الجديدُ في القديم كـسيجارة أشعلها من عقب القديمة ، فما هو الجديد فيها إن لم تكن تزداد مرارة في الفم ، هل عليّ أن أدخنها بشكل أسرع من سلفها أم ببطئ بينما تغرق هاتان العينان في ضباب التفكير ؟
تحت هذه المروحة التي لم أجرؤ على إطفائها منذ أربع سنوات كاملة من الغربة يتطاير الرماد ليرسم دوامات جديدة على الورق، لا زلتُ خائفاً من هدوءٍ لم اعتد عليه ، الهدوء إنذار الطبيعة ، صوت العدو …
إنتهت السيجارة ، وصلت للعقب ، إنقشع الضباب ، أنا خائفٌ مرة أخرى ؛ سأشعل سيجارة جديدة من عقب القديمة . لا داعِ للقلق ؛ العلبة في عِزّها ، ممتلئةٌ إلا حلمي يقظة ، أنهي دراستي ، أعود لموطني ، لحضن والديّ ، لكتبي القديمة ، في البيت نسيتُ كتاباً مفتوحاً على الطاولة لم أنهه بعد ، ربما أنهي فصلاُ في الليلة الثانية – إن توفرت الكهرباء أو حتى مئتي ملمتر من الكاز الأبيض للقنديل- ربما أتحمل ليليتين أو ثلاث ، في الرابعة سأشعل سيجارة و أفكر في الرحيل مجدداً …
في الضباب الأبيض كل ضائعٍ يعود ، كل لونٍ باهتٍ يزهو من جديد ، كل سرٍ غارقٍ يطفو ، كل سفينةٍ تَعبةٍ ترسو، كل حالمٍ في الضباب يكمل الطريق .
من هنا من البعيد أفكر في البعيد ، في حلم الشهيد ، في أبن أخ القعيد ، في أخ المريض ، في البيت الحزين ، في المولود الجديد على أي اسم من أسماء الموت أُسميه إن كان يولد يتيما ، و يُربى في القفص الكبير ، و يسمن ككبشٍ سيغدو سمينا ، يذبحونه للوطن شهيداً أو قتيلاً أو خائنا عميلاً ؟ أو هاربا غريقاً في البحر الشقيق ؟
شاهداً شهيداً ، قاتلاً مقتولاً ، عاملاً عميلاً ، هارباً مشرداً ، حياً و ميتاً !!
فاعلاً فعيلاً !!
ماذا أُسميه إن كانت كل أسمائه مفعولاً به ، منصوباً عليه ..؟َ!
في الضباب الأبيض كل حالمٍ مسروقٌ حُلمهُ يبكي وحيداً .
لا داعِ للقلق ؛ العلبة في نصفها ، باقٍ على الحلم الكثير ، في البعيد حتى سعر السجائر ليس بالرخيص ، كنا نتقاسم السيجارة على خمسة حالمين ، واحدةٌ في الصباح تملؤنا بأحلام العصافير ، و واحدةٌ ظهراً تُعادل صُدورنا و لو قليلاً برائحة زيت الطبيخ المنبعث من عوادم السيارات ، صدق أو لا تصدق ، كنا نبتاعه مُستخدماً لنبقى راكبي سيارات لا حمير ! في ذاك الوقت فاقتنا الحمير مكانةً ، و عربد أصحابها ، أرتفع سعر الشعير ، أصبحنا نتشارك العربة كما السيجارة على خمسٍ كل خميس .
لا بأس الآن ؛ العلبة في الثلث الأخير، ستكفي هذا الحلم السريع ، هذا الكابوس القريب .
من المفترض بعد شهر و نصف أن ينتهي الحلم الأول ، تماماً كما كان يجب على أن أكتفي بالسيجارة الأولى ، لا أن أشعل سيجارة جديدة من عقب القديمة ، ما الذي يفرق حُلماً عن الآخر ؟ أنكَ تستيقظ فيما بينهما ! تنهض و تصعد إلى واحدٍ ، تحققه ؛ فتحلم بآخر !
في غزة يجب ألا تستيقظ ، إن نمت فاجأتك غارة جوية ، إن استيقظت أنتَ ميت ، أنتَ مجرد اسمٍ في وزراتي داخلية ، من حقك جواز سفرٍ يسلخون طوابع إصداره من جلد جبينك ، يمنحوك إياه عِيّرة ، تطبع منه نسخاً تُرسلها هنا و هناك ، يرفضونه ؛ لا يحبون ختم الصقر عليه ، و حين يَقبلون بك خادماً في بعيد البعيد ، تُصبح عزيزاً على البلاد ، خسارةً لا تحتملها ؛ فيمنعونك ، عُد ، نحن نخاف عليك ، نحن أكرم الناس عليك ، يمطرونك بشعارات الحب و الوطنية ، كيف يقبلون بخسارتك ، من سيحكمون حينها ، من سيقتلون ، على من سَيُنصِبون أنفسهم قادة و منتصرين ، لمن سيلبثون أحذية الثوار و ياقات السياسيين المُحنكين ؟
بقيت سيجارة واحدة ، فكّر ، في الضباب الأبيض كل ضائعٍ يعود ، كل لونٍ باهتٍ يزهو من جديد ، كل سرٍ غارقٍ يطفو ، كل سفينةٍ مُتعبةٍ ترسو ، إن كنتَ بعيداً فكّر هل تعود إليها من جديد ، إن كنتَ قريباً فكّر هل تتركها و تركض دونها وحيد ؟
كل حالمٍ في الضباب يُكمل الطريق … عشرون سيجارة لا تكفِ الحالم الحزين .
تحت هذه المروحة التي لم أجرؤ على إطفائها منذ أربع سنوات كاملة من الغربة يتطاير الرماد ليرسم دوامات جديدة على الورق، لا زلتُ خائفاً من هدوءٍ لم اعتد عليه ، الهدوء إنذار الطبيعة ، صوت العدو …
إنتهت السيجارة ، وصلت للعقب ، إنقشع الضباب ، أنا خائفٌ مرة أخرى ؛ سأشعل سيجارة جديدة من عقب القديمة . لا داعِ للقلق ؛ العلبة في عِزّها ، ممتلئةٌ إلا حلمي يقظة ، أنهي دراستي ، أعود لموطني ، لحضن والديّ ، لكتبي القديمة ، في البيت نسيتُ كتاباً مفتوحاً على الطاولة لم أنهه بعد ، ربما أنهي فصلاُ في الليلة الثانية – إن توفرت الكهرباء أو حتى مئتي ملمتر من الكاز الأبيض للقنديل- ربما أتحمل ليليتين أو ثلاث ، في الرابعة سأشعل سيجارة و أفكر في الرحيل مجدداً …
في الضباب الأبيض كل ضائعٍ يعود ، كل لونٍ باهتٍ يزهو من جديد ، كل سرٍ غارقٍ يطفو ، كل سفينةٍ تَعبةٍ ترسو، كل حالمٍ في الضباب يكمل الطريق .
من هنا من البعيد أفكر في البعيد ، في حلم الشهيد ، في أبن أخ القعيد ، في أخ المريض ، في البيت الحزين ، في المولود الجديد على أي اسم من أسماء الموت أُسميه إن كان يولد يتيما ، و يُربى في القفص الكبير ، و يسمن ككبشٍ سيغدو سمينا ، يذبحونه للوطن شهيداً أو قتيلاً أو خائنا عميلاً ؟ أو هاربا غريقاً في البحر الشقيق ؟
شاهداً شهيداً ، قاتلاً مقتولاً ، عاملاً عميلاً ، هارباً مشرداً ، حياً و ميتاً !!
فاعلاً فعيلاً !!
ماذا أُسميه إن كانت كل أسمائه مفعولاً به ، منصوباً عليه ..؟َ!
في الضباب الأبيض كل حالمٍ مسروقٌ حُلمهُ يبكي وحيداً .
لا داعِ للقلق ؛ العلبة في نصفها ، باقٍ على الحلم الكثير ، في البعيد حتى سعر السجائر ليس بالرخيص ، كنا نتقاسم السيجارة على خمسة حالمين ، واحدةٌ في الصباح تملؤنا بأحلام العصافير ، و واحدةٌ ظهراً تُعادل صُدورنا و لو قليلاً برائحة زيت الطبيخ المنبعث من عوادم السيارات ، صدق أو لا تصدق ، كنا نبتاعه مُستخدماً لنبقى راكبي سيارات لا حمير ! في ذاك الوقت فاقتنا الحمير مكانةً ، و عربد أصحابها ، أرتفع سعر الشعير ، أصبحنا نتشارك العربة كما السيجارة على خمسٍ كل خميس .
لا بأس الآن ؛ العلبة في الثلث الأخير، ستكفي هذا الحلم السريع ، هذا الكابوس القريب .
من المفترض بعد شهر و نصف أن ينتهي الحلم الأول ، تماماً كما كان يجب على أن أكتفي بالسيجارة الأولى ، لا أن أشعل سيجارة جديدة من عقب القديمة ، ما الذي يفرق حُلماً عن الآخر ؟ أنكَ تستيقظ فيما بينهما ! تنهض و تصعد إلى واحدٍ ، تحققه ؛ فتحلم بآخر !
في غزة يجب ألا تستيقظ ، إن نمت فاجأتك غارة جوية ، إن استيقظت أنتَ ميت ، أنتَ مجرد اسمٍ في وزراتي داخلية ، من حقك جواز سفرٍ يسلخون طوابع إصداره من جلد جبينك ، يمنحوك إياه عِيّرة ، تطبع منه نسخاً تُرسلها هنا و هناك ، يرفضونه ؛ لا يحبون ختم الصقر عليه ، و حين يَقبلون بك خادماً في بعيد البعيد ، تُصبح عزيزاً على البلاد ، خسارةً لا تحتملها ؛ فيمنعونك ، عُد ، نحن نخاف عليك ، نحن أكرم الناس عليك ، يمطرونك بشعارات الحب و الوطنية ، كيف يقبلون بخسارتك ، من سيحكمون حينها ، من سيقتلون ، على من سَيُنصِبون أنفسهم قادة و منتصرين ، لمن سيلبثون أحذية الثوار و ياقات السياسيين المُحنكين ؟
بقيت سيجارة واحدة ، فكّر ، في الضباب الأبيض كل ضائعٍ يعود ، كل لونٍ باهتٍ يزهو من جديد ، كل سرٍ غارقٍ يطفو ، كل سفينةٍ مُتعبةٍ ترسو ، إن كنتَ بعيداً فكّر هل تعود إليها من جديد ، إن كنتَ قريباً فكّر هل تتركها و تركض دونها وحيد ؟
كل حالمٍ في الضباب يُكمل الطريق … عشرون سيجارة لا تكفِ الحالم الحزين .
