عمرو العامري - أحب فرجينيا.. قصة قصيرة

إلى س من الناس


وعندما عجزت عن تجاوزها بحثت عن امرأة أخرى امرأة تشبهها لأحبها لأني آمنت بعد عذابات مريعة أنها ستظل تلاحقني إلى الأبد كلعنة حيث ما ذهبت وأني سأظل مسكونا بها حتى دون الشعور بذلك .

ولأن الحياة لا تهبك ما تريد ولا الأحياء أيضا يفعلون فقد بحث هذه المرة عن امرأة متوفاة أمرة لن ينازعني حبها أحد امرأة لا أخاف رحيلها ولا غيابها ولا حتى أن لا تحبني ثم نحن حتما نغفر للأموات ولكننا لا نغفر لأحياء حين نظن أنهم خانوا.

بدأت البحث بالصورة كنت أفتش عن امرأة تقاربها و ليس بالضرورة أن تشبهها فلن يشبهها أحد أبدا ولكن لعل امرأة تقاربها في الحزن .. في الملامح وفي نظرة الضياع التي لا تحد.

ثم فتشت بالتعاسة التي كانت تسكنها ..ولم تكن تلك مشكلة أبدا وهل حياة النساء إلا التعاسة ؟ كانت صور النساء المسكونات بالحزن كثيرة لكن هناك حزن يرقد في العينين كالكحل حزن لا يمحوه أي فرح ولا حتى فرح الواصلين محطات السفر .

وأخيرا كنت أفتش عن إمرة بكبريائها امرأة تمتلك ذلك الكبرياء الملكي ..كبرياء المرأة شيء متعب في حياتها شيء يمنحها الخسارات يقينا ودون أدنى وعد بالهبات عدا لذة الشعور نفسه .. كبرياء الأنثى يختلف عن غرورها , الغرور جواهر مزورة يفضحها أول إنطفاءة ضوء لكن الكبرياء شيء آخر ..الكبرياء هو الاختيار بين ما هو سماوي وما هو ترابي فان .

لم أبحث عن هذه المرأة الحلم ..المرأة البديل في دواوين الشعر و النساء تقال فيهن القصائد ولكنهن لا يكتبن الشعر .. والمرأة الشاعرة إن وجدت غالبا ما تكون مسكونة بالنرجسية والبحث المضنى عن الملهم والمتذلل والعاشق..المرأة والشعر كلاهما واحد.. كلاهما الرغبة وكلاهما اللايقين .

حاولت في البدأ التعلق بتوني موريسون قبل أن أعرفها ..شدتني روايتها محبوبة ثم روايتها الأخرى "أكثر العيون زرقة" غير أني بعد أيام فقدت التعاطف معها فضلا عن حبها ولم تكن تشبهها أبدا ثم أنها ما تزال حية وفوق ذلك هي أمريكية مغرورة وأنا لم أخلق لحب ذلك الشعب صاحب كل تلك الفظاعات وذلك الغرور .

فتشت وفتشت وفتشت ووجدتها أخيرا..وجدتها شبيهة المرأة التي أحببت والتي أبدا لن أحب سواها .. وجدتها بجبينها العالي وكبريائها الحزين وحتى بموتها الذي حتما سنكرره معا مرات ومرات وبشكل يليق بنا من جديد.

كنت قد قرأت روايتها الأمواج ثم السيدة دالاوي فوقعت في حبها دون تبصر ..وآمنت أنها البديل

عن عزاء لن يصل وعن أمراة عبرت هذا الكون مرة واحدة ثم غابت .. ولقد كانت هناك أكوان آخري لها في الأنتظار وحتما هي الآن هناك كنجمة تتجول .

فرجينا ولوف الحزينة كأيقونة الملائكة وليدة الألم ..ووريثة الألم وحصاد كل الآلام هي من أخترت

ومنذ ذلك اليوم وأنا أشعر أني وصلت .

وبندم قاس اكتشفت متأخرا جداً أننا أصدقاء منذ القدم أصدقاء جمعت أرواحنا ذات يوم أرض الهند الكبرى وتنزهت أرواحنا معا في فضآئتها العظيمة تلك الفضاءات التي تمنح الفرح والكآبة في ذات الوقت ودونما فاصل لتبديل ملابس العرض.

وربما أن روحها ما زالت تقيم في شجرة مانجو أو لبخ خضراء وروحي عادت لتسكننني.

ووجدتني أتفق معها في كل التفاصيل حتى الصغير منها المهم أني لن أخاف منها الخذلان.

وفي المرة القادمة وعندما تريد فرجينا أن تموت مثلا فسأمنحها موتا بطريقة اكثر دهشة ..ولن تكون بحاجة إلى تلك الديباجة الطويلة ولا أن تضع بضعة حجارة داخل معطفها وهي تهوي لقاع النهر(بعض الروايات تقول أنه كان حجرا واحدا) وسنفكر معا في طريقة أكثر شاعرية والموت هو الختام الذي يظل طويلا للتذكرالموت يستحق من بذل القليل من الجهد.

وحتى رسالة الوداع التي كتبتها لزوجها ما كان لها أن تكتب بهذه الطريقة البليدة (عزيزي, أنا على يقين بأنني سأجن, ولا أظن بأننا قادرين على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى, كما ولا أظن بأنني سأتعافى هذه المرة. لقد بدأت أسمع أصواتاَ وفقدت قدرتي على التركيز. لذا, سأفعل ما أراه مناسبا. لقد أشعرتني بسعادة عظيمة ولا أظن أن أي احداَ قد شعر بسعادة غامرة كما شعرنا نحن الإثنين سوية إلى أن حل بي هذا المرض الفظيع. لست قادرة على المقاومة بعد الآن وأعلم أنني أفسد حياتك وبدوني ستحظى بحياة أفضل. أنا متأكدة من ذلك, أترى؟ لا أستطيع حتى أن أكتب هذه الرسالة بشكل جيد, لا أستطيع أن أقرأ. جل ما أريد قوله هو أنني أدين لك بسعادتي. لقد كنت جيدا لي وصبوراَ علي. والجميع يعلم ذلك. لو كان بإمكان أحد ما أن ينقذني فسيكون ذلك أنت. فقدت كل شئ عدا يقيني بأنك شخص جيد. لا أستطيع المضي في تخريب حياتك ولا أظن أن أحد شعر بالسعادة كما شعرنا بها )

الا تلاحظون أنها طويلة قليلا وربما بليدة ؟ لم تكن رسالة للوداع لكنها كانت رسالة أدبية للخلود رغم البلادة ..أنه غرور الجميلات ..وهذه صفة آخري لأحبها أيضا.. لأحب فرجينيا .

وفي المرة القادمة وعندما تقرر أن تموت سنكتب معا وبحروف مختصرة وقصيرة رسالة الوداع كأن نكتب مثلا ( عزيزي أظن أن هذه الرحلة أصبحت مملة جدا وسامجة أيضا وليس فرضا عليك أن تتحملها من أجلي .. شكرا على كل ما قدمت لي وأنا وبطريقتي سأتدبر أمري والحياة لا توهب مرتين ..عش حياتك .) وقد أقترح عليها أن تكتب في نهاية الرسالة كلمة أحبك. فصديقتي فرجينا لم تكتبها في المرة السابقة.

و ربما نكتبها بطريقة أكثر شاعرية كأن نقول في رسالة الوداع : عزيزي تلك الأصوات التي كنت أسمعها غدت الآن أكثر وضوحا أنها تستعجلني لأمضي إلى الجانب الآخر من الجبل.. سامحني سأجرب المضي و ربما هناك ما يستحق .. وأعرف أنك ستغفر لي كما كنت تفعل دائما )

ونستطيع أن نكتب رسائل وداع أكثر حزنا .

لكن هذه لم تعد قضية وأنا ما عدت مهجورا ولا وحيدا.. وأنا اليوم عاشق من زمن لن يتكرر.. زمن لم يكن يفترض الخذلان كخيار إلا عبر الموت وأنا أحب فرجينيا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى