صفاء حسين العجماوي - بيت الدمى.. قصة قصيرة

أهتز بندول الساعة تسع مرات تزامنًا مع دقاتها، لتشير عقاربها تمام التاسعة ليلًا. أقبلت نحو بيت الدمى الصغير في أقصى الغرفة سارة -فتاة قصيرة ذات خمس سنوات، حنطية البشرة بنية العينين والشعر، تصفف شعرها جديلتين على جانبي رأسها كدميتها الأثيرة “مرام” التى تحملها بين ذراعيها مهدهة-. وضعت الفتاة دميتها بين صويحباتها الثلاث على الأسرة في غرفة النوم العلوية ببيت الدمي بعد أن قبلتهم، ثم قالت بحب :”تصبحن على خير يا حبيباتي. أراكن غدًا صباحًا. سأشتاق لكن”
أحكمت غلق الستائر حول بيت الدمى، ثم ركضت نحو أمها التى تنتظرها عند الباب. قبلت وجنتي أمها وأحتضنتها بحب جارف، مسلمة لها نفسها لتضعها في فراشها، ثم تطفئ أنوار الحجرة، وتقص عليها ذات القصة التى لا تمل منها “سارة ودمياتها الأربع”، ثم تقبلها وتتركها لتنام مغلقة الباب.
برحيل الأم تدب الحياة في بيت الدمى كعادة كل ليلة، تضاء أنواره، وتوقظ مرام صديقاتها الثلاث “نورا” و”ندى” و”ريماس” لتجلس معهن يتسامرن حتى الصباح، ولكن أى سمر هذا؟، أنه سمر نهاري النشاط.
على طاولة المطبخ في أقصي يمين الطابق الأرضي ببيت الدمى جلست الصديقات الأربعة يحتسين الشاي الذي أعدته ندي.
قالت ريماس بعد أن أرتشفت من فنجانها مستمتعة –دمية قصيرة سمينة بيضاء البشرة زرقاء العينين سوداء الشعر تعقصه، ترتدي فستان بلون عينيها قصير الأكمام- :”يا له من مذاق رائع”
أيدتها نورا الممسكة بقطعة من البسكويت تأكلها –دمية طويلة رفيعة سمراء البشرة والعينين، ذات شعر أسود منفوش، ترتدي جاكت بنفسجى اللون وسروال من الجينز- :”أنكِ بارعة في أعداد الشاي يا ندى. لا يمكن لاحدانا أن تعده مثلك”
بينما قالت مرام، وهى تمسك بنفجانها بأطراف أصابعها كالأميرات –دمية متوسطة الطول، متناسقة الجسم، حنطية البشرة بنية العينين والشعر، ترتدي فستان وردي اللون منفوش- :”أنه شاي أنجليزى كلاسيكي ممتاز”
ابتسمت ندى بخجل –دمية زرقاء البشرة حمراء العينين بنفسجية الشعر ترتدي زى فضائي أخضر- ثم قالت :”على الرغم من كوني فضائية ألا أنني أجيد أعداد الشاي الأرضي”
ثم ضحكن بخفة ومرح .
انتهين من الشاي ليذهبن إلى غرفة تغيير الملابس في الطابق العلوي بجوار غرفة نومهن ليرتين زيهن الرياضي. تسابقن حتى الحديقة الخلفية لبيت الدمي حيث ملاعب التنس والجولف وحمام السباحة ونحوها. أمسكت ندى ونورا بمضربي التنس، بينما أمسكت مرام وريماس بمضربي الجولف. لعب الزوجان لفترة ثم تبادلا المضارب والألعاب. ظللن هكذا حتى تملكهن التعب، فأستلقين على مقاعد الحديقة تحت المظلة، وتناولن وجبة خفيفة مع عصائر طازجة.
أنتقلت الصديقات إلى المكتبة بحجرة المعيشة لتنتقي كل منهن كتابًا تقرأه، وهي جالسة على مقعد وثير، برفقة كوب ضخم من اللبن المخفوق الممزوج بالكراميل، وموسيقى حالمة. أنهت كل منهن من القراءة، وتبادلن المناقشة حول ما وجدن بين دفتى الكتب. كانت مناقشات مثيرة قطعتها ريماس قائلة :”أكاد أموت جوعًا يا فتيات. هيا إلى المطبخ لنعد طعام الغداء”
انطلقت الفتيات إلى المطبخ حيث أرتدين زى الطبخ المميز بقبعته الطويلة، وشمرن عن سواعدهن، وبدأن أعداد طعام الغداء. أندفعت رائحة الطعام الشهي إلى أنوفهن مما زاد من تقلصات أمعائهن فأنقضضن عليه كالسنوريات الصيادة فأتين عليه في لحظات.
ضحكت ندى بقوة، ثم قالت :”يبدوا أننا تحولنا إلى وحوش كوكبكم الكاسرة، أو أننا نأكل كالأمراء بكوكبي”
أنطلقت ضحكات الفتيات بقوة حتى أن الطفلة تحركت في فراشها، فسكتن فزعات، وأسرعن إلى حجرتهن، ليستلقين على الأسرة قبل أن تطفئ ريماس ضوء بيت الدمى. ظللن في صمت للحظات أمتدت كالدهر عليهن حتى أطمئنن إلى نوم مالكتهن، فأعتدلن جالسات، وسألت نورا هامسة :”باقي على الفجر ساعة. ما رأيكن أن نستمع إلى ندى تحكي لنا عن كوكبها وعالمها؟”
أيدتها ريماس ومرام بهزات سريعة من رأسيهما. ظفرت ندى بقوة، وهي تشعر بقلة حيلتها، فهي لا يمكنها أن تخذل رفيقاتها. أخذت تقص عليهن وهن مستمتعات بحديثها ويتمنين أن يزورن عالمها حتى غلبهن النعاس، ورحن في سبات عميق.
أقتحمت أشعة الشمس الغرفة، وشملت بيت الدمى الذي أزاحت سارة عنه الستائر هاتفة :”حبيباتي أشتقت لكن هيا لنلعب سويًا بعد أن أطعمكن، فقد أنهيت فطوري منذ دقائق”

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى