تأتي والدتي تضرب فخذيها بكفيها, تأمرني بالاغتسال, اسمعها تتهامس مع خديجة, لا أميز سوى بعض الجمل المقطعة :
-قحبة… من دابا؟ منين خرجت ليا؟
أخضع للذل للاستنطاق :
-منذ متى يحدث هذا؟
–……………
- هل هذه أول مرة؟
- ……..
تتوالى الصفعات على جسم لا يتعدى السادسة . أتلوى من الألم :
-لماذا لم تخبرينا؟
(الخوف .الخوف يعقد اللسان. عندما أخبرتك أمي كويت فخذي. لماذا لم تضميني اليك كما فعلت المرأة الفرنسية؟ لماذا؟)
تشدني خديجة من شعري و تقول :
-سأسجنك في المرحاض بلا ضوء.
أتوسل اليها . أقبل يدها. تسحبني بقوة . تأخذني الى مرحاض لم نكن نستعمله كثيرا. كان مظلما , مخيفا . أبكي , أشعر بالرعب.
كنت ساعتها طفلة عوقبت على جريمة لم أرتكبها. أما “قدورالقذر” فلم تجرؤ والدتي حتى على سبه أو اخبار أبي بالأمر. كأنني التي أغويته. كيف لطفلة مثلي أن تغوي شابا مثله؟ كيف يفكر هؤلاء؟ أليست لديهم مادة رمادية متواجدة في منطقة ما من تلك الجماجم المتعفنة يفكرون بها؟
لم يكن بمقدوري سوى الهروب الى عالمي الخاص: الى الحلم. أتخيلني وقد كبرت فجأة.عندما كان الكبار يسألون الصغار عما يريدون أن يكونوا في المستقبل , كان الجواب دائما واحدا من اثنين : اما أطباء أو معلمون.
لكن لم أكن أعرف بماذا أجيب, لأنني لا أعرف بالضبط ماذا أريد. كل ما أعرف هو أني كنت أعشق السفر.أتخيلني و قد سافرت بعيدا بعيدا جدا. أحلم أن لي طفلة أضمها الي,أمنحها الحب و الحب و فساتين كثيرة و لعبا. أبدا لن تكون أقل من الاخريات, لن أنهرها, لن أكوي فخذها بل سأخفيها عن العيون القذرة. لكن أبدا لا أحلم بزوج . لم أكن أستطيع أن أتخيلني عروسا بفستان أبيض. حاولت مرارا تخيل شكل العريس فيتراءى لي وجه “قدور القذر”, أستفيق من حلمي مرعوبة على واقع أشد رعبا.
تمر الايام و من حين للآخر كانت تأخذني والدتي لتلك المرأة , بسبب و بدونه لتتأكد من أن ذلك الشيء مازال في مكانه و أن الطبق لم يكسر بعد. يتكرر سجني في المرحاض, أحببت السجن , كان يمنحني فرصة للانفراد بنفسي و السفر بعيدا بعيدا في عالمي الرائع الذي صنعته من مخيلتي.
كنت أغضب من والدتي , لماذا تترك غريبة تفعل بي ذلك؟ ألم تكن تنهاني عن لمس ذلك المكان؟ أتساءل لماذا تغضب والدتي و تزجرني اذا ما ضبطتني ألمس ذلك المكان أو أحكه؟ ذلك المكان؟ أو ليس له اسم؟ أو ليس شيئا يخصني؟ لماذا لم نكن نستطيع ان نتكلم عنه بحرية كأي عضو من أعضاء الجسم؟ كالأنف , اليد, الرأس؟ ثم لماذا لا تغضب والدتي اذا ما رأت شقيقي يلمس قضيبه؟عندما كنا نذهب الى الحمام للاستحمام كانت والدتي تصر أن أغطي ذلك الشيء بلباس داخلي, في حين أنني كنت أرى نساء و أطفالا غيري لا يخفين ذلك الشيء الممنوع و المملوء شعرا بشكل مقزز. وعندما كانت تضبطني والدتي أنظر اليهن , تزجرني بقولها “الله يعطيك العمى”.

فجأة. لم أعد كالأطفال, لأني أعرف أكثر منهم, و لأنه حدثت لي أشياء لا تحدث للأطفال عادة. كنت أحس أني ملوثة . قلبي وحياتي أصبح بهما بقع سوداء كثيرة.ورغم أن السنين مرت فأنا أدين كل الذين أهانوا آدميتي و صادروا طفولتي.
أصبحت ممنوعة من اللعب خارج البيت. من البيت الى المدرسة .وفي وقت الفراغ ألعب بدميتي وحدي.
و في بعض الأحيان تأخذني والدتي الى “المدينة القديمة” نزور جدتي العجوز أو نتمشى في “الملاح”. لم أكن أحب زيارة جدتي و لا الذهاب الى الملاح حيث الزحام. لا أرى شيئا من الآشياء المعروضة. زحام , صراخ الباعة, ووجهي ملتصق بظهور و مؤخرات الناس. والدتي كانت تسحبني كالدابة. حاولت كثيرا التمرد, لكنها تصر أن أرافقها حتى لا أبقى وحدي بالبيت و يأتي “قدور القذر” و…
وصلت سن الثانية عشرة. أصبح لي نهدان بحجم حبة الحمص تؤلماني, و شعيرات ظهرت تحت الابطين و في منطقة العانة. في يوم دخلت المرحاض لأتبول, وجدت نقطة دم في لباسي الداخلي, شعرت بالأرض تميد بي. بكيت في صمت. لم أفهم ماذا يحدث؟ هل هذا يحدث لكل النساء أم لي وحدي؟ هل أخبر والدتي؟ و صرخ كل عضو في جسمي “لا”. هذا الدم نزل من تلك المنطقة الممنوعة. ستقول والدتي ثانية أنني لم أحافظ عليه. والدتي لن تضربني اذا نزف الدم من أصبعي, لكنها حتما ستعلقني من مؤخرتي اذا ما علمت أن الدم نزل من بين الفخذين. ان الله بالتأكيد يعاقبني على شيء فعلته, وأخذت أحاول أن أسترجع في ذاكرتي كل ما فعلته خلال ذلك الأسبوع أو الشهر. لا شيء. فحتى “قدور القدر” لم يلمسني هذا الشهر.ان الله يكرهني. هكذا فكرت. وبكيت وحدي. والتزمت الصمت.غسلت ملابسي الداخلية. لم يخبرني أحد من قبل أن من علامات البلوغ عند الفتاة , نزول دم الحيض. كل شيء حشومة, عيب. هراء , هراء, تخلف.
في يوم مابعد الظهيرة, لم أكن أدرس. كنت أفكر فيما يمكنني فعله. أنجزت تماريني, حفظت دروسي التي كنت أنساها فور حضور أخي الأكبر. ليست لي صديقات. وحتى ان كان لي , فوالدتي ستمنعني عن زيارتهن. مللل, ملل. جاءت شقيقتي الكبرى و قالت جملة واحدة :
-هيامعي. وسحبتني من يدي.
وفي الطريق قالت لي :
-سأشتري لك “الزريعة” و “كاوكاو”.
فرحت.
-وسأشتري لك “حلوة لاكريم”
فرحت أكثر. لكن لماذا كل هذا؟
-و..أنت لم تعودي صغيرة, كبرت الآن.
انني أكبر متى يريدون و أصغر حسب أهوائهم و أمزجتهم. ما عليناش. انها تنوي قول شيء و تمهد له.
و استجمعت قواها وقالت:
-سنذهب للسينما.
فغرت فمي دهشة. اتسعت عيناي. تسمرت مكاني:
-سي..نما
-ايه , هناك فيلم هندي بالألوان. أنت لم تري الأفلام الهندية الملونة, جملية وشيقة, سترين , سيعجبك الأمر.
-و أبي؟
-ماذا به أبي؟ لن يرانا أحد.
ورفعت سبابتها في وجهي,(أكره من يرفع سبابته في وجهي)
-اياك أن تخبري أحدا بالأمر.
السينما كانت من المحرمات. كانت أمي تقول : بنات الشوارع و الساقطات هن من يذهبن للسينما. و لم نكن نجرؤ أن نمر أمامها.
دخلنا. كنت اشعر بالخوف: الظلام, أرتطم بالكراسي.جلست , لم أكن مرتاحة في جلستي. ضحكت أختي , اذ كنت أجلس على الكرسي مغلقا. فتحته أختي و شعرت بالارتياح. رأيت الفيلم , كنت مندهشة. بكيت و كنت أسمع اسمع البكاء و النحيب في كل القاعة.و اكلت ” الزريعة “و كاوكاو”.و من حين لآخر كنت أسمع “طق مق”.التفت,كان هناك جسمان ملتصقان غارقان في بحر القبل و ..الآن عرفت لماذا كانت والدتي تقول أن السينما لا يرتادها الا الساقطات. انتهى الفيلم. رأيت فتيات يصلحن ما فسد من هندامهن بفعل أشياء غير لائقة. و في طريق العودة قالت أختي:
-أين كنا؟
-في السينما. أجبت بعفوية.
جن جنونها.
-لقد كنا في الملاح . أين كنا ؟
-في الملاح, في الملاح.

من جملة الأشياء التي مازالت محفورة بذاكرتي: منظر والدي و هو يضرب والدتي. كان يضربها بسبب وبدونه. يضربها بعنف و كنا نختبئ –نحن الأبناء- في احدى الغرف. نبكي. لم نكن نجرؤ حتى على التوسل. كانت أمي تبكي و تستغيث و لا من مغيث. كنا عاجزين. نخاف أبي وجبروته و نحب أمي و لانستطيع لها شيئا.
يظل أبي يقاطعنا شهرا و أكثر. يأتي من العمل يقفل عليه غرفته. لا يأكل اكلنا و لا أي شيء. يصبح الجو مكهربا و كئيبا.لا أحد ينطق ببنت شفة. نتكلم بالاشارات فقط. وجهاز التلفاز بلا صوت ,نرى الصور فقط. اختناق.
كانت خديجة تقول لوالدتي:
-لابد انه سحر. هذا مؤكد.
-الله ياخذ فيهم الحق. لكن لماذا يسحرون لي؟
-يحسدونك على أبي.
-فليأخذوه. لا أريده. سامحت ليهم في حقي فيه.
-يجب أن نفك السحر. غدا سأذهب عند شواف يهودي في المدينة القديمة لمعرفة من له المصلحة في ذلك.
تتردد والدتي تبدو عليها الحيرة, تقول أمينة:
-يجب أن نعرف من له المصلحة في شتات شملنا.
تستجمع والدتي قواها:
-اذهبي لكن خذي معك أختك.
و في الغد أذهب مع أختي. لكن ليس الى الفقيه. نشتري “الزريعة” و “كاوكاو” و نذهب الى سينما “فيردان”, نرى فيلما هنديا آخر. و بعد انتها ء الفيلم تقول أختي.
-اين كنا؟
-عند الشواف.
-عظيم حفظت الدرس. و الشواف أعطانا هذا.
و تخرج من بين نهديها ورقة مطوية على شكل “حجاب”.
-من أين أتيت به؟ أسألها.
-صنعته وحدي.
و في البيت تختلق خديجة حكاية عجيبة.
ندخل الى الغرفة. والدتي امينة و كوثر و خديجة وأنا. أرى تساؤلات في عيني والدتي . تقول لها خديجة بجدية:
-ذهبنا عند اليهودي, الزحام كثيف . تصوري, هناك رجال و نساء أتوا من مصر و حتى الهند. شواف عفريت . عندما حان دوري قال لي أشياء غريبة كأنه يعيش معنا سبحان الله.
و تظهر اللهفة على وجه أمي:
-ماذا قال؟
-عرف لماذا أتيت دون أن يسألني. كل شيء يظهر في السبحة. قال لي أن أبي رجل متغطرس وجبار, لكن ماشي الخاطرو. هناك امرأة بيضاء سمينة, لديها علامة في يدها هي من تسحر له, فهي تغار من أمك.
تنظر الي:
-أليس كذلك؟
أنظر اليها بغباء و دهشة:
-آ..نعم..ايه
تفكر والدتي قليلا ثم تصرخ:
-عرفتها. خالتكم, أختي من دمي و لحمي. عندها علامة في يدها : أصبعها السبابة معقوف و هي بيضاء و سمينة.
و تقول خديجة:
-أنا كذلك فكرت فيها. ألم تري كيف تغير لونها عندما علمت أن أبي اشترى لك قفطانا؟
تبكي والدتي بحرقة:
-الله يابنت بويا واش بغيتي عندي؟
وتقول أمينة:
-لقد حذرناك منها كثيرا.
و تمدها خديجة بالورقة البيضاء/الحجاب:
-خذي هذا الحجاب, أطبخيه مع الشاي و اسقيه لأبي.
تحتار أمي:
-لكن والدكم لا يأكل أكلنا.
تتشجع أمينة و تقول:
-سأصنع له الشاي و أعطيه له. فهو يحب الشاي جدا وسيضعف أمامه.
تتنهد أمي :
-على مولانا.
تأتي خالتي كالمعتاد. لكن أمي تسلم عليها ببرود و تكلمها ببرود . لا تأتيها بالشاي والحلوى كما المعتاد. تتركها تتكلم وحدها. تجيبها أمي بين الفينة والأخرى بكلمات مقتضبة. تترك الغرفة, و تذهب الى المطبخ تتظاهر بالانشغال بشيء ما. تحس خالتي بشيء ما غير طبيعي و تنصرف غاضبة. نجحت خديجة في افساد علاقتهما.
كنت في السابعة حين اصبت بمرض ” روماتيزم المفاصل”. كنت عادية ذلك اليوم, استيقظت كما المعتاد. تناولت فطوري كماا لمعتاد. لكن حينما كنت أكتب الدرس على دفتري, أحسست بألم في يدي, سقط القلم من أصابعي. عاودت امساكه.سقط. حاولت التقاطه, عجزت. ياالهي ماذا يحدث؟ آلآم فظيعة في يدي و رجلي. حاولت النهوض , تحريك قدمي , فشلت. نادتني المعلمة:
-ماذا بك؟ تعالي
كنت أنظر اليها وأبكي. لم تفهم المعلمة كما لم أفهم شيئا.
صرخت في وجهي:
-تعالي ألا تسمعين؟
كلهم يصرخون. أبي , أمي, “قدور القذر”, المعلمة. لماذا لا يتكلمون بلطف؟
من خلال دموعي نطقت:
-لا أستطيع. أحس بآلآم في رجلي و يدي.
بهتت المعلمة.أتت الي. حاولت مساعدتي على الوقوف.فشلت.
خرجت و عادت معها المديرة وباقي المعلمين و المعلمات:
-حاولي النهوض. حركي رجليك.
-لاأستطيع
-حاولي.
آلآم,آلآم.
يربتون على شعري, على كتفي, يتكلمون في نفس الوقت, تختلط الآصوات:
-والد جاري حدث له نفس الشيء. انه الشلل.
-لا . انها حالة عصبية ستختفي بنفس السرعة التي ظهرت بها.
-لا . يجب أن يأخذها أهلها الى فقيه. يمكن “المسلمين”
و تلتفت الي المديرة:
- هل أفرغت الماء الساخن في المرحاض بالأمس أو هذا الصباح؟

-لا..لا

-هل صدمتك سيارة أو دراجة؟

(ماهذه الأسئلة البليدة؟)

-لا..لا..

…..يتركونني. بعدها يأتي أبي يحاول تحريك قدمي و يدي. لاأستطيع. يحملني بين ذراعيه , لاأحس بالأمان بل بالخوف.و أتمنى أن أفر منه. و من طبيب لآخر, تحاليل صور أشعة و النتيجة: روماتيزم في المفاصل. قالوا أن السبب هما اللوزتان. لم يفهم أي احد ما علاقة اللوزتين بقدمي ويدي. حقن,حقن.أصبحت مؤخرتي بها ثقب زرقاء عديدة كالمصفاة.احساس غريب أحسسته وأنا مريضة.أحببت هذا المرض لقد جعلهم يلتفون جميعا حولي, يضموني اليهم, يشترون لي أشياء جميلة. تعدني أمي أن تاخذني للبحر لأدفء عظامي, و زيارة ضريح “سيدي محمد” , نأخذ له الشموع و نذبح له ديكا.و خديجة كذلك تعدني بالذهاب الى السينما ان أنا وقفت على قدمي. امينة كانت تقرأ لي حكايات ألف ليلة و ليلة. يأتي أناس كثيرون يزوروني و يدعون الله لأجلي.

لكن في ذلك اليوم عندما كنت نائمة, أحسست بشيء ثقيل جاثم على صدري. حاولت ازالته بيدني واهنتين. استفقت وجدت “قدور القذر” فوق جسمي, شفتاه الكريهتان تطبقان على فمي و..لم يكن أحد بالبيت.ربما كانت والدتي في المطبخ. بكيت. هذه المرة حاولت الصراخ لكنه أطبق بيسراه على فمي و بيمناه صفعني. كانت عيناه تلمعان بشيء غريب: الكره ؟ الحقد؟لا أدري. كم أتمنى لو أستطيع أن أحمل سكينا و أغرزه في صدره وأفتحه لأرى ان كان يحمل قلبا مثل باقي البشر , يحس , يتألم, مستحيل أن يكون له قلب.
شفيت لا أدري كم مضى من الزمن, شهر؟ سنة؟ ربما استغرق العذاب عمري كله, كان هذا المرض يأتي حتى أظنني لن أتخلص منه أبدا و يختفي حتى أكاد أنساه.

-الحمد لله , الله هادينا للطريق المستقيم. هذه الجملة سمعتها مرارا من شقيقتي خديجة. تتكلم عن الأخلاق و الشرف و العفة الى آخر هذه الحكايات التي تبعث على النوم وقوفا. أمي طيبة تصدق هذا الكلام وتردد هي الأخرى: الحمد لله أولادي مهديين مرضيين ما فيهم حتى بلية.

لكن أنا لم أكن بلهاء, كل شيء مخزن في هذه الجمجمة. كنت اصمت لأنه لا أحد يصدقني. أرى و أصمت. علموني أن أبتلع لساني و أصمت. مرة وتلتها بعد ذلك مرات حاولت خديجة أن تتملص مني بشتى الوسائل, لكن والدتي كانت لها بالمرصاد:

-ترافقك اختك أو لن تخرجي.
-أنا لا أفهم معني اصرارك. لماذا لا أخرج وحدي؟
-اعطني سببا واحدا يجعلك ترفضين مرافقة أختك.
-سأذهب عند صديقتي من “الأخوات المسلمات” سنناقش بعض أمور الدين, فكل يوم جمعة يعقدن مثل هذه الجلسات.
-هذا سبب أكبر يجعلني أصر على أخذ أختك معك. عسى الله يهديها و تصلي.
تستسلم شقيقتي على مضض , تنظر الي شزرا , تمسكني من يدي بعصبية و تسوقني كالدواب. نمشي , نمشي. حرب حامية الوطيس مشتعلة بداخلها. ياالهي ماذا بها ؟ و صلنا الى حديقة الألعاب, ادخلت يدها بين نهديها و اخرجت بعض النقود.
-خذي هذه النقود, العبي كما تشائين, اشتري ما تشتهين.

ترددت. كنت أجيل النظر بين اليد الممدودة بالنقود و الوجه الغاضب. أخذت النقود.

-ستدخلين وحدك و عندما تنتهين من اللعب ,أخرجي وقفي بجانب “العوينة”. هل تسمعين؟ الساعة السادسة بالدقيقة أجدك هنا , كرري ما قلته.

-و أنت أين ستذهبين؟

تلعثمت , احمر وجهها . (عجبا ان وجهها يحمر!)

-لن أكرر ما قلته لوالدتي.

-ووالدتي قالت أرافقك لا أن تتركيني و تذهبين.

- اسمعي, غدا أشتري لك سروال “الجينز”

(انها تساومني يجب أن أستغل الموقف)
-سروال جينز و حذاء رياضي.
ابتلعت غضبها
-حسنا لكن ابتلعي لسانك.
و قبل أن تتركني قلت لها:
-اذا لم تشتري لي سروال الجينز و الحذاء الرياضي , سأخبر والدتي ن كل شيء , ابتداء من السينما.
اصفر وجه خديجة:
-حسنا . أنا أستاهل, أنا حمارة, هيا بنا.
و بلا مبالاة قلت :
-اذن هيا بنا الى البيت فلنعد.
ترددت. بدت على وشك الانفجار:
-أقسم لك سأفي بوعدي.
ذهبت. و فهمت أنها لا تذهب عند “الأخوات المسلمات” ولا يناقشن أمور الدين أو يشرحن سورة “الفاتحة”. انها أمية تفك الخط بصعوبة و لا تعرف الظهر كم ركعة فيه. انها تذهب عند رجل, لا ليس رجلا واحدا, بل رجالا كثيرين, و تأتي محملة بأشياء كثيرة: جبنة , حلوى , مناديل مطرزة… تسألها والدتي فتقول : صديقتي “الاخوانية” أعطتني كل هذا, ظريفة مسكينة. تفرح أمي كالأطفال. تعطينا خديجة نصيبنا من الحلوى و الجبنة و لا تترك لنفسها شيئا . تقول بطيبوبة: لقد أكلت الحلوى و الجبنة حتى طلعات ليا هيا, و تشير الى رأسها.
و أبتسم في سري. يا ابنة الكلب!. والدتي تصدقها. ببساطة لا يساورها الشك في ابنتها المهدية المرضية.
و تشتري لي سروال “الجينز” و “الحذاء الرياضي” و فساتين كثيرة , ملابس جديدة, جلابيب, حلي كثيرة ذهبية مخزنة في الصوان, و لا أحد يسأل من أين لك هذا؟ ليست موظفة و لا أي شيء و لا أحد يسأل. والدي يعطيها مصروف البيت, أعرف والدي شحيحا. كل ما يعطيها يكفي بالكاد لشراء ربع كيلو لحم و بعض الخضراوات. هو يصرف بسخاء حد الاسراف اذا كان هناك ضيوف. يفعل ذلك للتظاهر فقط. و مع ذلك رغم المصروف القليل تأتينا بالفاكهة أشكالا و ألوانا, الدجاج , المشروبات الغازية, الحلوىو… هل كانت ذكية لدرجة استغفلت معها الجميع؟ أم كانوا أغبياء؟ أم كانوا يفهمون ويصمتون؟ أذكر أنها اضطرت لاستئصال الزائدة الدودية, و تكلفت أختي أمينة بالمصروف. احتارت المسكينة فالمصروف لم يكن يكفيها لشراء الضروريات . عشنا في ضنك لمدة أسبوعين الى أن عادت أختي خديجة و عادت أيام الرخاء. هي من حقها أن تفعل كل شيء. لكن عندما علمت أنني أحببت جارنا الذي لم أكن أعرف حتى اسمه أقامت الدنيا ولم تقعدها. أخذتني من يدي الى جارتنا لتتأكد من عذريتي.(يا الهي أي جنون؟).

إنتهى الفصل الأول

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى