غادة هيكل - التفكير

عزلوه عن محبوبته ذات الظلال الوارفة وشجر الزيزفون ، لم يطردوه منها ولكن حبسوه فى زنزانة ضيقة بعد ان كانت مدينته كلها ببراحها الواسع هى كل عالمه ، اليوم أصبح العالم أربعة جدران فقط ، له باب واحد بعد أن سرقوا مفاتيح المدينة ذات الأبواب السبع وأغلقوها على ساكنيها ، لم يتأقلم مع محبس المدينة الواسعة فحبسوه خلف باب واحد له سجان واحد وعصابة من القوادين ، فى محبسه لم يكن يتذمر ولكن جعل الصمت سلاحه ، وكيف لا وقد كانت الكلمة فيما مضى سلاحه الذى سلطه على أفواه الفاسدين فكمموا فاهه بمعزله،ولكن هل يرضيهم صمته ، هم فقط من يرونه صامتا ولكنه يحدثهم جميعا ، فهذا الواقف خلف الباب يسمع همسه ويسمع همسها معه، يتبادلان أطراف الحديث عن المدينة الضائعة فى أيدى دمى بلهاء غافية تحكم وتصدر الأوامر ينصت من بالباب لعله يسمع أطراف الحديث فيقوم بالتبليغ عن مخططه نحو المدينة ، ولكن هيهات فهو صامت ، اذن كيف الوصول إلى مكنونه ؟فليحادثه الواقف بالباب فهو أقرب الناس له ورفيقه ليلا ونهارا .
يفتح الباب بصيص النور المتدفق إليه يمنعه من الرؤيا ينتظر لحظات حتى يفتح عينيه يدور بينهما حديث :
لماذا العند يابنى ؟
لقد منحنى العند معرفة الشيطان وحلفائه ومن يوسوسون لهم لتبقى مفاتيح المدينة بأيدهم
وتبقى انت خلف هذا الباب سجان بمفتاح مزيف يملكونه ولا تملكه
ما هذا الكلام يا بنى أنا لا أفهمك !
اذن فلتنقل حديثى كما هو ليس عليك فهمه
يقولون أنك تفكر وتكتب وتهاجم .
وهل اصبح العقل جريمة والحلم جريمة والقلم جريمة
لماذا لا تشاركهم المال والجاه وتخرج من محبسك هذا ؟
ومن يطلق المدينة من محبسها ومن يعيد لها المفاتيح المسلوبة والخزائن المنهوبة ويرسم على الجدران لوحات الحرية ؟
لم أعد قادرا على فهمك سوف أرحل .
فلترحل وليأتنى غيرك من يفاوض على ثمن المفاتيح وكم سأنال منها حتى أصمت
يأتيه صوت من الخارج : سوف تصمت وإلى الأبد فمكانك ليس هنا سنقف بينك وبين عقلك ونمحو ذاكرتك وننسيك مدينتك فنحن لم نستول على المدينة هى من أتت إلينا طواعية وتنكرت لمن هم أمثالك ، نحن المال والقوة ، وأنتم لا تملكون سوى عقل وقلم وورقة تبلى مع الزمن ،أعطوه حقنة لكى ينام ولا يحلم .
تستمر الأيام متشابهة لا يملك سوى حلم وبعض الهمس لمحبوبته التى يراها كل يوم أجمل وشوارعها الواسعة الخالية من الفساد والنفاق وورقات التزوير وصناديق الاقتراع الخالية والنتائج المسبقة علنا ،
كل يوم يراودونه يزداد صمودا، يعذبونه يزداد قوة ، يصعقونه يزداد صرامة .
فى الخارج وعلى أسوار المدينة يكتبون كلماته ينشدون ألحانه يصفقون بايديهم ، لقد علمهم كيف يقفون ، كيف لا يركعون إلا للخالق ، لقد ترك لهم الحلم ، وترك لهم نور الشمس ، وترك لهم كلمات لا يمحوها ذوبان الورق ، لم ترهبهم وترهبه الجدران فلم يحن وقت الموت لك يا محبوبتى وفيك من ينشدون الحرية لك ولهم ولى ، لكسر الأغلال والقيود ، ما زال الخلاص هنا فى العقل وتهمتى هى التفكير فليكن موت الجسد و ليحيا التفكير .

غادة هيكل


غادة هيكل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى