هبه شريقي - مؤبد.. قصة قصيرة

على ما أعتقد، هذه المرّة الألف التي أقتلهُ فيها.

في المرّةِ الأولى مزّقْتُ جميعَ رسائلِه، أحرقْتُ ثيابَه وكسرْتُ فنجانَ قهوتِه، بدَّدْتُ رائحةَ عطرِه فتشكّلَتْ غيومًا أفرغَتْ حملَها فوقَ رأسي لتغسلَ حزني وتعيدَني صبيّةً بقوامٍ مشدودٍ وصدرٍ شامخٍ خالٍ إلاّ منَ الأحلام.

مرَّةً أخرى،أذكرُ أنّني أغلقْتُ النّوافذَ والأبوابَ بإحكامٍ حينَ اصطحبْتُه في نزهةٍ بحريّةٍ، مثَّلْتُ الغرقَ لينقذَني، فحملَني على كتفيهِ وتدلّت ساقاي على صدرِهِ, ما جعلني أتحكَّم برأسِه فغمرتُهُ في الماءِ مدّةً لا بأسَ فيها وأنا أغنّي:
(شايف البحر شو كبير؟ كبر البحر بحبّك)
لمْ يقاومِ الغرقَ. سحبْتُه إلى الشّاطئِ وحفرْتُ لهُ قبراً في الرّمالِ بيديه، مسحَتْ موجةٌ صفحةَ خدّهِ فكتبْتُ عليها بخاتمِ زواجِنا (أحبّك).

في آخرِ مرّةٍ قتلْتُه، أقسمْتُ أنَّها ستكونُ الأخيرة.

في كلِّ مرّةٍ أحسبُني لنْ أستطيعَ النّوم ما حييت، وحينَ أذهبُ إلى سريري أشتمُّ رائحةً غريبةً، أشعلُ النّورَ فأراهُ عليهِ متلحّفًا بقصيدةٍ جديدةٍ، يسجنُني فيها وننامُ سجينةً ومقتولا!



- هبه رمضان شريقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى