قصة ايروتيكة سليم البيك - وشيء من ألوانها

– بتعرفي؟ بدي أحكيلك شغلة
– احكي!
أخبرتها بعد مضي أشهر على لقائنا الأول، وكانت بضعة أيام أكثر من كافية لي كي أتيقّن من مدى العمق الذي وصلَته في أحشائي، وكنّا كلانا نعرف ذلك تماماً، ولم نعترف به بعد، ولو لنفسينا.
قيل لي بخبث: تلك الصبية لن تتعبك قبل وصولك إلى فراشها بقدر ما ستتعبك على فراشها.
– بلا منيَكة..
– صدقني، من تاني قعدة، بَقولّك، بتكونوا ع الفرشة.
– شو اللي خلاك تحكي هيك؟
– هالحلوة يا سيدي بترسم، عاملة معرض بجاليري أبصر إيش، وكلها رسمات سكس و..
– طيب فْهمنا. وإنت من وينتا بتروح ع معارض؟
– من لما صار فيها بزاز، ههههه. روح إنت، عأساس بتحب الرسم، بعدين لإنك هيك سهل تكونوا ع الفرشة من تاني يوم.
في الجاليري صرت أبحث عنها ماراً بسرعة بين اللوحات، منقلاً نظري بين لوحة أمامي وبين الناس حولي، أبحث عن صبية بهيئة ملفتة غريبة، كأي فنانة، تشرح بكلتا يديها عن اللوحات والمعرض.
رأيتها، كانت هناك، تمرّ على اللوحات كزائرة عادية لا تبحث إلا عن الأسرار في ثنايا هذه الأجساد العارية.
– هاللوحات إلِك.. صح؟
– ليش سألتني أنا، مش حدا غيري؟
– مممم طريقة لبسك، شعرك يمكن، وكيف واقفة، وكيف عمتطلّعي ع اللوحة وكإنها مش مكتملة، متل اللي بدك تجيبي العدة إسا وتزبطي فيها هون بالمعرض، وآخر شي تأكدت من جوابك هاد. (نظرتُ إلى اللوحات) حلوين اللوحات، حبيتن.
ابتسمتْ ولم تقل شيئاً، وأكملتْ طريقها إلى اللوحة التالية تنبش في تفاصيلها.
كانت ترتدي “كولوناً” رقيقاً أسود ينقطع عند أسفل ركبتيها، كاشفاً عن ساقيها البرونزيتين، وقميصاً طويلاً أسود، فتحة صدره حرف V شديدة الانحدار، على صدر القميص تطريزات فلسطينية من تلك الحمراء التي يتخللها بعض الزهري والليلكي، وبنسب أقل البرتقالي. وكانت تنتعل صندلاً خفيفاً رقيقاً أحمر يعرّي ظهر القدم كاملاً، فبدت حافية القدمين إلا من خلخال ذهبي تماهى لونه مع سمرة كاحلها.
اقتربتْ بعد ذلك بقليل وسألتني ساخرة عن سبب إعجابي باللوحات، أهو اللحم الأنثوي الذي سبب ازدحاماً بالرجال في الجاليري وامتناعاً للنساء عن الحضور؟ نظرت إليها مبتسماً وقلت:
– أكيد هدا سبب بكفي ليعجبوني، بس أساساً انجذابي الأول هو للألوان والظلال، حبيت الألوان وتفاعلهن بلوحاتك أكتر من.. (نظرت إلى اللوحة) الفخاد مثلاً.
سمع الناس ضحكنا والتفت بعضهم إلينا، فعضّت على شفتها وأشارت بأصبعها أن أسكت ففعلتُ. خرجنا، كطفلين أُنّبا، إلى الردهة أمام باب الجاليري وأكملنا حديثنا هناك واقفين.
عرفت اسمها، وأنها من يافا، وأن أكثر ما تحبه في لوحاتها هو الألوان، وكان ذلك أحد أسرارها.
اتفقنا على أن نلتقي صباح اليوم التالي على فنجان قهوة قبل توجهها إلى الجاليري.
صباحاً، بدأت أحسّ بذلك التخدير عند القلب.
كانت قد بدأت تلك اليافاوية باستيطان أحشائي، وكانت تعرف ذلك تماماً، وكأنها متقصّدة، وبحذر قطة، رمت إليّ بعضاً من سمّها.
أما أنا فلم أكتشف ذلك إلا متأخراً، وكانت قد تفشّت فيّ كثيراً.
لم أحكِ لها ما أردت أن أحكيه. خلال الأشهر الأولى بقيتُ ساكتاً، ولم تسأل هي.
لم أخبرها بمدى العمق الذي وصلتْه، ولا بأني ذهبت إلى المعرض متقصّداً أن أراها هي، لا لوحاتها، ولا لِمَ أردت أن أراها.
ولم أتذكّر ما قيل عنها قبل أن التقيتها إلا حين بدأت بالكتابة هنا، إليها، بعد أيام من سفرها.
كتبت لها.
لم أكتب شيئاً عن سمّها وحال أحشائي، فقط أخباري منذ سافرتْ إلى باريس لحضور ورشات عمل يختتمها معرض تشارك هي فيه، وسألتُ في الرسالة عن أخبارها هناك، وعن موعد رجوعها وبأنها: ألم تتأخّر؟
وأن هنالك ما لم أخبرها به، وفقط.
ردّت بسطر صغير كتبَته على ورقة بيضاء، كانت خلفية لإحدى دعوات المعرض.
“وأنا كمان اشتقتلك”.



—————————————————
عن المجموعة القصصية كرز، أو فاكهة حمراء للتشيزكيك

* مدونة سليم البيك


.
صورة مفقودة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى