هدى يونس - الطيور.. قصة قصيرة

هزتنى بقوة قائلة: " ماما " الدنيا مغمضة قومى قبل أن تفتح عيونها..
انتبهت.. وتركت سريرى إلى باب البلكون المطل على البحر..
وفرحت بميعاد صحوى..
لبست هى المايوه وبلوزة طويلة قائلة: أنا جاهزة..
خرجنا وضوء غامض يقاوم الظلمة بهدوء واستحياء..
رمال الشاطئ ممتدة.. ثمة شجن يغمرنى.. أمسكت يدى تَحُثنّى أن أسرع..
ابتسمتُ..
*******
بعدها تركت يدى مشيرة بيدها قائلة: شوفى أنا السبب فى رؤية هذا الجو الجميل..
الشاطئ وطيور البحر كلهم لكِ..
طيور البحر كانوا فى مسابقات لاستعراض مهارتها..
قالت: " ماما " أتمنى أن أمسك طائرًا أحبه ويحبنى.. نأكل ونشرب ونلعب معًا..
يعلمنى الطيران.. وأعلمه كيف يتكلم..
ضحكتُ قائلة لها: هل تعرفين أنكِ.. ولم أكمل..
قالت: تقصدين " عبيطة "..
قلت: مش كتير !!! .
هزت رأسها وسكتت وفاجأتنى بحركة طيران نجحت فى بدايتها..ثم سقطت على
رمال الشاطئ ضاحكة ، بصوت استمر صداه..
وجدتُ حجرًا جلستُ عليه حتى تنتهى من نزع رمال الشاطئ المبتلة فوق ملابسها..
لقد تعثرت فى الحذاء.. المرة الثانية سأتركه وأعمل الحركة بدونه..
قلت: البحر قَرُبَ فاستعدى..
أشارت بيدها
الضوء واضح هنا وعلى البعد شاحب ومعتم..
الشمس ستصحو تاركةً سريرها وتفرد يديها على البحر ليقاوم العتمة..
جرت إلى المياه وأنا وراءها..
لمست اقدامها مياة البحر.. فخلعت بلوزتها ورمتها ورفعت ساقيها وقذفت حذاءها
وجرت إلى المياة وأنا وراءها..
صرختْ ضاحكة المياة باردة وتراجعتْ.. تركتُها واقفة ونزلتُ إلى البحر..
: المياه باردة .
: بعيدًا عن الشاطئ المياة دافئة .
: انتظرى.. وجاءت ضاحكة .
ظللنا فترة طويلة فى مياة بحرنا الخاص.. تدربنى على كيفية العوم طفوًا.. وعندما
تحس ببطء استيعابى.. تتركنى سابحة.
بعد فترة نادتنى بصوت عالٍ " ماما " شئ يلدغنى.. ذهبت إليها.. رفعت قدمها رأيت
بقعًا حمراء وعلى وجهها.. يديها.. جسدها.
: علينا بترك المكان.. إنها قناديل البحر.
لم تستطع الرفض كعادتها فالألم يجبرها على ترك المياة.. وعدنا إلى الشالية جريًا
طلبًا للاستحمام ودهن الجسد بالخل والكريم..
بعدها نمت أنا وهى.
*******
من فتحة باب البلكون.. رأيت طيور البحر ومعها سربً من الطيور الملونة والجميلة..
تحوم أمام الباب ولا تدخل.. تشجع طائر منهم وهم بالدخول وتبعه زملاؤه..
فرحت لوجودهم.. بعد دقائق رأيت ارتباك الطيور وهروبها المذعور من الباب..
اقتربت من الباب طيورًا أخرى وسمعت صوتًا شرسًا.. انزعجت وقمت.. تأكدت أن
الصوت يخرج من أفواه الطيور القادمة التى لم تترك فرصة لى واقتحمت الباب..
تجمعت فى ثوانٍ وامتلأ بها المكان.. تتخبط فى لمبات السقف والأبواب.. وبدأت فى
النزول على الأسرَّة وداخل الحمام والمطبخ وكل شيء..
مناقيرها سوداء مقوسة.. حاولت طردها من فتحة الباب.. لم تستجب..
ودخلت أفواجًا جديدة..
خِفّتُ على ابنتى.. وفتحت مسرعة دولاب الملابس.. وأخرجت كل ما فيه وغطيتها
لحمايتها من الطيور الشرسة التى زاحمتنى واستقر عدداً منها داخل الدولاب .
*******
بعدها.. أمسكت فوطة كبيرة لأهش بها.. كانت تتحايل عَلىّ وتتجمع فى ركن آخر .
العقل يعطى أوامره لقلبى أن يعمل فى صمت حتى لايزعج ابنتى النائمة .
كنت مستميتة لطردها.. طال وطال الوقت.. استسلم عددًا منها للخروج مخلفًا وراءه
فضلات فى كل مكان..
تعبت يداى وسقطت الفوطة على الأرض انحنيت التقطها.. سقط على رأسى وظهرى
طيورًا منهم.. تجمعت بمناقيرها الحادة تنزع شعر رأسى بشراسة وتنقر ملابسى
وجسدى..
تألمت ووضعت يدى على رأسى انتزعها..
تؤلمنى مخالبها التى تشابكت مع شعرى..
كلما أمسكت واحدًا وأحكمت يدى بقوة ألمى وخوفى أجده تضاءل وانكمش حتى يصبح
مثل فأر مولود..
رغم الخوف مما يحدث إلا أننى تشجعت وواصلت الإمساك بكل ما استقر على رأسى
وجسدى وأحكم وقفته بتثبيت مخالبه..
وكلما امتلأت يداى خرجتُ جريًا من باب البلكون ورميت ما أحمله بالخارج..
يتواصل إصرارى على مطاردة الباقى الذى يفر من قبضتى..
برغم رؤيتى لطائر وحيد..
إلا أن الإجهاد والألم أرغمنى على الجلوس بجوار ابنتى النائمة .
أقنعت نفسى بأنه لاخطورة من وجود طائر وحيد إمكانية حصارة فى حيز مغلق ممكنة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى