قصة ايروتيكة تشارلز بوكاوسكي - قصص الحياة المدفونة - ت: أماني لازار

كانت إدنا تسير في الشارع وهي تحمل حقيبتها الخاصة بالبقالة، عندما مرّت بالسيّارة. رأت لافتة على النافذة الجانبية مكتوب عليها: "مطلوب امرأة"
توقفت. وجدت قطعة كرتونية كبيرة ملصقةً على النافذة، أغلب حروفها مطبوعة بالآلة الكاتبة. لم تستطع قراءتها من مكان وقوفها على الرصيف. استطاعت أن ترى الحروف الكبيرة فقط: "مطلوب امرأة"
كانت سيارة جديدة باهظة الثمن. داست إدنا العشب محاوِلة قراءة الجزء المطبوع:
رجلٌ في التاسعة والأربعين من عمره. مطلّق. يرغب في لقاء امرأة بغرض الزواج، يجب أن تكون بين الخامسة والثلاثين والرابعة والأربعين من العمر. تحب مشاهدة التلفاز والرسوم المتحركة. تجيد الطهي. أعمل محاسباً في وظيفة مضمونة. أملك رصيداً في المصرف. أحب النساء اللاتي تميل أجسادهن إلى الامتلاء.
كانت إدنا ممتلئة الجسم في السابعة والثلاثين من عمرها. وُضع مع الإعلان رقم هاتف السيد الباحث عن المرأة وثلاث صور له. بدا رزيناً إلى حد بعيد في البدلة وربطة العنق، وبليداً، وقاسياً بعض الشيء. مصنوع من الخشب، فكرت إدنا، "مصنوع من الخشب".
تابعت طريقها، تعلو وجهها ابتسامة صغيرة مع شعور بالاشمئزاز، وعند وصولها إلى البيت نسيت أمره. بعد بضع ساعات، وهي جالسةٌ في حوض الاستحمام فكرت في مدى صدق شعوره بالوحدة إلى درجة أنه يُقدم على فعل شيء مثل "مطلوب امرأة".
تخيّلته عائدًا إلى المنزل ليجد فواتير الغاز والهاتف في صندوق البريد، يخلع ثيابه، يأخذ حمّاماً، يشعل التلفاز ثم يقرأ صحيفة المساء، يدخل المطبخ كي يطهو ببنطاله القصير محدقاً في المقلاة، حاملاً طعامه متجهاً نحو الطاولة، يتناوله، يشرب قهوته، وربّما يشرب علبة بيرة واحدة قبل النوم، ملايين من الرجال مثله على امتداد مساحة أميركا.
خرجت إدنا من حوض الاستحمام ملتفعةً بالمنشفة، ارتدت ثيابها وغادرت شقتها. كانت السيارة لا تزال في مكانها، دوّنتْ اسم الرجل، جو لايت هيل، ورقم هاتفه. قرأت القسم المطبوع مرةً ثانيةً. "رسوم متحركة". أيّ تعبير غريب استخدمه! يقول الناس في هذه الأيام: "أفلام"، أمّا لافتته فكانت شديدة الوضوح "مطلوب امرأة"، يا له من مبدع!
بعد عودتها إلى البيت، شربت إدنا ثلاثة أكواب من القهوة قبل أن تتصل به، رنّ الهاتف مرات عدة.
"مرحباً" أجاب.
"السيد لايت هيل؟".
"نعم؟".
"رأيت إعلانك على السيارة".
"أوه، نعم".
"اسمي إدنا".
"كيف حالك إدنا؟".
"أنا بخير، الجو حار جداً، الطقس لا يطاق".
"نعم، إنه يجعل الحياة صعبة".
"حسناً سيد لايت هيل...".
"نادني جو فحسب".
"حسناً جو، ها ها ها، أشعر بالحماقة، هل تعلم سبب اتصالي؟".
"رأيت لافتتي؟".
"أقصد، هاهاها، ما هي مشكلتك؟ ألا تستطيع إيجاد امرأة؟".
"أظن لا، إدنا أخبريني، أين هنَّ؟".
"النساء؟".
"نعم".
" في كل مكان، أنت تعلم".
"أين؟ أخبريني أين؟".
"حسناً، في الكنيسة، أنت تعلم أن هناك نساء في الكنيسة".
"لا أحب الكنيسة".
"أوه".
"اسمعي، لماذا لا تأتين يا إدنا؟".
"تقصد أن آتيك؟".
"نعم، لديَّ منزل ظريف، يمكننا أن نشرب ونتحدث على راحتنا".
"الوقت متأخر".
"ليس متأخراً إلى هذا الحد، اسمعي، أنتِ رأيت لافتتي ولا بد أنها أثارت اهتمامك".
"حسناً...".
"أنتِ خائفة، هذا كل ما في الأمر، أنتِ خائفة فحسب".
"لا، أنا لست كذلك".
"إذاً تعالي يا إدنا".
"حسناً...".
"تعالي".
"وهو كذلك، سأراك خلال ربع ساعة".
قرعت إدنا باب منزله، شقة طابقية حديثة، رقم 17، الأضواء انعكست من حوض السباحة في الأسفل، كان السيد لايت هيل أصلع الجبهة، أنفه معقوف مشعّر الفتحات، يرتدي قميصاً مفتوحاً عند الرقبة.
"ادخلي إدنا...".
دخلت وأغلق الباب، ارتدت فستاناً أزرق محبوكاً، في قدميها صندل من دون جوارب وتدخن سيجارة، قال: "اجلسي، سآتيكِ بشراب".
كان مكاناً لطيفاً. كل شيء فيه ملوّن بالأزرق والأخضر ونظيف للغاية، سمعَت السيد لايت هيل يهمهم وهو يخلط الشراب، بدا مسترخياً؛ وهذا ما منحها شعوراً بالارتياح، قدّم إليها مشروباً ثم جلس على كرسي قبالتها في الجانب الآخر من الغرفة، وقال: "نعم الجوّ حارّ، حار كالجحيم، رغمَ أنّي أمتلك مكيّف هواء".
"لاحظت، هذا ظريف جداً".
"تناولي شرابكِ".
"أوه، نعم".
رشفت إدنا رشفة، كان شراباً جيداً قوياً بعض الشيء لكنّ مذاقه لطيف. شاهدت جو يميل برأسه وهو يشرب؛ بدت تجاعيده سميكة حول رقبته، بنطاله فضفاض جداً، مما منح ساقيه مظهراً مضحكاً.
"إنه فستان جميل يا إدنا".
"أعجبك؟".
"نعم، أنتِ ممتلئة الجسم، إنه مفصّل عليكِ ويلائمكِ".
جلسا ينظران أحدهما إلى الآخر ويرشفان شرابيهما بصمت، فكرت إدنا "لمَ لا يتحدث؟ يجب عليه أن يتحدث، ثمة شيء متخشّب فيه!"، أنهت شرابها، قال جو: "دعيني أصبّ لكِ كأساً أخرى".
"لا، يجب عليَّ المغادرة".
"أوه، بالله عليك، دعيني أقدم لكِ مشروباً آخر، نحتاج إلى شيء لنسترخي".
"حسناً، لكن بعده سأغادر".
أخذ جو الكؤوس إلى المطبخ، لم يهمهم، عاد وقدّم إليها مشروباً أقوى من سابقه وجلس على كرسيّه أمامها.
"تعلمين، أنا أبلي بلاء حسناً في اختبارات الجنس".
رشفت إدنا من شرابها ولم تجب، سألها: "كيف تبلين في اختبارات الجنس؟".
"لم أجرِ أيّاً منها".
"لا بدّ أن تفعلي، ستكتشفين مَن أنتِ وما أنتِ عليه".
"هل تظن أن هذه الأشياء فعّالة؟ لقد رأيتها في الصحيفة، لم أجرِ أياً منها" قالت إدنا.
"بالطبع هي فعّالة".
"ربما لا أجيد الجنس، وربما لهذا السبب أنا وحيدة"، أخذت رشفة طويلة من كأسها.
"كلّ واحد منا وحيد في النهاية"، قال جو.
"ماذا تعني؟".
"أعني، مهما سارت الأمور على ما يرام على الصعيد الجنسي أو في الحبّ العقلانيّ أو في كليهما، فسيأتي اليوم الذي ينتهي فيه كل شيء".
"هذا محزن"، قالت إدنا.
"بالطبع، سيأتي اليوم الذي تنتهي فيه؛ إما بالانفصال وإما أن كل الأشياء يتم حلها بالتسوية: شخصان يعيشان معاً من دون أن يشعرا بأي شيء، أظن أن من الأفضل أن تكون وحيداً"..
"هل طلّقتَ زوجتكَ جو؟".
"لا، هي التي طلّقتني".
"ما المشكلة؟".
"عربدة جنسية".
"عربدة جنسية؟".
"العربدة الجنسية هي المكان الأكثر عزلة في العالم. شعرت بمعنى اليأس - تلك الأيور تنزلق دخولاً وخروجاً، اعذريني...".
"لا بأس".
"تلك الأيور تنزلق دخولاً وخروجاً، سيقان مغلقة، أصابع وأفواه تعمل، كل شخص يتشبث ويتوق ويصمم على فعلها بشكل ما".
"لا أعلم الكثير عن هذه الأشياء يا جو"، قالت إدنا.
"أؤمن بأن الجنس من دون الحب لا يعني شيئاً، يمكن الأشياء أن تكون ذات معنى إذا وُجدت بعض المشاعر بين الشركاء".
"هل تعني أن على الناس تبادل الإعجاب؟".
"هذا يساعد".
"لنفترض أنهم تعبوا من بعضهم؟ لنفترض أن عليهم أن يبقوا مع بعضهم؟ بسبب الاقتصاد؟ الأطفال؟ كل ذلك؟".
"العربدات لن تنفع".
"ما الذي ينفع؟"
"حسناً لا أعلم، ربما المقايضة".
"المقايضة؟".
"عندما يعرف زوجان أحدهما الآخر جيداً جداً ويتحولان إلى شريكين، فالمشاعر على الأقل لديها فرصة؛ على سبيل المثل لنقل إني أعجبتُ بزوجة مايك، وراقبتُ مشيتها في الغرفة مدة أشهرٍ، أحبّ حركاتها التي تجعلني فضولياً، وأتساءل: ماذا يجري مع هذه الحركات؟ رأيتها غضبى وسكرى وهادئة. وعندئذٍ المقايضة، أنتَ في غرفة النوم معها، أخيراً تعرفها، هناك فرصة لشيء ما حقيقي، بالطبع، مايك مع زوجتك في الغرفة الأخرى، حظاً سعيداً يا مايك، أتمنى أن تكون عاشقاً جيداً مثلي".
"وهذا يسير على ما يرام؟".
"حسناً، لا أعلم، قد تتسبب المقايضات بالمصاعب، عندئذٍ يجب الإفصاح عن كل شيءٍ، حديث صريح جداً منذ البدء، وربما لا يعلم الناس ما يكفي، مهما طالت أحاديثهم...".
"هل تعرف ما يكفي يا جو؟".
"حسناً، قد تكون هذه المقايضات جيدة لبعضهم وربما جيدة للكثيرين، أظن أنها لم تكن جيدة بالنسبة إليّ، أنا متحشّم كثيراً".
أنهى جو شرابه، وضعت إدنا كأسها ونهضت.
"اسمع جو، يجب أن أذهب...".
مشى جو نحوها، بدا مثل فيل في ذلك البنطال، رأت أذنيه الكبيرتين، أمسك بها وقبّلها، انبعث نفسُه الكريه جداً رغم كل الشراب، جزء من فمه لم يكن يلامسها، كان قوياً وبذل جهداً، أبعدت رأسها ومع ذلك ظل ممسكاً بها.
مطلوب امرأة
"جو، دعني أذهب! أنت تتحرك بسرعة كبيرة، جو! دعني!".
"لماذا أتيتِ إلى هنا أيتها العاهرة؟".
حاول تقبيلها ثانيةً ونجح، كان فظيعاً. رفعت إدنا ركبتها ونالت منه، انقلب ووقع على السجادة.
"يا إلهي! يا إلهي! لماذا فعلتِ ذلك؟ حاولتِ قتلي...".
تدحرج على الأرض.
ما أبشع مؤخّرته، فكّرت. تركته يتدحرج على السجادة وغادرت المنزل، سمعت حديث الناس وأصوات تلفازاتهم، لم يكن الطريق بعيداً إلى شقتها. شعرت بأنها في حاجة إلى حمّام آخر، خلعت فستانها الأزرق المحبوك ونظّفت نفسها ثم خرجت من الحوض، نشّفت نفسها، ولفّت شعرها بلفافات زهرية. قررت ألا تراه ثانية.
* * *

رهزٌ قبالة الستارة
تحدثنا عن نساء اختلسنا النظر إلى سيقانهن وهن يترجلن من السيارات، نظرنا من النوافذ ليلاً آملين رؤية شخص يمارس الجنس، لكننا لم نرَ أحداً. في إحدى المرات شاهدنا زوجاً في سرير يهمُّ بامرأته، وفكرنا في أنّنَا سنراه الآن، لكنها قالت: "لا، لا أريد الليلة!" ثمّ أدارت له ظهرها. أشعلَ سيجارة، ورحنا نبحث عن نافذة جديدة.
"ابن العاهرة، ما من امرأة كانت لتفعلها معي!".
"ولا أنا، أيّ نوع من الرجال كان هذا؟".
كنا ثلاثة: أنا، وبالدي، وجيمي. كان يوم الأحد يومنا الأهم، التقينا في منزل بالدي وركبنا الترام المتجه إلى الشارع الرئيسي، كانت الأجرة سبعة سنتات. كان الفوليز والبيربانك آنذاك من المرابع التي تقدم عروضاً هزلية محببة إلينا؛ لذا توجهنا إلى بيربانك. جرّبنا صالة السينما القذرة لكن المشاهد لم تكن كذلك والحكايات تشابهت؛ تثمل فتاة صغيرة بريئة على يد مجموعة من الرجال وقبل أن تصحو من سكرتها تجد نفسها في مبغى، يدقّ بابها طابور من البحّارة والحُدب، فضلاً عن متبطلين يهجعون تلك الأماكن ليلاً ونهاراً، يبولون على الأرض ويشربون النبيذ، ويطأ أحدهم الآخر. كان نتن البول والخمر والقتل لا يطاق. ذهبنا إلى بيربانك.
"هل أنتم ذاهبون إلى عرض المنوّعات اليوم يا أولاد؟" يسأل جدّ بالدي.
"أوه، لا يا سيدي، علينا إنهاء بعض الأمور".
ذهبنا، كما في كل يوم أحد، في الصباح الباكر قبل أن يبدأ العرض بوقت طويل، ذرعنا الشارع الرئيسي جيئة وذهاباً باحثين عن حانات فارغة، حيث فتياتها الجميلات يجلسن عند المداخل بتنانيرهنّ مرفوعة، يركلن كواحلهنَّ في ضوء الشمس المنجرف نحو الحانة المظلمة.
بدت الفتيات جميلات. لكننا عرفنا. سمعنا. يدخل رجل ليطلب شراباً، فيفرضون عليه دفع ثمن مشروبه ومشروب الفتيات، لكن مشروب الفتيات مخفف بالماء. ستحصل على لمسة أو اثنتين وهذا كل شيء، إذا عرضت أيّ مال فسيراه الساقي وسيسخرون منك ويطردونك من الحانة، وتكون نقودك قد ذهبت أدراج الرياح، كنّا على علم بما يحدث هناك.
بعد نزهتنا على طول الشارع الرئيسي، دخلنا محلّ السجق واشترينا سجقاً بثمانية سنتات وكوباً كبيراً من البيرة الجذرية بخمسة سنتات. كنا نرفع الأثقال بعضلات منتفخة ونرتدي قمصاناً بأكمام ملفوفة إلى أعلى، وكلّ منا يحمل علبة سجائر في جيب صدره. جرّبنا دورة تشارلز أطلس1، توتر حيوي، لكن رفع الأثقال بدا الطريق الأكثر وضوحاً وصرامة. لعبنا بآلة البينبول ونحن نتناول السجق ونشرب البيرة2، بنس واحد لكل لعبة. يجب أن نكون على معرفة جيّدة بآلة البينبول. عند إحرازك مجموعاً كاملاً تفوز بلعبة مجانية. كان علينا أن نحرز مجموعاً كاملاً لكن لم يكن لدينا المال.
كان فرانكي روزفلت رئيساً حينها، وبدأت الأمور تتحسّن رغم الكساد؛ فآباؤنا جميعهم كانوا عاطلين عن العمل، ولولا أعيننا الثاقبة التي التقطت أي شيء ملقىً على الأرض لكان حصولنا على مصروفنا القليل لغزاً.
لم نسرق بل تقاسمنا واخترعنا ببعض المال أو من دونه ألعاباً صغيرة لتزجية الوقت؛ مثل: التنزه نحو الشاطئ والعودة. عادة ما كان ذلك في الصيف، ولم يتذمر أهلنا قطّ من عودتنا مساءً متأخرين عن وجبة العشاء. كما لم يهتموا بالدمامل اللامعة في أسفل أقدامنا، وعند رؤيتهم نعال أحذيتنا المهترئة كانوا يرسلوننا إلى متجر رخيص لإصلاح الأحذية بسعر معقول.
كانت الحال مشابهة في لعبنا الكرة في الشوارع. لم تكن هناك أموال عامة تُنفق على ملاعب الأطفال. كنا شديدي البأس، لعبنا الكرة في الشوارع في كل المواسم وأيضاً كرة السلة والبيسبول، وعندما يتم الإمساك بك على الأسفلت، تحدث أمور عدة فالجلد يتمزق، والعظام تصاب برضوض، والدماء تسيل، لكننا ننهض كما لو أن شيئاً لم يكن.
لم يكترث أهلنا قطّ بالدمامل والدماء والكدمات، كان الذنب الرهيب الذي لا يغتفر هو أن تُحدث ثقباً في واحدة من ركبتي بنطالك؛ لأنه لم يكن هناك سوى بنطالين لكل صبي: بنطاله اليومي وبنطال يوم الأحد، ولا يمكنك البتة أن تُحدث ثقباً في إحدى ركبتي بناطيلك؛ فذلك سيظهرك فقيراً غبياً، وأن أهلك فقراء وأغبياء أيضاً؛ لذا فقد تعلمت أن تمسك بالولد من دون أن تقع على أي من ركبتيك، وتعلم الصبي الذي يتم الإمساك به ألاّ يقع على أيٍّ من ركبتيه.
كلّما تشاجرنا استمرّ شجارنا ساعات، ولم يقدم أهلنا على فعل شيء لإنقاذنا، أظن أن السبب هو تظاهرنا بالبأس وتمنعنا من طلب الرحمة، كانوا ينتظرون منا طلب الرحمة، لكننا كرهنا أهلنا، وهم كرهونا، كانوا يخرجون إلى شرفاتهم وينظرون إلينا غير مبالين في حمأة شجار رهيب لا ينتهي، يتثاءبون ويتناولون إعلاناً مرمياً على الأرض ثم يدخلون فحسب.
في أحد الأيام تشاجرت مع صبي، انتهى به الأمر لاحقاً في البحرية الأميركية. تشاجرت معه من الساعة الثامنة والنصف صباحاً إلى ما بعد غروب الشمس، لم يوقفنا أحد رغم أننا كنا على مرأى باحة بيته الأمامية تحت شجرتي فلفل ضخمتين وعصافير الدوري تتغوط فوقنا طوال اليوم. كان أقوى مني وأكبر سناً بقليل وأثقل وزناً، لكنني كنت أكثر جنوناً، توقفنا عن القتال الشرس باتفاق مشترك، لا أعلم كيف يحصل هذا، عليك تجربته لتتمكن من فهمه؛ إذ بعد أن يتشاجر اثنان مدة ثماني أو تسع ساعات ينشأ نوع غريب من الأخوّة.
في اليوم التالي بدا جسدي مليئاً بالكدمات الزرقاء. لم أتمكن من الكلام وكنت أشعر بالألم لدى تحريك أي عضو من أعضائي، ممدّداً على السرير جاهزاً للموت، وقفت أمي أمامي ملوّحةً بقميصي الممزق الذي ارتديته أثناء الشجار، وقالت: "انظر، ثمّة بقع دم على القميص! بقع دم!"
"آسف!".
"لن أستطيع إزالتها أبداً! أبداً!".
"إنها بقع دمه".
"لا يهم! إنه دم! تصعب إزالته!".
يوم الأحد دائماً هو يومنا الخفيف الهادئ، ذهبنا إلى بيربانك حيث يُعرض أولاً فيلم سيئ وقديم جداً، وأنت تنظر وتنتظر. كنت مشغول الذهن بالبنات. عزف الرجال الثلاثة أو الأربعة في حفلة الأوركسترا بصوت مرتفع، ربما لم يعزفوا عزفاً جيداً لكنهم عزفوا بصوت مرتفع. أخيراً، خرجت المتعريات وخطفن طرف الستارة كما لو أنها رجل، ورحن يهزهزن أجسادهن ويواصلن الرهز أمامها. ثم تأرجحن وبدأن التعري، لو كان لديك ما يكفي من المال لكنت حظيت بكيس من الفشار، وإن لم يكن لديك، فإلى الجحيم.
في الاستراحة قبل الفصل التالي نهض رجل صغير، وقال: "سيداتي سادتي، أودّ أن ألفت عنايتكم..."، كان يبيع خواتم برَّاقة، إذا رفعت خاتماً نحو الضوء فسترى في الزجاجة صورة رائعة. هذا كان نصيبكم! ثمن الواحد منها خمسون سنتاً، ملكية مدى الحياة فقط بخمسين سنتاً، متاح لمرتادي بيربانك ولن يباع في أي مكان آخر، تابع قوله: "فقط ارفعوه نحو الضوء وسترون! وشكراً، سيداتي وسادتي لطيب متابعتكم، الآن سيعبر الحُجَّاب الممرات في ما بينكم".
عبر متبطلان بأسمال بالية الممرات، فاحت منهما رائحة النبيذ، وكل واحد منهما حمل كيساً من الخواتم. لم أر قطّ شخصاً يشتري واحداً منها، أتخيل مع ذلك أنك إذا رفعت واحداً نحو الضوء، فستكون الصورة في الزجاج لامرأة عارية.
عزفت الفرقة من جديد وأزيحت الستائر، ظهرت منشدات أغلبهن متعريات سابقات، تقدّمن في السنّ، يضعن ماسكارا كثيفة وحمرة خدود وشفاهاً ورموشاً مستعارة، بذلن أقصى جهدهن لمجاراة الموسيقى لكنهن كن دوماً متأخرات قليلاً لكن واصلنَ، أظن أنهن كنَّ شجاعات جداً.
ثم جاء مغنٍّ يصعب الإعجاب به، غنّى بصوت مرتفع عن الحب الضال، عندما انتهى فرد ذراعيه وأحنى رأسه لموجة صغيرة من التصفيق.
حان دور الكوميدي، كان جيداً! خرج مرتدياً معطفاً قديماً بنيّ اللون وقبعة مشدودة على عينيه، يمشي مترهلاً كسكّير، لا شيء لديه ليفعله ولا مكان ليذهب إليه، يتعقّب بعينيه فتاة تمشي على الخشبة ثم يلتفت إلى الجمهور ويفتح فمه الخالي من الأسنان، ويقول: "حسناً، سأكون بغيضاً!".
تخرج فتاة أخرى إلى الخشبة، يمشي نحوها، ويضع وجهه قريباً من وجهها، ويقول: "أنا رجل عجوز، تجاوزت الرابعة والأربعين لكن عندما يتحطم السرير أقع أرضاً". لقد فعلها، كم ضحكنا جميعنا! كانت هناك فقرة عن حقيبة، يحاول الرجل مساعدة فتاة في حزم حقيبتها، والملابس تنبثق منها باستمرار.
"لا أستطيع إدخالها!".
"دعيني أساعدك!".
"إنها تنبثق مجدداً!".
"انتظري سأقف عليها".
"ماذا؟ أوه... لا... لا تقف فوقها!".
استمرا مع حقيبة السفر أكثر وأكثر. أوه، لقد كان مسلياً!
أخيراً، خرجت أول ثلاث أو أربع متعريات ثانية، كان لكل منا متعريته المفضلة ووقعنا في الحب؛ اختار بالدي فتاة نحيلة فرنسية مصابة بالربو لها تغضنات داكنة تحت عينيها، أعجب جيمي بالمرأة النمر (النمرة للدقة)، والذي لفت انتباهه إليها أن نهديها أكبر من نهود الأخريات قطعاً، أما متعريتي فكانت روزالي.
كانت لروزالي مؤخرة عريضة تهزّها وتغني أغاني مسلية قليلاً، وبينما تمشي وتتعرى تتحدث إلى نفسها وتقهقه، كانت الوحيدة التي تستمتع بعملها، أحببت روزالي وفكرت أحياناً في الكتابة إليها وإخبارها عن مدى عظمتها لكن لسبب ما لم أقدم على ذلك.
في أحد الأيام في وقت الأصيل كنا ننتظر الترام بعد العرض، وكانت المرأة النمرة تنتظر أيضاً، مرتديةً فستاناً أخضر ضيقاً، وقفنا ننظر إليها.
"إنها فتاتك جيمي، المرأة النمرة".
"يا ولد، حصلت عليه، انظر إليها!".
"أنا ذاهب لأتحدث إليها"، قال بالدي.
"إنها فتاة جيمي".
"لا أود التحدث إليها"، قال جيمي.
"أنا ذاهب" قال بالدي وهو يضع سيجارة في فمه، أشعلها ومشى نحوها.
"مرحباً عزيزتي!" ابتسم مكشراً لها.
لم تجب المرأة النمرة، حدقت أمامها مباشرة منتظرةً الترام.
"أعلم من تكونين، لقد رأيتُ تعريكِ اليوم، لقد فعلتِها يا عزيزتي، حقيقةً فعلتِها!".
لم تجب المرأة النمرة.
"لقد أثرته حقيقة، يا إلهي! لقد أثرته حقيقة!".
حدقت أمامها. وقف بالدي يبتسم لها كالأبله ويقول: "أود أن أضعه لك. أود أن أضاجعك يا عزيزتي"، تقدمنا وجذبنا بالدي، وسحبناه في الشارع.
"أنت أحمق، ليس لديك الحق في أن تكلمها بتلك الطريقة".
"حسناً، نهضت وهزته، نهضت أمام الرجال وهزته!".
"إنها تحاول كسب لقمة عيشها".
"إنها حارة، إنها حمراء حارة، إنها ترغب فيه!".
"أنت مجنون".
سحبناه بعيداً في الشارع.
سرعان ما بدأتُ أفقد الاهتمام بتلك الآحاد في الشارع الرئيسي. أظن أن الفوليز وبيربانك لا يزالان هناك بالطبع، والمرأة النمرة، والمتعرية المريضة بالربو، وروزالي، روزاليتي، ذهبن منذ وقت طويل، ربما فارقن الحياة، وربما تكون مؤخرة روزالي الكبيرة الهزازة قد ماتت.
عندما أكون في الجوار أقود سيارتي وأمرّ بالمنزل حيث كنت أسكن، وأرى الغرباء يعيشون فيه الآن. كانت تلك الآحاد جميلة، أغلبها كان جميلاً، ضوء خفيف في ظلمة تلك الأيام الكئيبة التي كان آباؤنا يعبرون فيها الشرفات الأمامية، عاطلين عن العمل وضعفاء ينظرون إلينا ونحن نتشاجر، ثم يدخلون ليحدقوا في الجدران، يمتنعون عن تشغيل المذياع خشية ارتفاع فاتورة الكهرباء.
* * *

أنت وبيرتك وعظَمتك
دخل جاك عبر الباب ووجد علبة السجائر على رفّ الموقد. كانت آن تجلس على الأريكة تقرأ عدداً من مجلة "كوزموبوليتان". أشعل جاك سيجارة، وجلس على الكرسيّ. كانت الساعة الثانية عشرة إلا عشر دقائق ليلاً.
"قال لك تشارلي ألاّ تدخن"، قالت آن، وهي تنظر من المجلة.
"أنا جدير بها، لقد كانت ليلة قاسية".
"هل ربحت؟".
"قرار منقسم لكنني فزت. كان بنسون صبياً صعباً وشجاعاً، يقول تشارلي: إن بارفينيللي هو التالي، إذا تغلبت عليه، فسأنال البطولة".
نهض جاك، وذهب إلى المطبخ، وعاد بزجاجة بيرة.
"قال لي تشارلي أن أبقيك بعيداً عن البيرة"، وضعت آن المجلة جانباً.
"قال لي تشارلي، قال لي تشارلي... لقد تعبت من ذلك. لقد كسبت مباراتي، ربحت 16 جولة، ولي الحق في البيرة والسجائر".
"يجب أن تحافظ على لياقتك".
"لا يهمّ، بإمكاني تناول أيٍّ منها".
"أنت رائع جداً، أسمعُ هذا باستمرار كلما كنتَ ثملاً، أنت رائع جداً، لقد سئمته".
"أنا عظيم، 16 جولة، 15 منها بالضربة القاضية، ما الذي يمكن أن يكون أفضل من هذا؟"
لم تجب آن، أخذ جاك زجاجة البيرة وسيجارته إلى الحمّام.
"أنت حتى لم تقبّلني قبلة التحيّة، أول ما فعلته أنّكَ توجّهت إلى زجاجة البيرة، أنتَ عظيم جداً، حسناً، أنتَ شارب بيرة عظيم".
لم يجب جاك. وقف بعد خمس دقائق عند باب الحمّام، بنطاله وسرواله التحتي في الأسفل عند حذائه، قال: "يا يسوع المسيح!... آن... ألا يمكنك أن تضعي بكرة من المناديل الورقية هنا؟".
"آسفة".
ذهبت إلى الخزانة وأعطته واحدة، أنهى جاك قضاء حاجته وخرج، أنهى جاك بيرته وتناول واحدة أخرى، وقال: "ها أنت تعيشين هنا مع الأفضل على مستوى العالم من فئة الوزن الخفيف الثقيل، وكل ما تفعلينه هو التذمر. كثير من الفتيات يرغبن في امتلاكي لكن أنتِ لا تفعلين غير الجلوس والتشكي".
"أعلم أنكَ جيّد جاك بل ربما الأفضل، لكن لا تعلم كم هو مملٌ الجلوس والاستماع إليك وأنت تكرر الكلام عن عظمتك".
"أوه، لقد سئمتِ ذلك، صحيح؟".
"نعم، اللعنة عليكَ وعلى بيرتكَ وعظمتكَ".
"حتى إنك لم تحضري مبارياتي".
"هناك أشياء أخرى إلى جانب الملاكمة يا جاك".
"مثل ماذا؟ مثل الجلوس على مؤخرتك وقراءة مجلة كوزموبوليتان؟".
"أرغب في تنمية مداركي".
"لا بدّ أن تفعلي فهناك الكثير من العمل عليه".
"أقول لك إنه يوجد أشياء أخرى إلى جانب الملاكمة".
"ماذا؟ سمِّها".
"حسناً... الفن، والموسيقى، والرسم، وأشياء من هذا القبيل".
"وهل تحسنين فعل أيّ منها؟".
"لا، لكنني أقدِّرها".
"هراء، أنا أفضِّل أن أكون الأفضل في ما أفعله".
"حسناً، الأفضل، الأحسن... يا الله! ألا يمكنك تقدير الناس بما هم عليه؟".
"ماذا يكون هذا؟ ما هي حال أغلبهم؟ ليسوا سوى حلزونات، ومصاصي دماء، ومتغندرين، ومخبرين، وقوَّادين، وخدم...".
"أنت دائماً تنظر نظرة دونية إلى الجميع. ما من واحد من أصدقائك جيد بما فيه الكفاية".
"أنت عظيم جداً!".
"هذا صحيح يا حبيبتي".
ذهب إلى المطبخ وخرج بزجاجة بيرة أخرى.
"أنت وبيرتك اللعينة!".
"إنها من حقي، هم يبيعونها وأنا أشتريها".
"قال تشارلي...".
"اللعنة على تشارلي!".
"أنت عظيم جداً!".
"هذا صحيح، على الأقل باتي عرفت ذلك واعترفت به، لقد كانت فخورة بذلك، كانت تعلم أنه يستحق، كل ما تفعلينه أنتِ هو التذمر".
"حسناً، لمَ لا تعود إلى باتي؟ ما الذي تفعله معي؟".
"هذا ما أفكر فيه تماماً".
"حسناً، نحن لسنا بمتزوجين، يمكنني المغادرة في أيّ وقت".
"هذه استراحتنا الوحيدة، اللعنة، آتي إلى هنا ميّتاً من التعب بعد عشر جولات قاسيات، وأنت لا تشعرين بالسرور لأنّي كسبتها، كل ما تفعلينه هو التذمر مني".
"اسمع جاك، هناك أمور أخرى عدا الملاكمة، عندما قابلتكَ أعجبتُ بما أنتَ عليه، كنتَ ملاكماً، لم تكن هناك أمور أخرى إلى جانب الملاكمة".
"هذا ما أنا عليه، ملاكم، هذا مجالي، وأنا جيد فيه بل الأفضل، لقد لاحظت أنك دائماً تذهبين إلى هؤلاء الذين في الدرجة الثانية مثل توبي جورجينسون".
"توبي مسلٍّ جداً، لديه روح النكتة، روح نكتة بالفعل، يعجبني توبي".
"أرقامه 1،9،5، يمكنني التغلب عليه وأنا ثمل".
"والله يعلم بأنك ثمل بما يكفي، هل تعلم كيف يكون إحساسي في الحفلات عندما ترتمي على الأرض أو تتدحرج حول الغرفة، وأنت تقول للجميع: أنا عظيم، أنا عظيم، أنا عظيم! ألا تعتقد أن ذلك يجعلني أشعر بأني حمقاء؟".
"ربما أنت حمقاء، إذا كان توبي يعجبك بشدة، فلمَ لا تذهبين معه؟".
"أوه، لقد قلت للتو إنني معجبة به، اعتقادي بأنه مسلٍّ لا يعني بأني أود أن أذهب معه إلى السرير".
"حسناً، اذهبي معي إلى السرير وقولي إنني مملّ، لا أعلم بحق الجحيم ماذا تريدين؟!".
لم تُجب آن، نهض جاك ومشى نحو الأريكة، رفع رأس آن وقبّلها ثم عاد وجلس ثانية.
"اسمعي، دعيني أخبركِ عن هذه المعركة مع بينسون، يجدر بكِ أن تفخري بي، لقد أوقعني أرضاً في الجولة الأولى على حين غرة، نهضتُ وهجمتُ عليه في الوقت المتبقي، ضربني مجدداً في الجولة الثانية، نهضتُ بصعوبة عند 8.1 وأمسكتُ به ثانية. بدأتُ أكسب في الجولات القليلة التالية، نلت السادسة، السابعة، الثامنة، وأوقعته مرةً في التاسعة ومرتين في العاشرة. أنا لا أسمّي ذلك أغلبية. هم يسمّونه كذلك. إنها 45 ألف دولار. فهمت ذلك، أيتها الصبية؟ 45 ألفاً، أنا عظيم، لا تستطيعين إنكار ذلك، صحيح؟".
لم تجب آن.
"هيا قولي لي إنني عظيم".
"حسناً، أنت عظيم".
"حسناً، هذا يروقني أكثر"، مشى نحوها وقبّلها مجدداً.
"أشعر بارتياح كبير، الملاكمة عملٌ فني، إنها حقاً كذلك، تحتاج إلى الشجاعة كي تكون فناناً عظيماً وأيضاً لتكون ملاكماً عظيماً".
"حسناً يا جاك"...
"حسناً يا جاك، هل هذا كل ما في مقدورك قوله؟ كانت باتي تسعد دائماً عندما أفوز، كنا نُسرّ طوال الليل، ألا يمكنكِ أن تشاركيني عندما أفعل شيئاً جيداً؟ اللعنة، هل تحبينني أم أنك تحبين الخاسرين من أنصاف المواهب؟ أظن أنك ستكونين أكثر سعادة عندما آتيكِ خاسراً".
"أتمنى لك الفوز يا جاك، المسألة هي أنكَ تضخم كثيراً ما تفعله".
"اللعنة، إنها حياتي، عَيشي، أنا فخور بكوني الأفضل، إنه كالطيران في السماء والإمساك بالشمس".
"ماذا ستفعل عندما تصبح عاجزاً عن الملاكمة؟".
"اللعنة، سيكون لدينا ما يكفي من المال لفعل ما نودّ فعله".
"ما عدا أن نكون معاً، ربما".
"ربما يمكنني تعلم قراءة "كوزموبوليتان" لأطوّر عقلي".
"حسناً، هناك مجال للتطور".
"أضاجعكِ".
"ماذا؟"
"أضاجعكِ".
"حسناً، لم تفعل هذا منذ مدة".
"بعض الرجال يحبّون مضاجعة نساء مرتبطات، أنا لا أحب ذلك".
"أظن أن باتي لا تتذمر؟".
"كل النساء يفعلن، أنت البطلة".
"حسناً لمَ لا تعود إلى باتي؟".
"أنتِ هنا الآن، لا يمكنني أن أكون إلا مع عاهرة واحدة في كل مرة".
"عاهرة؟".
"عاهرة".
نهضت آن وتوجهت إلى الخزانة، أخرجت حقيبتها وبدأت تضع ثيابها فيها. ذهب جاك إلى المطبخ وأتى بزجاجة بيرة أخرى، كانت آن تبكي غاضبة، جلس ورشف من بيرته رشفة كبيرة، احتاج إلى زجاجة ويسكي وسيجار جيّد.
"يمكنني أن آتي لآخذ بقية أغراضي عندما لا تكون هنا".
"لا تزعجي نفسكِ، سأرسلها إليكِ".
توقفت عند العتبة.
"حسناً، أظن هذا". قالت.
"أعتقد ذلك". أجاب جاك.
أغلقت الباب ومضت، أنهى جاك البيرة، وذهب إلى جهاز الهاتف واتصل بها.
"باتي؟".
"أوه جاك، كيف حالك؟".
"لقد فزت بمباراة كبيرة الليلة بالأغلبية، كل ما عليَّ فعله هو أن أزيح بارفينيللي وأحصل على البطولة".
"ستتغلب عليهما يا جاك، أعلم أنه يمكنك ذلك".
"ماذا تفعلين الليلة يا باتي؟".
"إنها الأولى صباحاً. جاك، هل كنت تشرب؟"
"قليلاً، أنا أحتفل".
" وماذا عن آن؟".
"لقد افترقنا، من عادتي أن أكون مع امرأة واحدة، تعلمين ذلك يا باتي".
"جاك...".
"ماذا؟".
"أنا مع رجل".
"رجل؟".
"توبي جورجينسون، إنه في غرفة النوم".
"أوه، آسف".
"أنا آسفة أيضاً يا جاك. أحببتك، ربما ما زلت أحبك".
"أوه، اللعنة، أنتن النساء ترمين هذه الكلمة كيفما اتفق...".
"آسفة يا جاك".
أغلق السماعة، ثم ذهب إلى الخزانة ليأخذ معطفه، أنهى بيرته، وانطلق بسيارته نحو جادة النورماندي بسرعة 65 ميلاً في الساعة، أوقف السيارة عند متجر للخمور في شارع هوليوود، أخذ صندوق بيرة المايكولوب وعلبة من فوّار الكاسيلتزر ثم طلب من المحاسب خُمسية من نوع جاك دانييلز.
بينما كان المحاسب يقوم بحساب السعر دخل سكّير ومعه صندوق من بيرة كورز، وجّه سؤالاً إلى جاك:
"هيه يا رجل! ألست جاك باكينويلد الملاكم؟".
"أنا هو".
"يا رجل، لقد رأيت المباراة الليلة، أنت شجاع جداً، أنت عظيم حقاً!".
"شكراً يا رجل".
أخذ كيس أغراضه وجلس في سيارته، نزع غطاء زجاجة الدانييلز ورشف جرعة كبيرة، انطلق شرق شارع هوليوود، انعطف يساراً عند النورماندي، لاحظ مراهقة ممتلئة القوام تترنح في الشارع، أوقف سيارته وأخرج زجاجة الدانييلز من الكيس وأظهرها لها.
"هل ترغبين في الصعود؟".
فوجئ جاك بموافقتها، تابعت قائلة: "سأساعدك على شرب ذلك يا سيد، لكن من دون امتيازات إضافية".
"اللعنة، لا". قال جاك.
سار في جادة النورماندي بسرعة 35 ميلاً في الساعة، مواطن يحترم نفسه ومصنّف عالمياً في المرتبة الثالثة في فئة الوزن الخفيف الثقيل. شعر للحظة كما لو أنه يود تقديم نفسه إليها، لكنه غيّر رأيه ومدّ يده وعصر إحدى ركبتيها.
"ألديك سيجارة يا سيدي؟" سألت.
نقَف بيده مُخرجاً واحدة، أقحمها في لوحة الولاعة، ثم برزت وأشعلها.


=====================
1 - تشارلز أطلس، آنجلو سيسيليانو، (1893-1972): قام بتطوير منهج بناء الأجسام.
2 - لعبة يتم لعبها على طاولة إلكترونية مجهزة بعراقيل، أهداف، وزعانف متمحورة، على اللاعب أن يتحكم بالزعانف، ويصوب الكرة نحو الأهداف لإحراز النقاط.


* تصدر عن "دار الجمل"

.
13888676991.jpg
  • Like
التفاعلات: 2 أشخاص

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى