عبد الحكيم قاسم - يوم غير مجيد

فى ضحى ذلك اليوم كان المعلم القمىء المتغضن الوجه يحس بإحساسات مجيدة، حينما وقف على سلم المدرسة الوسخ المتآكل وإلى جانبيه مساعداه. فى الباحة الصغيرة قدام المدرسة تحت ناظريه امتد صفان من العيال، رثين مهلهلين تقف وراءهما أكوام السباخ. على البعد وقف الآباء ينظرون. فى الفضاء صمت معلق متدل مثل حبل المشنقة.
نزل المعلم الدرجات القليلة متمهلا. عصاه الطويلة فى يده. وقف بين صفى العيال. صرخ فيهم وهو يضرب الأرض بالعصا:

ــ فليخرج من الصف من على جبينه شجرة حب..!

الصفان يتلويان فزعا. العيال يتزاحمون. يتدافعون بلا نظام. الأيدى تجتمع فى ظهر واحد لتدفعه خارج الصف. ثم واحد وواحد وواحد. تجمع المذنبون مقعين حول قدمى المعلم مرتجفين صفر الوجوه مشجوجى الجباه بسحجات انسخلت عنها قشرتها البنية وانتثرت عليها رقطات بيضاء محمرة.

ارتعد جسد المعلم بغضب عارم. رفع عصاه إلى أعلى وانهال بها على العيال يمزقهم تمزيقا. تشق العصا الجلابيب الرقيقة عن الأجساد الطرية وتذبحها ذبحا. الصراخ يمزق الصمت المعلق. الوجوه الطفلة معجونة بالرعب والدموع.

تأمل المعلم كومة العيال ترتعش محمومة وتتخبط عمياء عند قدميه مثل كومة قطط وليدة. استجمع أنفاسه المبهورة تعبا ثم بصق عليهم استدار صاعدا درجات سلم المدرسة القليلة الوسخة.

فى ذلك اليوم استدبر المعلم العيال ليكتب الدرس على السبورة ولم يسمع وراءه لغطا. لكنه كان كل حين يساوره الشك فيلتفت إليهم فجأة وبكل سرعة يريد أن يضبط التعبير المرتسم فى عيونهم المسلطة على ظهره. فى كل مرة كان يرى الرعب ملء عيونهم فتهدأ شكوكه إلى حين.


- من مجموعة (الظنون والرؤى)


عبد الحكيم قاسم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى